موقع إيطالي: هكذا شكلت إفريقيا ساحة اختبار لقوة الصين الناعمة

12

طباعة

مشاركة

تطرّق موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي، إلى إستراتيجية الصين المتبعة في إفريقيا لاستغلال ثروات القارة، واختبار قوتها الناعمة على بلدانها، من خلال منح القروض وإنشاء البنية التحتية دون التدخل سياسيا. 

وقال الموقع: "إن الصين قدمت نفسها منذ بداية الألفية الجديدة، لإفريقيا كمانح وشريك تجاري جديد، وبالإضافة إلى المصالح الاقتصادية، يبدو أن القارة الإفريقية تمثل بالنسبة للصين ساحة اختبار وصقل لقوتها الناعمة".

الفرص الجديدة

شكلت بدايات العقد الأول من القرن الـ21  نقطة تحول لمصير القارة السمراء، وإذا كانت الدول الإفريقية في السابق قد اشتكت أنها ضحية استغلال الغرب لمواردها، فإن فشل خطط التنمية قد أتاح لها الفرصة لإعادة تحديد وضعها التعاقدي على الساحة الدولية، وفق الموقع الإيطالي.

وفي هذا الصدد، جاء إنشاء "منظمة الاتحاد الإفريقي" للإطلاع على دور توجيه التنمية المستدامة لإفريقيا، مع الإمتثال للمبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، كما يمكن للدول الأعضاء أن تحتفظ بسلطتها في صنع القرار والتصرف بشكل فردي.

ولفت الموقع إلى أن "إفريقيا، بفضل وقوع بعض الأحداث المصادفة دوليا، استشعرت القدرة على الحصول على وضع تعاقدي أفضل على المستوى الدولي".

وأشار إلى "بروز اهتمام قوي من جانب الإقتصادات الناشئة في البلدان الغنية بالمواد الخام، وتمثل الأخيرة، في عالم شديد العولمة، وسيلة لتعزيز اقتصاداتها مما يجعلها قادرة على المنافسة دوليا".

وأردف الموقع: أن "موجة العولمة التي بدأت أواخر الثمانينيات، استمرت حتى العقد الأول من القرن الـ21، لكن حاليا حدث تغيير في ميزان القوى".

وأوضح أن "هذا يعني أنه إذا كان الغرب في الثمانينيات قادرا على إملاء المعايير الديمقراطية التي يجب احترامها من أجل الحصول على القروض، مع الصعود الإقتصادي للدول غير الديمقراطية، أُتيحت أمام حكومات الدول الإفريقية فرصة للإنحراف بالقيم الديمقراطية التي يرونها فرضا خارجيا لا تشاطره". 

واعتبر الموقع أنه "في مواجهة العولمة التي أثرت على السياسية والإقتصاد، بدأت الدول الغربية، التي كانت مصممة بقوة في السابق على تقديم قروض مقابل الإمتثال للبنود، في تقديم بعض التنازلات التي قللت من التزامها بضمان احترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية".

من جانبها، باتت الحكومات الإفريقية، -التي استخدمت في كثير من الأحيان خطاب الاستغلال الغربي، لتبرير عدم قدرتها على تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أو تحسين الظروف المعيشية لمواطنيها-، في وضع يمكّنها من الابتعاد عن الغرب دون خسارة المنافع الإقتصادية، وفق "معهد تحليل العلاقات الدولية".

دور الصين

حولت العديد من البلدان ذات الإقتصادات الناشئة اهتمامها نحو المواد الخام الإفريقية، مثل الهند والبرازيل، التي وجهت تركيزها في بداية الألفية الجديدة بشكل أكبر على اقتصادات بلدان الجنوب. 

من جهتها، أثبتت الصين منذ عام 2000، أنها الشريك والمستثمر الرئيسي في إفريقيا، فضلا عن كونها مانحا دوليا رئيسيا.

ويوفر هذا الوضع الدولي المختلف للقارة الإفريقية، الفرصة لإعادة استثمار تدفّق الأموال في التنمية، ولكن كثيرا ما يكون هناك عائقان مختلفان مرتبطان ببعضهما البعض، يفسر الموقع الإيطالي.

يتمثل العائق الأول في وجود حكومات غير ديمقراطية على رأس عدة بلدان تُحكم سيطرتها على البلاد والسكان بفضل شبكة "بيروقراطية" كثيفة يتم تمويلها من خلال الأموال الأجنبية.

ويتعلق العائق الثاني بوجود مستثمرين ومانحين غير مهتمين باحترام القيم الأخلاقية والمعنوية، مما يعني استقلالية سياسية أكبر لحكومات الدول الإفريقيّة، ولكن ليس بالضرورة قدرا أكبرا من الاستقلال الاقتصادي.

وتابع الموقع قائلا: إن "الصين طورت نموذجها الخاص ليتكيّف مع السياقات الإفريقيّة، وتم قبول النموذج بشكل إيجابي في المنطقة، لأنه يختلف عن النماذج الغربية ويُنظر إليه على أنه أقل إكراها".

ويتطور هذا النموذج على خطين: الأول يؤكد على القيم الأخلاقية للماوية (نسبة للمفكر ماو تسي تونغ)، التي يقوم عليها التعاون بين بلدان الجنوب، ويؤكد الثاني على مفهوم القوة الناعمة.

وبفضل هذا النموذج، تقدم الصين نفسها كدولة نامية، وبالتالي فهي قريبة من الدول الإفريقية، لكنها في الوقت نفسه تؤكد وضعها كقوة عالمية. 

وبحسب الموقع، يصبح هذا المفهوم للقوة الناعمة، التي تُفهَم على أنها تأثير وجاذبية دولة على المستوى الدولي، رئيسيا للصين عندما تدرك أنها ليست قوية بما يكفي لتحدي القوة الأميركية، لذلك فهي تحتاج إلى منطقة يتم فيها تحسين تقنياتها.

ومن خلال القوة الناعمة، تعني الصين: أي إجراء يتجاوز المجالات العسكرية والأمنية، بما في ذلك الأساليب الاقتصادية والدبلوماسية القسرية، وعلى سبيل المثال، تقديم مساعدات التنمية، أما بالنسبة للغرب، فللقوة الناعمة دلالات ثقافية ودبلوماسية عامة.

قلق الغرب

وأشار الموقع الإيطالي إلى أن "الصين بحفاظها على نهج عدم التدخل، وعدم المشروطية فيما يتعلق بالاستثمارات والقروض، حصلت  على دعم واسع في إفريقيا".

واعتبر أن "هذا الدعم أثار قلق المستثمرين الغربيين الذين اضطروا إلى إعادة تقييم الشروط المفروضة على البلدان الإفريقية، وقاموا أحيانا بتخفيض احترام حقوق الإنسان إلى عامل ذي أهمية ثانوية مقارنة بالمزايا الاقتصادية". 

غير أن الصين، التي لم تشترط إسناد القروض بالامتثال للشروط السياسية، ضمنت بناء البنى التحتية، وتقديم القروض مقابل استغلال الأراضي والمناجم لفترات تصل إلى 99 عاما، بحسب "الموقع الإيطالي".

ولفت إلى أنه "علاوة على ذلك، إذا لم يتم سداد أي ديون، يحق للبلد المانح، الاستيلاء على البنية التحتية والأنشطة الموازية لها، لذلك لم يؤد ظهور مانحين جدد، مثل الصين، إلى تغيير اقتصادي حقيقي للقارة قيد الدراسة".

في المقابل، استفادت "بكين" من عدم المشروطية في قروضها واستثماراتها للحصول على إجماع، كما استفادت أيضا من الخطاب الشهير "التدافع على إفريقيا" للتأكيد على عدم مبالاتها واهتمامها مقارنة باستعمار إفريقيا والاستحواذ على مواردها.

وهكذا تمكّنت الحكومات الإفريقيّة من التساهل في احترام القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي أفشلت جهود الاتحاد الإفريقي في تشجيع التنمية المستدامة، وإرساء الديمقراطية على نطاق واسع، بحسب "معهد تحليل العلاقات الدولية".

بالإضافة إلى ذلك، لم يسهم الوجود الصيني في المنطقة في نموٍّ اقتصادي قوي للبلدان الإفريقية، ولكنه أدى إلى مزيد من مصادرة موارد القارة بموافقة صريحة هذه المرة من الحكومات المعنية. 

وخلص الموقع إلى القول: إن ''النتيجة  حاليا، هي نمو الصين كقوة عالمية؛ مما يدل على نجاح نموذج قوتها الناعمة".