مركز دراسات تركي يكشف تفاصيل الأزمة بين أنقرة وأثينا في بحر إيجة

12

طباعة

مشاركة

نشر مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام" التركي، بحثا أكد فيه أن "الأزمة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وبحر إيجة والتوترات في العلاقة مع اليونان كانت أحد الموضوعات الرئيسية في جدول أعمال السياسة الخارجية والداخلية منذ الصيف الماضي، حيث أصبحنا نسمع كثيرا عن مفاهيم: المياه الإقليمية والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة والمجال الجوي".

وقال الباحث جوكطوج سونمز في بحثه الذي نشره "أورسام": إن "فهم المعادلات التي تتشكل أساسا حول هذه المفاهيم وتندمج مع تسليح الجزر يمكن أن يضيء العمود الدبلوماسي الرئيسي والعسكري في العلاقات التركية اليونانية والأزمات المتعلقة بالجزر والقضية القبرصية وجهات النظر المتعارضة حول المجال الجوي والمناقشات حول جزيرة ميس ونظم التحالفات التي تشكلت في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والمسار المحتمل للأزمة".

وأضاف: "لذلك يمكن أن يكون شرح هذه المفاهيم وإلقاء نظرة على الخلفية التاريخية مفيدا لتقييم الفترة القادمة والسيناريوهات المحتملة بشكل أفضل، فالمياه الإقليمية تمثل المنطقة البحرية التي تحيط بأراضي الدولة وتتمتع الدول فيها بالحق في السيادة كما هو الأمر في حدودها البرية باستثناء المرور الحر غير الضار وحدود القيود القانونية".

وأوضح الباحث: "لكن هذا التعريف البسيط لا يشير إلى مساحة أو بعد معين كما هو واضح. والمشكلة الرئيسية هو تحديد هذه المساحة وهذا الأمر يمثل أحد المجالات الهامة لدراسة القانون البحري الدولي. ونظرا لأن الدول تتبع طرقا مختلفة فيما يتعلق بتحديد مساحة مياهها الإقليمية فإن هذا الوضع لا يزال موضوع توترات عسكرية ودبلوماسية. ومؤتمر جنيف عام 1958 ـ الذي يعد من أهم المبادرات الخاصة بالقانون البحري ـ لا يحتوي على أية بنود ملزمة بشأن الخلافات التي تنشأ لهذا السبب.

ورأى سونمز أن "الجرف القاري يمثل امتداد الدولة البري تحت سطح البحر، ولا يمكن أن يتجاوز الـ 200 ميل، ويتم تعريفها على أنها منطقة سيادة فعلية وطبيعية للبلد الساحلي دون أي تصريح خاص".

وتأتي أهمية المنطقة الاقتصادية الخالصة في مسائل استكشاف واستخراج الموارد الطبيعية في البحار وتختلف عن الجرف القاري بأنها تحتاج إلى إعلان خاص من الدولة على الساحل. وطالما أنها لا تتقاطع مع دولة أخرى فيمكن أن تمتد 200 ميل، والتي تمثل حدود الجرف القاري، ويعود أمر استخدام الموارد الحية وغير الحية في هذه المنطقة إلى تلك الدولة. وفي حالة وجود نزاع مع دولة أخرى، يصبح هناك احتمال لحدوث توتر دبلوماسي وعسكري بسبب الشرط المتعلق بإعلان الدولة للمنطقة الاقتصادية الخالصة.

الخلفية التاريخية

ووفقا للمركز، فإن "معاهدة لوزان تنص على ضرورة قبول المياه الإقليمية للطرفين على أنها 3 أميال. ومع ذلك لم تسبب زيادة اليونان لمياهها الإقليمية من 3 أميال إلى 6 أميال في عام 1936، أزمة كبيرة. والسبب يعود إلى أنه في ذلك الوقت كانت العلاقات بين أنقرة وأثينا متقاربة وكانت الأولوية للتهديد الذي شكلته إيطاليا في البحر الأبيض المتوسط ​​قبل الحرب العالمية الثانية".

وفي عام 1964 ومع تصاعد التوترات في قبرص زادت تركيا مياهها الإقليمية إلى 6 أميال بموجب قانون المياه الإقليمية رقم 476، واكتسبت مستوى قانونيا أكثر عام 1982 بموجب قانون المياه الإقليمية رقم 2674.

ونوه الباحث إلى أن البحر المسمى ببحر إيجة في على اسم إيجوس، والد ثيسيوس في الأساطير، كان يشار إليه تاريخيا باسم بحر الجزر في المصادر العثمانية والجمهورية حتى الأربعينيات. وبموجب هذه القوانين وبسبب الشكل الجغرافي الفريد لبحر إيجة فقد تقرر أن المياه الإقليمية لتركيا في بحر إيجة يساوي 6 أميال بينما يساوي 12 ميلا في كل من البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأسود.

الخلفية القانونية

وقال سونمز مدير الدراسات الأمنية في مركز "أورسام" وأستاذ مساعد في جامعة "أربكان": لقد منحت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، البلدين الحق في توسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا بموجب المادة الثالثة. ومع ذلك نصت المادة 300 من الاتفاقية نفسها على أن هذا يجب أن يقوم على مبادئ حسن النية وعدم إساءة استخدام الحق، وبالتالي يجب مراعاة حقوق وأخذ موافقة الدول الأخرى.

تنص الاتفاقية نفسها على أنه بالنسبة للبحار المغلقة أو شبه المغلقة مثل بحر إيجة، لا ينبغي تطبيق المادة الثالثة بل المادتين 122 و123. وتنص على وجوب موافقة الأطراف على السواحل المشتركة في مثل هذه التشكيلات الجغرافية.

وذكر سونمز أنه "بعبارة أخرى يمكننا القول إن موقف الدولة على الشاطئ الآخر المتأثرة مباشرة بالقرار، ولأهمية حيوية لقبول مساحة المياه الإقليمية التي تعلنها أي دولة من جانب واحد، استنادا على مبدأ الحق الذي تم التأكيد عليه في المادة 300".

وبحسب قوله، فإن اليونان تحاول أن تبني مطالبها على هذه الاتفاقية، ولكن حتى لو تركنا أحكام الاتفاقية المتعلقة بالبحار شبه المغلقة جانبا، فلا يمكن للمياه الإقليمية للدول ذات السواحل المتقابلة أن تمتد إلى ما بعد الخط الأوسط وفقا للمادة 15 ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين (ولا يوجد مثل هذا الاتفاق بين تركيا واليونان).

وأشار المركز إلى أنه لا يمكن للأمم المتحدة أن تعطي قرارات نهائية بشأن تحديد المنطقة فالدول تملك ظروفا مختلفة بسبب الظروف الجغرافية والعلاقات التاريخية والديناميكيات الاقتصادية. لذلك لا تجد اتفاقية عام 1982 أنه من المناسب ربط قضية المياه الإقليمية بقرارات نهائية. ولكنه يعطي الحق لـ 12 ميلا في حال التوصل إلى اتفاق.

بالفعل تمتلك أكثر من 30 دولة في العالم نطاقا مختلفا يقل أو يزيد عن 12 ميلا من المياه الإقليمية، مما يدل على أنه يمكن إجراء العديد من الترتيبات بالموافقة والإجماع وإذا لم يحصل ذلك، سيستمر النزاع ما يدل أنه قد لا يمثل نقطة الحل الرئيسية.

ورأى الباحث أن هذا قد يكون سببا لبدء الحرب بين تركيا واليونان، فقد أخبر وزير الخارجية التركي في عام 1976 شكرو إليكداغ نظيره الأميركي هنري كسنجر أن تركيا ستعد محاولة اليونان لرفع مساحة مياهها الإقليمية لـ 12 ميلا سببا للحرب، حيث إن الموقع الجغرافي للجزر وكون بحر إيجة شبه مغلق وشكل المنطقة لا يسمح بمسافة الـ12 ميلا لكلا الدولتين.

تقسيم إيجة

وقال سونمز في البحث: "إنه حسب مقالة خبير العلاقات الدولية البروفيسور طيار أري، حول مشاكل المجال الجوي والمياه الإقليمية في ضوء التطورات الأخيرة، فإنه وفقا لسيناريو اليونان فإن المياه الإقليمية لتركيا ستزيد من 7.47 بالمئة إلى 8.76 بالمئة من بحر إيجة ككل بينما ستزيد المياه الإقليمية اليونانية من 43.68 بالمئة إلى 71.53 بالمئة وتقل مساحتها البحرية من 48.85 بالمئة إلى 19.71 بالمئة".

وتابع: "إذا حدث هذا فسيكون من الصعب للغاية الملاحة في بحر إيجة من ناحية تركيا. وسيصبح الخروج إلى البحر الأبيض المتوسط ​​من بحر إيجة مستحيلا بدون إذن ومعرفة اليونان. كما ستصبح التجارة في بحر إيجة تحت السيطرة اليونانية بالكامل، وستتأثر جميع الجهات التي تتاجر على الطريق بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، ومع انخفاض المياه الدولية التي تتمتع بحرية التجارة، سينخفض النشاط الاقتصادي للمنطقة بشكل كبير".

وعلى صعيد آخر ومع أن هناك مبدأ مفاده بأن المجال الجوي يجب أن يكون مثل مساحة المياه الإقليمية، فقد زادت اليونان مجالها الجوي من 6 إلى 10 أميال خلال فترة تراجع علاقاتها مع تركيا.

وتستخدم اليونان عدم وجود اعتراض من تركيا في ذلك الوقت كجزء من أطروحتهم، بينما تؤكد تركيا أن القرار الذي لم يبلغ لمنظمة الطيران المدني الدولي حتى عام 1975 هي مسألة قانون داخلي ولا يلزم تركيا بشيء.

ومحاولة الحصول على 10 أميال من المجال الجوي في معادلة لا يمكن فيها تطبيق 6 أميال من المياه الإقليمية على العديد من الجزر أو حتى 3 أميال على بعض منها، لتعتبر نهجا بعيدا عن الحقائق الجغرافية في هذا المجال.

من ناحية أخرى، تحاول اليونان تحويل خط منطقة معلومات الطيران وهي خدمة الإنذار داخل مجال جوي معين ـ وتمثل عملا تقنيا، كما لا يعني مجالا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع الحقوق السيادية ـ والذي تم تسليمه لسلطتها في عام 1952 ويغطي المجال الجوي الدولي لبحر إيجة، إلى منطقة ذات سيادة عسكرية وسياسية، بحسب البحث.

وأكد الباحث: "أنها تبحث عن طريقة لزيادة مجالها الجوي إلى 10 أميال عبر هذا الخط. بينما ترفض تركيا ذلك رفضا قاطعا وتذكر ذلك في المنصات الدولية وتؤكد على أن المجال الجوي يجب أن يكون مساويا للمياه الإقليمية والتي تساوي 6 أميال".

ولفت إلى أن اعتبار 6 أميال في مناورات الناتو تقوي من موقف تركيا ولكن فرق الأربعة أميال يعد سببا مهما وقويا في تصاعد التوترات بين البلدين".

وأشار سونمز إلى سبب آخر يصعد التوترات بين الطرفين، حيث تؤخر اليونان أو تغير إعلانات النوتام (إشعار إلى الطيارين) ـ التي يمكن تعريفها على أنها إعلانات عن معلومات مهمة قد تؤثر على سلامة الطيران والأرض ـ المتعلقة بالتدريبات العسكرية التركية. بينما يجب نشر النوتام الخاص بالدول دون تغيير وفقا للأعراف والقواعد الدولية".

تسليح الجزر

وبحسب الباحث، فإنه فقط حوالي 100 من أكثر من 3 آلاف جزيرة ومنطقة صخرية ـ والتي تتوافق مع مساحة 10 في المائة من بحر إيجة ـ تعد مناسبة للحياة البشرية،

وأكد أن 60 من هذه الجزر الـ3000 تابعة لتركيا، حيث سجلت المادة 15 من لوزان بشأن الجزر الـ13 في منطقة منتاش وجزيرة ميس في البحر الأبيض المتوسط، والتي تُركت لإيطاليا بموجب معاهدة أوشي في عام 1912، قبول هذه الفترة مرارا وتكرارا. ومع ذلك، تم إعطاء هذه الجزر إلى اليونان من قبل إيطاليا في عام 1947 مع المادة 14 من معاهدة باريس للسلام بعد الحرب العالمية الثانية. وتنص هذه المادة بوضوح على أن الجزر المنقولة ملكيا لا يمكن تسليحها.

وأردف: إضافة إلى ذلك، تشكل المادتان 12 و13 من معاهدة لوزان للسلام لعام 1923 والمادتان 49 و6 من معاهدة مضيق لوزان الموقعة في نفس العام أسسا قانونية أخرى حول إمكانية تسليح الجزر اليونانية في بحر إيجة، لكن ابتداء من الستينيات ومع تصاعد التوترات القبرصية بدأت اليونان في تسليح هذه الجزر.

واعتبر الباحث أن النقطة الأخرى التي تعقد المشكلة، هي المادة 12 من لوزان، حيث ينص القانون رقم 11 من هذه المادة على أن أي جزيرة تقع على بعد أقل من 3 أميال من الأناضول فهو تابع إلى تركيا ما لم يكن هناك قانون آخر، إذ تقع جزر مثل ميس وشيوس وسيمي وكوس على بعد حوالي 3 أميال من الأناضول وبعضها أقل من 3 أميال مما يعطي فكرة عن المعادلة الأمنية غير المتكافئة في حالة تسليحها.

توترات مختلفة

وأشار المركز التركي إلى حقيقة أن هذه التوترات كانت مؤثرا في العلاقات بين البلدين في السبعينيات والتسعينيات، إذ يتحد اليمين المتطرف الصاعد واليسار الذي يملك تاريخا قويا في اليونان في قضية مناهضة تركيا دائما باستثناء بعض الفترات.  

ومن ناحية أخرى، يتعمق البعد الدولي للأزمة مع تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبيانات الاتحاد الأوروبي. وإن مواقف الجهات الفاعلة مثل مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل وبياناتهم الداعمة للإدارة القبرصية اليونانية واليونان تجعل علاقة التوتر أقوى مع الأحداث في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وليبيا وتوسع من حدود التوتر.

ووفقا للباحث، فإن جزيرة ميس التي تبعد كيلومترين من تركيا تتزايد أهميتها بسبب رواسب الغاز الطبيعي المكتشفة في البحر الأبيض المتوسط ​​في أوائل القرن الحادي والعشرين.

ونوه إلى أن إحدى طرق جلب موارد الغاز الطبيعي قبالة سواحل قبرص ومصر وإسرائيل إلى السوق الأوروبية هي خط الأنابيب، على الرغم من أن الخبراء يجدونها غير اقتصادية. وبغض النظر عن التداعيات الاقتصادية على تركيا كواحدة من معوقات التنفيذ فانه من المهم معرفة أن التحالفات التي تتشكل في المنطقة تتشكل ضد تركيا. فتدعم إسرائيل واليونان والاتحاد الأوروبي، التي تسعى لتقليل اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي، هذا المشروع المسمى بخط أنابيب شرق المتوسط ​​في جنوب قبرص.

ومع ذلك، ومن أجل تنفيذ هذا المشروع، يجب تقاسم البحر البالغ طوله 750 ميلا بين جزيرة قبرص وجزيرة كريت اليونانية باعتباره ولاية قضائية لقبرص واليونان. وهذا ممكن فقط عن طريق زيادة المياه الإقليمية لجزيرة ميس إلى 12 ميلا. من ناحية أخرى تواصل تركيا التزامها باستكشاف المنطقة المتنازع عليها مع التركيز على استخراج الموارد وحقوق الجمهورية التركية لشمال قبرص في مسألة البيع.

وبحسب الباحث، فقد اتخذت تركيا خطوة للأمام بعقدها اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس باعتراف الأمم المتحدة. وفي هذه الاتفاقية تم تقاسم منطقة شرق جزيرة كريت بين ليبيا وتركيا. وردا على ذلك، أبرمت اليونان صفقة مماثلة مع مصر. الأمر مثير للجدل إلى حد كبير من حيث القانون الدولي ولكن الحدود البحرية لتركيا واليونان قد تشابكتا.

ورأى سونمز أن اليونان وبدعم من الاتحاد الأوروبي تحاول أن تحل الأزمة بطريقة "حصل ما حصل ولن يتغير" كما ترغب في تقوية أنظمة التحالف الحالية لدفع تركيا الى عزلة إقليمية دائمة، لافتا إلى أن تركيا تحاول أن تحل الأزمة غير القانونية باستخدام الدبلوماسية وبالتأكيد على قوتها العسكرية وزيادة الوعي بمفهوم الوطن الأزرق في الجمهور المحلي كما وتحاول جمع الأطراف المعنية في ظروف تمكن جميع الأطراف من مناقشة حججهم المبررة.