المحجوبي أحرضان.. سياسي مغربي مثير للجدل زار إسرائيل وعاصر 3 ملوك

12

طباعة

مشاركة

فقدَ المغرب، الأحد 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، المحجوبي أحرضان، أحد أبرز رموز السياسة منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ومؤسس حزب "الحركة الشعبية" (مشارك بالائتلاف الحكومي)، عن عمر ناهز 96 سنة، بعد معاناة مع المرض.

عاصر أحرضان زمن الحماية الفرنسية (1912-1956) على المغرب، كما شهد فترة الاستقلال واقتحم السياسة بعدها، متقلدا مناصب حكومية عديدة.

عاش الزعيم السياسي الأمازيغي، في عهد 3 ملوك (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس)، وجمع بين السياسة والفن التشكيلي وكتابة الشعر والرواية. شارك لفترة قصيرة في الحرب العالمية الثانية ضابطا في الجيش الفرنسي، ثم التحق بعدها بالمقاومة المغربية.

أثار أحرضان الكثير من الجدل، حيث كانت علاقته بالملك القوي الحسن الثاني "متوترة نوعا ما"، بسبب قضايا عديدة أبرزها الأمازيغية وجبهة "البوليساريو" والصحراء، كما كان أول مسؤول سياسي مغربي يزور إسرائيل، وتكررت الزيارة مرتين.

مسار حافل

ولد أحرضان عام 1924 وسط قبيلة أمازيغية في مدينة "والماس" وسط جبال الأطلس (شمالا)، درس الإعدادية بمدينة آزرو، والتحق بالمدرسة العسكرية في مدينة مكناس (شمالا) التي تخرج منها سنة 1940 برتبة ضابط، حيث عيّن الجيش الفرنسي أحرضان سنة 1949 قائدا بمسقط رأسه. 

شارك الراحل كضابط في الحركة الوطنية المغربية وكان عضوا بالمجلس الوطني للمقاومة، واتهمه ضابط المخابرات المغربي السابق، أحمد البخاري، في حوار له، بأنه "كان أحد الموقعين على وثيقة نفي الملك الراحل محمد الخامس، وبأنه كان أحد عملاء المخابرات الفرنسية".

بعد وصول حزب الاستقلال إلى السلطة بعد استقلال المغرب، سُجن أحرضان ثم خرج بعد مدة وجيزة، لينخرط في مقاومة الاحتلال، فأصبح عضوا في المجلس الوطني للمقاومة ومسؤولا في جيش التحرير. 

وكان أحرضان من بين الأسماء التي خطط المقاوم أحمد بوشلاكن، المشهور بلقب "شيخ العرب"، لتصفيتها بتهمة التعاون مع فرنسا. 

بدأ أحرضان بتشكيل النواة الأولى لحزب "الحركة الشعبية" منذ الاستقلال في سياق سياسي لا يخلو من السعي إلى منافسة حزب الاستقلال الذي كان مهيمنا على النخبة وعلى الشارع بالمغرب. 

حصلت الحركة على الاعتراف القانوني في فبراير/شباط 1959، وانعقد مؤتمرها الأول في يونيو/ حزيران 1959.

وشهدت "الحركة الشعبية" بعد تأسيسها انشقاقات عديدة كان أولها خلاف على الزعامة بين أحرضان والسياسي عبد الكريم الخطيب (1921-2008)، وتفجر هذا الخلاف عام 1966 فانقسمت الحركة على نفسها حيث احتفظ أحرضان باسم الحزب وأسس الخطيب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" عام 1967. 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1986 انعقد المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الذي أقال أحرضان من منصبه ليصبح، محمد العنصر، الكاتب العام للحركة الشعبية، فأسس بعدها أحرضان عام 1991 حزب "الحركة الوطنية الشعبية"، ولم يمر على الحزب الجديد سوى 4 سنوات حتى انشقت منه كتلة جديدة أسست "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" بقيادة محمود عرشان.

ظل أحرضان وحزبه الأول الحركة الشعبية يعلنان نفسيهما مدافعين عن "البادية"، أي عن الشعب المغربي البسيط الذي يعيش في القرى، ومنذ أن وقع أول انشقاق في صفوف الحركة الشعبية، عبّر المحجوبي عن توجهات أمازيغية في برامجه وخطاباته، محتفيا بالأصول والتراث الأمازيغي.

طالب بتدريس اللغة الأمازيغية ومواجهة "الاتجاهات العروبية" (القومية العربية) في المغرب، دون أن يصل لمستوى حسين آيت أحمد بالجزائر وحزبه جبهة القوى الاشتراكية، فيما وصفه معلقون بأنه "كرس في مواقفه السياسية ثقافة الطاعة بامتياز"، وأنه حول حزب الحركة الشعبية إلى "وكالة انتخابية وحاضنة للموالين للسلطة".

وحظي أحرضان بمكانة مهمة في الخريطة السياسية المغربية لأنه عكس مراحل مختلفة من التاريخ السياسي في البلاد.

زيارة إسرائيل

تقلد أحرضان منصب والي العاصمة الرباط بعد الاستقلال مباشرة، وشارك في 8 حكومات، ومن بين الوزارات التي تقلدها، وزير الدفاع في أول حكومة يشكلها الملك الحسن الثاني وشغل في المنصب بين 1961 - 1964، وفي أغسطس/آب 1964، عيّن وزيرا للفلاحة ثم وزيرا للفلاحة والإصلاح الزراعي في يونيو/حزيران 1965. 

وخلال الفترة ما بين فبراير/ شباط 1966 ومارس/ آذار 1967، عين وزيرا للدولة مكلفا بالدفاع الوطني، وفي 1 مارس/ آذار 1977 عيّن وزيرا للدولة، وفي 10 أكتوبر من نفس السنة، عين وزير دولة مكلف بالبريد والمواصلات في حكومة أحمد عصمان. 

كما عيّن أحرضان وزيرا للتعاون في حكومة المعطي بوعبيد عام 1979، كما عين وزير دولة في حكومة محمد كريم العمراني عام 1983 بصفته زعيم أحد الأحزاب الستة الكبيرة في المغرب. 

في مارس/ آذار 2006، عملت قيادات "الحركة الشعبية" وكل الحركات المنشقة منها، بما فيها "الحركة الوطنية الشعبية" و"الاتحاد الديمقراطي"، على توحيد صفوفها في حزب واحد هو "الحركة الشعبية"، وتم اختيار المحجوبي أحرضان رئيسا للحزب ومحمد العنصر أمينا عاما.

وحصل الحزب على 32 مقعدا في انتخابات 2011، واحتل الرتبة 6، ويشارك في الحكومة الحالية.

أثار أحرضان جدلا واسعا، إثر زيارته مرتين، لإسرائيل في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بطلب من الملك الراحل الحسن الثاني (1929-1999)، ليكون أول مسؤول سياسي مغربي يزور إسرائيل.

وقال أحرضان حينها في حوار مع موقع "إيلاف" السعودي: "الزيارة إلى إسرائيل جاءت بعدما توصل الحسن الثاني برسالة من رئيس الوزراء إسحاق رابين يلتمس فيها من ملك المغرب مساعدته في إقناع اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل بدعمه في تحقيق السلام مع الفلسطينيين”.

وأضاف أحرضان: "التقيت باليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل في موسم يقيمونه يعرف باسم (للا ميمونة) وأبلغتهم رسالة الملك ورحبوا بها".

وفي زيارة أخرى، يقول أحرضان في حوار مع قناة "الجزيرة" القطرية: إنه "عاد من إسرائيل وقدم تقريرا للملك الحسن الثاني، ذكر فيه أنه التقى رئيس الوزراء ببنيامين نتنياهو للحديث عن السلام".

مواجهة مع الملك

روى عبد الهادي بوطالب، مستشار الملك الحسن الثاني ووزيره لعدة مرات وأستاذه في المعهد المولوي، أنه خلال إحدى المجالس الحكومية مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وبينما كانت هجمات البوليساريو تشتد في إقليم الصحراء تدخل أحرضان الذي كان حينها كاتب دولة مكلف بالتعاون الدولي آنذاك، قائلا: "أعطوني كتيبة عسكرية وأريحكم من هذه الأزمة".

وقبل نهاية الاجتماع، بلغ الخبر للملك الحسن الثاني واقتحم لقاء أعضاء الحكومة متوجها نحو أحرضان قائلا: "لست وحدك الوطني في هذا البلد، كلنا وطنيون لكن الأمور لا تحل بهذه الطريقة".

يضيف بوطالب، بحسب ما نقلته صحيفة "الأيام" المغربية: "توقف الأمر عند هذا الحد مؤقتا، قبل يقول أحرضان في حوار مع صحيفة ”الباييس” الإسبانية ما معناه: إن "العقد بينا وبين الملك هو عقد البيعة وعلى الطرفين احترامه".

قبل ذلك، وجه أحرضان دعوة للشاعر والرئيس السنغالي السابق ليوبول سيدار سينكور، للرباط بهدف المشاركة في الجمع العام التأسيسي لجمعية ”أكراو أمازيغ” (أهلية)، لكن الملك الحسن الثاني لم يعجبه الأمر لأن الاستدعاء تم بدون إخباره، فقام بمنع تأسيس هذه الجمعية، وفق مصادر إعلامية.

بعدها طرد الملك، الذي عرف بقوة كاريزمته وحسمه، السياسي أحرضان بطريقة غير مباشرة من حزب "الحركة الشعبية" الذي كان يترأسه، حيث نُظم مؤتمر استثنائي للحزب سنة 1986 أقيل خلاله أحرضان وانتخبت لجنة من 8 أمناء عامين استقلوا طائرة باتجاه مراكش ليستقبلهم الحسن الثاني ويقرر تعيين امحند العنصر أمينا عاما جديدا للحزب.

عام 2014، أصدر أحرضان مذكراته بعنوان "الزايغ" (المتمرد) تناول فيها الفترة التي تلت عام 1961 إلى 1999، وهي مرحلة سياسية مهمة للغاية، وتطرق فيها إلى محاولتي الانقلاب اللتين تعرض لهما الحسن الثاني عامي 1971 و1972، والمسيرة الخضراء (6 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 لتحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني) ، والحرب مع الجزائر عام 1963.