احتجاجات السليمانية.. كيف استغلها "بي كا كا" لإشعال كردستان العراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على وقع الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها محافظة السليمانية في "إقليم كردستان" شمالي العراق ضد تأخر صرف الرواتب، وما رافقها من حرق مقرات حزبية، وجهت اتهامات لحزب العمال الكردستاني "بي كا كا" بالوقوف وراء تأجيج الشارع الكردي ومحاولة خلق الفوضى.

وفي إحصائية نشرها مركز "ميترو" للدفاع عن حقوق الإنسان في 12 ديسمبر/كانون الأول 2020، فإن 10 أشخاص قتلوا وأصيب أكثر من 120 آخرين خلال الاحتجاجات، إضافة إلى إحراق ما يزيد عن 150 مقرا حزبيا ودائرة حكومية، فضلا عن اعتقال أكثر من 100 متظاهر.

اتفاقية سنجار

الاحتجاجات التي انطلقت في السليمانية مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020، للمطالبة بصرف الرواتب، جاءت بالتزامن مع دخول "اتفاقية سنجار" حيز التنفيذ بعد شهرين من إبرامها بين بغداد وأربيل، والتي تقضي بخروج "حزب العمال الكردستاني وفصائل الحشد الشعبي" من المنطقة.

الخبير الأمني والسياسي العراقي "مؤيد الجحيشي" يرى أن حزب العمال الكردستاني هو من يؤجج الاحتجاجات المندلعة في السليمانية بسبب "اتفاقية سنجار" للضغط على حكومة الإقليم، وهذا يشير إلى تصاعد الصراع مع حكومة الإقليم، والسعي لإثارة الفوضى.

"الجحيشي" قال لـ" الاستقلال": "الحديث عن تطبيق اتفاقية سنجار، لم يكن حقيقيا، لأن ما حصل هو إدخال قوات من الشرطة الاتحادية والتي تضم لواءين من ميليشيا "بدر" تم الدمج بينهما بعد تأسيس الميليشيا عام 2003، حيث قامت هذه القوات بإدخال نحو 2500 من عناصر الحشد الشعبي بزي شرطة اتحادية سرا إلى سنجار".

واتساقا مع ذلك، قال المحلل السياسي الكردي، "كفاح محمود"، خلال تصريحات صحفية في 12 ديسمبر/أكتوبر 2020: "حزب العمال الكردستاني متورط بشكل واضح فيما يجري، وهذه المنطقة بالذات مكان نشاط هذا الحزب، كونه لا يستطيع أن ينشط في أربيل ودهوك".

وأشار إلى أن الضغط الذي واجهه هذا الحزب مؤخرا من "اتفاقية سنجار" ضغطت عليه، لأنه سيخلي كل مواقعه هناك مع فصائل من الحشد الشعبي، وهناك تعاون بين الطرفين، لذلك حاول "بي كا كا" الضغط على حكومتي "أربيل وبغداد" في الوقت نفسه من خلال إشعال الاحتجاجات.

وبيّن الكاتب الكردي أن "العشرات من عناصر العمال الكردستاني شاركوا في المظاهرات بالسلمانية، ورئيس الوزراء في الإقليم مسرور البارزاني أكد أن هناك جهات قدمت من سوريا شاركت في عمليات الفوضى والحرق".

بصمات إيرانية

مع أن تفسيرات محللين تشير إلى وقوف حزب العمال الكردستاني وراء الأحداث في السليمانية، واستغلال الاحتجاجات لنشر الفوضى في الإقليم، إلا أن إيران هي الأخرى ليست بعيدة عن ذلك، بل إنها متهمة بتوجيه الحزب والحشد الشعبي للحيلولة دون تطبيق "اتفاق سنجار".

وقال الخبير الأمني مؤيد الجحيشي: "سنجار هي منطقة وصل للهلال الإيراني الرابط مع سوريا والعراق، وتطبيق "اتفاقية سنجار" يعني وجود قوات البيشمركة الكردية هناك، وبالتالي تقطع هذا الهلال، لذلك سعى حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي بتوجيه من إيران إلى إسقاط الاتفاقية".

وأكد الجحيشي أن "عدم تطبيق الاتفاقية يؤذي إقليم كردستان العراق، لأن نفوذ حزب العمال الكردستاني الذي تدعمه إيران حاليا، بدأ يتعاظم بشكل كبير في هذه المنطقة، بعدما كان وجوده قبل عام 2014 في السليمانية فقط".

وأوضح أن "السليمانية التي يديرها الاتحاد الوطني الكردستاني القريب من إيران، يوجد فيها حزب العمال الكردستاني بشكل رسمي منذ عام 2003، على العكس من مدينتي أربيل ودهوك، حيث يوجد الحزب الديمقراطي الكردستاني البعيد عن معسكر إيران".

وشدد على أن "أي طرف خارج المعسكر الإيراني فإن حزب العمال الكردستاني يقف بالضد منه، وتأجيج الأوضاع في السليمانية هو من صالح إيران ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني، مستغلين أزمة تأخر الرواتب".

ويعاني إقليم كردستان العراق من تأخر صرف رواتب موظفي الدولة منذ أن أوقفت الحكومة الاتحادية في بغداد صرفها، في أبريل/نيسان 2020، بسبب خلافات مع أربيل على إدارة الثروة النفطية وتوزيع إيراداتها إضافة إلى إيرادات المعابر الحدودية.

حديث الجحيشي عن علاقة إيران مع حزب العمال الكردستاني، تؤكدها تصريحات سابقة لمحافظ نينوى الأسبق "أثيل النجيفي"، الذي قال: إن "حزب العمال الكردستاني، له دور كبير في عمليات تهريب المخدرات من إيران إلى العراق وسوريا ومنها إلى الخليج العربي".

ورأى "النجيفي" في 25 مارس/آذار 2019، أن "حزب العمال يعد بمثابة الصفقة الرابحة لطهران، ولا يمكن التخلّص منهم بهذه السهولة"، مشيرا إلى أن "إيران رفضت خروج الجناح العسكري للحزب (بي كا كا) من سنجار وبعض المناطق الأخرى التي يوجد بها".

وأكد محافظ نينوى الأسبق أن "وجود حزب العمال في تلك المناطق سبق وجود تنظيم الدولة، واستقوى في فترة دخول التنظيم بناء على خطة مسبقة، وحصل على فرصة كبيرة ليتغلغل في تلك المناطق".

وأضاف: أن "بعض الجهات العراقية وبدعم إيراني غامرت بدعم حزب العمال لمحاربة الكرد، وخلق صراع كردي - كردي على حساب الوطن، إيمانا منهم بأنها الطريقة الأسهل لتحجيم المطالب الكردية"، مؤكدا أن "وجود الحزب في سنجار والمناطق الأخرى ينعكس سلبا على مجمل الوضع العراقي".

ولفت "النجيفي" إلى أن "هناك جهات تستفيد من وجود حزب العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي العراقي السوري، لاستخدامهم في الصراع الإيراني الأميركي في المنطقة، والمتضرر الوحيد هو العراق".

تصاعد التوتر

تصعيد "حزب العمال الكردستاني" الأخير في إقليم كردستان العراق، سبقه العديد من التوترات مع حكومة الإقليم، فقد نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تقريرا قالت فيه: "إن التوتر يتزايد في منطقة كردستان العراق".

وقالت المجلة الأميركية: إن "المسؤولين في حكومة الإقليم بدؤوا بالانتقاد العلني لحزب العمال الكردستاني الذي طالما استوعبته كردستان العراق والذي أصبح بشكل متزايد غير مرحّب به هناك".

ويبدو أن الانتقاد المتزايد، والذي تكمله "اتفاقية سنجار"، بات جزءا من جهد منسق للضغط على عناصر "بي كا كا"، لتغادر مخابئها التاريخية في جبال الشمال العراقي.

ففي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وقعت حادثة اغتيال مسؤول حدودي كردي، تقول قوى أمن الحكومة: "إن حزب العمال الكردستاني وراء ارتكابها، إضافة إلى هجمات على أنبوب نفط رئيسي وعلى جنود البيشمركة في بدايات نوفمبر/شهر تشرين الثاني 2020".

المجلة أشارت إلى أن هذه الأحداث والتوتر الذي كان يغلي لفترة طويلة بين حكومة إقليم كردستان العراق و"العمال الكردستاني"، جعل الأخير يظهر وكأنه لا ينوي مغادرة العراق بشكل سلمي.

وتسببت النشاطات القتالية للمجموعات المسلحة الكردية بانهيار الاستقرار على المستوى المحلي والإقليمي في كل من تركيا والعراق وسوريا، ولسوء الحظ فإن كل ذلك لا يحظى إلا بالقليل من الاهتمام، وحتى عندما يكون أكثر الناس تأثرا هم من الأكراد، بحسب المجلة.

وطالما استخدم حزب العمال الكردستاني جبال قنديل، شمالي العراق كمنطقة للاختباء والتدريب خلال عقود حربه مع تركيا، فيما بدأت الأخيرة في حزيران/يونيو 2020، بتصعيد الهجمات ضد الحزب في العراق واستهدفت مواقعه العسكرية في جبال قنديل وسنجار، ومواقع أخرى.

انعدام الأمن

وفي حديث للمجلة، أصرّ قائد القطاع السادس في قوات البيشمركة، اللواء "سيروان البارزاني"، على ضرورة اتخاذ إجراء ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وحث بغداد على اتخاذ الخطوة.

مشيرا إلى أنه حتى يجري وضع جميع الأسلحة في العراق ككل تحت سيطرة الدولة، سيستمر تعرض الناس للهجوم من جماعة الـ(بي كا كا)، وستمنع المخاوف الأمنية الاستثمار في المنطقة التي تعاني من ضائقة مالية.

ووفقا لتقارير البارزاني الخاصة، فإن حزب العمال الكردستاني يحتفظ بـ 37 قاعدة في إقليم كردستان العراق، وقال: إنه قد يلجأ إلى العنف ردا على تعدي حكومة إقليم كردستان.

كما أعرب اللواء بارزاني عن أسفه لتأثير حزب العمال الكردستاني في منطقة سنجار المتنازع عليه، والذي يقع على الحدود مع سوريا، مشيرا إلى أن العديد من النازحين الأزديين لم يتمكنوا من العودة بسبب الارتباك وانعدام الأمن الناجمين عن وجود عدة مجموعات مسلحة.

وفي أيلول/سبتمبر 2020، تحدث رئيس حكومة إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني ضد مصادرة حزب العمال الكردستاني للأراضي وابتزاز السكان المحليين في كردستان العراق.

وقال بيان صادر عن حزبه الديمقراطي الكردستاني: إن "العبودية انتهت في العالم لكنها استمرت داخل حزب العمال الكردستاني".