استقالة رئيسها واعتقال أحد أعضائها.. ما مصير لجنة إزالة التمكين بالسودان؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مقطع مصور نشر في 7 فبراير/شباط 2021 على مواقع التواصل الاجتماعي، توعد خلاله سكرتير "لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال" بالسودان عروة الصادق، رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بالحبس في سجن كوبر (بجوار الرئيس المعزول عمر البشير)، وإسقاط النائب العام تاج السر علي.

تصريحات الصادق، القيادي بحزب الأمة القومي، أحدثت دويا واسعا في السودان، ودفعت البرهان للتقدم ببلاغ ضد الصادق أمام نيابة جرائم المعلومات، بناء على ما اعتبره تحريضا بحقه.

فيما كتب الصادق في 11 فبراير/شباط 2021، عبر تويتر، مستنكرا تلك الإجراءات: "خرجت للتو من نيابة المعلوماتية بالضمانة من بلاغ في مواجهتي من السيد البرهان بالرقم 207 لسنة 2021 تحت المواد 24 و25 و26 جرائم المعلوماتية.. شكرا مؤسساتنا التي تعمل بهمة وسرعة في قضايا أولى بها دماء من أتوا بتلك المؤسسات".

قبلها، وفي 6 فبراير/شباط 2021، اعتقلت قوات الأمن صلاح مناع مساعد رئيس حزب الأمة، وعضو "لجنة إزالة التمكين"، وفق بيان للجنة نشرته وسائل إعلام محلية.

واستنكرت اللجنة، مع "قوى الحرية والتغيير"، اعتقال مناع، واعتبرته مؤشرا خطيرا، وله دلالات على وجود أذرع نافذة للنظام السابق، ما زالت مستمرة داخل الأجهزة الأمنية.

اعتقال مناع جاء على خلفية حديثه في مقطع مصور 31 يناير/كانون الثاني 2021، على "يوتيوب"، ذكر فيه أن "النائب العام أطلق سراح حرم البشير (وداد) بتوصية من البرهان وحميدتي، متجاوزا بذلك سلطاته الدستورية ومتدخلا في أعمال النيابة العامة ضاربا باستقلاليتها عرض الحائط".

وهو ما دعا البرهان، لتقديم بلاغ ضد مناع، لدى النائب العام، بتهمة نشر أخبار كاذبة، وإشانة السمعة، وإثارة الشعور بالتذمر بين القوات النظامية والتحريض على ارتكاب ما يخل النظام.

تخبط وتوتر

تخبط كبير تعاني منه "لجنة إزالة التمكين"، وهو ما دفع رئيسها الفريق ياسر العطا، للاستقالة بشكل مفاجئ، في 5 فبراير/ شباط 2021، قائلا: "أسباب الاستقالة تقوم على أن عمل اللجنة تنفيذي، وقبلت به لهشاشة وضع الثورة، ولترسيخ الشراكة في ذلك الوقت".

وأضاف: "هناك انتقاد مستمر من كافة مستويات الحكم ومعظم مكونات الحاضنة السياسية لقانون ونهج عمل اللجنة، فضلاً عن عدم مباشرة لجنة الاستئنافات عملها، ما عطل عملنا وأعاق دورة العدالة، أيضا من الأسباب التهاتر المستمر بيننا وبقية أجهزة ومؤسسات الدولة، وفي وسائل الإعلام".

وأورد: "فضلا عن إنشاء قانون لمفوضية الفساد بنفس صلاحيات قانون اللجنة، ويكون أعلى منها وسيُعين مفوض، وهذا سيؤدي لخلل في التراتبية البروتوكولية".

رئيس الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك، انتهز الخلاف القائم بين القوى المدنية والمكون العسكري حول لجنة إزالة التمكين، وأصدر قرارا مثيرا للجدل في 9 فبراير/ شباط 2021.

القرار يقضي بإنشاء "شركة السودان القابضة لاستلام وإدارة الأموال والأصول المستردة"، التي تؤول ملكيتها لصالح الحكومة بموجب قرارات لجنة تفكيك نظام عمر البشير واسترداد الأموال العامة وتكوين مجلس إدارة لها.

الحصاد المر

عندما بدأت لجنة إزالة التمكين عملها في ديسمبر/ كانون الأول 2019، تحت رئاسة الفريق ركن ياسر العطا، وأعضاء "قوى الحرية والتغيير"، رفعت شعار "تفكيك آثار النظام المحلول".

أنهت اللجنة عمل (109) من السفراء والدبلوماسيين والوزراء والمفوضين والإداريين بوزارة الخارجية، كما أنهت خدمة (651) من العاملين بعدد من المؤسسات المختلفة و(98) مستشارا قانونيا بوزارة العدل والأمانة العامة لمجلس السيادة والصندوق القومي للتأمين الصحي والمجلس القومي للسكان ومفوضية الأراضي والوحدات التابعة لمجلس الوزراء.

قامت اللجنة بحل مجالس إدارات بنوك "المركزي" و"العمال" و"الثروة الحيوانية" و"البلد" و"الأسرة" و"الادخار"، كما أوصت بإعفاء مديري عدد من البنوك، كما تم حل مفوضية تسجيل هيئات الشباب والرياضة بولاية الخرطوم، وحل منظمة (تلاويت) ومنظمة (جسور) للتواصل.

وبدعوى الانتماء إلى الإخوان، أنهت اللجنة بشكل فوري في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2020، خدمة 209 مستشارين قانونيين بوزارة العدل و30 سفيرا، وشمل القرار طرد 41 موظفا من مفوضية الاستثمار وهيئة الإذاعة ومؤسسات أخرى.

وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، استنكر عدد من المنتجين بالنيل الأزرق قرار لجنة التمكين لحجزها أرصدة عدد 48 من كبار المزارعين، واصفين القرار بالظالم والجائر.

المتضررون قالوا لصحيفة "الراكوبة" المحلية: "الموسم هو موسم إنتاج، وفي هذا التوقيت تحجز اللجنة على أرصدة المنتجين، وكان لها أن تراعي في اتخاذ قراراتها مصلحة الدولة والمواطن معا".

وفي 5 فبراير/ شباط 2021، كشف مصدر أمني لصحيفة "القدس العربي" اللندنية،  أن "هناك جهة تمسك بجميع الخيوط في الخرطوم، وربما تكون موجودة داخل لجنة التمكين نفسها".

مضيفا: "كان هذا ظاهرا في صدور قرارات من اللجنة ضد رموز حزب المؤتمر الوطني (حزب البشير الذي حكم السودان من 1989 وحتى 2019)، في قضايا فساد ليخرج أنصاره في مظاهرات قبلية في 3 ولايات بنفس التوقيت".

وتابع: "ثم جاء الكشف عن حديث مناع في أحد المقاطع المصورة لتقع القوات المسلحة في خانة رد الفعل تجاه عضو اللجنة الذي أخطا خطأ لا يغتفر في حق قائد المؤسسة العسكرية، للأسف هم خربوا بيتهم في لجنة التفكيك بأيديهم واستعدوا الجميع".

اصطدام المكونات

في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أصدر البرهان، قرارًا بتشكيل لجنة إزالة "التمكين" لنظام البشير المعزول، ومحاربة الفساد واسترداد الأموال.

وسمى القرار، عضو المجلس السيادي ياسر العطا، رئيسا للجنة، ومتحدثا بإسمها، ومحمد الفكي سليمان نائبا له، ووزير شؤون مجلس الوزراء عمر مانيس، مقررا.

وضمت اللجنة، أعضاء من وزارات الدفاع والداخلية والعدل والحكم الاتحادي والمالية، بجانب جهاز المخابرات العامة، وقوات الدعم السريع، والبنك المركزي، وديوان المراجعة القومي، وقوى الحرية والتغيير.

ما أثار حدة الخلاف داخل مكونات اللجنة بشقيها المدني والعسكري، وبرهن على تجاوز العسكريين لسياسة اللجنة، ما حدث يوم 2 فبراير/ شباط 2021، من لقاء بين نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ورئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله آل محمود، في العاصمة القطرية الدوحة.

المنظمة قالت إن الشيخ "آل محمود" سلم مذكرة رسمية إلى "حميدتي" تطالب الحكومة بحماية أوقاف ومؤسسات وأصول المنظمة من كل التعديات لحين عودة المنظمة أو السماح لها بنقل أوقافها إلى خارج السودان.

كانت لجنة إزالة التمكين قد أصدرت قرارها يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بحل "منظمة الدعوة الإسلامية"، وحجز واسترداد جميع أموال وأصول المنظمة، داخل السودان وخارجه، في ضربة اعتبرت موجهة من اليساريين إلى المنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية في السودان.

وأحدث هذا القرار غضبا واسعا لدى الأوساط العامة، في خضم إلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، التي تم تجميد أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها، على يد أجهزة حكومة حمدوك.

صحيفة "الراكوبة" المحلية ربطت في تقرير لها يوم 5 فبراير/ شباط 2021، بين خبر استقالة الفريق ياسر العطا، وعودة حميدتي من الدوحة، وتساءلت "لماذا قدم ياسر استقالته تحديدا بعد عودة حميدتي من الدوحة ولقائه بأعضاء منظمة الدعوة، حيث وعدهم خيرا باعادة النظر في قرارات "لجنة إزالة التمكين".

لجنة انتقامية 

الداعية الإسلامي معاوية الراشدي، الموظف السابق بمنظمة الدعوة قال لـ"الاستقلال": "الهدف من لجنة إزالة التمكين كان واضحا منذ البداية، وهو حل المنظمات الإسلامية والجمعيات الخيرية، ومطاردة الرموز الإسلامية، وتصفية مؤسسات الدولة من كل شخصية لها انتماء ديني، بغض النظر عن موقعها من النظام السابق".

وشدد الراشدي: أنه "كان شاهدا على فصل أشخاص لم يكن لهم أي انتماء لحزب المؤتمر الوطني، ولم يكونوا مسيسين بالمرة، لمجرد أنهم يحملون الفكرة الإسلامي، المنافي لتطلعات العلمانيين والشيوعيين وأصحاب المذاهب الدخيلة على هوية المجتمع الإسلامية".

وأضاف: "إزالة التمكين إنما هي لجنة انتقامية، ليست معبرة عن الشعب، ولم تأت بانتخابات، وبالأساس كل مكونات حكومة حمدوك لا تسعى إلى إجراء انتخابات قبل أن تجرف الدولة من مقوماتها الشعبية".

وتابع: "ثم يقيمون محفلا انتخابيا تحت آلة القمع والاستبداد، تكون نتائجه مضمونة بالنسبة إليهم، وما من شرعية يستمد منها اليسار وتجمع المهنيين أعماله، إلا الصفقات والعنف، ولا تعنيهم أصوات الشعب ورؤيته". 

وذكر: "قد رأينا الأيام الماضية سعي الحكومة التي من المفترض أنها مدنية، تواجه المظاهرات في سنار وكردفان والقضارف بحملة اعتقالات تعسفية، وقاموا كذلك بمنع العديد من أئمة المساجد من أداء الشعائر وممارسة وظائفهم، بالإضافة إلى فصل المئات منهم، وهو ما أحدث سخط في الشارع ضد حمدوك وحكومته ولجانه، فما هو الفرق بينها وبين النظام السابق إذا؟".

الداعية الإسلامي أكد أن السودان دولة أكبر من أي فصيل أو اتجاه، ويعاني من أزمات أعمق من التطلعات السياسية والفكرية، والذي أسقط البشير هو رغيف الخبز وضيق ذات اليد للمواطن، وليس المنهج الإسلامي الذي ادعى الانتماء إليه.

وختم كلامه بالقول: "والآن حكومة حمدوك تواجه نفس المصير، بعد فشلها على جميع المستويات التنفيذية والإدارية والاقتصادية، بالإضافة إلى سقوطها في عار التطبيع، وأنا أرى أنها سوف تسقط على يد الشعب عاجلا أو آجلا، وسيدفع الذين استبدوا بالأمر نفس ثمن النظام السابق، سواء لجنة التمكين أو لجان المقاومة الشعبية".