مندوب لبوتين ومناطق بحرية.. لماذا اتخذت روسيا خطوات عاجلة بسوريا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تمض سوى أيام على قرار الرئيس الروسي فلادمير بوتين بتعيين مبعوث خاص له في سوريا، حتى أتبعه بقرار آخر يطالب فيه النظام السوري بتسليم العسكريين الروس منشآت ومناطق بحرية إضافية في سوريا، ما أثار تساؤلات ملحة عن دوافع القرارين وتوقيتهما.

قرارات بوتين الجديدة، جاءت في ظل تزايد التقارير الإعلامية عن تذمر  موسكو من رئيس النظام السوري بشار الأسد، وقرب دخول "قانون قيصر" الأميركي حيّز التنفيذ منتصف يونيو/ حزيران 2020، الذي يفرض عقوبات ضد نظام الأسد وداعميه.

في 25 مايو/ أيار 2020، أصدر بوتين مرسوما يقضي بتعيين السفير الروسي لدى سوريا ألكسندر يفيموف مبعوثا خاصا له في دمشق، وبعدها بأربعة أيام وقع الرئيس الروسي على مرسوم آخر يفوض وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات مع النظام السوري بغية تسليم العسكريين الروس منشآت ومناطق بحرية إضافية في سوريا.

نفوذ بحري

رغم امتلاك روسيا منشأتين عسكريتين دائمتين في سوريا هما قاعدة جوية في محافظة اللاذقية، وأخرى بحرية في طرطوس على البحر المتوسط، لكن قرار بوتين الأخير يوصي بتسليم جنود بلاده منشآت إضافية وتوسيع نفوذهم البحري.

قرار بوتين، يأتي موافقة على مقترح من روسيا ضمن بروتوكول يعود للاتفاقية المبرمة في أغسطس/آب 2015 بين موسكو ودمشق بشأن نشر مجموعة من سلاح الجو الروسي في سوريا، حسب موقع "البوابة الرسمية للمعلومات القانونية" الروسي.

لكن المحامي يوسف قدورة المستشار في مركز "جسور" للدراسات، رأى في حديث لـ"الاستقلال" أن "لهذا الأمر بعدا إستراتيجيا، يتمثل في تقوية المركز الدفاعي العسكري الروسي، في مقابل الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو، بإنشاء قاعدة روسية كبيرة شرق المتوسط".

وأضاف: "بحسب الاتفاق الروسي مع النظام فإنه يحق للروس استلام ممتلكات غير منقولة (أي أراضي وعقارات ومباني)، ومناطق بحرية جديدة، بمعنى سيطرة روسية على المياه البحرية التي تمتلك الدولة السورية حق السيادة عليها وفقا للقانون الدولي".

ولفت قدورة إلى "الوضع بين روسيا والنظام السوري أشبه ما يكون، بشخص ناقص الأهلية، يتولى وليه الكامل الأهلية تسيير أموره في التصرفات والمعاملات، كما يتولى إضافة لذلك تمثيله أمام مستحقات ذلك الشخص واتخاذ القرارات عنه".

من جهته، قال المحلل العسكري الروسي أندريه فرولوف خلال تصريحات صحفية في 29 مايو/ أيار 2020: إن "المرسوم يفسح المجال لزيادة النفوذ الروسي في سوريا".

وأكد فرولوف أن "المرسوم لا يتعلق بقاعدتي حميميم وطرطوس فقط، بل يشمل مواقع أخرى مثل قاعدة القامشلي التي سيطر عليها الروس في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي".

خط ساخن

أما خطوة بوتين السفير الروسي لدى دمشق ألكسندر يفيموف ممثلا خاصا للرئيس الروسي في سوريا، فأثارت الكثير من التساؤلات حول مهام المبعوث، والتوقيت الذي دفع موسكو لمثل هذا القرار بعد 9 سنوات من الثورة السورية.

مستشار مركز "جسور" يوسف قدورة، رأى أن تعيين مندوب لبوتين له دلالات عميقة في الملف السوري، فعلى الجانب الروسي تعني أن "لسوريا خصوصية معينة عند الروس تمتاز بها عن العرف المعمول به بتعيين سفير لدى الدول الأخرى، وأن لهذه الدولة أهمية خاصة لدى القيادة الروسية".

وأوضح أن المندوب يمثل "خطا ساخنا يتجاوز الأعراف الديبلوماسية، يتمثل في إيصال أوامر من القيادة الروسية بطرق أسرع لرأس النظام وإيصال رسائل منه. ونقل الملف من وزارة الخارجية والدفاع الروسيتين الى مؤسسة الرئاسة"، لافتا إلى أن ذلك يدل أيضا على "البدء بمرحلة جديدة من التدخل الروسي تختلف عن المراحل السابقة".

من ناحية النظام، يضيف قدورة: فإنه "بمثابة تقييد لرأس النظام باتخاذ القرارات، وانتظار الأوامر من المندوب الرئاسي. وأنه إعلان ببدء مرحلة جديدة من التدخل الروسي، وذلك باستلام زمام القرار السوري برمته علنا وبشكل منظم ليأخذ شكلا جديدا هو أقرب ما يكون لسلطة انتداب".

وأكد قدورة أن "الروس يريدون بهذه الخطوات الانتقال إلى مرحلة جديدة تفرض فيها إرادتها ومصالحها في سوريا، وأيضا بتهيئة البلاد لمستحقات الحل السياسي المقبل".

وفي السياق ذاته، استبعد المحلل السياسي الروسي يفغيني سيدروف أن يكون تعيين مبعوث خاص للرئيس الروسي في سوريا بمثابة "وصاية"، لكنه رأى أنها توسيع لصلاحيات السفير الروسي في سوريا من خلال تفعيل دوره في كل ما يتعلق بالملف السوري، ولا سيما إطلاق عملية سياسية.

وأضاف في مقابلة تلفزيونية: أنه "ربما تعبر الخطوة بالفعل عن عدم رضا روسيا عن الأسد لعدم إطلاقه عملية سياسية وحوارا مع المعارضة، وربما هذه المهمة سيكلف بها السفير الروسي الذي تم توسيع صلاحياته، وذلك بدفع النظام على إطلاق عملية سياسية حقيقية".

ولم يستبعد سيدروف أن "تكون لمبعوث بوتين مهمة أخرى سنعرفها لاحقا من خلال الاتصالات التي سيجريها، ليس فقط في سوريا وإنما مع المبعوثين الآخرين، لا سيما مع جيمس جيفري المبعوث الأميركي، وربما تريد أن تطلق رؤية جديدة عن الوضع السوري".

من جهته، ربط المحلل السياسي السوري يحيى العريضي بين تعيين مبعوث للرئيس الروسي، ومطالبة موسكو بتوسيع نفوذها البحري في سوريا، بالقول: "أول ثمار المندوب الروسي إلى سوريا المطالبة بوضع اليد الروسية على قاعدة بحرية جديدة على المتوسط".

وأضاف العريضي في تغريدة على تويتر: أنه "لولا هذا النظام العميل المجرم، لما رأى السوريون الاحتلال. أيها السوريون؛ هل تؤيدون احتلال بلدكم، وأخذه رهينة بهذا الشكل؟".

"قانون قيصر"

الخطوات الروسية الجديدة، أثارت التساؤل عن السر وراء توقيت موسكو لاتخاذها في الوقت الحالي وليس قبل سنوات من الآن، وهل يحمل ذلك دلالات رفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى التحرك لإصدار قرارين كبيرين خلال مدة زمنية قصيرة.

المحلل السياسي الروسي يفغيني سيدروف، رأى أن أحد أسباب توقيت روسيا تعيين مبعوثها، هي الحملة الإعلامية التي شنت في الفترة الأخيرة التي تتعلق بخلافات بين موسكو ونظام الأسد، والتي لا تعترف بها روسيا كخلافات شديدة مع النظام السوري.

وأشار إلى أن "جائحة كورونا ربما قريبة من نهايتها، ولا شك أن الوقت سيحين قريبا للتوجه إلى الملف السوري من جديد، وأن روسيا بطبيعة الحال لديها أفكار وأطروحات تتعلق بكيفية التعاطي مع هذه الأزمة بمزيد من الفاعلية والمبادرات التي ربما يطرحها المبعوث الروسي الجديد".

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي سمير صالحة: "موسكو تحاول فرض المزيد من الهيمنة على الملف السوري من خلال إدارة شؤون البلاد ككل، وضمان تثبيت كلمتها في التعامل مع هذا الملف".

ونوه في تصريحات صحفية إلى أن "موسكو تحاول السيطرة على مركز القرار في سوريا، والمتمثل بدمشق، لأنها تفترض أن الهيمنة على دمشق ستعطيها مساحة واسعة لإدارة شؤون سوريا بشكل كامل".

أما مستشار مركز "جسور" يوسف قدورة، فرأى أنه "بعد استعادة الروس والنظام السيطرة على أغلب الأراضي السورية، والاقتراب من مرحلة الحل السياسي بسوريا، إضافة إلى قرب تطبيق قانون قيصر، اقتضت مصلحة روسيا اتخاذ هذه الخطوات لتضع الدولة السورية برمتها تحت جناحها وتسيّر شؤونها، وتصبح الوكيل أمام الدول الكبرى الذي يتعهد ويضمن تنفيذ الحل السياسي".

وفي منتصف يونيو/ حزيران 2020 يدخل "قانون قيصر" الذي أقره الكونجرس ووقع عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، بمباركة من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.

ويسعى القانون إلى توسيع نظام العقوبات السابق، عبر استهداف المؤسسات الحكومية السورية والأفراد، من مدنيين ومسؤولين، الذين يمولون النظام السوري وروسيا وإيران، سواء أكان هذا التمويل متعلقا بأنشطتهم العسكرية أو جهود إعادة الإعمار أو انتهاكات حقوق الإنسان.

أُطلق على القانون اسم "قانون قيصر" تيمنا بالمصور العسكري السوري الذي انشق عن النظام، وهرّب أكثر من 55 ألف صورة توثق جرائم الأسد في السجون والمعتقلات في البلاد. 

وزار قيصر الكونغرس باستمرار على مدى الأعوام الماضية، وعرض صوره على المشرعين، لحثهم على ضرورة الضغط على نظام الأسد لوقف جرائمه.

وعُرف قيصر في أروقة الكونغرس بمعطفه الأزرق الذي يغطي معالم وجهه، والقفازات التي تخفي يديه، فهو يخشى من ظهور أي علامة قد تشير إلى هويته، وتؤدي إلى ملاحقته من النظام السوري.