موريتانيا تطلب تأجيل سداد ديونها مؤقتا.. لماذا وافقت فرنسا؟

12

طباعة

مشاركة

في 12 ديسمبر/كانون الأول 2020، وقع وزير المالية الموريتاني محمد الأمين ولد الذهبي مع السفير الفرنسي في نواكشوط روبيرت مولييه، اتفاقية بشأن تعليق فرنسا خدمة الديون عن موريتانيا، بعد أن كان من المقرر سدادها ما بين 1 مايو/أيار و31 ديسمبر/كانون الأول 2020.

الصفقة جاءت بمثابة صلح بين البلدين اللذين شهدت العلاقات الثنائية بينهما على مدار السنوات الأربع الأخيرة جفاء ملحوظا، بدأ مع قرار الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز الرافض للمشاركة في التحالف الذي تزعمته فرنسا سنة 2013 لطرد الجماعات المسلحة من شمال مالي.

ورغم أن الأمر قد يبدو اقتصاديا في ظاهره، لكن عندما يتعلق بنفوذ باريس في أي من دول غرب أو جنوب إفريقيا، فلا بد من وجود دافع سياسي وراء تحركاتها، خاصة وأن فرنسا موجودة في كل مناحي موريتانيا (بوابتها لإفريقيا)، اقتصاديا وعسكريا وثقافيا وأمنيا.

إعفاء مؤقت

بيان سفارة باريس بنواكشوط الصادر في 12 ديسمبر/كانون الأول 2020، قال: إن الاتفاقية تجسد تنفيذ فرنسا إعفاء موريتانيا مؤقتا من خدمة ديون قيمتها 5 ملايين يورو، في إطار مبادرة تعليق خدمة الدين التي أقرها نادي باريس وقمة العشرين منتصف أبريل/نيسان 2020، بهدف دعم الاقتصادات الهشة في مواجهة جائحة كورونا.

وأَوضح البيان أن تعليق خدمة الدين عن موريتانيا سمح لها بتعبئة موارد وتخصيصها لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية لجائحة كورونا.

وأكد البيان، أن نادي باريس قرر في أكتوبر/تشرين الأول 2020، تمديد العمل بمبادرة تعليق خدمة الدين 6 أشهر، لغاية 30 يونيو/حزيران 2021، مع إمكانية اتخاذ قرار خلال اجتماعات الربيع بتمديد تعليق خدمة الدين لغاية 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، حسب تطور الوضعية الوبائية.

قرار التأجيل سبقه تصريح للرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني في يونيو/حزيران 2020، قال خلاله: إنه لا يستبعد أن يلغي المجتمع الدولي ديون إفريقيا كاملة، مشيرا أن ذلك سيكون مفيدا للقارة.

وأضاف ولد الغزواني في مقابلة مع وكالة الأنباء الموريتانية: "نعتقد أن المجتمع الدولي سيعمل على إلغاء ديون إفريقيا، خاصة وأن المبلغ الإجمالي لهذه الديون (لم يذكره) ليس ذا أهمية كبيرة لاقتصادات الدائنين".

وذكر الرئيس الموريتاني أن المجتمع الدولي مطالب "بتعزيز وتطوير آليات المساعدة والتضامن لأجزاء من العالم في خضم الأزمات الكبرى".

وفي مايو/أيار 2020، طلب صندوق النقد والبنك الدوليين من الدائنين، تأجيل ديون الدول الأشد فقرا حتى نهاية 2020، لمنحها سيولة مالية تمكنها من إدارة أزمة فيروس كورونا.

بينما وقع أعضاء في مكتب الاتحاد الإفريقي، في مارس/ آذار 2020، وثيقة تطلب من الدائنين تخفيف أعباء الديون المستحقة على دول القارة.

صفقة خاسرة

في 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن وزير النقل الموريتاني، محمدو ولد أمحيميد، أن الحكومة راجعت اتفاقية تشييد رصيف للحاويات والمحروقات في ميناء نواكشوط المستقل، التي تنفذها شركة "آرايز موريتانيا" الهندية الموريتانية، والتي تعد شريكة لصندوق الاستثمار الفرنسي.

وقال ولد أمحيميد، في مؤتمر صحفي: إنه كان لدى الحكومة 3 خيارات: الأول هو مواصلة الاتفاق، وهو ما تم استبعاده بسبب وجود بنود لا تراعي المصلحة العامة للدولة الموريتانية.

الخيار الثاني هو خيار الإلغاء والفسخ وما يترتب على ذلك من لجوء للتحكيم الدولي، والثالث هو مراجعة بنود الاتفاقية وتحسين شروطها.

وأضاف الوزير أن الحكومة اعتمدت الخيار الثالث الذي وصفه بأنه يأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية، مشيرا إلى أن المشروع يعتبر فرصة كبيرة، ومشروعا إستراتيجيا لتعزيز تنافسية الاقتصاد.

وأوضح أن الحكومة بدأت سلسلة من المفاوضات لمراجعة الاتفاقية استمرت 3 أشهر، وقال المدير العام لميناء نواكشوط سيد أحمد ولد الرايس: إن المفاوضات لم تكن سهلة لأن الشريك (الفرنسي) كان متشبثا بالاتفاقية الأصلية، وفق تعبيره.

وأضاف ولد الرايس أن الحكومة اتفقت مع صندوق فرنسي على القيام بالمشروع وتنفيذه مشيرا إلى أن الصندوق له مصداقية وعلى استعداد للقيام بما يلزم.

وقال ولد الريس: إن الحكومة اتفقت مع الشريك على تفاصيل الاستثمار، مشيرا إلى أن الأسعار التي كانت ستطبق مجحفة وستنعكس على جيب المواطن الموريتاني، على حد قوله.

وتابع ولد الرايس: "سنتقاسم الأرباح مع المستثمر، الأسعار كانت غالية اتفقنا على أن الأسعار تظل ثابتة للخمس سنوات المقبلة، اتفقنا على عدم التحكم بالأسعار دون الرجوع لوزارة التجهيز والنقل.

وأشار إلى أن الحكومة كانت لديها مآخذ على الإعفاء من الضرائب، موضحا أن  الدولة استعادت 120 مليار أوقية موريتانية (400 مليون دولار) إثر مراجعة الاتفاقية.

شريك فرنسي

في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، نشرت صحيفة "فاينانشيال أفريك" الفرنسية، تقريرا أكدت فيه أن "آرايز" هي شريك صندوق الاستثمار الفرنسي "مرديام"، واتفق الطرفان على تقاسم أرباح تشغيل توسعة الميناء بحيث ترتفع حصص الحكومة تدريجيا من 10٪ إلى 50٪. وسيسمح ذلك للحكومة الموريتانية بجني 200 مليون دولار.

وقال المسؤول الموريتاني: إن الاتفاقية السابقة كانت تنطوي على ضبابية في الصلاحيات وتمنح للمستثمر "الحاويات والمحروقات وصلاحيات أخرى كثيرة" مضيفا أنه تم التوصل إلى حل يحصر صلاحيات المستثمر في الحاويات فقط.

لم تكن صفقة الميناء هي الخسارة الوحيد التي سجلتها فرنسا في موريتانيا في الفترة الأخيرة، بل إن البلد شهد إحدى أشد الاحتجاجات على الرسومات المسيئة للرسول، وصلت إلى مطالبة آلاف الموريتانيين، بإغلاق سفارة باريس لدى نواكشوط، وطرد السفير روبير مولييه، على خلفية تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون، المسيئة للإسلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام.

لم يكن المحتجون من المواطنين فقط، بل جاء ذلك في تظاهرات دعا إليها عدد من السياسيين (من توجهات مختلفة)، طالبوا بمقاطعة شاملة للمنتجات الفرنسية، ولاقت هذه الدعوات تفاعلا واسعا في الشارع الموريتاني.

وأغلب المنتجات الفرنسية الموجودة في السوق الموريتانية، هي من المواد الغذائية والأدوية والعطور والملابس، كما نقلت صحف محلية، أخبارا عن تضرر محطات الوقود التابعة لشركة "توتال" الفرنسية المنتشرة في نواكشوط.

وفي سلسلة حلقات حوارية نشرتها وكالة "الأخبار" الموريتانية المستقلة، قال المناضل، محمد ولد إشدو: "يجب أن نعي ويعي الجميع، وخاصة الرئيس السابق (محمد ولد عبد العزيز) أن موريتانيا لم تعد مستعمرة فرنسية".

وتابع: "موريتانيا لها نصوصها وقوانينها التي تحكمها، ليست خاضعة ولا تتبع فرنسا، حتى إن كان دستور 1991 اقتباسا من دستور الجمهورية الخامسة (بفرنسا) فهذا ممكن، لكن لن نظل ولن نبقى تابعين".

بوابة إفريقيا

الناظم الأساسي في علاقات فرنسا بمستعمراتها القديمة يرتكز على ملفات محددة من أبرزها مجال التعاون العسكري والمصالح الاقتصادية، وبقاء القوات الفرنسية في دول الساحل الخمس (موريتانيا، بوركينافاسو، مالي، تشاد والنيجر) يعزز من نفوذها، وتحكم قبضتها في ظل الصراع الذي تخوضه قوى دولية للاستحواذ على الأسواق الإفريقية.

في مقال تحليلي نشرته وكالة الأناضول، قالت: إنها "حرب بلا أفق" تلك التي تخوضها فرنسا في الساحل الإفريقي منذ 2013، وبدل أن تطرد الإرهابيين والانفصاليين من شمال مالي، انتشرت التنظيمات الإرهابية في بلدان الساحل حتى وصلت إلى حدود كوت ديفوار، المطلة على المحيط الأطلسي.

هذا الأمر أصبح يقلق شعوب المنطقة، التي لم تُمح صور جرائم الاحتلال الفرنسي لبلدانها في حقب سابقة واستغلاله لثروات بلادهم، مما جدد الشعور العدائي تجاه القوات الفرنسية الموجودة في أرض غالبية سكانها من المسلمين.

وقال الدكتور ديدي ولد السالك، رئيس المركز المغاربي للدراسات: إن صورة فرنسا تعاني في العالم العربي والإسلامي، وتحديدا في الدول التي سبق أن استعمرتها، السبب الأول هو تصريحات رئيسها ماكرون ضد الإسلام والمسلمين، أما السبب الثاني فيتمثل في صورة فرنسا بدول شمال وغرب إفريقيا التي تلطخت في العقود الأخيرة وأصبحت موصومة بعدة عيوب.

وأشار الخبير في العلاقات الدولية في حديث مع "الاستقلال"، أن أي دولة استعمرتها فرنسا، لا بد أن تعاني من عقدة الهوية بسبب فرض اللغة الفرنسية وإحلالها محل اللغات الأصلية خاصة العربية، ومشكلة الفساد ثم الاستبداد، وهذه الأزمات الثلاث هي قاسم مشترك بين كل مستعمرات فرنسا القديمة، وفق ولد السالك.

حسب رئيس المركز المغاربي للدراسات، تعمل فرنسا وفق إستراتيجية في منطقة الساحل والصحراء لتحقيق هدفين، الأول هو استمرار الهيمنة الفرنسية في غرب إفريقيا، في ظل منافسة من أميركا والصين عليها في السنوات الأخيرة.

ويرى ولد السالك، أن إستراتيجية فرنسا في منطقة الساحل بمحاربة الإرهاب -وهو هدفها الثاني- لا يمكن أن تنجح إلا بتحالف مع موريتانيا، التي تعتبر بوابة منطقة دول الساحل والصحراء إلى أوروبا عبر جزر الكناري، وعلى شمال إفريقيا، وبالتالي موريتانيا منطقة مهمة جدا لفرنسا، لموقعها وخبرتها في محاربة الإرهاب.