الرياض تكرس لانفصال جنوب اليمن.. ما علاقته بالتطبيع مع إسرائيل؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي تعلن المملكة السعودية موقفها الثابت والداعم للوحدة اليمنية، تنتهج أساليب تتناقض مع ذلك الإعلان بتكريس فصل جنوب اليمن عن شماله، عبر بروتوكولات وإجراءات رسمية.

في 12 سبتمبر/أيلول 2020، حضر عيدروس الزبيدي رئيس ما يسمى المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا فعالية رسمية في الرياض، ترافقه حراسة سعودية مشددة، وفي الاجتماع تم وضع العلم السعودي والعلم الانفصالي الذي يتبناه المجلس الانتقالي، وغاب العلم اليمني عن الصورة.

وأثناء دخول عيدروس الزبيدي صرخ الجندي السعودي ببعض الحاضرين آمرا إياهم بالوقوف للرئيس، أي عيدروس الزبيدي، وهو ذات الوصف الذي تطلقه وسائل إعلام إماراتية.

تكريس الانفصال

حسب متابعين، فإن ذلك العلم الانفصالي الذي يرمز إلى الشطر الجنوبي قبل الوحدة يؤدي دورا في تكريس الوحدة وتعميق الأزمة اليمنية، وهو ما أكده الإعلامي سمير النمري في تدوينة على صفحته بفيسبوك.

النمري قال: "تحاول السعودية وبأوامر من أبوظبي تعميق الأزمة في اليمن وتكريس الانفصال. في الصورة يظهر الزبيدي الذي صنعته الإمارات ليكون ومجلسه الغطاء للسيطرة على الجزر والسواحل اليمنية. يظهر كرئيس لليمن وليس رئيس مكون سياسي متمرد. تهوي الرياض باليمن إلى مستنقع الفشل لكنها ستكون أول الواصلين إليه".

السماح برفع علم الانفصال في الرياض استفز كثيرا من اليمنيين الذين رأوا أن ذلك يعد خطوة باتجاه إعلان الانفصال بدعم من السعودية، الذي تعلن أنها تقف مع وحدة اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي.

ورأى متابعون أن رفع العلم الانفصالي يعد اعترافا ضمنيا من قبل السعودية، ووحيا بأن المملكة تتعامل مع عيدروس الزبيدي كما لو كان رئيسا لدولة وليس زعيما لمكون يمني، يفترض أن يكون ضمن تشكيلة الحكومة المتفق على تشكيلها في اتفاقية الرياض.

مستشار وزير الإعلام مختار الرحبي سبق له أن انتقد ذلك الإجراء وكتب تغريدة على تويتر قائلا: "باقي عبد الملك الحوثي يصل الرياض ويتم رفع علم الحوثي وحراسة رسمية".

في حين رأى الناشط الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي "وجدان عبد الخالق" أن ما حدث يمثل نقطة تحول حقيقية في الموقف السعودي تجاه فكرة انفصال الجنوب بعدما وصل المسؤولون في الرياض إلى قناعة أكيدة بأن الانفصال بات خيارا شعبيا لكل أبناء الجنوب، وتحقيقه لم يعد سوى مسألة وقت فقط.

تقمص الدور

بدوره تقمص الزبيدي دور الرئيس فخاطب الحاضرين من القيادات الجنوبية في الرياض كما لو كان زعيم دولة ودعا إلى ضرورة  عودة رأس المال المهاجر للاستثمار في المدن الجنوبية، واستغلال الفرص الاستثمارية.

في حين تحدث عضو وفد الانفصاليين المفاوض بمشاورات اتفاق الرياض، ناصر الخبّجي، عن أهمية "تعزيز العلاقة الإستراتيجية مع السعودية والإمارات"، وفقا لبيان نشره الموقع الإلكتروني للمجلس الانتقالي.

ويقيم عيدروس الزبيدي في الرياض منذ 20 مايو/أيار 2020، ومنذ ذلك الحين وهو يجري مقابلات رسمية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما مكنته الرياض من إجراء مقابلات مع سفراء عدد من الدول الغربية، كما لو كان رئيس دولة، بغية الحصول على ترحيب بموقف الانتقالي الذي يسعى لإعلان الانفصال في وقت لاحق.

في يونيو/حزيران 2020، التقى الزبيدي بمقر إقامته في الرياض، بالسفير الصيني لدى اليمن كانغ يونغ، وسفير روسيا فلاديمير ديدوشكين، بالإضافة إلى نائب السفير الألماني يان كروسر، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي 13 سبتمبر/أيلول 2020، استقبل سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى اليمن كريستوفر هنزل ونائبته كاثلي ويسلي، في الوقت الذي تمنع فيه المملكة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي من إجراء أي مقابلات.

لعب على المكشوف

وكالة أنباء ديبريفر المتخصصة في أخبار اليمن أكدت أن رفع علم الانفصال بديلا عن العلم اليمني تصعيد خطير يعكس حجم الضغوط التي يتعرض لها الرئيس هادي والحكومة الشرعية المعترف بها دوليا من قبل الرياض وأبوظبي من أجل دفعه للقبول بتنازلات أكبر في تشكيل الحكومة الجديدة، التي نصت عليها اتفاقية الرياض.

ونقلت ديبريفر الذي يقع مكتبها الإقليمي في فرنسا عن الباحث السياسي محمد القدسي أن ظهور العلم الانفصالي خلال فعالية رسمية لرئيس المجلس الانتقالي في قلب الرياض، يوحي بأن  السعودية قررت فجأة الانتقال لمرحلة اللعب على المكشوف، ضمن محاولاتها المتكررة لتركيع الشرعية اليمنية بشكل كامل.

وأضاف القدسي للوكالة أن دعم انفصال الجنوب سيكون خيارا مفتوحا للسعوديين أمام تعنت الرئيس هادي في مقابل الأطماع السعودية والإماراتية بالمهرة وسقطرى وشبوة وغيرها، والتي أظهر فيها "هادي" رغم ضعفه، موقفا رافضا لما يحاك في تلك المدن من مؤامرات.

وتابع الباحث اليمني أن السعودية والإمارات لن تجدا خادما أفضل من الزبيدي ومجلسه الانتقالي لتمرير مخططاتهم الخبيثة باليمن، في ضوء إصرار هادي على الاحتفاظ بشيء من الكرامة التي تمنعه من القبول بشرعنة المخططات السعودية – الإماراتية، للتخفيف من مسؤولية تبعاتها الأخلاقية والتاريخية، حد قوله.

وأضاف القدسي أن السعودية قد تسعى لدفع اليمن لإبرام اتفاقات تطبيع كما فعلت مع البحرين، من أجل التخفيف من حدة الضغوط المحلية والإقليمية التي تمنع الرياض من إشهار التطبيع رسميا، مستبعدا أن يكون الإجراء الأخير من أجل الضغط للتطبيع.

في حين رأى آخرون أن ذلك التصعيد جاء ردا من قبل السعودية على رفض هادي والحكومة الشرعية طلبا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بفتح قنوات اتصال مع إسرائيل واتخاذ خطوات نحو التطبيع مع تل أبيب.

ومن أجل الحصول على موقف داعم للانفصال والاعتراف بالجنوب كدولة مستقلة، أعلن نائب رئيس المجلس الانتقالي ترحيبه بالتطبيع واستعداد ما سماها دولة الجنوب التطبيع مع إسرائيل، في تصريح رأى مراقبون أنه لاستمالة إسرائيل من أجل الاعتراف بالجنوب كدولة مستقلة.

وكانت صحيفة "إسرائيل تودي" العبرية قد كشفت عن ترحيب تل أبيب بالدولة الجديدة الناشئة في الشرق الأوسط، وأضافت أن الانتقالي يرحب بتطبيع العلاقة مع إسرائيل.

إجراءات انفصالية

رفع علم الانفصال بالرياض سبقه إجراءات عملية تتجاوز البروتوكولات، فقد مكنت المملكة المجلس الانتقالي من تنفيذ خطوات باتجاه الانفصال، من غير أن تتدخل لإيقاف تلك الإجراءات بصفتها المسؤولة عن تأمين عدد من المدن الجنوبية.

في 21 يونيو/حزيران 2020، أحكم المجلس الانتقالي سيطرته الكاملة على جزيرة سقطرى (جنوبي اليمن)، والمؤسسات الرسمية التابعة للحكومة الشرعية في مدينة حديبو عاصمة المحافظة، عقب إعلانه الإدارة الذاتية في نهاية أبريل/نيسان 2020، على المدن الجنوبية، وهو إعلان يمهد للانفصال الكلي عن اليمن.

وبالتزامن مع ذلك، قامت السعودية، وهي المسؤول الأول عن تأمين الجزيرة، بسحب قواتها التي يبلغ قوامها 1000 جندي، ومنحت الانتقالي فرصة السيطرة على الجزيرة والمؤسسات الرسمية التابعة لها، في خطوة كشفت حجم التخادم بين أبوظبي والرياض وتطابق توجههما في تمكين المجلس الانتقالي من القيام بانقلاب على الحكومة الشرعية في هذه الجزيرة الحيوية.

الموقف السعودي كان واضحا للغاية في دعم العملية الانقلابية للمجلس الانتقالي، وكاشفا في ذات الوقت، عن التحايل السعودي في موقفه المعلن بدعم الشرعية ودعم وحدة التراب اليمني.

محافظ سقطرى رمزي محروس قال في تلك الأثناء: إن "القوات السعودية انسحبت من أمام إدارة الأمن في سقطرى، وسمحت بعبور ترسانة من الأسلحة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا".

وأضاف محروس: "قوات الشرعية تلقت ضمانات من القوات السعودية بوقف التصعيد، لكن تلك القوات تراجعت عن ضماناتها وتركت الانتقالي يسيطر على الجزيرة".

الموقف السعودي الذي مكن المجلس الانتقالي من السيطرة على الجزيرة كان مشابها تماما للموقف الذي انتهجته في أغسطس/آب 2019 بمدينة عدن، عندما انسحبت القوات السعودية المكلفة بتأمين المدينة، مانحة قوات الانتقالي المجال للسيطرة على القصر الرئاسي وإعلان الانقلاب، لتنكشف بذلك الإستراتيجية الميدانية للقوات السعودية في تمكين الانقلابيين.