لافروف على رأس وفد روسي يلتقي الأسد بدمشق.. ماذا وراء الزيارة؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد انقطاع دام نحو 8 سنوات، زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، العاصمة السورية دمشق، والتقى خلالها برئيس النظام بشار الأسد، ووزير خارجيته وليد المعلم، حيث تصدرت المباحثات بين الجانبين مختلف القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية.

زيارة لافروف إلى دمشق في 7 سبتمبر/أيلول 2020، سبقها وصول وفد رفيع من الحكومة الروسية في اليوم نفسه، برئاسة نائب رئيس الوزراء، مسؤول الملف الاقتصاد الروسي، يوري بوريسوف، والممثل الخاص للرئيس لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف.

وجود الوفد الروسي الثقيل في دمشق، أثار تساؤلات عدة بشأن أسباب الزيارة والملفات التي تريد موسكو مناقشتها مع نظام الأسد في ظل أزمات خانقة تحيط به، خاصة قانون قيصر الأميركي، إضافة إلى أنها جاءت عقب اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف.

نزع الثروات

خلال الاجتماع مع الوفد الروسي، أعرب بشار الأسد عن اهتمام نظامه بنجاح الاستثمارات الروسية في سوريا، قائلا: "أعلم أنه كان لديكم لقاء مع وزير شؤون رئاسة الجمهورية، وأنكم تمكنتم من إحراز تقدم نحو التوصل إلى حل مقبول للطرفين للعديد من القضايا. نحن مهتمون بجدية في إنجاح الاستثمارات".

وفي المؤتمر الصحفي المشترك، الذي حضره بوريسوف ولافروف مع وزير خارجية النظام وليد المعلم في 7 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلن الأخير أن الوفد الروسي أجرى لقاء بناء ومثمرا مع رئيس النظام، أكد على مستقبل العلاقات الاقتصادية والسياسية مع روسيا، معتبرا أنها واعدة ومبشرة.

من جهته، قال بوريسوف خلال المؤتمر الصحفي: إن الطرفين "توصلا إلى اتفاقات للتعاون في إعادة تأهيل نحو 40 منشأة سورية مهمة، خصوصا ما يتعلق بالبنى التحتية لقطاع الطاقة واستخراج النفط والغاز".

وأضاف نائب رئيس الحكومة الروسية: أن "الجانبين اتفقا كذلك على إعادة إعمار عدد من محطات الطاقة الكهربائية"، مشيرا إلى "إبرام اتفاق حول استخراج النفط من البحر على السواحل السورية".

وتفسيرا للزيارة والاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، قال الخبير في الشأن السوري عبد الله الأسعد لـ"الاستقلال": "زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الخارجية لافروف لها دلالات كبيرة لدى الروس ونظام الأسد، لذلك هي جاءت لأخذ المزيد من المكاسب من النظام السوري وسحب كل الثروات السورية التي بين يديه".

ورأى الأسعد أن "نظام الأسد ينظر إلى الزيارة على أنها تزيد في وجوده على الأرض، إذ جرى بحث عدة نقاط بين وزير الخارجية الروسي ونظيره في النظام السوري، حيث صرح الأخير مباشرة بموضوع الانتخابات الرئاسية، ولا يهمهم أمر الثروات، ولا غيرها من المسائل".

وأشار الخبير السوري إلى أن "انقطاع لافروف عن زيارة سوريا 8 سنوات، يأتي من أن روسيا لا تعتبر بشار الأسد دولة رسمية، أما زيارته اليوم فهي زيارة مصلحة وتريد موسكو أن تحقق مصالحها بشكل أساسي".

وأضاف: "روسيا تريد من خلال الاتفاقيات مع نظام الأسد إيجاد موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط من خلال سوريا، واستخراج الثروات الطبيعية، وبذلك توجد حيثما تكون تركيا موجودة".

تسوية روسية

وعلى الجانب السياسي، شدد لافروف على أهمية ترسيخ الهدوء النسبي في سوريا، بالقول: "ناقشنا بصورة مفصلة، لدى محادثاتنا المطولة مع بشار الأسد، الوضع على الأرض. وتوصلنا إلى أن هناك هدوءا نسبيا ساد في سوريا ويجب العمل على ترسيخ هذا التوجه".

وأضاف الوزير الروسي: "السمة الرئيسة للمرحلة الراهنة تكمن في أن سوريا قد صمدت، بدعم من روسيا، في مواجهتها مع الإرهاب الدولي والقوى التي كانت تحيك مخططا لتدمير الدولة السورية".

وفي رده على سؤال عن أطر زمنية لعمل اللجنة الدستورية، قال لافروف: "هذه الأطر لا وجود لها ولا يمكن تصورها". ولفت إلى أن مسألة إجراء انتخابات رئاسية في سوريا في 2021 يعود إلى صلاحيات حكومتها ولا علاقة لها بموضوع بلورة الدستور الجديد.

وتعليقا على ذلك، قال الخبير السوري عبد الله الأسعد لـ"الاستقلال": "روسيا تسعى دائما إلى أن يكون بشار الأسد عبارة عن فزاعة لدى جميع الأطراف سواء الأتراك أو الإيرانيين، لأنه المطية التي تمتطيها روسيا لتحقيق مآربها".

وأضاف: "نرى اليوم الاصطفاف الدولي على صعيد أيديولوجي وعسكري. روسيا تريد تقزيم قرار مجلس الأمن رقم (2254)، بكل حيثياته من انتقال سياسي والإفراج عن المعتقلين، واللجنة الدستورية وموضوع انتخاب بشار الأسد، وهذا ما تحدث عنه وليد المعلم أيضا".

القرار 2254 الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2015، حث على بدء محادثات السلام بسوريا، ويدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية، واجراء انتخابات حرة نزيهة برعاية أممية. وطالب أيضا بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة".

وفي السياق ذاته، نقلت مراسلة صحيفة "كوميرسانت" الروسية في دمشق، ماريانا بيلينكا، عما وصفته بـ"مصدر روسي متابع لعملية التسوية السورية" قوله: "في حال لم يتجه نظام الأسد نحو الإصلاحات، فإنه سيبقى من دون أموال ومن دون جزء من سوريا، وهذا سيكون قراره".

وأضافت في 9 سبتمبر/ أيلول 2020: "الكثير مما سيحدث في سوريا سيكون معتمدا في الوقت نفسه على سياسة أميركا المستقبلية، وماذا سيحدث بعد الانتخابات الرئاسية هناك"، مشيرة إلى أنه "حان الوقت بالنسبة لموسكو لتحديد الخيارات بما يتعلق بإستراتيجية وجودها في سوريا، أو بالأحرى وفق أي شروط ستبقى". وقالت: إن روسيا "حددت بالفعل خياراتها".

وعلى نحو مماثل، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور مهند الضاهر، خلال تصريحات صحفية للقدس العربي في 6 سبتمبر/أيلول 2020: "يبدو ثمة حلول تلوح في الأفق، زيارة لافروف ستعطي دفعة معنوية ودفعة إيجابية ربما للضغط على الجانب التركي وغيره للقبول بحلول ترضي الجميع، وأظن مجيء لافروف سيأتي في إطار جولة زيارة للمنطقة لا تخلو من اتفاقات ما مع الجانب الأميركي الذي يريد بعض الحلول التي ترضيه خاصة بشأن قضية (قسد)".

وأردف: "لافروف يأتي بثقل دولة عظمى، وذلك للضغط على جميع الأطراف وأولها التركي وهذا الضغط ربما سيؤدي إلى الحل السياسي، زيارة لافروف لن تقف عند سوريا بل تتعداها إلى تركيا وهذا يعني أنني أتحدث عن الملف الليبي، وموضوع لبنان سيكون أيضا في الأولويات الروسية كما هو أولوية صينية وأميركية. هذه المشاريع لا بد أن تتقاطع بشكل من الأشكال ومن مصلحة الجميع تحقيق الهدوء والاستقرار في سوريا".

الوجود الإيراني

لم تخل زيارة لافروف من التطرق إلى الوجود الإيراني في سوريا، والحديث المتداول عن مساع روسية لإخراجها، إذ أجاب لافروف على سؤال صحفي بخصوص عما إذا كانت روسيا تعمل على انسحاب إيران من المنطقة.

لافروف قال: "وجود إيران في سوريا لا يقرره الجانب الروسي أو أي طرف آخر وليس وراءه أية رغبة سوى موقف قيادة الجمهورية العربية السورية، وبالتالي فالإجابة على هذا السؤال عند دمشق"، وبذلك ترك أمر إيران عند النظام السوري.

وفي هذه النقطة تحديدا، أكد عبد الله الأسعد أن "زيارة لافروف إلى سوريا تحمل أوجه عدة، وعلى رأسها الخلاف الإيراني والروسي على الثروات السورية، والاتفاقيات المبرمة مع النظام في هذا الصدد".

من جهته، قال الخبير السياسي رشيد الحوراني خلال تصريحات صحفية في 6 سبتمبر/ أيلول 2020: "مناقشة الوجود الإيراني وتحركاته في جنوب سوريا حاضرة في اللقاءات".

ولم يستبعد الحوراني أنه "بعد انتهاء الزيارة للوفد الروسي ستكون هناك زيارة لمسؤولين إيرانيين قد تكون معلنة أو غير معلنة للوقوف على زيارة الوفد الروسي والتنسيق مع النظام بخصوصها لأن النظام بات أميل إلى الجانب الإيراني منه إلى الجانب الروسي، بسبب مضي الأخير في مشروعه إلى النهاية مهما كانت النتائج".

ونقلت تقارير إعلامية في 9 سبتمبر/ أيلول 2020، عن مصادر مطلعة على أجواء زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، بأن "موسكو طلبت من نظام الأسد ضبط العلاقة مع إيران، والابتعاد عنها تدريجيا، كونها باتت في مرمى النيران الإقليمية والدولية، وكذلك إبعادها عن جنوب سوريا، تمهيدا لإعادة دول عربية العلاقات مع النظام والمساهمة في إعمار سوريا".