محمود الصواف.. مؤسس "الإخوان" بالعراق الذي حمل قضية فلسطين للمسلمين

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 11 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، تمر ذكرى وفاة الشيخ محمد محمود الصواف أحد منارات العلم والدعوة بالعراق والعالم الإسلامي في القرن العشرين، وكان له دور في نصرة فلسطين والجهاد الأفغاني، وساهم بجهود كبيرة في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي.

الصواف وافته المنية يوم الجمعة عام 1992 في مطار إسطنبول بتركيا أثناء انتظار الطائرة التي كانت ستقله إلى مكة المكرمة، حيث نقل جثمانه ودفن بمقابر المعلاة في مكة بجوار قبر الصحابي عبد الله بن الزبير، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والبذل خدمة للإسلام.

المدرسة الفيصلية

الشيخ الصواف من مواليد مدينة الموصل في 12 أغسطس/ آب 1914، حيث نشأ في أسرة عُرفت بالصلاح، وتعمل بالزراعة والتجارة، وتلقى في صغره تعليما في المدارس التابعة للمساجد، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة.

تلقى مبادئ اللغة والشريعة بحيث تأهل ليلتحق بالمدرسة الفيصلية التي أنشاها العالم الجليل، عبد الله النعمة، المعروف بعلمه وأدبه الراقي، والذي كان له بصمة واضحة في شخصية الصواف.

ومنذ الصغر لازم الصواف شيخ الموصل وإمامها الأكبر الشيخ محمد الرضواني، لسنوات حتى يتحصل على العلم، إذ زرع هذا الجو الذي نشأ فيه الصواف نقاء وصفاء في نفسه، وكان وقودا لحركته في الحياة.

وبعد تخرجه من المدرسة الفيصلية عام 1936، عمل الصواف معلما في بعض المدارس الابتدائية ثم الثانوية، لكنه استقال بعدها من عمله، وقصد القاهرة وقلعتها العلمية الأزهر الشريف، والتحق بكلية الشريعة عام 1943 وهو في الثلاثين من عمره.

واستطاع الصواف بقدراته العقلية ونبوغه، أن يختصر سنوات الدارسة إلى النصف، وأن يحصل على شهادة العالمية، والتخصص في القضاء في 3 سنوات بدلا من 6، وبذلك كان أول طالب علم شرعي عراقي ينالها.

وفي عام 1946 تناولت الصحف المصرية، خبر نبوغه فكان مضرب المثل في الاجتهاد في تلك الفترة، إذ وصفته إحدى المجلات بأنه "عبقري عراقي"، وأثنى عليه الإمام المراغي شيخ الأزهر ثناء عاطرا، وقال له: "يا ولدي لقد فعلت ما يشبه المعجزة".

تأسيس الإخوان

في الفترة التي عاشها الصواف في مصر، كانت القاهرة تموج بالأفكار والتيارات الدينية والسياسية المختلفة، حيث استطاعت دعوة الإخوان المسلمين أن تجذب إليها صفوة من شباب مصر والعالم الإسلامي، ومنهم الصواف الذي ساهم بتأسيس قسم الاتصال بالعالم الإسلامي في هذه الجماعة.

وقبيل عودة الشاب الصواف إلى العراق كان على موعد مع بعثة الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة التي عادت أدراجها إلى القاهرة لعدم نجاحها في تأسيس فرع لها في العراق، رغم كل قابليتها ونشاطاتها وسط الطلاب في بغداد.

عادت البعثة لمصر وقدمت تقريرا ميدانيا لمؤسس الجماعة في اجتماع بالمركز العام بالقاهرة قالت فيه: "من المحال أن تقوم للإخوان دعوة في العراق، وإنه ليس مقرا للدعوة ولا يصلح لها بسبب الفساد الذي استشرى والإلحاد الذي انتشر والشيوعية التي أخذت زمام الشباب".

وأكد كاتب تقرير اللجنة محمد عبد الحميد أحمد أنه خلال 4 سنوات من انتدابه في العراق - فقد عمل منفردا في نشر الدعوة بين بغداد والبصرة منذ عام 1943 إلى حين اندماجه بالبعثة - لم يستطع التأثير إلا في شخص واحد اسمه أحمد الجواري.

وبعد أن انتهى من كلمته، انبرى له الشاب الصواف فاحتج بشدة على محمد عبد الحميد أحمد واتهمه بالعجز والتقصير، وأنه لم يستطع التعامل مع الواقع العراقي فخطب قائلا: "يؤسفني أن أسمع هذا الكلام من رجل داعية ييأس من بلد فيه الملايين من المسلمين وله تاريخ حضاري قديم وأنجب العلماء والفطاحل والأدباء والأئمة، بلد الإمامين الكبيرين أحمد بن حنبل، وأبي حنيفة النعمان رضي الله عنهما".

وأضاف الصواف: "إن شاء الله تعالى سترى الدعوة في كل بيت وفي كل قرية وفي كل مدينة، وقد رفعت أعلامها في العراق، وسترى شباب العراق مع شباب مصر ومع شباب العالم الإسلامي وجها لوجه ويدا بيد وقلبا بقلب".

ورغم أن بعض الإخوان في المركز العام بالقاهرة كانوا يرون في كلام الصواف نوعا من طموح الشباب المبالغ فيه كون مقدم التقرير عضو هيئة تأسيسية ومتمرس قديم بالجماعة، لكن الشاب الصواف أثبت لهم العكس تماما بعد عودته إلى العراق.

ومثلت عودة الصواف من مصر بداية الحراك الإسلامي في العراق، فمع ما بذله الإخوة المصريون، فإن العمل التنظيمي لم يخرج من قالبه المبعثر إلا بعودة الصواف إلى الموصل ثم التحاقه بكلية الشريعة في بغداد مدرسا عام 1946.

بدأ الصواف دعوته في أروقة كلية الشريعة بالأعظمية، وأنشأ جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم أسس مع الشيخ أمجد الزهاوي- الذي كان أبرز العلماء المجتهدين في زمانه- جمعية الأخوة الإسلامية سنة 1948 واجهة عمل الإخوان في العراق.

جهاد فلسطين

في 15 يناير/كانون الثاني 1948، أثار توقيع حكومة العراق لمعاهدة "بورتسموث" مع الإنجليز غضبا لدى الشارع العراقي في حينه، فكان الصواف بخطبه النارية يمثل المعارضة، فتعرض للسجن، وفصل من عمله.

وقتها احتلت فلسطين صدارة جهاده، فعندما دخلت الجيوش العربية فلسطين وأعلن قيام إسرائيل في 1948، كان الصواف في طليعة المجاهدين الذين ذهبوا إلى فلسطين، وخرج على رأس مجموعة من الإخوان العراقيين إلى فلسطين بعدما جهز 3 أفواج بكامل عتادها وسلاحها.

الصواف كان يقول: "إن معركة فلسطين هي امتداد لمعارك صلاح الدين بالأمس"، وقد دون قصة هذا الجهاد في كتابه "الإسلام بين الأمس واليوم".

عندما انتهت حرب 1948 بين العرب واليهود، وقامت دولة إسرائيل لم يتوقف جهاد الصواف في نصرة القضية، بل خاض جهادا آخر في ميدان الوعي والثقافة، فأسس جمعية "إنقاذ فلسطين" مع طائفة من فضلاء المسلمين، وعملت الجمعية على جمع التبرعات وشرح القضية.

عقدت الجمعية عام 1953 مؤتمر القدس الذي حضره لفيف من العلماء، وانتدب المؤتمر الصواف وأمجد الزهاوي وعلي الطنطاوي للطواف بالعالم الإسلامي لشرح أبعاد القضية الفلسطينية.

محاربة الشيوعيين

وفي الستينيات كانت الأوضاع السياسية بالعراق تنبئ باقتراب حدوث تغيير سياسي كبير، وكانت إرهاصات حدوث انقلاب عسكري تتزايد، حتى وقع ذلك الانقلاب في 14 يوليو/ تموز 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم، وألغيت الملكية وأعلن قيام الجمهورية العراقية.

استقبلت الأوساط السياسية والشعبية هذا الانقلاب بابتهاج شديد سرعان ما تبدد مع صعود الشيوعيين ومحاولتهم الاقتراب من عبد الكريم قاسم الذي رحب بهم في البداية لعدم وجود قاعدة سياسية أو حزبية يتكئ عليها في ممارسة الحكم، إضافة إلى صراعه مع الضباط الوحدويين مثل عبد السلام عارف.

أدى اقتراب قاسم من الشيوعيين إلى احتقانات سياسية عسكرية كبيرة استغل بعضها أحد قادة الجيش عبد الوهاب الشواف، للقيام بحركة انقلاب مضادة في الموصل، عرفت بحركة "الشواف" ساندته فيها القوى المختلفة الرافضة للشيوعية، غير أن فشل الحركة تسبب في حدوث مجازر قام بها الشيوعيون، وأشيع أن الصواف قد قُتل ونعته بعض الإذاعات العربية، غير أن الرجل اختفى فترة، ثم رحل إلى الشام سرا عام 1959.

كان الشيخ الصواف قد أصدر مجلة "لواء الأخوة الإسلامية" التي وجهت انتقادات حادة للشيوعيين، وعندما ضاقوا بالنقد هاجموا المجلة وأحرقوا مكتبها ومطبعتها بعد 7 أعداد فقط من الصدور.

كانت الحركة الإسلامية في العراق تنتقد نظام حكم عبد الكريم قاسم، بسبب صعود الشيوعيين، وانتقاص الحزب الشيوعي العراقي للإسلام عقيدة وشريعة، وصدور قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي ألغى كل القوانين الإسلامية المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية، ومنع تعدد الزوجات، وأعطى المرأة حق الطلاق والمساواة في الإرث مع الرجل.

وفي ظل هذه التطورات، وقف الإخوان لهذا القانون بالمرصاد، خاصة بعد أن أصبح لهم وجود سياسي إثر حصولهم على حكم قضائي بإنشاء حزب، وتم لهم ذلك في أبريل/ نيسان 1960.

ترأس حزب الإخوان نعمان السامرائي الذي أصدر جريدة "الفيحاء"، وكان نقد الإخوان شديدا للشيوعيين، وكان لهم دور بارز في إحباط المشروع الشيوعي في العراق، لهذا سحبت وزارة الداخلية ترخيص الحزب في 15 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1960.

مبعوث الملك

في تلك المرحلة كان العراق تحت سطوة الشيوعيين، تلاها صعود حزب البعث إلى السلطة، لذا قصد الصواف الشام بحثا عن الحرية فقضى بها بضعة أشهر، ثم ما لبث أن اتجه صوب السعودية فرحب به وأكرمه ملكها الراحل فيصل بن عبد العزيز.

واختاره العاهل السعودي حينذاك، مبعوثا خاصا له إلى الملوك والرؤساء، فطاف الصواف 35 دولة غالبيتها من الدول الإفريقية، وساهم بجهود كبيرة في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، وسجل رحلاته في كتاب "رحلاتي إلى الديار الإسلامية".

اختير الصواف عضوا بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وعضوا في المجلس الأعلى للمساجد، والمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وكان له دور مشهود في خدمة ودعم الجهاد الأفغاني ورأب الصدع بين قادة الجهاد الذين كانوا يقتتلون بين الحين والآخر.

ورغم انشغال الصواف في الدعوة والجهاد والرحلات إلى البلاد الإسلامية، إلا أنه لم ينقطع عن التأليف، فأخرج عددا من الكتب حقق بعضها نسبة توزيع عالية وتمت ترجمتها إلى عدة لغات.

من أهم كتبه: "المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، أثر الذنوب في هدم الأمم والشعوب، معركة الإسلام بين الأمس واليوم، من سجل ذكرياتي، بين الرعاة والدعاة، نداء الإسلام، تعليم الصلاة، صفحات من تاريخ الدعوة الإسلامية في العراق، العلامة المجاهد أمجد الزهاوي شيخ علماء العراق المعاصرين، وعدة المسلمين في معاني الفاتحة وقصار السور من كتاب رب العالمين".