التوترات بالبحر الأحمر مؤشر على قرب نهاية هيمنة أميركا على العالم.. كيف؟

منذ ٩ أيام

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من أن البحر الأحمر كان مجالا للصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، إلا أنه بقي خارج المنافسة الجيوسياسية العالمية إلى حد ما في فترة ما بعد الحرب. 

لكن هذا الوضع تغير في السنوات الأخيرة، بحسب مقال للكاتب التركي "رائد دومازتيتي" نشره في مركز الدراسات الإنسانية والاجتماعية التركي "إينسامر".

مأزق كبير

وذكر الكاتب أن الولايات المتحدة باتت تواجه تحديا عسكريا ومأزقا سياسيا في البحر الأحمر، ولم تعد تتمكن من تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية هناك. 

ويتمتع البحر الأحمر بموقع جغرافي فريد يربط بين ثلاث قارات واثنين من المحيطات الكبيرة، وتعد المسار الأقرب بين الشرق والغرب. 

بالإضافة إلى ذلك يعد واحدا من المناطق الأقرب إلى مصادر الطاقة الرئيسة على كوكب الأرض، مما يمنحه موقعا جيوسياسيا وتجاريا واقتصاديا فريدا.

وعلى الرغم من أن البحر الأحمر كان مجالا للصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، إلا أنه بقي خارج المنافسة الجيوسياسية العالمية إلى حد ما في فترة ما بعد الحرب الباردة. 

ومع ذلك، شهد البحر الأحمر وحوضه تحولات جذرية في الآونة الأخيرة نتيجة للتغيرات السياسية والاقتصادية والجيوسياسية المتعددة.

فقد عادت المنطقة إلى الواجهة مرة أخرى وتحولت بسرعة إلى منطقة صراع بين الدول، خاصة مع زيادة الوجود الصيني وظهور الربيع العربي. 

حيث يُظهر الوجود العسكري المتزايد للصين ومنشآتها في المنطقة في إطار مشروع "حزام واحد طريق واحد" تصاعد المنافسة في البحر الأحمر. 

ويشهد البحر الأحمر، الذي يُعد مسرحا للصراع العسكري والاقتصادي المعقد، تصاعدا في النفوذ والصراع بين الصين والولايات المتحدة وروسيا على المستوى العالمي. 

وتسبب الصراع على النفوذ في عدم استقرار كبير للسكان المحليين وتجارة الشحن العالمية. 

حيث إن التوترات العسكرية المتصاعدة والوجود العسكري المكثف ووجود الجهات غير الحكومية تسبّبت في عدم الأمان في البحر الأحمر، ونتيجةً لانعدام السلطة والأمن هذا في الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر يجب مناقشة السياسة الأميركية تجاه المنطقة.

عدم اليقين الأميركي

وأوضح الكاتب التركي أن إستراتيجية البحر الأحمر الأميركية تعاني من عدم اليقين والتردد منذ إعلان الصين عن مشروع "حزام واحد طريق واحد" في عام 2013. 

ومع ذلك، فإن إستراتيجية الصين تجاه الحوض ونفوذَها العسكري والاقتصادي والسياسي المتزايد في المنطقة قد دفعت الولايات المتحدة إلى مراجعة سياستها غير المؤكدة تجاه المنطقة. 

خلال هذه الفترة، ازداد نفوذ كل من الصين وروسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وإيران في المنطقة نتيجة لسياسة الولايات المتحدة الأميركية المترددة. 

وكل من أزمة اليمن والحرب الأهلية السودانية والصراع المصري الإثيوبي والمشاكل في الصومال واستهداف الحوثيين للسفن الدولية في اليمن وما يحصل من مجازر في غزة وتعطيل سلسلة التوريد العالمية والأضرار التي لحقت بنظام البنية التحتية الإلكترونية العالمية قد وضعت الولايات المتحدة في وضع صعب. 

في هذا السياق، لم يتم التوصل إلى حل سياسي وعسكري ودبلوماسي في أي من الأزمات والمشاكل المذكورة سابقاً، الأمر الذي تسبب في التشكيك في هيمنة الولايات المتحدة العالمية. 

ولهذا السبب، علقت العديد من شركات الشحن الدولية أنشطتها في البحر الأحمر، بما في ذلك أكبر شركات الشحن في العالم والتي تنقل أكثر من نصف بضائعها العالمية عن طريق البحر. 

وكل هذه التطورات في حوض البحر الأحمر تظهر أن إستراتيجية البحر الأحمر الأميركية وصلت إلى طريق مسدود. 

لأنه على الرغم من العمليات الجوية المحدودة التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد الحوثيين، إلا أنها لم تستطع تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية. 

وأشار الكاتب إلى أن عدم قدرة الولايات المتحدة على ضمان سلامة السفن التجارية في المنطقة يرجع إلى العديد من العوامل المحلية والعالمية. 

مثل العلاقات الاجتماعية للحوثيين ووجود الصين في المنطقة ودور روسيا في تشجيع الحوثيين بالإضافة إلى نقص المعلومات الاستخباراتية في يد الولايات المتحدة.

إستراتيجية عقيمة

وفي هذا السياق، تظهر إستراتيجية الردع والإكراه الأميركية أنها لا تعمل في البحر الأحمر كما أظهرت في اليمن. 

والسؤال هنا إذن: كيف سيتم تشكيل أولويات إستراتيجية الولايات المتحدة في البحر الأحمر من الآن فصاعدا؟ ومع أي الجهات الفاعلة ستزيد التعاون ومع أي بلدان المنطقة يمكنها تكثيف التعاون؟

واستدرك الكاتب التركي: يعد كسر وإضعاف إجراءات الحوثيين لتعطيل سفن الملاحة وتدفقات التجارة العالمية هو الهدف الأول لسياسة الولايات المتحدة الحالية في البحر الأحمر. 

فإن ضمان الوصول غير المقيد إلى الطرق البحرية هو أحد المبادئ الأساسية والمصالح الوطنية الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية. 

والهدف الإستراتيجي الثاني للولايات المتحدة هو ضمان مرور إسرائيل عبر البحر الأحمر وباب المندب وضمان أمنها، وتجنب الضغط العالمي على إسرائيل بسبب المجازر في غزة. 

والهدف الثالث والدائم للولايات المتحدة هو منع وكبح نفوذ الصين في المنطقة. 

فإن السيطرة على وجود الصين في المنطقة تعني أيضا السيطرة على الشحن الدولي وحركة الطاقة عبر البحر الأحمر وباب المندب. 

وبالتالي، فإن المزيد من النفوذ في البحر الأحمر يعني أيضا السيطرة على التجارة بين الصين والدول الأوروبية. 

وكما كان الحال خلال الحرب الباردة، من المرجح جدا أن تواجه الولايات المتحدة منافسة عسكرية مماثلة للاتحاد السوفيتي مع الصين في البحر الأحمر اليوم. 

لهذا السبب من الواضح أن سياسة الولايات المتحدة في البحر الأحمر ستتخذ شكلا جديدا وأن المنظورات الأمنية ستظهر في المقدمة. 

في الواقع إن تطبيق العقيدة العسكرية، وهو أفضل ما تعرفه السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، سيشكل حجر الأساس للإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في البحر الأحمر في الفترة المقبلة.

إعادة تموضع

ولفت الكاتب التركي إلى أنّ الوجود العسكري الأميركي في حوض البحر الأحمر يواجه صعوبة في الاستجابة للأزمات. 

وبالإضافة إلى قاعدة ليمونييه التي بنيت في جنوب غرب جيبوتي، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستبني 5 قواعد عسكرية جديدة في الصومال. 

ومع مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة الدفاع الصومالية والسفارة الأميركية في مقديشو مع نشر القوات الأميركية هناك سيتم أيضا تنفيذ أنشطة التدريب العسكري للجنود الصوماليين. 

ومن الجدير بالذكر أيضا أن تحرك الولايات المتحدة الأميركية بشأن الصومال جاء بعد تحرك إثيوبيا نحو أرض الصومال. 

ويمكن القول إن هذه الاتصالات السياسية والعسكرية بين الصومال والولايات المتحدة تمت بموافقة تركيا. 

وتظهر الولايات المتحدة، التي عزّزت أخيرا علاقاتها مع تركيا، استعدادها لتعزيز التعاون بشكل أكبر ليس فقط على المستوى الثنائي ولكن أيضا على المستوى العالمي. 

وفي ظل ضعف فرنسا في إفريقيا، يمكن التنبؤ بأن الولايات المتحدة ستعزز التعاون مع بريطانيا وتركيا بشكل أكبر وأكثر توثيقًا. 

ولا شك أن مطالبات روسيا بالتوسع في البحر الأسود، والتي أثارت استياء تركيا بسبب الصراع في أوكرانيا، بالإضافة إلى محاولتها تعطيل الوضع الحالي في البحر الأسود قد لعبت أيضا دورا مهما  في ذلك.

وهناك مبادرة أخرى توضح العقيدة العسكرية للولايات المتحدة الأميركية وهي إنشاء "مهمة حماية البحر الأحمر"، والتي تشارك فيها أكثر من 20 دولة بتحالف واسع مثل الدول الأوروبية. 

وبشكل عام، تقوم الولايات المتحدة بالرد على التعقيدات والتحديات الجيوسياسية في البحر الأحمر باستخدام الوسائل العسكرية. 

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: تتمحور سياسة الولايات المتحدة في البحر الأحمر حول الأمن، حيث تسعى للسيطرة على التجارة الدولية ومكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة وتهريب الأسلحة ومكافحة الهجرة غير النظامية. 

بالإضافة إلى ذلك فإن إستراتيجية الولايات المتحدة في البحر الأحمر ستركز على المنافسة القوية مع الصين، حيث تعد أي محاولة لوضع الصين في مركز الشبكات العالمية للأمن والتجارة مخططا سريا يهدف إلى تقويض النظام الدولي بقيادة الغرب.