عبد الحميد زهي.. عالم سني فضح التمييز الطائفي للنظام في إيران

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، بعث الشيخ مولوي عبد الحميد زهي الزعيم الروحي لأهل السنة في إيران، رسالة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، قال فيها إنه "بعد 42 عاما من انتصار الثورة الإيرانية، وحتى الآن، ما زال يجري اعتبار أهل السنة مواطنين من الدرجة الثانية".

واستشهد الزعيم السني على حديثه بقضايا مثل: عدم تعيينهم في مناصب الوزير، والمحافظ، ومستشار أو مساعد رئيس الجمهورية، أو ممثل المرشد أو مستشاره، و"قلة توظيفهم" في الوزارات، والقوات المسلحة، وكذلك في الدوائر الحكومية بمراكز المحافظات السنية.

مدافع صلب

اعتاد الشيخ عبد الحميد زهي انتقاد ما وصفه بـ"الواقع المرير" المتمثل في "عدم وجود حقوق متساوية للأقليات الدينية والقومية في إيران"، إضافة إلى احتجاجه المستمر ضد التمييز الطائفي الذي يمارَس بحق السنة في البلاد، وضد حرمان أبنائهم من حقوقهم المدنية المشروعة في الدستور.

يطالب زهي دائما بمراعاة الحرية المذهبية لأهل السنة في مجالات التعليم والتربية وإقامة صلاة الجمعة والجماعات والمناسبات الدينية الأخرى وفقا للدستور، وأن لا يٌسمح لأحد بالتدخل في شؤونهم.

يقول: "إنه يجب أن يكون أهل السنة أحرارا في شؤونهم الدينية ويعبدوا الله بالأمن والراحة في المعسكرات والمراكز الثقافية والإدارية في المدن الكبرى التي يعيش فيها أهل السنة كأقلية، وأن تمنع الحكومة الذين يحاولون التدخل في المدارس والمساجد".

في إحدى خطبه انتقد سياسة التمييز الطائفي ضد أهل السنة، قائلا: "إن أهل السنة في إيران، كانت لهم مشاركة في إنجاز الثورة، وكذلك دور بارز في الوحدة الوطنية، لأجل ذلك فإنهم فرصة هامة للنظام يستطيع أن يستغلها في سبيل اكتساب مودة ومحبة كافة أهل السنة في البلاد الإسلامية الأخرى والتقرب إليها".

وتابع: "لسنا متعطشين للمنصب أو الجاه، لكنها قضية الكرامة والعزة. نحن نريد أن نعامل بعزة وكرامة، ولا نحب أن يعاملونا كالأجانب، وينظر إلينا بالازدراء وكالمواطنين في المرتبة الثانية، بل نريد أن تحفظ كرامتنا".

وطالب الشيخ زهي بتطبيق "المادة 12 من الدستور، كونها صرّحت بالحرية لأتباع المذاهب المختلفة، وإن صرّحت بأن المذهب الرسمي للبلاد هو الجعفري الإثنى عشري. ولو روعيت هذه المادة من الدستور، لتحلّ كثير من المشكلات التي نعاني منها".

وفي يونيو/ حزيران 2018، التقى الشيخ زهي بالرئيس الإيراني، على مائدة إفطار جمعت حسن روحاني بنخب وعلماء أهل السنة البارزين في إيران، ودعاه لإحداث تغيير في سياسات البلاد قائلا: "المشاركة الواسعة في الانتخابات كانت تحمل رسالة مهمة، مفادها أن الشعب يطالب بتغييرات جذرية فى الكثير من السياسات العامة".

وأضاف الشيخ زهي: أن أهل السنة الذين يعانون من التمييز وغياب المساواة، كانوا يطالبون بمشاركتهم في الانتخابات، والتغييرات وإزالة التمييزات، وخاطب روحاني قائلا: "سيادة الرئيس! نحن نحمل شكوى أهل السنة إليكم، خالف الكثيرون حضوري في هذه الضيافة، لكني قلت لهم: نحن بذلنا جهدنا للرئيس، ويجب أن نعرض مطالبنا عليه عن قرب".

داعم للحريات

ورغم أن الشيخ زهي لا ينتمي إلى حزب سياسي، لكنه دائما يؤكد على حرية الأحزاب والإعلام وحق التعبير والنشاطات المدنية، وفقا للدستور. ويقول: "صرّح الدستور بحرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة والإعلام والأحزاب، فإن روعيت هذه الحريات وتمكّن الشعب من انتقاد المسؤولين، يُتوقّع أن لا تتوجّه الأزمات والاضطرابات الموجودة في البلاد الأخرى إلى بلادنا".

ويعتقد الزعيم السني أن المخرج الوحيد من التحديات والأزمات الموجودة هي "مصالحة وطنية شاملة، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، والتوجه الجادّ نحو تلبية المطالب المشروعة والقانونية للشعب الإيراني، وإقامة انتخابات حرة ونزيهة، وتعديلات وإصلاحات أساسية في كثير من السياسات الجارية".

ويعتقد الشيخ أن النظام والثورة يتعلقان بكافة الشعب الإيراني الذي صوّت للنظام الإسلامي، وضحّى لأجل الثورة، فلا ينبغي أن يغتصب النظام أو الثورة أشخاص أو أحزاب تقدس مواقفهم السياسية وآرائهم، وتهمل آراء غيرهم من أهل الخير ومحبي الوطن والبلاد.

ويستنكر الشيخ الاستبداد بالرأي للمسؤولين أو الحزب الحاكم، ويرى أن الواجب على رجال الحكومة الإصغاء إلى انتقادات المعارضة، والسعي لأن تسود البلاد بيئة النقد البناء والحوار، ويرى أنه ينبغي توفير الحرية العملية لكافة الأقليات، ولا ينبغي أن تمارس الضغوط على الأقليات التي تعيش داخل البلاد والمنتمين إلى سائر الأديان والمذاهب.

اعتاد الشيخ زهي انتقاد النظام بشدة على الإعدامات العشوائية، وكذلك استنكاره للتعذيب الذي يجري في بعض السجون لأخذ الاعترافات، ويعتقد أن هذه الإعدامات لا توافق الشريعة الإسلامية وأن تعذيب السجناء عمل قبيح، ومحرم.

الشيخ زهي يعتقد أن الاستبداد والديكتاتورية وعدم الاستماع إلى آراء المخالفين، والضغوط على الشعوب، وسلب الحريات المدنية، أثارت الصحوة الشعبية في الشرق الأوسط، ويعتقد أن هذه الثورات والصحوات ليست إسلامية فحسب، بل هي صحوات دينية وسياسية، وأي حكومة في العالم لا تصلح نفسها ولا تلبّي مطالب شعبها، تتعرض لثورة شعبها.

وكذلك يعتقد أنه لا يبقى نظام في العالم بقوة السلاح والقمع وتشديد الضغوط، ويكمن سر بقاء أي دولة أو نظام في مراعاة العدل وإعطاء الحريات المشروعة والقانونية وإنشاء بيئة الحوار والنقد، والاستماع إلى آراء المخالفين والمعارضين.

مواقف مشهودة

بسبب مواقفه المدافعة عن قضايا وحقوق أهل السنة في إيران، تعرض الشيخ عبد الحميد زهي إلى مضايقات من السلطات، حيث مُنع من السفر إلى المحافظات الأخرى التي تضم سكان من السنة، إضافة إلى منعه منذ سنوات من السفر خارج إيران.

يعتبر من الشخصيات السنية المعتدلة التي تحظى بشعبية كبيرة في الأوساط السياسية داخل وخارج إيران، وله مواقف سابقة انتقد تدخلات طهران الخارجية، وكذلك هيمنة الحرس الثوري على الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.

وعن تضامنه مع القضايا الخارجية، فقد نعى وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، حيث أكد الشيخ عبد الحميد زهي، أن وفاته أحزنت أنصار الحرية حول العالم، بحسب بيان نشره مكتبه في 19 يونيو/ حزيران 2019.

وقال الشيخ زهي: "تلقيت ببالغ الأسى نبأ وفاة مرسي، الذي بعث على الحزن والألم بالنسبة إلى جميع المثقفين وأنصار الحرية حول العالم". وتابع: "لطخة العار هذه ستبقى إلى الأبد على جبين من قاد المؤامرة وارتكب جريمة القتل، والتاريخ لن ينسى أبدا هذا الظلم الكبير".

وانتقد العالم الإيراني الصمت المطبق للعالم الذي يدعي الديمقراطية والحضارة أمام هذا الظلم (الذي حل بمرسي) معربا عن مشاطرته آلام أصدقائه في مصر وبقية الدول.

مسيرة حافلة

ولد الشيخ مولوي عبد الحميد إسماعيل زهي، عام 1946 في قرية "كلوكاه" من القرى التابعة لمدينة "زاهدان"، عاصمة محافظة "سيستان وبلوشستان" (جنوب شرقي إيران) والتي تبعد عن مدينة "زاهدان" 70 كيلو مترا. ترعرع وتربّى في أسرة عريقة وملتزمة، معروفة بالتدين.

التحق الشيخ في صغره بالكتاب ودرس العلوم الابتدائية في مدينة "زاهدان"، ولم يكن فيها آنذاك معهد ولا جامعة دينية، فسافر إلى باكستان والتحق بمعهد "دار الهدى" في إقليم "سند"، ثم ذهب إلى الشيخ "عبد الله الدرخواستي" ثم توجّه إلی معهد "بدر العلوم رحيم يار خان"، وقرأ الحديث والتفسير على الشيخ "عبد الغني الجاجروي"، واستفاد منه وأصبح من المقربين لديه.

ولما أكمل عبد الحميد الدراسات الإسلامية لدى الشيخ وحصل على الإجازة العالية في التفسير والفقه والحديث، عاد إلى بلده "زاهدان" واتصل بالشيخ "عبد العزيز السربازي"، فاختاره الأخير نائبا له في شؤون إدارة معهد "دار العلوم" زاهدان و"الجامع المكي" فصار موضع ثقته.

حينما توفي الشيخ عبد العزيز، تولى زهي إدارة جامعة "دار العلوم" و"الجامع المكي"، حيث تقدمت الجامعة بجهوده، فكثر طلابها، وتعددت فروعها وشعبها في سائر أنحاء البلاد، كما توسع "الجامع المكي"، (أكبر جامع في إيران)، حيث جرى تخريج الشباب من العلماء وتثقيفهم، وإنشاء مؤسسات دينية، وتأسيس فروع في المدن والأرياف.

يتولى الشيخ زهي، خطبة الجمعة في الجامع المكي ويحضرها من 40 إلى 50 ألفا من أهل السنة بمدينة زاهدان والقرى المجاورة، ولا يسعهم الجامع، ولأجل ذلك يصطفون في فناء جامعة "دار العلوم" والشوارع المحيطة بالجامع وجامعة دار العلوم.

وكذلك يرأس حاليا جامعة "دار العلوم" التي صارت أكبر مركز علمي ثقافي لأهل السنة في إيران، ويبلغ عدد الطلبة في الجامعة من 1500 إلى 2000، إضافة إلى مدرسة "عائشة الصديقة" للبنات (التابعة لجامعة دار العلوم).

كما يرأس منظمة "اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة" بمحافظة "سيستان وبلوشستان"، وهو أيضا عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

قبل حظر سفره، حضر الشيخ زهي مؤتمرات في بعض البلاد الإسلامية، وألقى محاضرات، ومنها رحلته إلى الهند للمشاركة في مؤتمر "الإمام أبي الحسن الندوي".

كما شارك في مؤتمر "حوار الأديان" بمكة المكرمة، ومؤتمر "المجمع الفقهي" بالإمارات، و"الإمام أبي حنيفة" بطاجيكستان، وبعض مؤتمرات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتركيا.

بعد مشاركته في مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفي مايو/ أيار 2010، احتجزت السلطات جواز سفر الشيخ فحرمته من حضور مؤتمرات دعي إليها مثل مؤتمر السنة النبوية بالرياض، ومؤتمر حوار الأديان بقطر، ومؤتمر إسلامي في إندونيسيا، ومؤتمرات أخرى كثيرة.