بعد تطبيع الإمارات والبحرين.. هذا مرشح واشنطن للقيادة الفلسطينية

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تكف واشنطن منذ سنوات عن العبث بالقضية الفلسطينية، في انحياز واضح ومفضوح بلغ ذروته مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض، الصديق المخلص لإسرائيل.

ترامب وعصابته على مدار 4 سنوات مضت، منحوا دولة الاحتلال الكثير مما تحتاجه لتثبيت نفسها في الشرق الأوسط، زاعمين أنهم يحققون السلام للفلسطينيين والإسرائيليين.

ومن منطلق أدوار تمثيلية مغشوشة يظهر رجال ترامب في مواقف يدّعون فيها حرصهم على الشعب الفلسطيني الذي تآكلت حقوقه بفعل التآمر الإسرائيلي الأميركي مدعوما بمواقف بعض الدول العربية.

يبدو أن الأميركيين لم يجدوا مرادهم في قيادة السلطة الفلسطينية الحالية التي يرأسها محمود عباس، رغم إيمانه بالمفاوضات مع إسرائيل كحل للصراع المتواصل منذ عقود.

والواضح أن تل أبيب وواشنطن أكلتا لحم السلطة ورمتا عظامها بعد سنوات من المفاوضات الفارغة التي أعطت لإسرائيل ما لا تستحقه، وبدأتا اليوم تبحثان عن قيادة جديدة.

تلك القيادة التي بدأت تلوح إليها واشنطن عبر كبار مسؤوليها، لا بد أن تتوافق مع الرؤية الأميركية في المنطقة، خاصة بعد التغييرات التي شهدتها القضية الفلسطينية مؤخرا، وأبرزها إعلان الإمارات والبحرين التطبيع العلني مع إسرائيل.

تحريض مكشوف

تعاقبت التصريحات الرامية إلى إيجاد قيادة فلسطينية جديدة، بعد التوصل إلى اتفاق التطبيع بين تل أبيب وأبوظبي، وانطلقت من لسان جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

صهر ترامب الذي زار الإمارات رفقة وفد إسرائيلي، قال في تصريحات لقناة "الجزيرة" القطرية: إنه لا بد أن تكون للشعب الفلسطيني قيادة قادرة على تحقيق حياة أفضل.

وزعم كوشنر مخاطبا الشعب الفلسطيني، في 2 سبتمبر/أيلول 2020، أن "العالم يريد للفلسطينيين "حياة أفضل"، لكن "لا بد أن تكون لديكم قيادة قادرة على ذلك"، وفق تعبيره.

وفي تصريحات حملت نفس المضمون، دعا مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، في برنامج "ذا هاغ هويت راديو شو" الإذاعي الأميركي، إلى إيجاد قيادة فلسطينية من "الجيل الجديد".

ادعى أوبراين أن "المشكلة تكمن في بعض القيادات القديمة المتحصنة بمنظمة التحرير الفلسطينية"، وأنه لا بد من وجود جيل جديد من الشبان ليصنعوا مستقبلا رائعا إلى جانب أشقائهم العرب وجيرانهم الإسرائيليين".

لم يكتفِ أوبراين بالتحريض على القيادة الفلسطينية، بل زعم أنها تحمل "عقلية النضال الثوري الماركسي اللينيني في الخمسينيات والستينيات".

انزعاج القيادة

القيادة التي حرضت عليها واشنطن لم تنظر طويلا حتى ترد على تصريحات كوشنر وأوبراين، إذ ندد قادة فصائل في منظمة التحرير الفلسطينية بما جاء على لسان حلفاء إسرائيل.

وبسرعة خرج هؤلاء القادة في تصريحات منفصلة للرد على التصريحات التي قالوا إنها تمثل "تحريضا على القيادة الفلسطينية، ومؤشرا لممارسة المزيد من الضغوط عليها".

بسام الصالحي، أمين عام حزب الشعب الفلسطيني، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قال: إنها مؤشر على نية واشنطن ممارسة المزيد من "الضغوط والتحريض على القيادة الفلسطينية"، بحسب وكالة "الأناضول" التركية.

ورأى أنها محاولة "لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني، وتمثيله السياسي المتمثل بمنظمة التحرير"، معتبرا أنها "ادعاء للتغطية على تواطؤ إدارة ترامب مع الاحتلال، والتنكر لتطبيق قرارات الشرعية الدولية".

واصل أبو يوسف، أمين عام جبهة التحرير العربية، اتفق مع الصالحي، بشأن تصريحات "كوشنر"، قائلا: "واشنطن تمارس الضغوط على القيادة الفلسطينية لرفضها المشروع الأميركي المتمثل بصفقة القرن".

وانطلاقا من نفس الرأي لكنه ارتبط هذه المرة بالتطبيع، قال أحمد مجدلاني، أمين عام جبهة النضال الفلسطيني: "الإدارة الأميركية تواصل الجهود والضغوط والابتزاز للدول العربية من أجل تمرير اتفاقيات تطبيعية".

وأضاف مجدلاني: أن التحريض على القيادة الفلسطينية، يأتي كونها "تقف عقبة أمام المشروع الأميركي"، معتبرا أن التغيير يجب أن يكون في الإدارة الأميركية.

عودة دحلان

ورغم غياب دحلان عن المشهد الفلسطيني خاصة عقب إعلان الإمارات والبحرين التوصل لاتفاق تطبيع مع إسرائيل، فإن اسمه لم يغب عن قراءات سيناريوهات الخليفة المنتظر لعباس.

وفي قراءة سريعة لمواقف القيادي المفصول من "فتح"، فإن دحلان يظهر مخلصا وقريبا لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ومن ضمن رجالاته الذين يتوزعون على المناطق العربية التي تشهد توترا سياسيا وأمنيا.

وخلال الفترة الماضية حاول دحلان الدخول إلى غزة من بوابة العمل الإنساني، لكسب تأييد السكان الذين يعانون ظروفا معيشية صعبة للغاية بفعل الحصار الذي تفرضه إسرائيل التي تصالحت معها الإمارات والبحرين مؤخرا.

حاول دحلان أيضا بناء وجهات نظر متقاربة مع حركة "حماس" التي تدير الأمور السياسية والأمنية بغزة، في ظل عدم إيفاء عباس وحكومة محمد اشتية بالتزاماتهم تجاه القطاع.

الوصول إلى غزة عبر فقرائها و"حماس" كان دحلان يسعى فيه إلى كسب تحالف ضد "أبو مازن" الذي يرأس السلطة منذ 2005 وانتهت فترة ولايته الشرعية كرئيس.

إذن، فدحلان هو الشخص الأقرب الذي يمكنه اعتلاء سدة الحكم في حال أطاحت الإدارة الأميركية والإسرائيلية بعباس الذي أظهر موقفا رافضا لـ"صفقة القرن" والتطبيع الإماراتي البحريني، وسط تجاهل واضح له.

يسعى ترامب إلى تطبيق خطته التي يزعم أنه يطبق فيها "السلام"، لكنها في الواقع خطة سياسية مجحفة للفلسطينيين ومنحازة تماما لإسرائيل.

وحتى يتمكن ترامب المهدد بالخسارة في الانتخابات الأميركية المقبلة أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، فإنه يحتاج إلى رجل يتماشى مع سلوك خطة "صفقة القرن".

دعوات مشبوهة

الكاتب الصحفي الفلسطيني، أحمد الكومي، يرى أن الدعوات الأميركية تمثل "تدخلا سافرا في شأن داخلي يقرره الشعب، وليس مسؤولين أميركين لم تصل أعمارهم لنصف عمر القضية"، في إشارة إلى كوشنر (39 عاما).

ويضيف لـ"الاستقلال": "توقيت الدعوات يثير الشبهات خاصة أنه، يأتي عقب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وإعلان البحرين أيضا عن التطبيع مع تل أبيب، بما ينذر بمخطط جديد يستهدف قيادة السلطة، كاستكمال لهذا الاتفاق".

وعن ملامح شخصية "القيادة الجديدة" يرى "الكومي" أن المسؤولين الأميركيين يبحثون عن قيادة فلسطينية "تتنازل أكثر" ضمن مساعي خدمة وتمرير صفقة القرن.

ويشير إلى أن الاتفاق الإماراتي سيعزز دور الإمارات في المنطقة وسيصبح لها دور متقدم في القضية الفلسطينية، وهذا قد يصب في مصلحة القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان.

ويعتقد الكاتب الصحفي أن ذلك قد يخدم عودة دحلان إلى واجهة المشهد السياسي الفلسطيني عبر بوابة الإمارات، وهذا احتمال لا يمكن تجاهله، بالنظر إلى علاقته مع ولي عهد أبوظبي.

ويستدرك: "لكن فرصه (دحلان) ضعيفة خاصة في ظل رفض الأطراف الفلسطينية المؤثرة لذلك، إضافة إلى الصراع المحموم على خلافة عباس بين شخوص لا يختلفون كثيرا عن دحلان من منظور تل أبيب وواشنطن".

الخلفاء المرشحون

الكاتب الفلسطيني وسام عفيفة، وضع مسألة خلفاء عباس في زاوية هي الأبرز تعقيدا، لأن غيابه لسبب أو لآخر، سيخلق أزمة في طريقة اختيار من يخلفه، خاصة إذا رحل بشكل مفاجئ.

وأرجع عفيفة، في تصريح لـ "الاستقلال"، السبب في هذا التعقيد إلى "غياب النظام السياسي بشكل واضح، خاصة بعد سلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس مؤخرا، وتآكل الشرعيات التي لا تسمح بوجود نائب له".

وقال: "بورصة الأسماء متعددة وكثيرة، فمن الناحية الأمنية يمكن الحديث عن اللواء ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة (أكبر الأجهزة الأمنية)".

واستدرك: "أما من الناحية السياسية، فهناك صائب عريقات (أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير)، وجبريل الرجوب (أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح)".

ولم يغفل الكاتب الفلسطيني ذكر اسم محمد اشتية (رئيس الوزراء الفلسطيني) الذي ظهر اسمه مؤخرا، وتعاظم دوره في ظل أزمة "كورونا" التي أثبت خلالها أنه قادر على المنافسة.

ربما يخضع الأمر إلى حسابات لجهات خارجية تسعى إلى مصالح محددة في الملف الفلسطيني. وهنا أبرز عفيفة اسم دحلان، المقيم في الإمارات حاليا.