اللاجئون العرب.. سلاح المعارضة التركية التحريضي لاستقطاب الناخبين

أحمد مدكور | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حالة استقطاب شديدة بين الأطراف المتنافسة شهدتها انتخابات البلديات التركية التي عقدت في 31 مارس/ آذار 2019، وحقق حزب العدالة والتنمية الحاكم فوزا فيها بنسبة 44.3% في عموم البلاد.

كان خطاب المعارضة التركية الممثلة في أحزاب تحالف الأمة (Millet ittifaki) هجوميا بخصوص السوريين والعرب تحديدا، المقيمين في تركيا بغرض اللجوء نتيجة الحروب المدمرة في بلادهم، كما هو الحال في سوريا، أو التضييق على المعارضين مثلما هو الوضع في مصر، أو حتى بغرض التجارة والإقامة مثل سائر الجاليات العربية الأخرى.

شهدت كلمات بعض المرشحين من حزب الشعب الجمهوري المعارض، وحليفه الحزب الجيد، التركيز على أزمة اللاجئين في البلاد، وربطها بالأزمة الاقتصادية، وتراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار.

وتطور الأمر أحيانا إلى نزول أولئك المرشحين إلى الميادين والمناطق التي تعج بالأجانب، لتصويرها وتوجيه اتهامات وتعبيرات عنصرية بحقهم، بل وصل الأمر إلى تقديم وعود انتخابية بالعمل على إقصاء اللاجئين إلى بلادهم في حال الفوز في الانتخابات.

لافتات الفاتح

إيلاي أكصوي مرشحة الحزب الجيد ضمن (تحالف الأمة) في منطقة الفاتح بإسطنبول قالت في أكثر من مناسبة "إنها لن تسلم الفاتح للسوريين"! وقالت "لن أترك عربيا واحدا في منطقة الفاتح"!

لاحقا وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ "الجاهلة" و"عديمة التربية"، ردا على هذه التصريحات التي اعتبرها البعض متطرفة.

وأضاف أردوغان "هم لا ينتقدون اللافتات المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، لكنهم يعترضون عندما يتعلق الموضوع باللغة العربية، العربية لغة دولية، وإحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة".

الرئيس أردوغان يصف إيلاي أكصوي بالجاهلة

أكصوي نزلت في تقرير مصور أمام المحلات والشركات العربية في منطقة الفاتح لتصور اللافتات المكتوبة بالعربية، مؤكدة أنها ستغلقها جميعا في حال فوزها.

المقطع الذي صورته إيلاي أكصوي في منطقة الفاتح

وبلدية فاتح هي واحدة من أهم بلديات إسطنبول الكبرى، التي تعد أهم دائرة محلية في البلاد، ويعيش فيها قرابة نصف مليون شخص، ويتردد عليها ملايين السياح، وتضم حدودها ما يعرف بشبه الجزيرة التاريخية، التي يقع فيها قصر الباب العالي، وآيا صوفيا، وجامع السلطان أحمد.

وتولي الأحزاب الحاكمة والمعارضة لهذه المنطقة اهتماما خاصا في المعركة الانتخابية، وتحاول انتزاع السيطرة على بلدية فاتح، خاصة مع القيمة الاقتصادية والرمزية التي تمثلها، ببقائها تحت إدارة حزب العدالة والتنمية الحاكم لمدة 15 عاما، وقبلها 5 سنوات تحت إدارة حزب الفضيلة الذي ترأسه الراحل نجم الدين أربكان.

سلاح ضغط

استخدمت أحزاب المعارضة التركية بتوجهاتها المختلفة، قضية اللاجئين السوريين في جميع الاستحقاقات الانتخابية المتتالية من البرلمان إلى الرئاسة، ثم البلدية، ومنذ أن فتحت البلاد حدودها عام 2011، إبان الحرب السورية، استقبلت ما وصل إلى نحو 4 ملايين لاجئ سوري، وتعد تركيا أكثر البلاد التي احتوت أزمة اللاجئين.

قائد "تحالف الأمة" المعارض، ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، قال من قبل إنه (سيعيد السوريين إلى بلادهم)، وهي نفس الكلمة التي قالها محرم إنجه منافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2018، بينما قالت "ميرال أكشينار" زعيمة الحزب الجيد في الانتخابات الرئاسية أيضا "السوريون سيفطرون في بلادهم".

ميرال أكشينار "السوريون سيفطرون في بلادهم

اليمين المتطرف

الصحفي السوري المقيم في إسطنبول سعيد محمود قال لصحيفة "الاستقلال" "للأسف أغلب خطابات المعارضة التركية تتركز على العنصرية و كراهية العرب عموماً واللاجئين السوريين خصوصاً، وكأنه برنامج انتخابي لهم، كما فعلت المرشحة عن حزب الجيد المعارض في اسطنبول (إيلاي أكصوي) عندما قالت إنها لن تسلم الفاتح للسوريين بحجة انتشار المطاعم والمحال العربية".

مضيفا "مرشحة الحزب الجيد تجاهلت النمو الاقتصادي الذي ساهمت به العديد من الشركات والفعاليات العربية في تركيا عموماً واسطنبول وغازي عنتاب خصوصاً بحسب إحصائيات تركية رسمية".

وعن التشابه بين خطاب المعارضة التركية، وخطاب اليمين المتطرف في أوروبا بخصوص أزمة اللاجئين أكد سعيد محمود "بالطبع سيؤثر الخطاب العنصري للمعارضة التركية تجاه العرب والسوريين سلباً، ولكن ربما ليس بدرجة الخطاب العنصري لليمين المتطرف في أوروبا وأستراليا؛ لأن الشعب التركي غالبيته من المسلمين السنة بنسبة تصل إلى 90 %، مما قد يخفف من النبرة العنصرية بشكل أو آخر".

تطال الأتراك

إشكاليات الخطاب التعبوي الذي انتجه تحالف الأمة خلال الدعاية الانتخابية، تجاوزت العرب والسوريين إلى الأتراك أنفسهم، فقاموا بحملة غير مبررة على الحجاب الذي ترتديه قطاعات كبيرة من الشعب التركي.

ونقلا عن موقع "تركيا الآن" نشر عضو بحزب الشعب الجمهوري صور مقاطع من مطار أتاتورك للموظفات المحجبات، وقال: "إنه لا يعلم إذا كان في مطار إسطنبول أم في مطار طهران؟!".

في 30 مارس/ آذار 2019، ألقت الشرطة التركية في ولاية أضنة القبض على امرأة اعتدت على شابتين تركيتين منتقّبتين، وحاولت نزع نقاب إحداهن، وبثت وسائل إعلام تركية تسجيلاً مصوراً من كاميرا مراقبة لحادثة الاعتداء على الشابتين التركيتين ياران ديمير (19 عاماً) وسميّة أوزتيكين (20 عاماً).

مقطع يظهر السيدة وهي تعتدي على فتاتين تركيتين بالحجاب

وتعد قضية الحجاب في تركيا من القضايا الحساسة؛ نظراً لأنه كان محظورا ارتدائه في مؤسسات الدولة والجامعات قبل عام 2010.

المعارضة التركية تتبنى نفس منهجية اليمين المتطرف في أوروبا، ويضغطون

على الحكومة من خلال أزمات اللاجئين والأجانب، وإشكالية هذا الخطاب، أنه سيستمر أثره بعد انتهاء المعركة الانتخابية، وستمتد موجات الكراهية والعنصرية بسببه.

ففي 7 مارس/ آذار 2019، خلال تجمع نظمه حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي في ميدان تقسيم بإسطنبول، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أطلق الحاضرون صافرات استهجان عند سماع أذان العشاء.

ليعلق الرئيس التركي على هذه الحادثة في خطاب ألقاه بولاية أضنة جنوبي البلاد، قائلا: "إن مجموعة بقيادة حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي، اجتمعت في تقسيم بذريعة يوم المرأة، وتصرفت بوقاحة تجاه الأذان عبر الصفير والهتافات"، واتهم أردوغان الحزبين بمعاداة الأذان والعلم التركي.

خطاب تحريضي

من جانبه قال الكاتب المصري قطب العربي، رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام لصحيفة "الاستقلال": "المعارضة التركية تبنت خطابا تحريضيا واضحا ضد العرب والسوريين المقيمين في تركيا، وهذا الأمر له تأثيرات على العملية الانتخابية، ولكن أثره الأعمق داخل المجتمع، المعارضة تخلط بين الأزمة الاقتصادية، وانخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وبين وجود اللاجئين السوريين، محملة إياهم سبب هذه الأزمة".

وضرب الكاتب المصري دلالة على حادثة اشتباك وعراك ميداني حدث بين مجموعة من الأتراك والسوريين في منطقة اسنيورت بالجانب الأوروبي من إسطنبول يوم 9 فبراير/ شباط 2019، وتطور الحدث إلى مهاجمة المحال التجارية والمنازل، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين من كلا الجانبين.

الاشتباك الذي حدث بين الأتراك والسوريين

العربي أكد أنه رغم هذه الأحداث المؤسفة، فالشعب التركي في عمومه "يتمسك بقيم ثابتة وعادات وتقاليد أساسية نابعة من ثقافة إسلامية، تتميز باحترام الجار، وعدم الاعتداء، أو إيذاء الآخرين، وأن مثل تلك المناوشات تحدث في العديد من الأماكن، خاصة المعروفة بتعدد الأعراق والطوائف المجتمعية".

قرار الدمج

وفي يناير/ كانون الثاني 2019، كشفت إدارة الهجرة والجوازات التركية، عن عدد اللاجئين السوريين ليبلغ 3.636 ملايين، مع عودة عشرات الآلاف إلى مناطق درع الفرات، وغصن الزيتون التي تسيطر عليها تركيا. 

وتعمل الدولة التركية على رعاية اللاجئين، وتوفير سبل متعددة لخدمتهم، ونقلا عن وكالة الأناضول التركية، في 7 مارس/ آذار 2019، صرح ضياء سلجوق، وزير التربية الوطنية التركي "أن بلاده رفعت من نسبة تعليم السوريين في بلاده بنسبة 70 بالمائة، حتى بلغ عددهم ما يقارب الـ 700 ألف طفل".

وأوضح الوزير التركي، أن قرار دمج الطلاب السوريين في النظام التعليمي التركي الذي دخل حيز التنفيذ مطلع العام الدراسي 2017-2018، رفع من نسبة تعليم السوريين، معتبرا ذلك نجاحا كبيرا لبلاده.