اتفاق النفط بين واشنطن و"قسد".. ما تأثيره على مستقبل الصراع بسوريا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجّر الاتفاق النفطي بين الولايات المتحدة الأميركية، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ردود فعل غاضبة من بعض الأطراف المعنية بالملف السوري، لا سيما تركيا وإيران ونظام بشار الأسد، إضافة إلى إثارته لتساؤلات كثيرة عن مرحلة ما بعد الاتفاقية.

ومن جملة التساؤلات المطروحة، ما مدى تأثير الاتفاقية على مستقبل المناطق التي تسيطر عليها "قسد"؟ وهل ستعزز من قوة الفصائل الكردية ومستقبلها بسوريا؟ وهل يعني أن أميركا ستبقى وقتا أطول في سوريا لحماية ما أبرمته مع الأطراف الكردية التي تمسك الأرض؟.

"صفقة قوية"

في 30 يوليو/ تموز 2020 أفاد السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام المعروف بعلاقته الوطيدة مع مسؤولي فصائل الأكراد بسوريا، في جلسة استماع بالكونغرس بأن قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، وقع اتفاقا مع شركة نفط أميركية لتحديث حقول النفط في شمال شرق سوريا.

وكشف غراهام خلال جلسة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بحضور وزير الخارجية مايك بومبيو، أن قائد "قسد" أبلغه أنه وقع اتفاقا مع شركة نفط أميركية لتحديث حقول النفط في شمال شرق سوريا. وقال عبدي لغراهام: "إن هذه أفضل وسيلة لمساعدة الجميع في هذه المنطقة".

وأعرب الوزير بومبيو عن دعم الإدارة لهذا التوجه، وقال: "لقد استغرقت الصفقة وقتا أطول بقليل مما كنا نأمل، ونحن الآن في مرحلة التنفيذ"، مضيفا: أنه "يمكن أن تكون (الصفقة) قوية للغاية".

وتعليقا على ذلك، يقول المحلل السياسي السوري الدكتور محمد نجار في حديث لـ"الاستقلال": "أميركا هي من دعمت قوات سوريا الديمقراطية للاستيلاء على حقول النفط والغاز في سوريا، وأعتقد أن الاتفاقية بينهما لن تدوم كثيرا، رغم المباحثات التي استمرت نحو 3 سنوات لإنجازها".

وأوضح نجار أن "إستراتيجية الولايات المتحدة لم تتغير في المنطقة بالاعتماد على الأقليات، حيث تستخدمهم كورقة من مجموعة أوراق تناور بها بشكل محترف بحكم خبرتها الكبيرة في التعامل مع هذه الملفات".

وأكد أن الاتفاق من شأنه أن يعزز قوة الفصائل الكردية، لأن من يمتلك المال يمتلك القوة وإدارة الأمور في تلك المنطقة، ولكن هذا أيضا يعتمد على الشد والجذب بين جميع الأطراف في سوريا، فكيف ستكون النتائج، هل سيكون هناك اتفاق روسي أميركي إيراني؟ هل ستستمر إسرائيل في سياستها غير المباشرة من خلال دعمها الأكراد ونظام الأسد؟ كل هذه الأطراف لديها دور فيما يتعلق بمستقبل الفصائل الكردية.

ورأى نجار أن القوة التي ستحصل عليها الفصائل الكردية هي مؤقتة ولن تدوم كثيرا، لأن "قسد" لديها الكثير من الأعداء بسبب سياستها العنصرية والقائمة على اللصوصية وسرقة حق الآخرين، فهم أتوا إلى شمال شرق سوريا هربا من ظلم النظام، لكنهم سيطروا على بعضها بقوة السلاح بدعم من واشنطن.

أبعاد سياسية

وبخصوص إمكانية بقاء الولايات المتحدة لمدة أطول بسوريا بعد الاتفاق، قال نجار: "واشنطن لن تتخلى عن الأكراد، ودليل ذلك أنها رفضت عروضا كثيرة لمحاربة تنظيم الدولة، وأصرت على أن تكون التنظيمات الكردية هي من تحارب من أجل تلميع صورة الأكراد، ويكون لهم حق في دعم هذه المنظمات التي كانت تصنفها واشنطن إرهابية".

ولفت إلى أن "أكثر من 80 بالمئة من حقول النفط والغاز تسيطر عليها (قسد)، والشركة التي ستبدأ إنتاج النفط أميركية، أي أن جميع الأطراف لا تستطيع أن تقوم بأي رد عملي على سياسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة، إضافة إلى إسرائيل".

وحسب نجار، فإن "أميركا باقية في المنطقة وستزيد من دعمها للفصائل الكردية، ولن تتغير إستراتيجيتها لأنها الأكثر فائدة بالنسبة للغرب، لأن هؤلاء جنود بقليل من الفتات يمكن أن يوفروا على الولايات المتحدة والأطراف الغربية الكثير من الدماء والإمكانيات العسكرية واللوجستية".

وفي المقابل، رأى الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" الكردية إبراهيم مسلم، أن الاتفاق النفطي "ربما يعود بالفائدة للمنطقة من خلال إيجاد حل لأزمة الوقود وتأمين فرص العمل لأبناء المنطقة"، مضيفا: "هذا الاتفاق سيعود بالنفع الكبير للبيئة من خلال التخلص من الشكل البدائي لتكرير النفط من خلال الحراقات المنتشرة في المنطقة".

وأشار مسلم خلال تصريحات صحفية في 1 أغسطس/آب 2020، إلى أن الاتفاق له أبعاد سياسية أيضا، فهو "نوع من الاعتراف بمؤسسات الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من سوريا".

واتساقا مع ذلك، نقلت تقارير صحفية عن مسؤولين أكراد من "الإدارة الذاتية"، قولهم: "المغزى السياسي لتوقيع الاتفاق كبير ومهم وهو بمثابة الاعتراف، إضافة إلى أنه يخفف القلق من احتمال انسحاب أميركي مفاجئ من شرق الفرات".

تفاصيل الاتفاق

موقع "المونيتور" الدولي أشار في تقرير له 2 أغسطس/ آب 2020، أن شركة "دلتا كريسنت إنرجي" الأميركية للطاقة هي التي وقعت الاتفاق، ونقل الموقع عن مصادر في الشركة أن "الاتفاق تم بعلم البيت الأبيض وبتشجيع منه".

وأضاف التقرير أن ممثلة الإدارة الذاتية في الولايات المتحدة، سينام محمد، أكدت أن شركة "دلتا كريسنت إنرجي" وقعت الاتفاق مع "الإدارة الذاتية" الكردية من دون الإدلاء بتفاصيل أخرى.

وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "خبر ترك" تقريرا سلطت فيه الضوء على تفاصيل توقيع الاتفاق، حيث أكدت أن مباحثات استمرت 9 ساعات بين ليندسي غراهام ومظلوم عبيدي، وضعت خارطة طريق جديدة لتحديث وزيادة إنتاج وتسويق النفط في الحقول التي تسيطر عليها الوحدات الكردية المسلحة شرقي الفرات (شمال شرق سوريا).

وأفادت "خبر ترك" بأن المباحثات بهذا الشأن لم تكن وليدة اللحظة، فقد كانت المفاوضات بين الطرفين متواصلة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. وكشفت أن المباحثات بين غراهام وزعيم قسد، تمخضت بالنهاية عن توقيع اتفاق مع شركة  "دلتا كريسنت إنرجي"، والتي تعد أيضا ذات قيمة في الولايات المتحدة، وماضيها مليء بالفضائح، ولكن ليس بقدر "إكسون موبيل".

وأضافت أن تفاصيل الصفقة مع "المنظمة الإرهابية" التي تمت خلف الأبواب المغلقة لم تعلن بعد، لافتة إلى أن الشركة الأميركية العملاقة، ستبدأ بأنشطتها في الحقول التابعة للوحدات الكردية في شرقي الفرات لزيادة إنتاج النفط اعتبارا من 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وبحلول شباط/ فبراير 2021، سيصل الإنتاج إلى 60 ألف برميل يوميا.

ونوهت الصحيفة إلى أن الوحدات الكردية، تحول حاليا بعض هذه القدرة الإنتاجية، إلى البنزين والديزل من النوعيات المنخفضة، إلى جانب إنشائها مصانع تقطير صغيرة الحجم بالمنطقة. ولفتت إلى أن "قسد"، تبيع 10- 15 ألف برميل من النفط الخام يوميا، لمنشآت التقطير في مناطق سيطرة الإدارة الكردية شمالي العراق.

وأشارت إلى أن الوقود الذي تقوم الوحدات الكردية المسلحة، بتهريبه وتوزيعه وإنتاجه في مرافق رديئة الجودة، سوف تستخرجه رسميا الآن شركة النفط الأميركية، وسوف تتخذ العملية طابعا رسميا.

وكشفت أن المادة السابعة من الاتفاقية المبرمة بين "قسد" والشركة الأميركية، تنص على أن الطاقة الإنتاجية اليومية وهي 60 ألف برميل سترتفع إلى 380 ألف برميل خلال 20 شهرا.

وكان إنتاج سوريا من النفط قد بلغ 380 ألف برميل يوميا قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011. لكن القطاع مُني بخسائر كبرى، ولا تزال غالبية حقول النفط والغاز تحت سيطرة "قسد" شمال وشرقي البلاد.

ردود غاضبة

الاتفاق النفطي بين واشنطن "وقسد" أثار ردود فعل غاضبة، حيث وصفت وزارة خارجية النظام السوري، الاتفاق المبرم بين الطرفين بأنه صفقة "باطلة تهدف لسرقة النفط السوري".

وجاء في نص البيان: "الجمهورية العربية السورية، تدين بأشد العبارات الاتفاق الموقع بين مليشيات قسد (قوات سوريا الديمقراطية) وشركة نفط أميركية لسرقة النفط السوري برعاية ودعم الإدارة الأميركية".

وأضافت: أنها تعتبر هذا الاتفاق "باطلا ولاغيا وليس له أثر قانوني، ويشكل اعتداء على السيادة السورية".

 من جهتها، أكدت وزارة الخارجية التركية، أن ثروات سوريا هي حق للشعب السوري، معربة عن أسفها لدعم الولايات المتحدة لاتفاق النفط، مشيرة إلى أن توقيع اتفاق النفط، يعد خطوة لتمويل الإرهاب، وغير مقبول، وليس له أي بعد شرعي.

وأشارت الخارجية التركية في بيان أن "وحدات حماية الشعب الإرهابية، تظهر أطماعها بالاستيلاء على ثروات الشعب السوري من خلال توقيع اتفاق مع الشركة الأميركية".

وعلى نحو مماثل، استنكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، توقيع الاتفاقية النفطية بين أميركا وقوات "قسد"، ووصفها بأنها انتهاك "لحق السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية".

وقال موسوي: إن توقيع الاتفاقية النفطية، لا يحظى بأي مصداقية قانونية. وأضاف: "هذه الاتفاقية الموقعة من جانب أميركا بوصفها القوة المحتلة والموجودة بصورة غير قانونية في سوريا، تفتقر لأي مصداقية قانونية، وهي خطوة أميركية أخرى لنهب الموارد الطبيعية في هذا البلد".

وكان لافتا غياب التعليق الرسمي الروسي عن الاتفاقية النفطية، لكن صحيفة "إزفيستيا" الروسية نشرت تقريرا في 6 أغسطس/ آب 2020، قالت فيه: إن "هذا الاتفاق ليس الأول من نوعه الذي ينطوي على انتهاك صارخ للسيادة السورية وسلامة أراضيها".