يحتاجه ولا يستطيعه.. ما الذي يمنع ابن سلمان من التطبيع مع إسرائيل؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ينظر كثيرون إلى احتمال اعتراف السعودية بإسرائيل على أنه ليس مجرد خيانة للقضية الفلسطينية فحسب، وإنما قد يضر أيضا بصورة المملكة كزعيم مفترض للعالم الإسلامي. 

وينبع ذلك الخوف من وجود مؤشرات تمهد لعملية تطبيع محتملة، وقد تكون في خطوة مفاجئة من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يطمح للجلوس على العرش في أسرع وقت، من خلال إجراء تغييرات جذرية داخليا وخارجيا.

ولم تستنكر السعودية اتفاق تطبيع العلاقات الإمارات وإسرائيل الذي أعلنه الجانبان في 13 أغسطس/آب، واكتفت بتأكيدها الالتزام بخطة السلام العربية للوصول إلى حل للصراع.

وكشف موقع ميدل إيست آي عن انسحاب ابن سلمان من زيارة سرية لواشنطن نهاية أغسطس/آب 2020، وكان مقررا خلالها لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

وأشار الموقع إلى أن سبب انسحابه هو تخوفه من تسرب أنباء الزيارة وهو ما قد يعرضه لحملة انتقادات وهجوم واسع من معارضيه في الداخل والخارج قبل اللقاء وربما تتحول الزيارة إلى كابوس. 

وقالت الصحيفة في تقرير لها في 25 أغسطس/آب: إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يضغط من أجل حدوث تلك المقابلة وصهره ومستشاره جاريد كوشنر يعتقدان باحتمال حدوث مصافحة بين ابن سلمان ونتنياهو كوسيلة لإعادة تجميل صورة الأول وتسويقه كصانع سلام عربي شاب.  

وأوضحت أنه جرى الاتفاق على موعد الزيارة ليكون في 31 أغسطس/ آب بعد انتهاء المؤتمر الانتخابي للحزب الجمهوري لترشيح ترامب لولاية ثانية وأنه جرى إرسال فريق بروتوكول من الرياض إلى واشنطن للإعداد للزيارة. 

كما كشف الموقع عن شراء أربعة منازل في مكان سري في الولايات المتحدة لإقامة ابن سلمان الذي لا يريد البقاء في السفارة السعودية أو مقر إقامة السفير خوفا من المظاهرات المعارضة التي رافقته خلال زياراته السابقة لواشنطن. 

ونقل الموقع عن مصدر سعودي رفيع أن اللقاء مع نتنياهو لم يتم الاتفاق حول بثه بشكل مباشر أمام الكاميرات أو تسجيله، وأنه في كلتا الحالتين كان من المفترض أن يكون شيئا كبيرا، وأنه لم يكن متوقعا الإعلان عن تطبيع العلاقات لكن المؤتمر كان يعد تلميحا بأن ابن سلمان يسير في هذا الاتجاه. 

ولم تكن هذه المرة الأولى التي أراد فيها ابن سلمان الاجتماع بنتنياهو، فقد أشارت الصحيفة إلى أن الأمير الشاب فكر في لقاء مشابه عام 2018 من أجل التغطية على حادث اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

الطريق إلى العرش

وتنظر الصحف الغربية إلى حاجة ابن سلمان للدعم الأميركي وخاصة الرئيس ترامب من أجل تثبيت أركانه والجلوس على كرسي العرش.

لذلك كان ولي العهد السعودي دائما ما يذعن للضغوط الأميركية، وقبل أيام قال ترامب بأنه يأمل في أن تتحرك المملكة نحو التطبيع مع إسرائيل على غرار ما فعلته الإمارات.

وتشير خطوات ابن سلمان المتأرجحة إلى أنه يعمل على تهيئة الرأي العام في المملكة حتى يتقبل السعوديون التطبيع، فالإعلان في حد ذاته عن إلغاء الزيارة من قبل الإعلام الغربي وعدم التعليق عليه من قبل الدوائر الرسمية السعودية ربما يدخل في هذا الإطار.

تصريحات أخرى لجاريد كوشنر تؤكد وجود خطوات سعودية حثيثة نحو التطبيع مع إسرائيل وإن لم تكن في العلن فهي موجودة خلف الأبواب المغلقة. 

وقال كوشنر في تصريحات لشبكة سي إن بي سي الأميركية بعد أيام قليلة من الإعلان عن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي: إن الولايات المتحدة لديها دول أخرى مهتمة جدا بالمضي في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وعبر عن اعتقاده بأنه من المحتم أن يكون للسعودية وإسرائيل علاقات طبيعية تماما وأنهما سيكونان قادرين على القيام بالكثير من الأشياء العظيمة معا. 

كما أن كوشنر سيزور إسرائيل والإمارات مطلع سبتمبر/ أيلول 2020، بالإضافة إلى عدد من الدول العربية بينها السعودية ضمن الخطة الأميركية لحشد أكبر عدد ممكن من الدول العربية للتطبيع مع تل أبيب. 

وأشار كوشنر في تصريحات أخرى لوكالة فرانس برس في منتصف أغسطس/آب إلى أن إعلان الإمارات سيحول العلاقات الحالية غير المباشرة بين السعودية وإسرائيل إلى علاقات رسمية.

وتؤكد تقارير غربية أن لكل دولة عربية حساباتها الخاصة في التعامل مع قضية التطبيع.

 وفي تقرير لمعهد دول الخليج العربية بواشنطن، أكد التقرير أن لكل دولة أسبابها وأهدافها وحساباتها الإستراتيجية وأن البعض يواجه تكاليف أكبر بكثير من الآخر وخاصة السعودية. 

وأوضح المعهد في تقريره المنشور في 24 أغسطس/آب أن المملكة قد تواجه أحد أكثر القرارات الإستراتيجية تحديا وتعقيدا في أي دولة عربية أخرى، مضيفا: "لكن كما يؤكد كل من التاريخ والتجربة الحديثة، يمكن أن يحدث التغيير الدبلوماسي والسياسي فجأة وبشكل دراماتيكي، والاعتراف حتى لو تم تمديده، يمكن سحبه".

واعتبر المعهد أن تأمين علاقات دبلوماسية مع الرياض سيكون أكبر اختراق لإسرائيل منذ معاهدة السلام مع مصر التي تم توقيعها في 1979.

ويشكك في أن تتخذ المملكة تلك الخطوة في ظل وجود الملك سلمان بن عبد العزيز على سدة الحكم وذلك لأنه كان أحد أفراد الأسرة المالكة الذين دعموا المبادرة العربية للسلام في عام 2002، بالإضافة إلى تدخلاته خلال السنوات الأخيرة لتأكيد التزام المملكة بالقضية الفلسطينية.

وعلى الرغم من تحذير المعهد من رد الفعل الإقليمي والضرر الذي قد يلحق بمكانة المملكة العربية والإسلامية إذا ما اتجهت للتطبيع، فإنه يرى أن صعود ابن سلمان إلى العرش قد يقود نحو تلك العلاقات.

دوافع أخرى

منذ صعود ابن سلمان وتنصيبه وليا للعهد، دخلت المملكة في أزمة اقتصادية كبيرة بسبب مشاريعه الضخمة التي لم تكتمل وخاصة خطة 2030 التي أعلن عنها ومدينة نيوم التي يحلم بإنجازها قبل هذا التاريخ. 

ويرى البعض أن ابن سلمان ربما يلجأ لإسرائيل من أجل إنعاش الجانب الاقتصادي داخل المملكة من خلال رجال الأعمال الأميركيين والإسرائيليين. 

يقول عزيز الغشيان، المحاضر في جامعة إسيكس والمتخصص في سياسة السعودية تجاه إسرائيل: إن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي يفسح المجال لتوسيع مجال العلاقات السعودية الإسرائيلية غير المباشرة وأن التفاعلات السعودية الإسرائيلية ستزداد عبر الإمارات".

وأشار الغشيان في تصريحات لوكالة فرانس برس، إلى أن العداء المشترك تجاه إيران، بالإضافة إلى المحاولات السعودية لجذب استثمارات أجنبية لتمويل رؤية 2030 التي يتبناها ابن سلمان، يبدو أنه يدفع المملكة إلى الاقتراب من إسرائيل أكثر من أي وقت مضى.

لكن الغشيان اعتبر فكرة أن تكون المملكة هي الأقرب للتطبيع مع إسرائيل بعيدة المنال، مشيرا إلى أن أكبر قيد بين الرياض وتل أبيب ليس الخوف من رد الفعل المحلي والإقليمي وإنما النظر إليها على أنها زعيم العالم الإسلامي والعربي. 

ويرى الباحث في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية محمد ياغي أن إنشاء مدينة نيوم تتطلب السلام والتنسيق مع إسرائيل خاصة إذا كانت المدينة ستتاح لها فرصة أن تصبح منطقة جذب سياحي. 

وأوضح ياغي في ورقة بحثية في أبريل/نيسان 2020، أن العديد من دول الخليج تسعى للحصول على التكنولوجيا الإسرائيلية لمراقبة مواطنيها وشراء صواريخ دقيقة لا يرغب الغرب في بيعها لها. 

وأشار تقرير لموقع ذي تايم أوف إسرائيل في 17 أغسطس/ آب إلى أن المملكة أقامت بالفعل علاقات سرية مع "تل أبيب" في السنوات الأخيرة، وهو تحول قاده ابن سلمان حتى عندما أعرب والده عن دعمه الثابت لدولة فلسطينية مستقلة.

وقال الموقع: إن المملكة سعت إلى إبقاء ذلك التواصل سرا وبعيدا عن الأعين. ونقل تصريحات لمارك شناير وهو حاخام أميركي له علاقات وثيقة بالخليج، عن نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان قوله ذات مرة: إن إسرائيل جزء لا يتجزأ من تحقيق رؤية 2030.

وفيما يبدو أنه كان ردا على تصريحات ترامب بشأن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل قال الأمير تركي الفيصل وهو أحد أبرز أمراء العائلة المالكة في السعودية: إن الثمن الذي يمكن أن تقبله الرياض من أجل التطبيع مع إسرائيل هو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس. 

لكن الفيصل الذي عمل كسفير سابق في واشنطن ومدير سابق لجهاز المخابرات عبّر تفهمه للخطوة الإماراتية واعتبر أنها فرضت شرطا مهما وهو تعليق خطط إسرائيل ضم المستوطنات، وهو الشرط الذي لم تلتزم به إسرائيل وأعلنت أن خططها للضم ما زالت قائمة ولكن تم توقيفها مؤقتا. 

وطالب الفيصل في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية أي دولة عربية تفكر في أن تأخذ المنحى الذي جنحت إليه الإمارات أن تطالب في المقابل بثمن وأن يكون ذلك الثمن باهظا.