الجولة الخامسة فشلت.. لماذا يتعمد النظام السوري تعطيل اللجنة الدستورية؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فشل آخر يضاف إلى الجولات السابقة لمحادثات اللجنة الدستورية السورية، إثر انتهاء الجولة الخامسة منها دون تحقيق أي تقدم أو التوصل إلى توافقات تذكر، رغم الأفكار والأطروحات والنقاشات التي جرت على مدى 5 أيام متواصلة.

في سبتمبر/أيلول 2019، تشكلت المجموعة المصغرة من اللجنة الدستورية من 45 عضوا، يمثلون النظام والمعارضة والمجتمع المدني السوري بالتساوي، وكلفت المجموعة بمراجعة دستور 2012، وعقدت أولى اجتماعاتها في أكتوبر/تشرين الأول 2019 في جنيف، بحضور 150 شخصا.

إحباط أممي

المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، حاول دفع المفاوضات قدما، من خلال جولات مكوكية أجراها بين موسكو وطهران وأنقرة والقاهرة قبل بدء الجولة الخامسة في جنيف، بيد أن مساعيه لم تسفر عن نتيجة، الأمر الذي وصفه بأنه "مخيّب للآمال".

وخلال تصريحات صحفية، في 29 يناير/ كانون الثاني 2021 قال بيدرسون، إنه أبلغ أعضاء اللجنة الدستورية أن هذه الجولة كانت مخيّبة للآمال، وأن وفد النظام رفض المقترحات التي قدّمها المبعوث الأممي للجنة.

وفي الوقت الذي أعلن فيه بيدرسون عدم تحديد موعد للجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة، قال إنه سيزور العاصمة دمشق، كما سيلتقي بمسؤولين روس وإيرانيين للمضي في المفاوضات.

وأوضح بيدرسون أنه ينبغي وضع "آلية" تسمح للأطراف بتحديد نقاط التوافق والاختلاف، بهدف العمل على مراجعة الدستور. وأشار إلى أن المقاربة الحالية "غير ناجحة"، مضيفا "لا يمكن لنا أن نستمر بالاجتماع ما لم نُغيّر ذلك".

من جهته، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة في نيويورك، ستيفان دوجاريك، إن "إحباط بيدرسون واضح" من خلال تصريحه.

مماطلة الأسد

واتهمت أطراف المعارضة نظام الأسد بالمماطلة، إذ تحدث هادي البحرة الرئيس المشترك للجنة عن وفد المعارضة خلال مؤتمره الصحفي في 29 يناير/ كانون الثاني 2021، عن محاولات التعطيل التي اتبعها وفد النظام، مستعرضا جملة من المبادئ الدستورية التي طرحها أثناء المحادثات، ولم تلق أي تجاوب.

وأكد البحرة أن "إطالة أمد اللجنة لأسباب واهية أمر لا يمكن القبول به"، مطالبا بوضع جدول زمني محدد لإنجاز اللجنة لمهمتها بشكل كامل، وقال: "المماطلة في عمل اللجنة لإنجاز مهامها يؤدي إلى إطالة أمد معاناة أهلنا في سوريا".

البحرة شدد على أن "الكرة الآن في الملعب الدولي، بيد الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص بيدرسون، لإطلاع مجلس الأمن على واقع عمل اللجنة، ونتطلع من مجموعة دول أستانة الداعمة للعملية الدستورية، تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 في إطار الأمم المتحدة في الاجتماع القادم".

وأضاف العبدة عبر سلسلة تغريدات على "تويتر" في 29 يناير/ كانون الثاني 2021: "من غير المقبول عدم ذكر الأمم المتحدة حقيقة أن النظام هو المُعطّل للمسار السياسي، ومن غير المقبول أن يبقى المجتمع الدولي متّخذاً دور المشاهد السلبي وشاهد الزور".

وتابع: "لا يمكن أن تستمر العملية السياسية وفق هذه المعطيات السلبية، هذا المشهد بشكله الحالي لا يُمثل تطلعات السوريين وثورتهم وتضحياتهم. تطلعاتنا كسوريين هي نحو مرحلة انتقالية لا وجود للأسد فيها، تلك هي بداية الحلّ، ودونها سيكون الوقت عدو السوريين وليس حليفهم". 

من جهته، تساءل الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، جورج صبرة في 30 يناير/ كانون الثاني 2021، قائلا: "إذا كانت نتائج الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف مخيبة للأمل كما يقول الوسيط الأممي غير بيدرسون. فماذا يمكن أن يقال عن نتائج الاجتماعات الأربعة السابقة إذن؟".

دوافع النظام

تفسيرات المحللين تباينت بخصوص فشل جولات اللجنة الدستورية، وأسباب نظام الأسد في المماطلة، فمثلا أبدى المحلل السياسي السوري الدكتور محمد نجار، أنه كان يتوقع جدا فشل المحادثات.

وقال نجار في حديث لـ"الاستقلال": "لا يوجد تقدم عملي ملموس من جميع محادثات أستانة، وكذلك اللجنة الدستورية التي انفرط عقدها تقريبا لوجود خلافات كبيرة بين أعضائها وتراشق بالاتهامات واستقالات بالجملة".

من ناحية أخرى، يرى نجار، أن النظام لن يقدم أي تنازلات، مضيفا: "هو لم يقدم سابقا حتى يقدم لاحقا، فهو لديه ارتباطاته الدولية وعنده استقراء أكثر واقعية من اللجنة الدستورية، كون لديه حلفاء أقوياء يعتمد عليهم".

وأكد نجار أن النظام "سيراوغ ويستمر باللعب على عامل الوقت، فهو يقدم دائما الأعذار والحجج، خاصة فيما يتعلق بالسيادة ووجود احتلالات، رغم أن الأخيرة هي من منعت سقوطه".

ولفت الخبير السوري إلى أن "النظام أيضا له مأرب مهم، فهو يريد أن يتلمس طبيعة السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة بايدن، المتعلقة بالملف السوري، خاصة أن معلومات تشير بأن المعنيين الآن بالملف هم من أنصار التقارب مع إيران وإعادة المياه إلى مجاريها مع النظام السوري".

وأشار إلى أن استقراء النظام للواقع نابع من معرفته بأن المجتمع الدولي لن يأبه بعذابات الشعب السوري، ولن يتدخل إلا حين تنتهي الأدوار الموكلة إلى بشار الأسد وغيره، لافتا إلى أن سياسة أميركا لم تتغير، لأن بايدن هو امتداد لعهد أوباما، وأن كل الكوارث التي حصلت في سوريا كانت بسبب سياسة الأخير.

وأردف: "الموقف الأميركي سيكون حاسما، فجميع الأطراف تنتظر رؤية إدارة البيت الأبيض الجديدة تجاه سوريا، ويبدو أن بايدن مهتم بالشأن السوري وتحدث بذلك صراحة، لكننا لسنا متفائلين بسياسته حيال سوريا".

وبرأي نجار، فإن "النظام السوري يحاول تأجيل تحقيق أي إنجاز في موضوع اللجنة الدستورية إلى أن يقضم ما تبقى من المدن- كما حصل سابقا في مناطق خفض التصعيد- رغم كل الاتفاقات والتفاهمات التي جرت خاصة بين تركيا وروسيا".

من جهته، قال الباحث في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات"، رضوان زيادة، عبر "تويتر" في 29 يناير/ كانون الثاني 2021: "الرد الأفضل على إفشال الأسد اللجنة الدستورية على مدى عام هو أن يحل الائتلاف الوطني كل الأجسام الغربية التي تشكلت من أجل المفاوضات مع الأسد وسمحت بإدخال منصات إقليمية لا تملك قرارها".

ودعا زيادة إلى ضرورة "حل هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية ويعود الائتلاف كجسم وحيد ممثل للمعارضة بعد إعادة تشكيله". وأضاف: "لا أدري إلى متى تستمر هذه المهزلة التي يطلق عليها اللجنة الدستورية؟ والمهزلة الأكبر في فروع المعارضة التي انقسمت بين الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية".

وفي 30 يناير/ كانون الثاني 2021، أعلن عضو اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة عوض العلي، استقالته من اللجنة، واصفا العملية التفاوضية حول الدستور بالعبثية.

وقال العلي في تسجيل مصور نشرته وسائل إعلام سورية معارضة، إن عملية التفاوض التي شهدت جنيف جولتها الخامسة، "عبثية ولا فائدة ترجى منها سوى أننا نعطي انطباعا أن هناك عملية سياسية والنظام متفاعل معها، الحقيقة غير ذلك".

وتتهم الولايات المتحدة ودول غربية، بشار الأسد، بتعمد تأخير صياغة دستور جديد لإضاعة الوقت لحين إجراء انتخابات رئاسية في أبريل/ نيسان 2021، وتجنب التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة على النحو الذي دعا إليه مجلس الأمن الدولي.

وفي عام 2019، قال رئيس النظام السوري لوسائل إعلام روسية إن "مطالب اللجنة الدستورية تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها"، وأنه يرفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سوريا وأمنها.

وخلال حواره مع وكالة "سبوتنيك" الروسية، في أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، وصف الأسد محادثات اللجنة في جنيف بأنها "لعبة سياسية"، وأنها ليس ما يركز عليه عموم السوريين.

وزعم بشار أن "الشعب السوري، لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه، واهتمامات الشعب السوري تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي تنفيذها، والسياسات التي يحتاج تغييرها لضمان تلبية احتياجاته".