غلاء وأموال محتجزة بالبنوك.. هكذا أصبح حال اللبنانيين

12

طباعة

مشاركة

يعد الانتشار الكبير للأطباق اللبنانية من اللحوم المشوية والمقلية، والسلطات الملونة، والخضروات المتبلة المختلفة، التي تزين عادة بالصنوبر، دليلا على تميز اللبنانيين. 

أما أهم ما يميز اللبنانيين حقا هو الكرم، فهم كثيرا ما يتشاركون الطعام ويقدمونه في كل المناسبات، كما تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وفي خضم ذلك، قالت الصحيفة: "الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ سنوات قد وصلت إلى ذروتها وبلغ الأمر حدا خطيرا. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الطعام في ذهن الجميع؛ لأنه لم تعد مهمة توفير الطعام أمرا مضمونا".

غلاء كبير

أصبح الجوع على لسان الجميع، من الجزارين وسائقي سيارات الأجرة في بيروت إلى صناع الحلويات الشهيرة في طرابلس إلى المتظاهرين المناهضين للحكومة في الشوارع، وفق تقرير الصحيفة.

وأوضح التقرير: "أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان، وعملته المنهارة، تضع سعر العديد من المواد الغذائية بعيدا عن متناول أيدي اللبنانيين".

فقد تضاعف سعر اللحوم، منذ شهر مارس/آذار، وعلى سبيل المثال، بلغ سعر اللحم المفروم الآن حوالي 9 دولارات للرطل.

ونقل التقرير عن مصطفى، جزار يبلغ من العمر 73 عاما في بيروت، قوله: "إن العميل نفسه كان يتصل به كل يومين لأسابيع يسأل عما إذا كانت الأسعار قد انخفضت "يتصل ويقول: لا، هذا باهظ الثمن، ويغلق المكالمة".

لكنها تصبح أكثر تكلفة يوما بعد يوم، إذ يقول مصطفى الذي رفض عدم ذكر اسمه بالكامل: إنه لم يعد يزعج نفسه بتحديث قائمة أسعاره.

وتابع التقرير: "حتى أسعار الطماطم تضاعفت بشكل كبير، ونادرا ما تفتقر الوجبة اللبنانية إليها، مكعبات صغيرة فقط مختبئة بين البقدونس والبرغل في سلطة التبولة، أو مطهية مع البصل والثوم، وهي مكون أساسي لعدد لا يحصى من الأطباق الأخرى".

وينقل التقرير عن أحد البقالين، وهو يهز رأسه في حالة من عدم التصديق، قوله: "إن المتسوقين الذين اعتادوا شراء الطماطم بالكيلو جرامات، وملء أكياسهم منها دون تفكير، بدؤوا في تقنين الأمر وأصبحوا يشترون نصف كيلو أو عددا قليلا منها في كل مرة، وأصبح بعضهم يمر بجانبها فقط".

ويتابع التقرير: "في مدينة طرابلس الشمالية، التي تشتهر بحلوياتها وأهمها حلاوة الجبن المحشوة بالقشطة البلدية والملفوفة والمغطاة بشراب زهر البرتقال، أو بالعسل والفستق الحلبي، وحيث لا يمكن إنهاء أي وجبة بدون طبق من الحلويات، فإن أشهر محل لها بالمدينة، الحلاب، كان فارغا بشكل غير معهود".

على الرغم من أنه في شهر رمضان، عندما كانت وجبة العشاء تستمر عادة لساعات وتنتهي مع تجمع الأسرة حول التلفزيون مع الشاي أو القهوة، والمكسرات أو الحلوى، لم يكن هناك أي من هذه المظاهر وبدت الأزقة هادئة، وفق التقرير.

ونقل قول أم أحمد، من سكان طرابلس، بضجر: "لا يمكننا حتى شراء الحلوى، محلات الحلويات مفتوحة، ولكن لا يوجد مال". وقال زوجها ساخرا: "هناك من يملكون المال، مثل وزرائنا وأعضاء البرلمان". 

سوء إدارة

وأدت عقود من سوء الإدارة المالية والفساد إلى تعميق المشاكل الاقتصادية في لبنان، فقد انهارت قيمة الليرة اللبنانية ومن شبه المستحيل العثور على الدولارات، كما أن البطالة في ارتفاع".

وبعد أن هدأت الاحتجاجات التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، مطالبين بإنهاء الفساد والمحسوبية لبعض الوقت، فإنها عادت على نطاق أصغر في الأسابيع القليلة الماضية، بعد أن انخفضت قيمة العملة المحلية إلى أقل من 4000 جنيه للدولار، بعد استقرارها لعقود عند 1500 للدولار.

ويوضح التقرير أن "لبنان، مثل بقية العالم، يكافح فيروس كورونا التاجي، وعلى الرغم من انخفاض عدد الحالات الجديدة بعد الإغلاق المبكر، فإنه مع تخفيف القيود، زادت العدوى بشكل حاد".

الزيادة دفعت الحكومة في وقت سابق من شهر مايو/أيار 2020 إلى تعزيز بعض تدابير الصحة العامة. ووجه تمديد الحكومة، في وقت لاحق، القيود المفروضة على الحركة والتجمعات، ضربة أخرى للاقتصاد.

وتحدث التقرير عن دور البنوك في تفاقم إحساس السخط في أوساط اللبنانيين، بالقول: "لقد فرضت البنوك ضوابط على رأس المال وحدت من قدرة الناس على الوصول إلى أموالهم".

هذا الأمر تسبب في موجة جديدة من عشرات المتظاهرين اندلعت في عيد العمال (1 مايو/أيار)، ونزلت إلى ساحة طرابلس الرئيسية، معظمهم من الفقراء والجياع، وجهت غضبها هذه المرة نحو البنوك، التي تم إحراق العديد منها.

ونقلت الصحيفة قول أحد المتظاهرين: "لقد كنا ستة أشهر نقول سلمية، سلمية. لم يعد للجياع ما يخسرونه، لم يبق لدي شيء لأخسره، ماذا يتوقعون من شخص ليس لديه ما يخسره؟".

وفي هذه الأثناء ذهب أبو أحمد، وهو جندي متقاعد، إلى مصرفه في طرابلس لسحب معاشه. وبدلا من ذلك، شاهد هو وزوجته، قيام العمال بتثبيت الصفائح المعدنية على نوافذ وأبواب وأجهزة الصراف الآلي لبنكهم.

كانت هذه رحلتهم الثانية إلى أحد البنوك في ذلك اليوم، بعد أن اكتشفوا للتو أن سعر سيارة الأجرة في طرابلس قد تضاعف، مما زاد من معاناتهم، وفق التقرير.

وتابع حواره مع الزوجين المثقلين: قالت أم أحمد، 45 سنة وربة منزل: "كل شيء باهظ الثمن، بل إن كل شيء أكثر من باهظ، لقد تحمل الناس الكثير بالفعل".

معاناة رمضان

وقال أبو أحمد، الجندي المتقاعد ذو الـ 50 عاما: "لا يوجد عمل، ولا يوجد سبيل لكسب العيش"، وفي صوت محبط رتيب، بدأ في سرد الأمثلة على بعض السلع، التي تضخمت أسعارها: "الخبز، والدجاج، والبيض، واللحوم"، فمقابل كل كيلو جرام من اللحم اعتادوا على شرائه، يشترون الآن أقل من عُشره.

وأضاف: "في رمضان، تصوم طوال اليوم لمدة 13 ساعة لتتناول في النهاية وجبة تجلب لك ولأطفالك الفرح، ولكن الآن بالكاد يمكنك الآن توفير ما يسد الرمق".

وساق التقرير مثالا آخر على المعاناة التي سببتها الإجراءات البنكية الجديدة، فلم يتمكن حاتم عجيب، سائق سيارة أجرة في بيروت، من الحصول على نقوده، بعد أن حاول سحب 66 دولارا، هي كل ما يملك، من مصرفه، لكن قيل له إنه لا يُسمح له بسحب أقل من 100 دولار.

قال مبتسما بطريقة مريرة، من خلال قناع وجهه: "لقد عملت لمدة شهر دون بلوغ 100 دولار"، قبل أن يتحول إلى الصراخ ويضرب راحتيه على عجلة القيادة في إحباط واضح: "كيف سأحصل لك على 100 دولار؟ هل أجلس فقط بدون طعام؟".

 في أحد أسواق السمك في بيروت، قال أحد الصيادين: إن أسعار الصيد المحلي زادت؛ بسبب عدم قدرته على تلبية احتياجات السوق، بعد أن توقف استيراد المنتجات البحرية بسبب عدم توفر العملة الأجنبية، وفق التقرير.

وتابع: "حتى سعر القهوة الفورية (نسكافيه)، وهي مادة أساسية محبوبة في المنازل اللبنانية، قد تضاعف".

وفي سوق مترامية الأطراف على مشارف العاصمة، حيث يشتري البقالون بضاعتهم، في شاحناتهم الصغيرة، بدا أن أربع نساء سوريات يرتدين ملابس فضفاضة ومرقعة وحجاب أسود يتسوقون. 

وعندما سُئلوا عما يعتزمون إعداده للإفطار، الوجبة الاحتفالية التي تكسر صيام نهار طويل خلال شهر رمضان، أجابت إحداهن: "يعتمد ذلك على الخضروات التي يرمونها التجار نهاية اليوم".

وتابع التقرير: "أزواجهم لاجئون سوريون وفقدوا وظائفهم. لم يكن لديهم لحم طوال شهر رمضان". وهمست إحدى النساء بصوت صغير، لم تذكر اسمها بسبب خجلها من أوضاعهم المعيشية: "أحيانا ننام بدون إفطار".

وينقل التقرير قول زهراء، مواطنة لبنانية، 35 سنة: "إن الوجبة المناسبة تحتاج إلى لحم وأرز وخضار، وتحتاج إلى غاز للطبخ". الآن، لا تستطيع أن توفر لأسرتها وجبة كاملة، فعليها أن تختار بين الأرز واللحوم والطماطم والبطاطس.

وتابعت: "أود شراء طبقين من الحلوى لإحضارهما إلى المنزل، ولكن لا أستطيع، ولا يمكنني شراء مكوناته لتحضيره في المنزل. لا أستطيع شراء السكر والسمن والزبدة بعد الآن".

الفستق والصنوبر، أمران ضروريان في الوجبات اللذيذة والحلويات، لكنها أصبحت حلما بعيد المنال، وفق التقرير.