داخليا وخارجيا.. ملفات "ملحّة" تنتظر عودة الرئيس الجزائري من ألمانيا

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

غادر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بلاده منذ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020، متوجها إلى ألمانيا لتلقي العلاج، بعد إصابته بفيروس كورونا.

منذ ذلك الحين، لا يزال الرئيس تبون إلى الآن بعيدا عن الأنظار، رغم الحديث في بيانات رسمية عن تحسن وضعه الصحي ودخوله المراحل الأخيرة من تلقي العلاج، إلا أن الشارع الجزائري ما زال يتعامل بمنسوب ثقة منخفض جدا مع كل ما يصدر عن السلطة القائمة. 

السؤال الذي يشغل بال الجزائريين خلال هذه الفترة يدور حول مصير الاستحقاقات القانونية التي تحتاج توقيع رئيس الدولة من أجل إنفاذها، وأهمها التعديلات الدستورية الأخيرة التي تم المصادقة عليها في الاستفتاء الشعبي العام مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

"عاد الإطار"

الحديث الوحيد الذي يتداوله المسؤولون الجزائريون هو أن الرئيس عبد المجيد تبون قد صار بخير، وأن عودته للبلاد أصبحت مسألة وقت فقط، وهو ما صدر أخيرا عن مؤسسة الرئاسة في بيانها يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

البيان قال: "تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بإطلاع الرأي العام على تطور حالته الصحية، يؤكد الفريق الطبي المرافق له أن السيد الرئيس قد أنهى بروتوكول العلاج الموصى به، ويتلقى حاليا الفحوصات الطبية لما بعد البروتوكول".

وسبق أن ذكرت الرئاسة، في بيان أصدرته يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أن تبون خضع "لفحوصات طبية معمقة في أحد أكبر المستشفيات الألمانية المتخصصة"، عقب إصابته بفيروس كورونا، مشيرة إلى أن فريقه الطبي أكد "تفاؤله" بعد الحصول على النتائج.

لكن مرور كل هذه الفترة الزمنية دون ظهور تبون، واقتصار القنوات الرسمية على إظهار صورة ثابتة للرئيس، أعاد بين الجزائريين نفس الحديث الذي كان يتم تداوله أثناء غياب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

تداول الجزائريون مجموعة من التعليقات في نفس السياق كان أبرزها، "عاد الإطار" في تشبيه لاستعمال النظام الجزائري لإطار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بدل حضوره في المناسبات الكبرى.

كان الملف الصحي لبوتفليقة سببا مباشرا في اندلاع الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019، وهو الآن أيضا يفتح الباب أمام الحديث عن وضع مؤسسة الرئاسة، التي تمتلك صلاحيات واسعة في الجزائر وتتمحور حولها مختلف السلطات والقرارات. 

صحيفة لوفيغارو الفرنسية قالت: "غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بعد إصابته بكوفيد 19، يُذكّر بغياب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويشكل مصدر قلق في البلاد، خاصة في ظل صمت السلطات الذي يثير التساؤلات ويغذي الشائعات أكثر وينزع المصداقية عن بياناتها الرسمية".

وأضافت الصحيفة: أن الرئيس تبون غاب عن حدثين بارزين، "أولهما افتتاح الجامع الكبير بالجزائر العاصمة، وهو المشروع الذي كان يتابعه منذ أن أصبح وزيرا للإسكان وثانيهما الاستفتاء على مراجعة الدستور، الذي سجل نسبة تصويت ضعيفة جدا بلغت 23.7 %".

وأكدت الصحيفة الفرنسية على أن "الأمور جميعها في الجزائر وصلت إلى طريق مسدود، وأن الأجندة الوحيدة للسلطة التنفيذية هي مرور العاصفة في انتظار عودة الرئيس تبون".

الدستور الجديد

صادق المجلس الدستوري، على النتائج النهائية  للاستفتاء الدستوري، مؤكدا على "صحته وشفافيته وفق الضمانات التي يكفلها الدستور والقانون المتعلق بنظام الانتخابات والنصوص التنظيمية ذات الصلة".

سياسيا، استكمل مشروع التعديل الدستوري، كامل الخطوات الضرورية لاعتماده، ولم يبق له سوى توقيع رئيس الجمهورية حتى ينشر النص في الجريدة الرسمية، ويصبح ساري المفعول، ويمهد لحل البرلمان الحالي والانطلاق في إجراء انتخابات تشريعية وفق الدستور الجديد.

بدوره، يقول موقع ألجيري أيكو "algerie-eco" الجزائري الناطق باللغة الفرنسية: "يمكن أن يتحول الغياب الطويل لرئيس الجمهورية إلى مأساة، كما كان الحال مع رئيس الدولة السابق عبد العزيز بوتفليقة".

وتابع: "منذ غياب الرئيس تبون، جرى إلغاء ما لا يقل عن 4 مجالس للوزراء، وتقريبا نفس عدد اجتماعات مجلس الأمن الأعلى والاجتماعات الرفيعة المستوى الأخرى، كذلك فإن قرارات رأس المال التي لا يحق إلا لرئيس الجمهورية الذي يجمع سلطات عديدة أن يتخذها، كان لا بد من تجميدها إلى حين عودته المحتملة المغطاة بالغموض".

ورأى أنه "نظرا لغياب رئيس الدولة الذي يتولى جميع السلطات التنفيذية، تعطلت العديد من القرارات الرئيسية التي يتعين اتخاذها على وجه السرعة، ومن بينها إدارة مكافحة فيروس كورونا وما يرتبط بذلك من قرارات، إضافة إلى متابعة الوضع السياسي ما بعد نجاح الاستفتاء الدستوري، يضاف إلى ذلك القرارات الاقتصادية من الاقتراض الخارجي إلى ميزانية عام 2021".

ولا يزال مشروع ميزانية البلاد معلقا دون توقيع رئيس الدولة من أجل إنفاذه منذ مصادقة نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2021 خلال جلسة علنية ترأسها سليمان شنين رئيس المجلس وحضرها وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن وعدد من أعضاء الطاقم الحكومي.

وتأتي هذه الميزانية في ظرف صعب واستثنائي تشهده البلاد جراء تراجع أسعار النفط وأزمة كورونا، حيث يتوقع أن يرتفع عجز الميزانية خلال 2021 إلى 57.13 بالمائة من الناتج الداخلي الخام مقابل 4.10 بالمائة في قانون المالية التكميلي لـ2020، كما يتوقع تسجيل ارتفاع في نسبة التضخم ليبلغ 50.4 %.

ملف ليبيا

من جهة أخرى تزامن غياب الرئيس الجزائري، في وقت شهدت فيه الساحة الليبية تطورات سريعة بدأت بإقرار وقف شامل لإطلاق النار مهد لحوار ليبي ليبي مباشر في تونس، اختتم بالاتفاق حول موعد الانتخابات نهاية العام 2021.

ومؤخرا وصل نحو 70 نائبا من طرابلس إلى مدينة طنجة المغربية، والتحق بهم فوج آخر من مجلس نواب طبرق في محادثات جديدة انطلقت يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني  2020، من أجل إتمام الاتفاقات السابقة حول خارطة الطريق.

كان واضحا غياب الدور الجزائري في هذا الملف الهام مع الدولة التي يشترك معها في حدود واسعة ومصالح مشتركة، حيث استضافت مصر عددا من الحوارات وكذلك المغرب وتونس، بالإضافة إلى لقاءات العواصم الأوروبية.

أزمة الكركرات

وعلى الحدود الأخرى، ارتفع منسوب التوتر بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو الانفصالية المدعومة من الجزائر، حيث شهد معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا مواجهة مسلحة لأيام.

وتعهدت جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بشن هجمات على القوات المغربية على طول الجدار الرملي العازل في الصحراء الغربية، وعممت خلال الأيام الماضية عدة بيانات عن تحركاتها العسكرية، وسط مخاوف من عودة النزاع المسلح بين الطرفين إلى ما كان عليه قبل وقف إطلاق النار.

ويبقى غياب رئيس الجمهورية الجزائرية مؤثرا، بالنظر للدور الذي من الممكن أن يلعبه لتطويق الأزمة أو توضيح موقف الجزائر منها، حيث توجه إليها الاتهامات في الوقت الحالي دون وجود رد رسمي. 

وفق عدد من المحللين المغاربة، فإن الجزائر تبحث من خلال جبهة البوليساريو على معبر آمن وإستراتيجي للمحيط الأطلسي، وهو ما يمكن ضمانه بالسيطرة على معبر الكراكات والمناطق المحيطة به، إلا أن واقع الأحداث يثبت عجز الجزائر عن ذلك في ظل تطور العلاقات بين موريتانيا والمغرب مع فشل محاولات البوليساريو العسكرية.

موقف مبدئي

واعتبر الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري محمد وعراب أن الموقف الجزائري من قضية الصحراء الغربية موقف مبدئي وقديم بدأ منذ احتلال المغرب للصحراء في العام 1975، والجزائر تعتبر الصحراء الغربية دولة مستقلة ومن حق شعبها الاستفتاء على تقرير مصيره، إما بالاستقلال أو بالحكم الذاتي داخل الدولة المغربية، وترفض أي خيار أحادي من قبل المغرب دون الرجوع إلى الأمم المتحدة.

وأضاف وعراب في حديث لـ"الاستقلال": "الجزائر تعتبر ما وقع خرقا لوقف إطلاق النار المقرر منذ عام 1991، ولأجل هذا كان الموقف الجزائري قويا، لكن دون اعتداء على المغاربة واكتفى بدعوة العرش المغربي إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة".

مضيفا: "إلا أن غياب الرئيس عبد المجيد تبون أثر بالفعل على الموقف الجزائري من الحدث الأمني على الحدود، ولم يؤثر فقط على هذا الملف بل كذلك على ملفات أخرى لا تقل أهمية خاصة إقرار الدستور الجديد وإنفاذه وغيرها من القرارات الهامة، إلا أن الغياب والتكتم على الوضع الصحي للرئيس تبون طول هذه المدة أثار شكوكا كبيرة وتخوفات مشروعة من قبل الجزائريين".

واستبعد وعراب أن يتدحرج الوضع في المنطقة إلى مواجهة واسعة بين المملكة المغربية والصحراويين، فالمغرب فقط تبحث عن معبر تجاري آمن بينها وبين موريتانيا، يعتقد المحلل الجزائري أن هذه الأزمة "ستنتهي بالعودة مجددا إلى طاولة المفاوضات بين مختلف الأطراف من أجل الوصول إلى حل".