غارات التحالف باليمن.. هل أخطأت أهدافها أم صفّت خصومها؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يتوقف مسلسل استهداف الجيش الوطني بالغارات الجوية، منذ أعلن تحالف "الرياض - أبوظبي" عمليته العسكرية باليمن في 2015، فطالت عشرات الغارات الجوية جنودا وضباطا في صفوف الجيش، الذي من المفترض أن التحالف يدعمه، وأخرى كانت من نصيب مدنيين سلميين في منازلهم أو أماكن تجمعاتهم، ليجرى وصف تلك الغارات بالخاطئة، ويجري بعدها محاولة تمييع القضية.

في الأسبوع الماضي، شنت طائرات التحالف ثلاث غارات جوية في منطقة برط العنان بمحافظة الجوف، استهدفت فيها كتائب من الجيش الوطني، فكانت الحصيلة مقتل وإصابة 30  من أفراد الجيش.

تزامنت تلك الغارات مع هجوم شنته ميليشيا الحوثي على منطقة حجور في محافظة حجة، في وقت كانت فيه المقاومة الشعبية في حجور تنتظر دعما جويا من طائرات التحالف، يفك عنها الحصار، ويمدها بما تحتاجه من الأسلحة لصد هجوم الحوثيين، لكن ما حصل هو خلاف ذلك تماما.

"تاريخ أسود"

ليست هذه الغارة الوحيدة، فعشرات الغارات الجوية استهدفت معسكرات تسببت بمقتل مئات الضباط والجنود التابعين للجيش الوطني، أبرزها الغارة على معسكر العبر، التي راح ضحيتها سبعون قتيلا وأكثر من مائة جريح، وغارات أخرى استهدفت مدنيين، أبرزها استهداف حافلة نقل أطفال في صعدة، راح ضحيتها 51 مدنيا، بينهم 40 طفلا، وكذلك استهداف الصالة الكبرى بصنعاء، التي أسفرت عن مقتل 140 شخصا وإصابة 500 آخرين، واستهداف أسرى من المدنيين لدى الحوثيين في مبنى الشرطة العسكرية، الذي راح ضحيته أكثر من مائة أسير بين قتيل وجريح.

كانت حادثة استهداف ضباط ومجندين في معسكر العبر من أوائل العمليات التي نفذها التحالف في اليمن، وعن تلك الحادثة قال عبد الرقيب الأبارة، نجل القائد العسكري العميد أحمد الأبارة، الذي استهدفته غارة للتحالف  في معسكر العبر بمحافظة حضرموت: "استشهد مع والدي سبعون شخصا بين ضباط وجنود، وجُرح مئة آخرون، بغارة للتحالف، في يوليو/تموز 2015".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "استهداف والدي الذي يعمل كمستشار لرئيس هيئة الأركان، بعد أسبوع واحد من لقائه ضباطا إماراتيين وسعوديين، كان قد تحدث إليهم عن خطة وتصور كامل لتشكيل جيش وطني".

وعن دافع الاستهداف يقول الأبارة: "لا يرغب التحالف ببناء جيش وطني له إرادة مستقلة، وأجندة تتعلق بتحرير اليمن من الانقلاب، فالتحالف يريد بقاء الانقلاب، ليكون غطاء لتنفيذ أجندته ومشاريعه في اليمن، مضيفا: "تلقينا وعودا بالتحقيق في القضية، لكن شيئا لم يحصل حتى اللحظة، سوى المماطلة ومحاولة تمييع القضية".

استهداف المخالفين

استهدفت الغارات الجوية بشكل خاص التحركات العسكرية التي تسعى لتحقيق تقدم حقيقي يقلص من نفوذ الحوثيين، يتم ذلك في الوقت الذي يقوم الحوثيون بعروض عسكرية وهم في مأمن من ضربات التحالف، ما يثبت أن المعركة ضد الحوثي ليست من أولويات التحالف وليست من أهدافه، يقول المحلل السياسي ياسين التميمي، في تصريح لـ"الاستقلال": "ما فتئ الطيران الإماراتي يستهدف المقاتلين الذين يعتقد أنهم محسوبون، بشكل أو بآخر، على قوى التغيير، أو على حزب الإصلاح".

وأضاف التميمي: "استهداف الجيش ليس عملا طارئا بل عملية ممنهجة، الهدف منه هو إضعاف هذا الجيش والتقليل من قدراته، والنيل من العناصر المؤثر في الجيش الوطني الذي يمكن أن تلعب دورا في المرحلة المقبلة، عندما يتقدم باتجاه تحقيق أهدافه في هزيمة الميلشيا، وأن استهداف الجيش في هذه اللحظة وفي هذا الظرف المحلي والدولي يدل على عدم وجود رؤية حقيقية لدى هذا الطرف الذي يدعي أنه يساند الشرعية".

وعقب قائلا: "تلك الممارسات التي تنتهجها دول التحالف ضد الجيش الوطني، إضافة إلى الخطاب السياسي والإعلامي الذي يصدره التحالف، يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأنه لا شراكة حقيقية له مع الشرعية ولا مع معسكر الشرعية، وأن ادعاءاته بأنه يقاتل الحوثيين ليست صحيحة ولا مطابقة لما يحدث".

عدم كفاءة

لم تقتصر غارات التحالف على المعسكرات وقوات الجيش الوطني، فقد طالتها لاستهداف مدنيين وأعيان مدنية في جميع المحافظات، حتى تلك التي لا يتواجد فيها الحوثيون، وكان تقرير صدر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بعنوان" مبيعات الأسلحة للسعوديين تترك بصمات أمريكية على مذبحة اليمن"، قد كشف أن "ضباطا أمريكيين يعملون ضمن غرفة مشتركة لعمليات التحالف في الرياض، أفادوا بأن طيارين سعوديين قليلي الخبرة حلقوا بارتفاعات عالية للغاية في اليمن لتجنب مضادات طيران الحوثيين  وقد قلل هذا التكتيك من خطر الطيارين، لكنه انتقل إلى المدنيين الذين قضوا في غارات جوية أقل دقة".

وأضاف التقرير أن "مخططي التحالف أخطأوا في تحديد أهدافهم وهاجموها في أوقات غير مناسبة، وتجاهل التحالف بشكل روتيني قائمة المناطق الممنوع استهدافها، والتي وضعتها القيادة المركزية الأمريكية والأمم المتحدة - مثل المستشفيات والمدارس وغيرها من الأماكن التي يتجمع فيها المدنيون".

وتسترسل الصحيفة الأمريكية في تقريرها بالقول إن "إحدى الغارات أدت إلى مقتل 155 مدنيا في قاعة عزاء، في إشارة لحادثة الصالة الكبرى التي استهدف فيها طيران التحالف تجمعا لمواطنين في نوفمبر/ تشرين الأول 2016".

من جهته، قال محمد القيسي، وهو والد أحد ضحايا الغارات الجوية التحالف، في تصريح لـ"الاستقلال": "قد قضى ابني ناصر قبل 5 أشهر، بغارة جوية للتحالف، استهدفته بينما كان يقود سيارته في الطريق الرئيسي بمنطقة عاهم بمحافظة حجة، حيث كان يحمل خلايا نحل، ذاهبا للبحث عن مزرعة، لكن الغارة الجوية استهدفت ابني وأحرقت السيارة بكل  فيها من نحل".

التفاف وتحايل

في معظم الحوادث التي يستهدف فيها التحالف مدنيين، يبادر بالإنكار بوقوفه وراء هذا العمل، لكنه بعد الضغط عليه، ومواجهته بأدلة مادية يعترف بالعملية، لكنه يبرر على الفور بأن عملياته العسكرية قد راعت قواعد الاشتباك في حماية المدنيين، وأن العملية استهدفت قادة عسكريين.

وعند عرض صور للضحايا، التي تكون أحيانا من الأطفال والنساء، يتنصل التحالف من المسؤولية ويفيد بأن الغارات تمت وفقا لإحداثيات مرسلة من الجانب اليمني، ثم يعد بإجراء تحقيق عبر فريق تقييم الحوادث، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن، فأول غارة استهدف فيها التحالف قوات من الجيش الوطني في معسكر العبر في 2015 لم يصدر فيها أي نتائج للتحقيق حتى الآن.

وكانت السلطات السعودية قد أنكرت صلتها بحادث الصالة الكبرى التي قتلت فيها 155 مدنيا وأصابت أكثر من 500 آخرين، وقد أورد موقع "فرانس 24" بيانا نفى فيه التحالف مسؤوليته أو ضلوعه في هذه الحادثة، لكنه عاد بعد بضعة أيام واعترف بقيامه بتلك الغارة، وألقى باللائمة على معلومات استخباراتية من شركائه اليمنيين، بحسب مجلة "نيويوركر" الأمريكية.

كذلك أنكر المتحدث باسم التحالف، تركي المالكي، في تصريح سابق صلته باستهداف حافلة أطفال، لكنه عاد واعترف بعد ضغوط من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بمسؤولية التحالف عن تلك الحادثة، ووعد بإجراء تحقيق فيها.

وقال الباحث في العلاقات الدولية عمار يحيى: "يذكرنا هذا التحايل ومحاولة التنصل من المسؤولية بجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، حيث أنكرت السعودية ابتداءً ارتكابها أي جريمة، وأفادت بأن خاشقجي قد غادر القنصلية، لتعترف بعد الضغط عليها، بأنه قتل خطأ إثر شجار مع المحققين، ولما تم مطالبتها بالجثة، اعترفت بأن الجثة تم تقطيعها، وهو ما ينفي أن يكون قد قتل خطأ، لتفيد مؤخرا بأن الجثة تم تسليمها لمتعهد محلي، في مسعى منها لإنكار قيامها بإحراق أو إذابة الجثة وإخفاء ملامحها".