رئيس الشيشان رمضان قديروف.. تلميذ بوتين وأداة ابن زايد

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحل في 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، الذكرى 44 لميلاد الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، الذي ولد عام 1976 في بلدة تسينتاروي جنوب الشيشان.

قديروف هو الرئيس الثالث للشيشان منذ الاستقلال، وهو ابن رئيسها الثاني ومفتي الشيشان أحمد قديروف، وقد تقلد مناصب عسكرية غير نظامية، ثم مناصب سياسية منذ عام 2007.

لطالما أثار الرجل الجدل بعلاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث يوصف بأنه ابن "بوتين المدلل"، و"صديقه المخلص"، وذلك لتلقيه الدعم المطلق من بوتين منذ توليه السلطة في الشيشان عقب مقتل والده أحمد قديروف عام 2004.

ورغم عدم إتمامه الثلاثين من عمره في ذلك الحين (2004)، إلا أن قديروف تولى، وبدعم من موسكو، منصب نائب رئيس الوزراء، وسرعان ما أصبح رئيسا للوزراء في مارس/آذار 2006، وفور بلوغه الـ 30 من عمره في فبراير/شباط 2007 تولى منصب الرئيس المؤقت للشيشان بعد تنحية علي ألخادوف، ثم منصب الرئاسة بشكل رسمي منذ أبريل/نيسان من نفس العام وحتى الآن.

لا يزال قديروف يتلقى الدعم الروسي في تثبيت سلطته وتصفية معارضيه ومنتقديه، ويدين مقابل ذلك بالولاء المطلق لبوتين وأجهزته الأمنية والاستخباراتية، وفي المقابل لا يدخر قديروف جهدا في مساعدة بوتين على التخلص من أعدائه، فيقود عمليات خارجة عن القانون وينفذ عمليات ضد ساسة ورجال أعمال وصحفيين لصالح الرئيس الروسي الحريص على عدم تلويث سمعته.

بداية الوئام

علاقة الود والوئام بين بوتين وقديروف بدأت أثناء الحرب الشيشانية الثانية، التي اندلعت في أغسطس/آب 2009 بين الروس والشيشان على أراضي الشيشان والمناطق الحدودية في شمال القوقاز، واشتركت فيها جماعات إسلامية مختلفة للجهاد ضد الروس.

في تلك الأثناء قام قديروف وجماعته المسلحة بالانشقاق عن المعسكر الشيشاني وانضم إلى المعسكر الروسي، حينها تلقى وجماعته المنشقة دعما من الأمن الفيدرالي الروسي، ومنذ ذلك الحين أصبح قائدا للأمن الرئاسي الشيشاني، الذي أطلق عليه فيما بعد اسم (قديروفيتس) أو (القديريون) الذي سيكون لهم دور فيما بعد في تصفية معارضي قديروف وتثبيت سلطته.

حسب الباحث أشرف الصباغ وهو روسي من أصل مصري، متحدثا لصحيفة "رصيف 22" الإلكترونية، فإن قديروف يعتمد على جهازين أمنيين في جمهوريته، واحد لحفظ الأمن العام، والآخر لحمايته وتنفيذ عمليات خارج إطار القانون.

يضيف الباحث: "يسمى الجهاز الخاص بحمايته بالقديروفيتسي أو القديريون، ويقدر عددهم بـ 6 آلاف عنصر، ويشتهرون بزيهم الأسود الذي يميزهم عن أي جهاز أمني آخر في روسيا.

 سيئ السمعة

يحمل قديروف سمعة سيئة في مجال حقوق الإنسان، حيث يتهم بارتكاب جرائم ضد معارضيه، تراوحت بين التصفية والتعذيب، وذلك بدعم قوي من الرئيس بوتين، بحسب وكالة فرانس برس.

ووفقا لموقع ديلي بيست، يشتهر قديروف ومليشياته بالاضطهاد الوحشي وإجبار المواطنين على الاعتذار علنا عن أي مقالات أو مدونات أو حتى تعليق ناقد على وسائل التواصل الاجتماعي.

وحسب الصحيفة، فإن المواطن الشيشاني سلمان تيبسور كاييف (Salman Tepsurkayev) البالغ من العمر 19 عاما، اضطر لتقديم اعتذار مصور للرئيس الشيشاني رمضان قديروف، وحشر "قارورة زجاجية" في مؤخرته، كعقاب ذاتي له على انتقاد قديروف من خلال قناة تابعة له على التيليجرام.

ونقلت الصحيفة عن إيكاترينا سوكيريانسكايا، مديرة مركز تحليل ومنع النزاعات في الشيشان في تعليقها على الفيديو أن الكثير من المنتقدين يتعرض للاغتصاب من قبل السلطات.

وحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن قديروف بنى على طريقة راعيه فلاديمير بوتين، نظاما يدور حول شخصيته، وقد وجهت له انتقادات بكونه يدير إقطاعية من مليون نسمة، حيث شهدت الفترة التي قضاها في الحكم سلسلة من الاتهامات بالتعذيب والعقاب الجماعي.

تضيف الصحيفة أن قديروف رجل تناقضات، فمن ناحية هو عنيد، ومن ناحية أخرى هو شعبوي، ويعد مهما لروسيا التي تشهد إحياء على المستوى العالمي وزيادة التأثير في الشرق الأوسط لمواجهة التسيد الغربي ودفع المصالح الروسية للأمام".

المعارض السعودي سعيد بن ناصر الغامدي كتب في تغريدة على تويتر: "رمضان قديروف متهم بقتل العديد من منافسيه في ظروف مريبة في السنوات الأخيرة، داخل روسيا وخارجها فقد عُثر على مدون شيشاني، معارض لقديروف، مقتولا بعدة طعنات، داخل فندق بشمال فرنسا. وعُثر على عمران علييف الذي كان يستخدم الاسم المستعار منصور ستاري، مطعونا في غرفة فندق في مدينة ليل".

ويرتبط اسم الرئيس الشيشاني بعمليات قتل نتاليا استيميروفا، عضوة جمعية ميموريال لحقوق الإنسان في روسيا، التي قتلت بالشيشان في يوليو/تموز 2009، بعد أن هددها قديروف بالقتل قبل وفاتها ببضعة أشهر، وذلك لتخويفها ومنعها من الاستمرار في نشاطها المعادي لحكومته، وكذلك الصحفية آنا بوليتكوفسكايا التي قتلت عام 2006، أثناء توليه منصب رئيس الوزراء، بعد تحقيق أجرته عن انتهاكات لحقوق الإنسان في الشيشان.

في يوليو/تموز 2020، أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو أن واشنطن فرضت عقوبات على الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، وذلك لتورطه بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الشيشان.

تحت الطلب

علاقة قديروف القوية ببوتين وولائه المطلق له دفع الأول لإرسال قوات عسكرية إلى سوريا ووضعها تحت إمرة الكرملين بشكل مباشر وتحت تصرف بوتين، للقتال إلى جانب القوات الروسية وقوات بشار الأسد ضد المعارضة السورية.

وتعد القوات الشيشانية من أكثر القوات خبرة وذلك لتاريخها القتالي الطويل منذ استقلال الشيشان عن الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات ثم اندلاع الحرب الشيشانية الأولى عام 1994، ثم الحرب الشيشانية الثانية في عام 1999.

حسب الكاتب والباحث الروسي  ديميتري بريجع في مقال له على مركز حرمون للدراسات، فإن التدخل الشيشاني في سوريا بدأ بعد تحول الثورة السورية من سلمية إلى مسلحة، حيث بدأت مجموعات شيشانية تأخذ دورا مهما في المواجهات بين قوات النظام والمعارضة السورية، بعدها انضمت أعداد منهم إلى تنظيم الدولة.

يتابع الكاتب: "تم استعمالهم كأداة قوية لمواجهة فصائل المعارضة السورية، بسبب وجود جواسيس، بين هؤلاء الشيشانيين، كانوا يُرسلون المعلومات إلى مراكز الاستخبارات الروسية في موسكو، وبعد التدخل الروسي في سوريا دخل الجيش الشيشاني الرسمي التابع لقديروف إلى سوريا، وكان للشيشانيين دور مهم في القتال".

دعم مفتوح

ويتبنى قديروف الموقف الروسي من الأزمة السورية، حيث يعارض التدخل الأميركي والأوروبي والإسرائيلي في سوريا، ويراه السبب الأساسي لاستمرار الحرب، لكنه يدعم التدخل الروسي ويرى بشار الأسد الحاكم الشرعي.

قديروف قال في مؤتمر صحفي بغروزني سنة 2018: "بغض النظر عن مدى رغبة القيادة السورية، والشعب السوري، فإن الحرب لن تنتهي بوجود أميركا وإسرائيل وأوروبا ودول التحالف الأخرى، حيث إن هناك مصالح لدول مختلفة، وستستمر إراقة الدماء هناك إلى أن تتفق هذه الدول على ضرورة إنهاء الحرب".

ولطالما صحب قديروف الرئيس الروسي بوتين في زياراته، من بينها زيارته الشهيرة للسعودية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ثم زيارته للإمارات، بحسب فرانس 24 التي قالت: إن الرئيس بوتين زار السعودية والإمارات برفقة وفد هام من وزراء ومسؤولين روس كبار، من بينهم رئيس الشيشان رمضان قديروف الذي يدير هذه الجمهورية بقبضة من حديد ويلقى دعما قويا من الرئيس الروسي. 

الخيار المفضل

ولاء قديروف المطلق لمن يدعمه، وقتاله مع الروس ضد الجماعات المعارضة في الشيشان، ثم انخراط ملشياته بالحرب ضد المعارضة السورية، بالإضافة إلى عامل آخر مهم هو معارضته للفكر السلفي ودعمه للفكر الصوفي، كل تلك العوامل جعلته خيارا مفضلا لدى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد يمكن أن يحقق "أعماله القذرة"، حسب مراقبين.

استفاد ابن زايد من مليشيات قديروف المدربة تدريبا عاليا في أكاديمية "سبيتسناز" العسكرية في الشيشان، وفي سبيل تحقيق تلك الأجندة، أجرى قديروف عدة زيارات إلى أبوظبي، وعقد عدة لقاءات واتفاقيات مع ولي العهد محمد بن زايد.

صحيفة "روسيا اليوم" نقلت في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 منشورا لقديروف على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الروسي"VK" قال فيه: إنه بحث مع ابن زايد "آفاق العلاقات بين الإمارات وروسيا عامة ومع الشيشان خاصة، إلى جانب تنفيذ مشاريع إماراتية في جمهورية الشيشان الروسية".

وتابع: "لقد حققنا بالفعل نتائج جيدة. تم تنفيذ عدد من المشاريع التي لها أهمية كبيرة في المجال الاجتماعي والاقتصادي لجمهورية الشيشان، ومن بينها فندق (لوكال) ذو النجوم الخمس، إضافة لجامعة حديثة يتم بناؤها في الجمهورية بدعم مباشر من ولي عهد أبوظبي".

وبحسب قديروف فإن "صندوق الشيخ زايد للاستثمار يلعب دورا مهما في تطوير قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة في الشيشان".

مقابل ذلك فقد غدا قديروف يعمل تحت إمرة ابن زايد في تنفيذ أجندته المعادية للثورات العربية وداعميها، بعد أن رأت فيه حليفا قويا قد تستفيد من جيشه في وقت الحروب الصعبة.

نسخة بديلة

على المستوى الفكري فإن ابن زايد قد استفاد من عداء قديروف للإسلام السني وتشجيعه للإسلام بنسخته الصوفية، في البلد الذي تعتنق الأغلبية فيه المذاهب الصوفية، وعلى رأسها الطريقة القادرية والنقشبندية.

عمد ابن زايد إلى إطلاق عدة مؤتمرات في الشيشان، من بينها مؤتمر غروزني في أغسطس/آب 2016، لتجريم الإسلام السني الذي تعتبره حاضنة فكرية لما تعتبره "تنظيمات إرهابية" كجماعة الإخوان، وتدعو إلى نسخة بديلة (أكثر تسامحا) كما سماها، وهي النسخة التي يريدها ابن زايد أن تكون وفق تصوره.

شارك في تلك المؤتمرات رجال دين يعملون لصالح أبوظبي من بينهم رجل الدين الصوفي الحبيب علي الجفري والموريتاني ابن بية، وغيرهم من أعلام الصوفية الذين يعملون في المعسكر الإماراتي.

وفي مقال للدكتور أندرياس كريج، الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الدفاعية في كينجز كوليدج لندن، نشره في 21 يناير 2020 بصحيفة ميدل إيست آي، فإن مؤتمر الشيشان لسنة 2016 حول الإسلام السني، "كان رسالة سياسية".

وأضاف: "المؤتمر تم بتمويل مشترك من الإمارات ومصر وبالتنسيق مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، وهو صديق شخصي لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وقد دعا إلى العودة إلى نسخة أكثر تسامحا من الإسلام التي ترفض النشاط السياسي".

وتابع: "تم توجيه هذا المؤتمر لضرب الإسلام السني، ولذا فقد تسببت هذه المؤتمرات بتوتر العلاقة مع السعودية، التي قامت على أسس دينية سنية، وتحظى بدعم المؤسسة الدينية التقليدية، وهي مؤسسة سنية، لهذا فقد طار قديروف في رحلة إلى السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، في محاولة لإزالة التوتر الذي تبع انعقاد مؤتمر غروزني، وقدم اعتذاره للملك سلمان، موضحا بأن القصد هو الإسلام المتطرف، في إشارة لتنظيم الإخوان.

وحسب موقع "سبق" السعودي، فإن قديروف قدم اعتذاره لابن سلمان عن مؤتمر غروزني، مؤكدا أن السلفية وأهل الحديث مكوّن رئيس في أهل السنة والجماعة، معتذرا عن أي سوء فهم.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017 التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الرئيس الشيشاني قديروف، على هامش زيارة ملك السعودية إلى موسكو. 

وقال قديروف: إن الملك سلمان شدد أمامه على "التعامل الجدي" للمملكة مع ملف مكافحة الإرهاب، في إشارة جديدة إلى تحسن العلاقات بين الجانبين بعد طي صفحة "مؤتمر غروزني" الذي استبعد السلفية من قائمة المدارس السنية وتسبب برد فعل سعودي غاضب.

أكاديمية المرتزقة

عسكريا، عمدت أبوظبي لتوظيف قديروف للقتال لصالح أجندتها في عدة مناطق، فعدد من الملشيات الشيشانية الموجودة في سوريا انتقلت لدعم الأكراد في قتالهم ضد تركيا، وحسب مركز حرمون للدراسات، فإن ابن زايد قدم دعما للأكراد في قتالهم ضد تركيا من خلال الرئيس الشيشاني.

وقال المركز: "دعم ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد للأكراد كان عن طريق الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، للقتال ضد تركيا، ولمواجهتها ولمواجهة الإسلاميين في سوريا".

علاوة على ذلك فإن قوات شيشانية تابعة لقديروف انتقلت للقتال إلى جانب اللواء المنشق خليفة حفتر ضد القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليا في ليبيا، وفق ما ذكرت قناة "بي بي سي" البريطانية.

وحسب مجلة ذي ديلي بيست الأميركية فإن الآلاف من القوات الشيشانية أرسلوا للقتال في الشرق الأوسط ضد جماعات إسلامية، وقدرت الصحيفة نقلا عن تقارير روسية أن عدد القوات يتراوح بين 3500 إلى 5 آلاف مقاتل على درجة عالية من الخبرة القتالية.

تجدر الإشارة إلى أن قديروف يشرف على أكاديمية سبيتسناز، وهي واحدة من أكبر مدارس تدريب القوات الخاصة وأهمها، حيث يقوم قادة شيشانيون وروس، من بينهم مدرب القوات الخاصة المخضرم الذي كان يخدم مع الجيش الروسي دانييل مارتينوف، بالإشراف على عمليات التدريب.

وحسب الكاتب الروسي ديميتري بريجع، فإن الأكاديمية الشيشانية تضم أعتى المقاتلين، وتنوي كل من البحرين والأردن والسعودية والإمارات إرسال أفراد من "قوات النخبة" للتدرب على "مكافحة الإرهاب".

يضيف بريجع: أن "قديروف قد جعلها مركزا مهما لتدريب المرتزقة، وهي تؤدي دورا في تعميق العلاقات الشيشانية الإماراتية، وتساعد الشيشان في تخطي المشكلات المالية والعقوبات الأميركية".

تقرير لموقع ذي ديفينس بوست الإخباري المستقل، ذكر أن النشاط الشيشاني في الشرق الأوسط يتضمن أيضا إعداد القوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب من خلال أكاديمية "سبيتسناز" العسكرية في الشيشان.


المصادر