لماذا غضب الجزائريون من تصريحات ماكرون وأمطروا الإليزيه بالاتصالات؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"ما كانش الخامسة يا ولاد فرنسا" شعار ردده متظاهرو الجزائر في حراكهم الثوري على مدار أسابيع لإسقاط النظام، ويعني بلهجتهم المحلية "لن تكون ولاية خامسة يا أبناء فرنسا".

الشعار رغم بساطته لكنه اختزل توصيفا جامعا حسب قناعة الجموع الرافضة لاستمرار نظام يعتقد جل من في الشارع أنّه مدعوم من فرنسا، التي احتلت بلادهم على مدار 132 عاما، ولم تغادرها إلا بعد ثورة عارمة قدّم فيها الجزائريون أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وعقد اتفاقات حافظت على مصالحها الاستعمارية هناك.

إرث تاريخي دام، واتهامات بالتأثير على قرار حكامها، واستغلال مواردها، كلها أمور جعلت الجزائريين حذرين من أي تدخّل فرنسي أثناء الحراك، هو ما أثار غضبهم من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تأجيل الانتخابات.

تدخّل فج

التزام فرنسا الرسمي الصمت تجاه الحراك في الجزائر لم يدم طويلا، فبمجرد انتقال الوضع إلى مرحلة جديدة، وعودة بوتفليقة من رحلته العلاجية في سويسرا وإعلانه العدول عن الترشح لولاية خامسة وتأجيل الانتخابات الرئاسية، وجه ماكرون خلال ندوة صحفية في جيبوتي تحية لقرار بوتفليقة، داعيا لفترة انتقالية "بمهلة معقولة"، وعبّر ماكرون عن أمله في عقد الندوة الوطنية (الحوار الوطني) الجزائرية التي وعد بها بوتفليقة في رسالته خلال "الأسابيع والأشهر المقبلة".

كان يمكن لتصريحات ماكرون ألا تخرج عن دائرة المواقف الدبلوماسية لدول إقليمية تربطها مصالح مشتركة مع الجزائر، إلا أنّ حديث الرئيس الفرنسي عن المرحلة الانتقالية ومدّتها وشكلها أثار حفيظة الجزائريين على المستويين الرسمي والشعبي.

رسميا أكد نائب رئيس الحكومة الجزائرية ووزير الخارجية رمطان لعمامرة رفض الجزائر أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية، حيث قال في أول ندوة صحفية له رفقة رئيس الحكومة الجديد نور الدين بدوي "نتفهم اهتمام الشركاء الدوليين بتطورات الوضع في الجزائر، وإذا كان إصدار مواقف أمرا طبيعيا في المجتمع والعلاقات الدولية، وتقوم به الجزائر أيضا، فمن المرفوض إصدار موقف ينطوي على أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي". مضيفا أن "الدولة الجزائرية لديها كل الوسائل الممكنة للرد والدفاع عن سيادتها".

هذا الموقف من الحكومة سايره مواقف مماثلة من المعارضة، التي لا تخفي اتهامها الدائم للنظام بأن قراره مرتهن للأجنبي وفي مقدمتهم الفرنسيون، حيث قالت أيقونة الثورة الجزائرية جميلة بوحيرد "ماكرون يدعم الانقلاب المبرمج الذي قاده بوتفليقة، وهذا اعتداء ضد الشعب الجزائري وضد آماله في الحرية والكرامة".

كما جددت المعارضة في بيانها إثر اللقاء التشاوري الخامس 14 مارس/آذار 2019 رفضها "أي تدخل أجنبي تحت أي شكل من الأشكال في شؤوننا الداخلية ونستنكر سعي السلطة السياسية القائمة للاستعانة بالخارج للالتفاف على الهبة الشعبية السلمية".

واستنكر المحامي والناشط السياسي مصطفى بوشاشي الأدوار "المشبوهة" لبعض العواصم الغربية والعربية قائلا "من مصلحة فرنسا بقاء النظام الحالي، فهي تحاول التركيز وحماية طبقة قليلة ليس لها شرعية على حساب إرادة الشارع لتستطيع الضغط عليه للحفاظ على مصالحها".

تصريحات ماكرون ووزير خارجيته جون إيف لودريان، المساندة لقرار بوتفليقة بتأجيل الانتخابات أثارت أيضا غضب الشارع الجزائري وأدخلت محول هاتف قصر الإليزيه، مقر الرئاسة الفرنسية، في دوامة من الاتصالات عبر آلاف المكالمات المنددة بالموقف الفرنسي واعتبرته تدخلا في شؤون بلادهم الداخلية، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات المقاطع المصورة لجزائريين أثناء اتصالهم بالإليزيه، هذا الغضب الشعبي وإن ارتبط بالتصريحات الأخيرة إلا أنه يحمل في طياته موقفا تاريخيا من فرنسا قبل استقلال الجزائر وبعدها.

المشروع الديجولي

في العام 2001 صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت كتاب للدكتور عبد الحميد براهيمي تحت عنوان: "في أصل المأساة الجزائرية، شهادةٌ عن حزب فرنسا الحاكم في الجزائر (1958م- 1999)، وخلص المناضل والسياسي الجزائري الذي شارك في صفوف جيش التحرير الشعبي منذ العام 1955 في جهاده ضدّ الاستعمار الفرنسي إلى أن الجزائر انتقلت من الاستعمار التقليدي إلى الاستعمار الجديد، عن طريق المشروع الديجولي (نسبة للرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديجول) "الجزائر الجزائرية"، والذي نجح حسب تعبير براهيمي على الاستيلاء على قيادة جيش التحرير الوطني واختراقه بين سنوات (1958 و1962).

مضيفا أن "حزب فرنسا" استولى بعد الاستقلال على القطاعات الاستراتيجية الرئيسية كالجيش ومصالح الأمن والوزارات والمواقع السياسية الحسّاسة، مما فاقم تبعية الجزائر لفرنسا.

وأكّد الدكتور براهيمي والذي استقال من حزب جبهة التحرير الجزائري الحاكم في العام 1990 بعد سنتين على انتفاضة الشعب الجزائري في أكتوبر/ تشرين الثاني 1988، أنّ البلاد دخلت في مرحلة خطيرة بعد سيطرة بعض الجنرالات وهم من "الضّباط الفارين" من الجيش الفرنسي على السّلطة ومصادرة الحكم سنة 1992 والتي وضعت نفسها فوق الدستور وقوانين الجمهورية ومؤسسات الدولة.

وأضاف أنّ هؤلاء الجنرالات عملوا على التسويق وطنيا ودوليا بأن أصل الأزمة هو "الخطر الإسلامي" الذي يبرّر "إلغاء المسار الانتحابي" و"الانقلاب على الشرعية"، ويؤصّل للمقاربة الأمنية والممارسات البوليسية، والتي رافقت الجزائريين عقدا من الزمن وصف بالعشرية السوداء انتهت بسن قانون الوئام والمصالحة بعد وصول بوتفليقة إلى السلطة عام 1999 والذي يتهم أيضا بأن "حزب فرنسا" هو من أوصله لقصر المرادية.

الثلاثي المنقذ

شكلت السنوات التالية للعام 1992 صعود مجموعة من الجنرالات الذي تحولوا إلى الحكام الفعليين للبلاد، وهم الثلاثي خالد نزار وزير الدفاع السابق، والعربي بلخير رئيس الديوان برئاسة الجمهورية، ومحمد تواتي أو المعروف الجنرال المخ، وثلاثتهم من الضباط السابقين بالجيش الفرنسي.

يؤكّد ذلك الأمين العام السابق للتنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء الراحل أحمد لخضر بن سعيد، والذي يعتبر أن هذا الثلاثي هو المسؤول عن وصول عبد العزيز بوتفليقة لمنصب الرئاسة حيث قال "كنا نرى في الرئيس بوتفليقة لدى عودته في سنة 1999 شخصا تعرض للاضطهاد، وهو يعرف هذا الحزب (حزب فرنسا) ربما أفضل من غيره، وكنا نتوقع أن يضع حدّا له ويعيد الجزائر للجزائريين، ولكن هذا الحزب ازداد قوة، مع الأسف، خلال السنوات العشر الماضية من حكم بوتفليقة· الجزائر الآن هي تحت رحمة هذا الحزب الذي يقودها في ظل السيد عبد العزيز بوتفليقة".

ويبدو أن مثل هذه الأطروحات هي التي جعلت من الجزائريين لا يفرقون كثيرا بين مطلب إسقاط النظام وإسقاط التبعية لفرنسا ورجالها في الجزائر والاتفاقات التي تربطهم بها وفي مقدمتها "اتفاقية إيفيان".

إسقاط إيفيان

يبدو أنّ جموع الشعب الجزائري المنتفض في المدن الجزائرية قد تولدت عندهم قناعة مطلقة أن الحرية والكرامة والديمقراطية التي تعبر عنها شعارات الحراك المنطلق في 22 فبراير/شباط الماضي رفضا لترشح بوتفليقة لولاية خامسة واستمر مطالبا بإسقاط كل النظام لا تغني عن مطلب السيادة الكاملة على الأرض والموارد والقرار الوطني.

ولم تغب عن جلّ المسيرات شعارات المطالبة بالاستقلال الكامل والتام عبر تعديل اتفاقية إيفيان الموقعة بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والحكومة الفرنسية الاستعمارية عام 1962، والتي يعتبرها الجزائريون لم تحقق استقلالا حقيقيا بسبب ما منحته لفرنسا من امتيازات خاصة في ملف الطاقة والموارد الباطنية وحماية مصالحها الاقتصادية في الجزائر.