إسقاط الجنسية.. عقوبة جماعية تطارد المعارضين الإماراتيين وعوائلهم

سلطان العنزي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعتبر “إسقاط الجنسية” واحدا من أبرز الوسائل التعسفية التي تستخدمها دولة الإمارات العربية المتحدة، لمعاقبة الناشطين والمعارضين السلميين وعوائلهم، بشكل جماعي، بسبب مطالبهم باحترام حقوق الإنسان، وإجراء إصلاحات سياسية في البلاد.

هذا الإجراء، الذي يعد حلقة في سلسلة طويلة من المضايقات التعسفية التي تنتهجها أبوظبي بحق الناشطين وأسرهم، حوّل مئات المواطنين الإماراتيين، إلى “عديمي الجنسية”، وحرمهم من كافة حقوقهم الأساسية، في انتهاك صارخ لمواثيق حقوق الإنسان.

ولا تضمن الإمارات للأشخاص الذين تُسحب منهم الجنسية حق اللجوء إلى القضاء والتظلم من انتهاك الحق في الجنسية، بالرغم من أنها تقدم نفسها كدولة منفتحة، وفيها وزارات للتسامح والسعادة.

وتؤكد منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أن السلطات الإماراتية تستخدم “سحب الجنسية” كأداة لمعاقبة الناشطين، وكل من يجرؤ على توجيه انتقاد للحكومة، لافتة إلى أنه: “إذا سحبت الحكومة الجنسية من رجل، يسمح قانون الجنسية الإماراتي بسحب جنسية زوجته وأطفاله تبعا لذلك”.

وكشفت المنظمة في تقرير نشرته في 22 ديسمبر/كانون الأول 2019، أنه في حالتين اثنتين، سحبت السلطات الإماراتية تعسفا جنسية 19 من أفراد عائلة اثنين من المعارضين، مما تركهم عديمي الجنسية وحرمهم من حقوقهم الأساسية.

وأشارت “رايتس ووتش” إلى أنه بالرغم من أن القانون الإماراتي يفرض نشر مرسوم سحب الجنسية في الجريدة الرسمية، إلا أن العوائل التي طالها قرار سحب الجنسية، لم تتمكن من الحصول على نسخة من المرسوم، أو حتى العثور عليه في الجريدة مما يمنعهم من الطعن في القرار.

تعسف حكومي

قضية “سحب الجنسية” في الإمارات، عادت إلى دائرة الضوء مجددا، بعد قيام سلطات أبوظبي بسحب الجنسية عن زوجة أحد المعتقلين وأطفاله، ليصبحوا عالقين في دولة أخرى.

وقالت “عواطف”، زوجة المعتقل عبد السلام درويش، أحد المحكوم عليهم في القضية المعروفة إعلاميا بـ"الإمارات 94": إنها تفاجأت بسحب جنسيتها وأطفالها، بعد مغادرتهم الإمارات بهدف العلاج.

وفي شهر مارس/آذار 2013، حاكمت السلطات الإماراتية 94 ناشطا اجتماعيا وسياسيا بتهمة التآمر للإطاحة بالحكومة، بعد توقيعهم على عريضة تطالب بإصلاحات ديمقراطية، لتصبح قضية "الإمارات 94" لحظة فاصلة في تاريخ القمع بالإمارات.

وأكدت “عواطف” عبر سلسلة تغريدات نشرتها على حسابها بموقع “تويتر” في 18 يونيو/حزيران 2020، أنها غادرت الإمارات في رحلة علاج لأحد أبنائها، فحرمتها السلطات من العودة إلى بلدها، بعد سحب الجنسية منهم.

وأوضحت زوجة المعتقل أنها وأطفالها تعرضوا للتهديد، وتوقفت رحلة علاجهم، مشيرة إلى أنهم عالقون حاليا في بلد العلاج، وتفاقمت معاناتهم بعد منع السلطات الإماراتية لعائلتها من السفر إليهم لمساعدتهم.

وتساءلت “عواطف”: “لمَ هذا التمييز ضد عائلتي؟ وما الذنب الذي ارتكبه أبنائي المرضى من ذوي التوحد، وبناتي، وزوجي حتى تسحب جنسيتهم، ويحرمون من حقوقهم الوطنية التي كفلها لهم الدستور؟ هل لأننا نحب وطننا الإمارات بصدق ونسعى جاهدين لننهض به بالعلم والتنمية والعطاء؟!”.

انتقادات دولية

وتتهم منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية؛ الحكومة الإماراتية بالتضييق على أفراد عائلات معارضين معتقلين، وآخرين مقيمين في الخارج، من خلال سلسلة من الإجراءات العقابية، من بينها سحب الجنسية، والمنع من السفر. 

وأوضحت المنظمة في تقريرها الذي نشرته بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2019، أنها وثقت استهداف أقارب 8 معارضين للنظام.

ولفتت أن سلطات أبوظبي سحبت جنسية 19 من أقارب لمعارضَين اثنين، فيما يوجد 30 شخصا على الأقل من أقارب 6 معارضين ممنوعين حاليا من السفر، و22 من أقارب لثلاثة معارضين غير مسموح لهم تجديد وثائق هويتهم.

ووفقا للمنظمة الحقوقية فإن أقارب جميع المعارضين الثمانية واجهوا قيودا في الحصول على الوظائف، ومتابعة التعليم العالي، بين عامي 2013 و2019.

وأشارت “رايتس ووتش” إلى أن جهاز أمن الدولة الإماراتي، يستخدم سلطاته الواسعة لإخضاع عوائل الناشطين والمعارضين، عبر المضايقة التعسفية والعشوائية، منتهكا بذلك حقوقهم الأساسية في المواطنة والعمل والتعليم وحرية التنقل والخصوصية.

وذكرت المنظمة الدولية أن قرار حظر السفر هو الوسيلة الأخرى التي يستخدمها حكام الإمارات لاستهداف أقارب معارضيهم، مؤكدة أنه "لم يحظ أي من المتضررين بفرصة الطعن في القرارات، أو استئنافها، نظرا لأن أمر حظر السفر لم يصدر عن محكمة".

جهاز أمن الدولة

وبالرغم من أن الدستور الإماراتي يشدد على عدم جواز إسقاط الجنسية عن المواطن أو سحبها منه إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون، وأناط ذلك بالقضاء، إلا أن جهاز أمن الدولة أصبح في السنوات الأخيرة، هو من يقرر إسقاط الجنسية أو سحبها. 

ففي سبتمبر/أيلول 2017 ، ألغى مرسومان رئاسيان سلطة وزارة الداخلية في منح الجنسية وسحبها، وإصدار جوازات السفر وغيرها من وثائق الهوية وتجديدها، ومراقبة دخول الأجانب وإقامتهم، ونقَلا تلك السلطات فعليا إلى جهاز أمن الدولة.

وبموجب المرسومين الرئاسيين، أُنشِئت "الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية" التي يرأسها علي حماد الشامسي، نائب مدير "المجلس الأعلى للأمن الوطني"، واللواء طلال حميد بالهول، رئيس جهاز أمن الدولة في دبي، نائبا له.

ويرى مراقبون أن ربط منح الجنسية وسحبها بجهاز أمن الدولة المشهور بالقمع والتعسف المفرط، يضع الإماراتيين تحت رحمة رجال هذا الجهاز الذين يستخدمون سلطة لا رقيب عليها، ويمارسون انتهاكات انتقامية ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي، ضد الناشطين وعوائلهم.

رفض شعبي

وعبر ناشطون إماراتيون عن استنكارهم لسياسة العقاب الجماعي، التي تنتهجها حكومة بلادهم تجاه المعتقلين وأقاربهم، مؤكدين أن هذه السياسة هي استهداف صريح لأعراف المجتمع وتقاليده، واستهتار من قبل السلطة بحريات المواطنين وحقوقهم.

الناشط السياسي الإماراتي حمد الشامسي، قال في تغريدة نشرها عبر حسابه بتويتر، في 19 يونيو/حزيران: إن استخدام الجنسية كسلاح لمعاقبة المجتمع، بدون إجراءات قانونية واضحة، وبدون محاكمات عادلة، يجعل المجتمع يعيش حالة من عدم الاستقرار، لأن “ظلم فرد واحد هو ظلم لكافة أفراد المجتمع “.

فيما أشار المعارض الإماراتي أحمد الشيبة النعيمي إلى أن “التجريد التعسفي للمواطن من مواطنته، بإسقاط الجنسية، وما يترتب عليها من حرمان من الحقوق والحريات، جريمة إنسانية، لا يعرفها إلا من ذاق مرارة احتلال وطنه من عدو، وتحويله للاجئ بلا هوية”.

وشدد النعيمي في مقطع نشره عبر حسابه بتوتير، في 19 يونيو/حزيران الجاري، على أن “الجنسية هي حق أساسي من حقوق المواطنة، والتعسف في مصادرتها يدمر النسيج المجتمعي، ويهدد ثقافة الولاء الوطني، ويعد أداة من أدوات القمع والتنكيل بأصحاب الرأي”.

 وبيّن المعارض الإماراتي أن هذا النوع من الانتقام “يعكس حالة القمع التي تعيشها الأنظمة العربية”.

من جانبه، أوضح “مركز الإمارات لحقوق الإنسان” أن سحب الجنسية من عائلات معتقلي الرأي، يؤدي إلى تفاقم معاناتهم في الحياة اليومية، بما في ذلك الحرمان من الحق في تلقي الرعاية الصحية والتعليم وحرية التنقل.

ووصف المركز خلال بيان نشره في 19 يونيو/حزيران، هذا الإجراء بأنه “تعسفي ومرفوض، لأنه انتهاك لحقوق الإنسان”، داعيا السلطات الإماراتية إلى التراجع عنه.