ضربات إسرائيل بسوريا.. ما علاقتها بالصراع الخفي بين إيران وروسيا؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن هجمات إسرائيل المتكررة على الأراضي السورية هي التي أجبرت مليشيات "أبو الفضل العباس" الموالية لإيران على إخلاء معقلها الرئيس شرقي دير الزور.

هجوم وصف بأنه "استثنائي" شنته طائرات إسرائيلية في 13 يناير/ كانون الثاني 2021، استهدف مخازن أسلحة ومواقع عسكرية في مدينة دير الزور وبادية البوكمال، قتل فيه ما لا يقل عن 7 عسكريين سوريين و16 من فصائل موالية لإيران.

وتحتل مدينة "البوكمال" موقعا إستراتيجيا بالنسبة لإيران، إذ تسيطر المليشيات المدعومة منها على البادية وشرق دير الزور بشكل أساسي، والتي تُعد طريقا لها من إيران عبر العراق إلى سوريا، لكنها تتعرض بين الحين والآخر إلى قصف أميركي وإسرائيلي.

تحركات المليشيات الموالية لإيران، أثارت تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء الانتقال إلى أماكن قريبة من القوات الروسية، وإلى أي مدى يمكن أن تسهل الضربات الإسرائيلية على الأخيرة التمدد في مناطق نفوذ الإيرانيين، ولا سيما في محافظة دير الزور.

احتماء بالروس

في 17 يناير/ كانون الثاني 2021، كشفت مواقع سورية معارضة، أن "مليشيات أبو الفضل العباس" في دير الزور يقودها المدعو، عدنان عباس السعود الوهيب، المعروف بـ"الزوزو".

وأفادت بأن المليشيا أكملت نقل محتويات المقر من أسلحة وذخائر وصواريخ إلى بيوت المدنيين التي استولت عليها سابقا داخل مدينة الميادين، وافتتحت مقرا جديدا لها بمنطقة المزارع أو الفيلات كما تعرف، وبالتحديد بالقرب من مشروع المياه على طريق الحمدانية المحاذي لنهر الفرات.

ولفتت المواقع إلى أن المليشيا بدأت منذ مدة بحفر خنادق وتحصينات بالمقر الجديد، والذي اختارته لقربه من المربع الأمني الروسي في مشروع المياه، وشعور المليشيا أن المنطقة آمنة من غارات الطيران الإسرائيلي وطيران التحالف الدولي كونها لم ولن تستهدف بالغارات الجوية.

ومن جهة أخرى، تفيد المواقع السورية، بأن الهدف الآخر من اتخاذ المليشيا الموالية لإيران، مقرات لها بالقرب من الوجود الروسي، هو التجسس على المقرات الروسية ومراقبة تحركاتها.

وأشارت إلى أن قيادات إيرانية تتخذ من منازل المدنيين التي استولوا عليها أماكن للمبيت للاحتماء من الغارات الجوية المحتملة، ومنهم: مسئول الحرس الثوري بالميادين وقائد مربع حي التمو الأمني، المعروف بـ"الحاج حسين"، والمدرب العسكري للحرس الثوري بالمدينة، الملقب بـ"الحاج مرتضى".

ويعد مقر "كازية القمة" الواقع على طريق محكان بمدخل مدينة الميادين، المعقل الرئيس لمليشيا "أبو الفضل العباس"، وأحد المواقع التي تعقد بها المليشيات الإيرانية اجتماعاتها.

ورأى العميد الركن أحمد رحال خلال تغريدة على "تويتر" في 23 يناير/ كانون الثاني 2021، أن السبب وراء إعادة انتشار مليشيا "أبو الفضل العباس" ونقل مقراتها إلى مقربة من القوات الروسية في ديرالزور، يعود إلى تفادي ضربات التحالف وضربات الطيران الإسرائيلي. وتساءل: "هو تنسيق مع الروس أم طلب الفزعة (النجدة)؟".

أطراف مستفيدة

وبخصوص الجهات التي من الممكن أن تستغل انحسار النفوذ الإيراني جراء الضربات الإسرائيلية المتواصلة، لم يستبعد المحلل السوري أحمد كامل في حديث لـ"الاستقلال" استفادة الجانب الروسي والتمدد في هذه المناطق.

وقال كامل: "المستفيد الأول من الضربات الإسرائيلية هي التنظيمات والمليشيات الكردية، وتحديدا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والمستفيد المحتمل الآخر ربما يكون الروس والنظام السوري".

ولفت إلى أن "الشعب السوري يفرح بهذه الغارات كون العدو الإسرائيلي يضرب العدو الإيراني، في الوقت الذي لا تتحقق أي فائدة مباشرة للشعب من هذه الضربات المستمرة".

 ووصف كامل الضربات الإسرائيلية بأنها "ألاعيب" ما بين الأطراف التي تحتل سوريا في الوقت الحالي، وهي: إسرائيل، روسيا، إيران، والولايات المتحدة الأميركية، وكذلك حزب العمال الكردستاني "بي كاكا" وفروعه من المليشيات الكردية في سوريا.

وفي السياق ذاته، أفادت تقارير صحفية في 14 يناير/ كانون الثاني 2021، بأن إسرائيل تحاول بالضربات لفت انتباه روسيا إلى إخلال إيران بالتفاهمات الإسرائيلية الروسية التي تمنع وجودها في المنطقة الحدودية السورية الإسرائيلية، ودعم النظام السوري لها.

ووفق التقارير "ربما تسعى إسرائيل أيضا إلى توسيع الخلافات بين روسيا وإيران، التي بدأت في الظهور تدريجيا بعد تغير توازنات القوى على الساحة السورية لصالح النظام، حيث تبذل روسيا جهودا حثيثة لتكريس نفوذها داخل سوريا وتعزيز دورها باعتبارها الطرف الرئيس الذي يمتلك القدرة على إعادة توجيه مسارات الأزمة، بشكل لا يتوافق مع مصالح وحسابات إيران، وحلفائها".

ووفقا لمراقبين، فإن تل أبيب تخشى أن يكون الطريق البري الذي تسيطر عليه إيران في مناطق وجودها بين سوريا والعراق، ممرا لنقل صواريخ تهددها أو يجري استخدامه من جماعات تستهدف تل أبيب.

تنافس محموم

ورغم التحالف الظاهر بين الروس والإيرانيين في سوريا، إلا أن مناطق عدة تشهد تنافسا محموما للاستحواذ وبسط السيطرة عليها، حيث ما زالت روسيا تدفع بتشكيلاتها العسكرية شرقي سوريا، التي تخضع للسيطرة الإيرانية الكاملة، لا سيما في ريف دير الزور.

وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 2020 ذكرت مواقع سورية معارضة، أن مناطق دير الزور شهدت وصول تعزيزات عسكرية للنظام السوري، مدعومة من قوات روسية، إذ رافق الأرتال من "الفيلق الخامس" و"لواء القدس" والحرس الجمهوري، عدد من الضباط الروس، ومجموعات حماية من الشرطة العسكرية الروسية.

وبدت التحركات العسكرية كأنها مقدمة لعمليات انتشار واسعة، هي الأولى من نوعها في المنطقة التي تهيمن فيها المليشيات الإيرانية بشكل شبه كامل، إذ تضمنت الخطوات الأولى لعمليات الانتشار، إنشاء مقر عسكري للقوات الروسية في منطقة البوكمال القريبة من الحدود العراقية - السورية.

وذكرت المواقع المعارضة أنه جرى تحويل الفندق السياحي في المنطقة كمركز قيادة، والملعب البلدي الملاصق للفندق سيكون غالبا مكانا لتجمع الآليات العسكرية، والمكاتب الخدمية التي تعنى بشؤون عناصر الميلشيات الروسية التي ستنتشر في المنطقة الإستراتيجية.

وأشارت إلى أن قسما من التعزيزات الواصلة حديثا، توزع بين حقول النفط في ريف البوكمال الغربي، وعلى نقاط أخرى في بوادي الصالحية والدوير والعباس والجلاء المحيطة بمنطقة الحقول، وتمركز القسم المتبقي من التعزيزات في مركز مدينة البوكمال.

وترجح التوقعات تواصل تدفق تعزيزات المليشيات الروسية نحو المنطقة خلال الأيام المقبلة، من حلب وحماة والجنوب السوري، ليصبح لعناصر ومجموعات "فصائل المصالحات" مشاركة فعلية في عمليات الانتشار بدير الزور.

وفي حديث سابق لـ"الاستقلال" قال المحلل العسكري عبد الله الأسعد: "المنطقة الشرقية من سوريا غنية بالنفط، وإستراتيجية لأنها تربط دمشق بالعراق، وأن إيران ومليشياتها توجهت نحوها لأنها غنية وقريبة من الآبار، وإذا ما انسحبت أميركا من سوريا فسيكون لإيران اليد العليا فيها، وهذا لن ترضى به روسيا".

وأضاف الأسعد أن روسيا لا تريد لإيران أن تنتشر في البوكمال والميادين ودير الزور، لأن هذه المناطق أيضا ترتبط بخطوط البترول "تي 1، تي 2، تي 3، تي4" السورية، وإذا سيطرت عليها طهران تصبح بيدها مفاتيح الثروة النفطية، وكذلك وجود مناجم فوسفات بالمنطقة، إضافة إلى الطريق الحيوي الرابط بين سوريا والعراق.

وتابع: "تحرك تنظيم الدولة في المنطقة الشرقية، يقف خلفه الروس، والصراع اليوم بين إيران وروسيا يجري بتحريك الأذرع. هذا التقاتل الخفي يجري على منطقة جيوسياسية".

وتوقع الأسعد أن "تشكل هذه المنطقة الثقب الأسود لابتلاع جميع المتقاتلين فيها، كون نظام الأسد عاجز عن لعب دور في شرق سوريا، وأن الطرفين الروسي والإيراني يتقاتلان بشكل مندفع للاستيلاء على ثروات المنطقة".