"مسألة وقت".. لماذا تهدد تركيا مجددا بعملية عسكرية شمالي سوريا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت التهديدات المتكررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشن عمليات عسكرية جديدة شمالي سوريا، جملة من التساؤلات بخصوص توقيتها ودوافع أنقرة للقيام بذلك، إضافة إلى طبيعة الموقف الأميركي منها، كونها موجودة بالمنطقة وداعمة للتنظيمات الكردية.

الرئيس التركي، كان قد أكد أن بلاده ستعمل على تطهير أوكار "الإرهاب" في سوريا بنفسها إن لم يتم الوفاء بالوعود المقدمة لها، في إشارة إلى وعود أميركية وروسية عقب عملية "نبع السلام" بإخراج التنظيمات الكردية من المناطق المتاخمة للحدود التركية.

وأضاف خلال تصريحات في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: أن "الأطراف التي تلتزم الصمت إزاء التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها تضع كافة المبادئ الأخلاقية والقانونية والحقوقية جانبا عندما يتعلق الأمر بتركيا"، مؤكدا أن "وجودنا الفاعل سيتواصل ميدانيا حتى يتحقق الاستقرار على حدودنا الجنوبية مع سوريا".

"نبع السلام"

وتأتي تهديدات الرئيس التركي، بعد مرور عام على بدء عملية "نبع السلام"، ضد التنظيمات العسكرية الكردية، وتنظيم الدولة شمالي سوريا، لإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وأطلقت تركيا "نبع السلام" في 9 أكتوبر/ تشرين أول 2019، شمالي سوريا، استنادا لحقها الشرعي في الدفاع عن النفس، بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن حدودها.

وفي اليوم نفسه، غرد أردوغان على تويتر، أن القوات المسلحة التركية بدأت عملية "نبع السلام" بمشاركة الجيش الوطني السوري، ضد تنظيم الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني، وتنظيم الدولة شمالي سوريا.

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، اتفق الرئيس التركي، ونائب الرئيس الأميركي مايك بنس، على تعليق عملية "نبع السلام" لمدة 120 ساعة، لإتاحة الفرصة لانسحاب عناصر تنظيم الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني من المنطقة الآمنة.

وخلال تلك الفترة، تم إخلاء المنطقة من "رأس العين" إلى "الحسكة" من أعداد كبيرة من عناصر التنظيمات الكردية المسلحة، ورغم التزام القوات التركية بالاتفاق، إلا أن هذه التنظيمات استمرت في انتهاكاتهم، وفقا للموقف الرسمي لأنقرة.

خطوة أميركية

وعلى ضوء التطورات في الشمال السوري، ونية تركيا شن عملية عسكرية جديدة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تمديد حالة "طوارئ وطنية" متعلقة بالأوضاع في سوريا، عاما إضافيا، محملا تركيا المسؤولية.

ونشر البيت الأبيض بيانا لترامب، جاء فيه: "الوضع في سوريا، وخاصة الأفعال التي أقدمت عليها تركيا بتنفيذ هجوم عسكري على شمال شرق سوريا، تقوض الحملة الهادفة لهزيمة تنظيم الدولة، وتعرض المدنيين للخطر، وتواصل تهديد السلام والأمن والاستقرار بالمنطقة".

وتابع: بأن العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري، "تواصل تشكيل تهديد غير عادي على الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".

وأضاف ترامب: "لهذا السبب، فإن حالة الطوارئ الوطنية المعلنة في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 يجب أن تبقى سارية بعد 14 تشرين الأول/أكتوبر 2020 لمدة سنة واحدة".

تدابير احترازية

تفسيرات المحللين السياسيين تباينت بخصوص التهديدات التركية، وتوقيت شن العمليات العسكرية، والهدف من ضغط تركيا على الأطراف الدولية المعنية بالملف السوري في الوقت الحالي.

الخبير العسكري والإستراتيجي السوري عبد الله الأسعد قال لـ"الاستقلال": إن "تركيا دائما تتبع أسلوب أخذ الاحتياطات والتدابير الاحترازية قبل أن تتمكن المنظمات الإرهابية من تحصين مواقعها والقيام بشن هجمات عسكرية ضد القوات التركية".

وأوضح أن "هناك أمورا عدة لوجود المنظمات الإرهابية شمالي العراق وسوريا، والقيام بين الحين والآخر بشن عمليات ضد المواقع العسكرية التركية التي أصبحت موجودة في الشمال السوري بشكل فعلي وباتت مواقع قتالية".

ولفت الأسعد إلى أن "العمليات التي تشنها المنظمات الإرهابية يتم الرد عليها، لكن تركيا لا تريد تبني نهج ردات الفعل، وإنما تسعى إلى اقتلاع هذه المنظمات كي لا تبقى في هذه المناطق التي تم الاتفاق عليها في السابق مع الولايات المتحدة بعد عمليات (نبع السلام) على طردها من المنطقة وإيجاد مساحة خالية من هذه المنظمات، لكن واشنطن لم تلتزم بذلك".

من جهته، رأى الباحث في الشأن السوري يوسف الحاج يوسف أن "موضوع العمليات العسكرية التي تريد تركيا شنها ضد التنظيمات الكردية يندرج ضمن الصراع مع روسيا، لأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتبر أن الأكراد ورقته التي يضغط بها في طاولة المفاوضات، حتى في التعامل مع موضوع إدلب".

ولفت الحاج يوسف في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "أردوغان يضغط على روسيا والولايات المتحدة لإنهاء ملف التنظيمات الكردية، وبذلك هو يحاول إرغام الطرفين على حل موضوع الأكراد، لأنه يشكل بطبيعة الحال تهديدا لتركيا".

ونوه الباحث السوري إلى أن "موضوع سوريا بالنسبة لتركيا أصبح مرتبطا بشكل كبير في مدينة إدلب والوضع الخاص فيها والذي تحاول الحفاظ عليه، وكذلك مرتبط بقضية التنظيمات الكردية المسلحة".

تدخل حتمي

في السياق ذاته، قال الكاتب التركي، كورتلوش تايز، خلال مقال نشرته صحيفة "أكشام" التركية في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن الملف السوري يعود للواجهة من جديد، مشيرا إلى أن تهديدات الرئيس التركي كانت موجهة بالدرجة الأولى لروسيا والولايات المتحدة.

وأضاف: أن تركيا قد تتجه وحدها لشن عملية عسكرية في الشمال السوري، كما وعدت سابقا، لافتا إلى أن تصريحات أردوغان جاءت بالوقت الذي زادت فيه واشنطن الشحنات إلى الوحدات الكردية المسلحة في الآونة الأخيرة.

وأكد تايز أنه في الوقت الذي تسير القوات الأميركية دورياتها في المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية المسلحة، فإنها تقوم من جهة بتوفير الأسلحة لهم، ومن جهة أخرى تنفذ أنشطة سياسية ودبلوماسية لإضافة الشرعية على المنظمة التي تعتبرها أنقرة بـ"إرهابية".

وأوضح أن جيفري، الممثل الخاص لأميركا في سوريا، هو الشخص الذي يقود هذه الأنشطة شخصيا، ويبذل جهودا لدمج الجهات الكردية المدعومة من بارزاني بـ"قسد" في المنطقة.

وأضاف: أن الخطوة الأميركية التالية تكمن في وضع "الجماعات الإرهابية" في الدستور السوري الجديد، وإجبار تركيا للخروج من سوريا من خلال خلق منطقة "حكم ذاتي" للمنظمة الكردية.

وشدد على أن "تركيا لن تسمح بالأمر الواقع، وقد أعلنت للجميع أنها ستقف أمام ذلك، وقامت بإنشاء منطقة أمنية على طول الحدود مع سوريا بعمق 20 كيلو مترا، وتلقت وعودا من الولايات المتحدة وروسيا بتنظيف المناطق من المنظمة الإرهابية".

ورأى تايز أن الولايات المتحدة، التي لم تف بوعدها، تعمل حاليا لإنشاء منطقة حكم ذاتي للمنظمة الكردية المسلحة، وتزيد من شحناتها بالمنطقة، مشيرا إلى أن تركيا لن تسمح بإنشاء "دولة إرهابية" على حدودها.

وأكد الكاتب أن التدخل سيكون لا مفر منه مرة أخرى، ويمكن لتركيا التي لم تغادر الميدان أبدا، أن تتخذ فجأة إجراءات آنية ضد المنظمة الإرهابية بتدخل جديد، وهذا الاحتمال لم يعد بعيدا".

استشعار الخطر

وبخصوص الدوافع التركية لشن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، أكد الأسعد أن الوقت لتركيا مناسب لأنها تستشعر بخطر، لأن هناك اتفاقيات بين واشنطن وحزب العمال الكردستاني وغيره لتقوية "قسد" والمنظمات الانفصالية لأنها تشكل قوة ضاغطة في المنطقة الشمالية.

الموضوع الآخر، يضيف الأسعد: "ما يجري من تفجيرات شمالي السوري بمنطقة عفرين وغصن الزيتون ودرع الفرات، تقتل من السوريين الكثير، وهي تقع تحت سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، لذلك أنقرة تجد أن من واجبها طرد كل العملاء من قسد وجواسيس النظام، لأن هناك تقاربا بينهما ضد تركيا".

وبيّن الخبير العسكري السوري أنه "إذا لم تتوصل المباحثات السياسية إلى اقتلاع المنظمات الإرهابية الانفصالية من مكانها، فإن العملية العسكرية جاهزة وأصبحت المرحلة التحضيرية للهجوم جاهزة بالقوة البشرية والعتاد وكل ما تحتاجه من أنواع الدعم اللوجستي وتنتظر لحظة ساعة الصفر".

واتساقا مع ذلك، نقل الكاتب التركي، محمد أجاد، عن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، نفيه القاطع أي تأكيد تركي للولايات المتحدة بعدم شن عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية المسلحة.

وأضاف خلال مقال نشرته صحيفة "يني شفق" في 5 أكتوبر/ تشرين 2020: أن قالن لفت إلى أنه خلال المحادثات مع روسيا والولايات المتحدة، خلال عملية "نبع السلام"، قد أكدا على حق تركيا في الدفاع عن نفسها.

وفي حديثه للكاتب، أكد قالن أن "هجمات الوحدات الكردية المسلحة ما زالت متواصلة في مناطق عدة، لاسيما في عفرين ومنبج ومحيطها، وتل أبيض ورأس العين".

ولفت إلى أن تركيا أبلغت روسيا والولايات المتحدة، وحتى إيران، أن الهجمات إذا استمرت فلن تبقى دون رد، وأن تركيا قد تتدخل في أي لحظة. 

وأضاف الكاتب أن الرئيس التركي لا يخادع في تصريحاته، وعندما يقول: "قد نأتي على حين غرة، فإن ذلك لا يعد فقاعيا، بل إن الجميع أدركوا وعوده التي ترجمت في الميدان أكثر من مرة".