مسرحية هزلية.. ماذا سيتغير بإجراء انتخابات برلمانية جديدة في سوريا؟
.jpg)
في انتخابات محسومة سلفا، فازت قائمة حزب البعث بغالبية مقاعد برلمان النظام السوري، بعد حصولها على 177 مقعدا من أصل 250 بالانتخابات التشريعية التي جرت في 19 يوليو/ تموز 2020، وبنسبة مشاركة بلغت 33 %، وفقا للجنة المشرفة.
تعد هذه الانتخابات، الثالثة من نوعها يجريها النظام السوري منذ اندلاع الثورة عام 2011، في غياب أي معارضة فعلية على الأرض، الأمر الذي أثار تساؤلات ملحة حول أسباب إصرار نظام بشار الأسد على إقامتها، وهل يمكن لها أن تغير من الواقع السوري شيئا؟
إنكار للواقع
معظم التحليلات العربية والغربية ذهبت إلى أن انتخابات الأسد لا قيمة لها، إذ يحاول النظام السوري من خلالها إنكار الواقع الذي تعيشه البلاد، وأنها سعي لتجميله، في ظل دمار كبير بسوريا جراء الحرب، إضافة إلى مواجهتها خطر وباء كورونا.
وقال وائل علوان الباحث في مركز "جسور" للدراسات لـ"الاستقلال": إن "الانتخابات بالنسبة لنظام الأسد تعتبر جزءا من السردية التي يحكم بها سوريا منذ عقود، فهي تمثل إحدى رمزيات الحكم التي يجب أن تقدس، لذلك فإن انتخاباتهم بعيدة كل البعد عن الديمقراطية".
وأوضح أن "حزب البعث يسيطر على كل الأصوات، فهو يجبر طلبة الجامعات والموظفين وعناصر الأجهزة الأمنية على انتخاب قائمة حزب البعث العربي الاشتراكي، التي هو اختارها اختيارا، بل إنه يعينهم تعيينا. وحتى المستقلين هناك تدخل (الأسد) بشكل كامل في وصولهم إلى البرلمان".
وأشار علوان إلى أن "هذه المؤسسة (البرلمان) ليست تشريعية، وإنما شكلية مهمتها التصفيق والتصويت والمصادقة على ما يريده نظام حزب البعث الحاكم الذي يأخذ قراراته من رأس النظام ورؤوس الأفرع الأمنية".
وأكد الباحث السوري المعارض أن "الانتخابات إصرار سافر من نظام الأسد على إنكار واقع الأزمة السياسية التي يمر بها، إضافة إلى إنكاره للتداعيات التي انهالت على سوريا جراء جرائمه ومواجهته للشعب، وبالتالي يريد أن يدخل من جديد في فصل من فصول استغباء الشعب والعالم أجمع بإجراء انتخابات وكأن شيئا لم يكن".
أما الكاتب والإعلامي اللبناني خير الله خير الله فقال في مقال بصحيفة "العرب" اللندنية: إن "الانتخابات التشريعية السورية ليست سوى محاولة فاشلة أخرى لنظام في بحث مستمر عن شرعية له، حيث كان لافتا إصراره على الانتخابات، التي أجّلها مرتين، على الرغم من الانتشار السريع لوباء كورونا".
وأشار إلى أن النظام يعتقد أن سوريا ملك له والسوريين عبيد لديه، بل ويعتبر أن لا شيء تغير في البلاد وأن المواطنين على استعداد إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع في السنة 2021 لانتخاب بشار الأسد لولاية أخرى تمهيدا لانتخاب نجله الأكبر حافظ رئيسا في يوم من الأيام".
وتابع خير الله، قائلا: "أضاع العقل الذي أصر على إجراء انتخابات نيابية قبل أيام قليلة كل فرصة تصب في إنقاذ سوريا وعودتها دولة طبيعية ضمن حدودها المعترف بها، يصعب العثور على شبيه لهذا العقل الذي يرفض الاعتراف بأن سوريا التي عرفناها انتهت".
تجميل للجزار
وعلى المستوى الدولي، رأى محللون أن النظام السوري لن يذهب بخطوته هذه إلى أي حل سياسي لإخراج البلد من أزمته الحالية.
ويقول الباحث وائل علوان: إن "على المجتمع الدولي أن يعي أن هذا النظام غير قابل لأن يكون شريكا في أي حل سياسي بإرادته، وإنما يجب إرغامه على الانخراط في المسار السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة".
ورأى علوان أن "هذه الانتخابات لن تغير شيئا من الواقع السوري نهائيا، لأن ما جرى هو عملية استبدال عناصر بأخرى في البرلمان، والمحصلة أنهم كلهم متآمرون بشكل أو بآخر كجزء من أفراد السلطة والمنتفعين منها، من خلال تقسيم المنافع المادية والمناصب الجهوية بين الموالين للنظام لتثبيت حكم الأسد".
من جهتها، نشرت صحيفة "لاراثون" الإسبانية تقريرا تحت عنوان "انتخابات في سوريا لتجميل الجزار بشار الأسد"، قالت فيه: إن البلاد تعرضت للدمار بسبب الحرب، وتواجه الآن خطر وباء كورونا، إلى جانب العقوبات الأميركية المسلطة بعد صدور قانون قيصر لمعاقبة المتعاملين مع النظام.
وأضافت الصحيفة أن هذه الانتخابات لم يشارك فيها كل السوريين، إذ إن هنالك خمسة ملايين يعيشون كلاجئين في البلدان المجاورة، كما أن ما لا يقل عن ربع السكان يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة مثل إدلب ومناطق الحكم الذاتي في كردستان، وهي كلها لم تجر فيها هذه الانتخابات التي تحوم شكوك كبيرة حول مصداقيتها.
ويسيطر الأسد على 70 أو 80 ٪ من مساحة البلاد، ولكن الأمن منعدم في الجنوب، وتنظيم الدولة يتمتع بحضور قوي في الصحراء في وسط البلاد، كما أن المنطقة الكردية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في الشمال تسيطر على أغلب الموارد النفطية والحبوب، فيما يواجه النظام الحاكم مشكلة النقص في الخبز، بحسب الصحيفة.
وفي السياق ذاته، نقلت "لاراثون" الإسبانية عن وسام زرقا، الناشط والمعارض السوري قوله: "لا توجد كمية من الصابون والماء كافية لغسل دماء الآلاف من السوريين الذين تعرضوا للقتل والقصف على يد النظام السوري".
مسرحية هزلية
من جهتهم شدد كل من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والحكومة المؤقتة، على عدم شرعية انتخابات برلمان نظام الأسد، باعتبارها "مسرحية هزلية".
وقال رئيس الائتلاف السوري، نصر الحريري، خلال تصريح صحفي في 18 يوليو/ تموز 2020: إن هذه الانتخابات لا تتمتع بالشرعية، لأن نظام الأسد الذي سينظمها فقد شرعيته منذ إراقته أول قطرة دم من أبناء الشعب لدى انطلاق الثورة.
ولفت الحريري إلى أن تلك الانتخابات تفتقر لأبسط مقومات الديمقراطية، حيث تجري تحت إشراف الجيش والأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد.
وأكد على عدم شرعية هذه الانتخابات لأنها لا تعكس الإرادة الحقيقية للشعب السوري، ولن يشارك فيها أكثر من نصف أبناء الشعب بسبب تهجيرهم من ديارهم، وإجبارهم على النزوح إلى مناطق أخرى داخل البلاد أو اللجوء إلى دول أخرى.
بدوره، وصف رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، الانتخابات بـ"المسرحية الهزلية".
وقال: إن النظام السوري يهدف من خلال هذه الانتخابات الشكلية للتهرب من استحقاقات الحل السياسي، وتفصيل حل على مقاساته واستمراره في الحكم على دماء السوريين، ضاربا عرض الحائط المعتقلين والمختفين قسريا، وملايين المشردين، والنازحين والمهجرين قسرا.
وشدد مصطفى خلال تصريح له في 18 يوليو/ تموز 2020، على أن "الشعب السوري يتطلع لإجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس دستور جديد يكتبونه ويقبلون به، ووفق قانون انتخابات عادل".
نجاح مزعوم
من جهتها، أعلنت "الإدارة الذاتية"، الذراع المدنية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، موقفها من انتخابات مجلس البرلمان التي يجريها النظام السوري، إذ قال الناطق باسمها لقمان أحمي: إن "انتخابات مجلس الشعب السوري لا تعنيها، ولن تكون هناك صناديق اقتراع في مناطقها".
واعتبر خلال مؤتمر صحفي في 18 يوليو/ تموز 2020 أن إصرار "الحكومة السورية على عقد الانتخابات ليس سوى إصرار على السير في النهج الذي سارت عليه منذ بداية الأزمة، ألا وهو عدم رؤيته لأي أزمة في سوريا، وعدم قبولها مشاركة أي أطراف سورية في الحوار السوري- السوري لإيجاد حل للأزمة".
وعلى الصعيد الدولي، انتقدت الولايات المتحدة عبر بيان لوزارة الخارجية الأميركية، في 19 يوليو/ تموز 2020 الانتخابات التشريعية للنظام السوري، ووصفتها بالمزورة وغير الحرة.
وقالت الخارجية الأميركية: إن "بشار الأسد يسعى إلى تقديم هذه الانتخابات المريبة على أنها نجاح ضد التآمر الغربي المزعوم، لكنها في الواقع مجرد انتخابات أخرى في سلسلة طويلة من الاقتراعات التي يديرها الأسد، وهي غير حرة، وليس لدى الشعب السوري خيار حقيقي فيها".
ووفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، يجب أن تكون الانتخابات في سوريا "حرة ونزيهة، تحت إشراف الأمم المتحدة، وبمشاركة جميع السوريين بمن فيهم سوريو الشتات المؤهلون للمشاركة".
وتابع بيان الخارجية الأميركية: أن "المجتمع الدولي سينظر إلى هذه الانتخابات المزورة على حقيقتها، إلى أن يسمح نظام الأسد وحكومته بهذه الشروط ويلتزموا بها".