محاكمة رئيس موريتانيا السابق.. انتقام سياسي أم محاربة للفساد؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"أعيش في سجن كبير"، بهذه الكلمات وصف الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز الوضع الذي يعيشه منذ مغادرته السجن في 24 أغسطس /آب 2020، بعد إيقافه من أجل التحقيق في قضايا فساد اتهم بارتكابها خلال فترة توليه الرئاسة.

تصريحات ولد عبد العزيز لقناة "فرانس 24" في 10 سبتمبر/أيلول 2020، كشف خلالها عن وضعه تحت الإقامة الجبرية المفروضة عليه بعد أن تم احتجاز جواز سفره وملاحقته في ملف قضائي وصفه بأنه "ملفق بالكامل"، وبأنه يشمل أكثر من 300 شخص، بينهم رؤساء وزارات ووزراء سابقون.

متابعون يرون أن الملفات التي يلاحق بها الرئيس السابق صحيحة، ولا يشكون في حجم تورطه والمحيطين به في قضايا فساد خلال الفترة التي قاد فيها موريتانيا، لكنهم لا يستبعدون وجود أسباب سياسية لهذه الملاحقة وفي مقدمتها محاولة ولد عبد العزيز العودة إلى الواجهة السياسية من بوابة حزبه الذي أسسه  "الاتحاد من أجل الجمهورية"، الحاكم في موريتانيا.

وفي الساحة السياسية، تباينت المواقف بين مؤيد لهذه الإجراءات من داخل البرلمان وخارجه وبين متحفظ على دعمها أو نقدها، إلا أنها أعادت رفع سقف المطالب الشعبية بمحاربة الفساد في بلد يسجل أرقاما سيئة في مجال الحوكمة الرشيدة.

لجنة تحقيق

بعد مغادرة ولد عبد العزيز الرئاسة في أغسطس/آب 2019، خلفه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي كان رئيسا للأركان ووزيرا للدفاع، وبعد أشهر قليلة وتحديدا في يناير/كانون الثاني 2020، شكل البرلمان لجنة للتحقيق في صفقات كبيرة في عهد ولد عبد العزيز، بطلب من المعارضة.

أكملت اللجنة تقريرها الملخص في 120 صفحة، ونحو 500 صفحة مع الملحقات، واستعانت بخمسة قضاة من محكمة الحسابات، ومكتبي استشارات دوليين لدراسة وتعميق البحث في 10 ملفات رئيسية، ترى أن تسييرها شابه الفساد خلال العشرية الماضية (فترة حكم ولد عبد العزيز)، وتشمل صفقات عمومية واتفاقيات وتسيير بعض المشاريع المتعلقة بمجالات الصيد والمعادن والبنية التحتية والعقارات. 

الإعلامي الموريتاني محمد ولد سيديا يرى أن مثل هذه المحاكمات له أثر إيجابي على الوضع السياسي والاقتصادي لموريتانيا، قائلا في حديث لـ"الاستقلال": "لا شك أن هذه الملاحقات القضائية غير مسبوقة في التاريخ السياسي لموريتانيا، وربما تؤسس لمسار حفظ وصيانة المال العام عبر الضرب بيد من حديد على يد المفسدين حتى لو كانوا في أعلى هرم السلطة وهو ما تحتاجه البلاد أكثر من أي وقت مضى".

وأضاف ولد سيديا: "موريتانيا رغم ثرواتها الطبيعية الهائلة وعدد سكانها الذي لا يتجاوز 4 ملايين تتذيل القارة الإفريقية في مؤشرات التنمية والرفاه الاقتصادي والسبب هو الفساد الذي ينخر جسم الدولة منذ الإطاحة بالحكم المدني في 10  يوليو/تموز  1978".

وختم الإعلامي حديثه بالقول: "عملت الأوليغارشية العسكرية التي حكمت البلاد منذ ذلك الحين على إفقار الدولة والمجتمع ونهب خيرات البلاد وتكريس مقدراتها الاقتصادية، لجيوب الضباط الحاكمين وعائلاتهم وكانت النتيجة كارثية على الدولة الموريتانية".

انتقام سياسي 

بعد أيام قليلة من مغادرته التوقيف، أثار الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز عدة نقاط خلال ظهوره الأخير على قناة "فرانس 24"، محاولا إقناع الرأي العام أن كل ما يحصل له من ملاحقة وتحقيق ومصادرة للأموال، وراءه أسباب ودوافع سياسية.

ولد عبد العزيز قال: "القضية طويلة ومعقدة وتعود بدايتها لاتصالي الطبيعي بحزب أنا مؤسسه، فأثيرت المشكلة من طرف الرئاسة، وأصبحت أتعرض لمضايقات غير مبررة، قبل أن تشكل لجنة تحقيق برلمانية، أغلب أعضائها مقربون من الرئيس الحالي (محمد ولد الغزواني) وبينهم معارضون سابقون لنظامي".

وأضاف أن ما يتعرض له حاليا لا يعدو كونه "تصفية حسابات سياسية، وهو مع ذلك يعتبر خرقا سافرا لدستورنا، والمادة 93 منه التي تنص على أن رئيس الجمهورية لا يمكن مساءلته عن أفعاله ولا يمكن أن يحاكم إلا من طرف المحكمة السامية".

وحول ما إذا كان يعتبر نفسه رهينة، قال ولد عبد العزيز: "في الواقع أنا في سجن كبير، لكنه أحسن من المعتقل الذي أمضيت فيه 7 أيام. أنا أتوقع كل شيء، لأني أعيش في بلد النظام الذي يحكمه لا يحترم الدستور ولا القانون" على حد تعبيره.

 

محاكمة عادلة

في المقابل، تسعى السلطة في موريتانيا إلى إظهار محاكمة الرئيس السابق، وتتبعه قضائيا بشكل سليم ووفق شروط المحاكمة العادلة التي تضبطها قوانين البلاد دون ضغوط سياسية. 

النيابة العامة حرصت في بيانها التأكيد على "احترام وتوفير حقوق المعتقل للرئيس السابق، بما فيها السماح بلقاء اثنين من فريق دفاعه، إضافة إلى زوجته وابنته، ونقله إلى غرفة مكيفة".

وبدأت شرطة الجرائم الاقتصادية في موريتانيا يوم 17 أغسطس/ آب 2020، التحقيق مع ولد عبد العزيز في إطار اتهامه بـ"سوء الحكم واختلاس ممتلكات عامة" ، بعد الاستماع لوزراء سابقين ومسؤولين خلال فترة حكمه، قبل أن تقرر السلطات إيقافه على ذمة التحقيق لمدة استمرت 10 أيام.

هيئة الدفاع عن ولد عبد العزيز، اتهمت السلطات بأنها تقوم باحتجازه خارج  القانون وأنها رفضت السماح لمحاميه بحضور التحقيق.

كما أدانت مجموعة من السياسيين المقربين من الرئيس السابق استجوابه من طرف شرطة الجرائم الاقتصادية، واعتبرته "اختطافا نفذه البوليس السياسي" في "سابقة خطيرة الأولى من نوعها في بلادنا والمنطقة".

الكاتب والإعلامي الموريتاني عبد الله ولد سيديا أكد أن "شبهة الانتقام السياسي غير واردة نظرا لأن الرئيس السابق متهم بفساد وتجاوزات مالية تناهز ملياري دولار في بلد ميزانيته السنوية مليار دولار فقط، وولد عبد العزيز سخر الدولة طيلة فترة حكمه لجمع المال له ولعائلته حتى راكموا ثروات طائلة على حساب قوت وعرق شعب فقير مغلوب على أمره".

وأضاف ولد سيديا في حديث لـ"الاستقلال: "المعارضة الموريتانية تعول كثيرا على هذه المحاكمات، وكانت سباقة للمشاركة في لجنة التحقيق البرلمانية التي كانت الشرارة التي أوصلت فساد الرئيس السابق إلى القضاء".

وتابع: "رغم ضعف وترهل الجهاز القضائي إلا أن المسار الذي تأخذه القضية حتى الآن يشي باحترام المساطر (الأطر) القانونية واتخاذ طريق العدالة سبيلا لمواجهة الفساد الذي أهلك الحرث والنسل".


المؤكد من خلال متابعة أطوار التحقيق مع ولد عبد العزيز وشركائه السابقين في الحكم، هو وجود إرادة سياسية من أجل توفير كافة الأدلة الكافية لإدانة المتهمين، ومصادرة جميع الأموال التي اكتسبوها من غير وجه حق.

القضاء الموريتاني أمر بحجز مبالغ مالية بقيمة نصف مليون دولار (20 مليون أوقية) كانت في حوزة مسؤولين يتم التحقيق معهم حاليا في ملفات فساد، بناء على نتائج تحقيق برلماني صدر في أغسطس /آب 2020، وتهم فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن المبالغ المحجوزة تم العثور على جزء منها في منازل بعض المتهمين، فيما تم حجز جزء آخر عبر حسابات بنكية مختلفة، تحت إشراف النيابة العامة، كما جمدت في وقت سابق حسابات بنكية خاصة بولد عبد العزيز.