سيطرة "الوفاق" على قاعدة الوطية.. ما مستقبل معركة طرابلس؟

12

طباعة

مشاركة

لا تقل المعركة الدبلوماسية في ليبيا ضراوة عن العسكرية التي تدور رحاها في طرابلس والمدن المحيطة بها، خاصة بعد سيطرة حكومة الوفاق الشرعية على قاعدة الوطية الجوية غربي البلاد.

وتحاول العديد من دول العالم ثني تركيا عن دعمها لحكومة الوفاق، ومد اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالسلاح والمال عله ينجح في ما أوكلت إليه من مهمات.

آخر إنجازات التحالف التركي الليبي، تمثل في سيطرة حكومة الوفاق في 18 مايو/أيار 2020 على قاعدة الوطية الجوية الإستراتيجية غربي البلاد، في حين قال الجيش الليبي: إن هذا الانتصار سيسهم في تحرير جنوبي العاصمة طرابلس وترهونة من قبضة حفتر.

وقالت صحيفة صباح التركية: "دشنت أنقرة تعاونا مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في أواخر العام الماضي 2019 سواء في مجال ترسيم الحدود البحرية من الجانبين أو في الدعم العسكري والدفاع المشترك وقد غيرت هذه الخطوة من صورة المعركة على الأرض".

حظوظ حفتر

وأوضح الكاتب فيصل كورد في مقالة نشرها بالصحيفة: "تراجعت حظوظ حفتر في السيطرة على ليبيا وهو الذي يقاتل باستماتة مدعوما من دول عديدة من أجل أن يصبح حاكم ليبيا وقد أعلن نفسه كذلك بالفعل".

فبعد الاستيلاء على المنطقة من طرابلس إلى الحدود التونسية، بدأ الصراع يتصاعد في جنوب العاصمة سيما وأن النضال من أجل السيطرة على قاعدة الوطية الجوية وترهونة المنطقتين اللتين ستحددان المستقبل القريب.

وقاعدة الوطية الجوية التي جرى بناؤها بمساهمة من الولايات المتحدة وبريطانيا خلال فترة الملك إدريس، ذات أهمية إستراتيجية وأكبر قاعدة عسكرية في ليبيا.

وبسيطرة الوفاق على هذه القاعدة العسكرية، تكون قد حققت بطاقة رابحة مهمة للتفوق الجوي، وبحسب الكاتب فإنه "سيكون للدعم الذي تقدمه تركيا أهمية أكبر ، وبالتالي سيصبح من المرجح أن تكون هناك تغييرات سريعة في هذا المجال".

ومع ذلك، يواصل حفتر اتخاذ خطوات جذرية ولكنها غير مثمرة. ففي 27 أبريل/نيسان، أعلن نفسه رئيسا عبر حل جميع المجالس المعتمدة، بما في ذلك مجلس نواب طبرق الذي يعترف بحفتر.

ومع دعم مجلس النواب له، أعربت العديد من القبائل ومجالس المدينة عن اعتراضها، كما أن الولايات المتحدة وروسيا لم توافقا على هذه الخطوة.

ورغم تراجعه وإعلانه هدنة من جانب واحد، واصل هجماته مستهدفا المدنيين ومكثفا هجماته على المشافي وفرق المساعدة الإنسانية، مما تسبب بمقتل 14 شخصا بينهم  أطفال في منتصف مايو/أيار بعد هجماته على أحد شوارع العاصمة طرابلس المزدحمة.

ونتيجة للهجوم، أصيب مستشفى طرابلس المركزي بأضرار بالغة، كما أن الصواريخ المتساقطة القريبة من سفارتي تركيا وإيطاليا باتت هي الأخرى تلفت الانتباه وهذه الجرائم كلها تسجل على أنها جرائم حرب.

باختصار، يشعر حفتر بالتوتر عندما ينزل الميدان، ويحاول دوما أن يجبر الشعب الليبي على دفع فاتورة خسائر معاركه، وبالتالي من المتوقع، بحسب الكاتب أن يكرر هجماته على هذه الشاكلة ليس فقط في طرابلس بل أيضا في المدن والمناطق التي يخسر السيطرة عليها تباعا.

وبالتالي، إذا لم ير حفتر ردا رادعا يوقفه عن حده فمن المتوقع أن يواصل هجماته مستهدفا المدنيين وكل ما أمكنه.

الدول الداعمة

يضيف الكاتب: "في الحقيقة هو يرتكز بشكل أو بآخر على عدد من الدول التي تقدم له الدعم ضد قوات الوفاق المعترف بها دوليا ولولا ذلك ما استمر حفتر في هجماته حتى يومنا هذا". 

على رأس هذه الدول الإمارات التي شنت حربا في اليمن فقسمت شعبه وجوعته، حيث يأتي الدعم سواء المالي أو البشري عبر تسيير مواكب المرتزقة بتنسيق منها وكذلك إرسال شحنات كبيرة من الأسلحة والعتاد العسكري ناهيك عن الدعم الدبلوماسي الذي مكن حفتر من الظهور في كثير من المحافل الدولية بتنسيق وترتيب من أبوظبي.

ولا يمكن بالطبع إغفال الدور الروسي عبر شركة فاجنر الروسية للمرتزقة وكذلك محاولة تقديم دعم عسكري جوي لصالحه وكل هذا يمر عن طريق مصر. 

ما يلفت الانتباه في الفترة الأخيرة أمران: الأول التمويل الإماراتي والروسي، والثاني هجمات ينفذها متشددون قادمون من روسيا عن طريق مصر وبترتيب منهما.

ومع ذلك لا يمكن إغفال تصريحات موسكو الحذرة تجاه حفتر، حيث لن تسمح بأن يضيع اللواء المتقاعد  من يدها بكل سهولة.

يقول الكاتب: "الشعب الليبي يستحق الدعم والحياة الكريمة وليس هجمات حفتر القاتلة، وأنقرة جهودها منصبة على ذلك وستكون جهودها في ليبيا وشرق المتوسط من أهم الخطوات التي أقدمت عليها على المدى البعيد، وستبطل أي اتفاقيات أخرى بين اليونان وإسرائيل ومصر مستثنية تركيا من الثروات التي تتمتع بأحقية فيها".

أما الكاتب في صحيفة يني شفق، إبراهيم كارغول، فشدد على أن تركيا أفسدت كل الحسابات هناك سواء في ليبيا أو في البحر خاصة فيما يتعلق بقضايا الغاز الطبيعي ومشاريعه، مؤكدا أن الانتصار في ليبيا يعني الفوز في المتوسط برمته وهو الذي سيتحقق قريبا.

وتابع: أن "ليبيا باتت ساحة تصفية حسابات إقليمية شأنها شأن بقية المنطقة، وتركيا ستكون جزءا أساسيا من هذه المعركة".

وأضاف: "لقد خاضت تركيا كفاحا داخليا على مدار عقود، ثم خاضت قتالا لسنوات عند النقطة صفر من حدودها، ليتحول ذلك الآن إلى كفاح إقليمي عن حرية المنطقة وشرفها من خلال الشراكات والصداقات التي تنشأ في منطقة أبعد بكثير عن حدودنا".

ويرى أن "الدعم العسكري الذي تقدمه تركيا في ليبيا يجعل من حسابات حفتر وداعميه تتلاشي".

فهم فضلا عن السيطرة على مناطق جديدة لا يستطيعون السيطرة على المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، "كيف لا والطائرات التركية المسيرة تراقب كل شبر في سماء ليبيا وتدمر ليل نهار قواعده العسكرية وقوافل الإمدادات ومقرات قيادته وأنظمة الدفاع الجوي".

اتحاد الخصوم

وبحسب الكاتب، اتحد الجميع بما فيهم السعودية وإيران في ليبيا بل وحتى إسرائيل في تناقضات قد تبدو مستحيلة وإلا فمن  ينقل المليشيات الشيعية من سوريا إلى ليبيا؟ روسيا أم إيران؟ من يرسل الطائرات المسيرة الإيرانية إلى ليبيا؟

وتساءل: أي إرادة تجمع العناصر العسكرية السعودية والمصرية والإماراتية والسودانية مع المليشيات الشيعية على جبهة واحدة؟ أي عداوة مشتركة تجعلهم يفعلون ذلك؟ ضد من هذا التحالف أو التضامن في الوقت الذي يشهد فيه اليمن صراعا سعوديا – إيرانيا؟

وبعد أن كانت الدول تشتري أسلحة بمئات المليارات من الدولارات بحجة وجود "تهديد إيراني"، فإن أميركا وإسرائيل تخوّفان بعض الدول العربية بعبارة "إيران ستستولي على الأراضي العربية".

ولتتحكم في تحركات الدول العربية، باتت هذه الأسلحة مصوبة نحو تركيا وقواتها في كل ركن تتنشر فيه بمشهد مؤسف في الحقيقة. وأردف الكاتب: "لذا من الضروري الانتباه لمن يريد أن يجعل من أنقرة عدوة للأنظمة العربية واستحالة إيران من عدو إلى حليف خاصة في ليبيا".

وهذا الأمر إن تم، فلن يكون قاصرا على ليبيا بل المنطقة برمتها، فهم يعيدون رسم ملامح المنطقة بأكملها من خلال هذه الدول بعد تشكيل الأنظمة العربية.

وتابع: "ينفذون انقلابا في السودان من خلال دول خليجية، كما يريدون احتلال تونس أو بث الفوضى فيها ومن بعدها الجزائر والمغرب كما فعلوا في ليبيا".

ولهذا ينبغي لتونس والجزائر والمغرب الانتباه جيدا لمسألة، يواصل الكاتب: "الموجات الاحتلالية القادمة من الخليج ستتجه نحوهم بعد ليبيا ودول الخليج العاجزة حتى عن حماية نفسها سترغب في إعادة رسم حدود الدول العربية، سيكون ذلك بمثابة موجة احتلال جديدة، ولهذا عليهم جميعا إقامة خطوطهم الدفاعية من الآن في طرابلس".

تركيا تدرك هذا جيدا وهي تعي أن الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل وإيران والنظام السوري وفرنسا وروسيا يسعون لتقسيم ليبيا وهي مستترة خلف إرهابي خطير كحفتر، بحسب الكاتب.

وقال: "أنقرة تقدم الدعم القوي والصريح والواضح لحكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة وقد أتت هذه الخطوات كلها وبدا حفتر يتقهقر بعد أن كان يستعد والدول الداعمة له للاقتراب من طرابلس، لذا فهي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق إدارة تحركات قذرة من خلال الأردن".

ورأي الكاتب أنه إضافة إلى الدعم العسكري الهائل المقدم من الإمارات من الممكن أيضا أن تسعى أبوظبي لشن هجمات اغتيال في كل من ليبيا تستهدف مسؤولين ليبيين بل وحتى بعض الشخصيات داخل تركيا، وهناك بعض الاستعدادات التي تحدث اليوم تخبرنا بإشارات للتخطيط لعمليات اغتيال أكثر من خوض معركة عسكرية.

لكن الوقت قد أزف، يقول الكاتب: "حراك تركي معترف به دوليا ومدعوم من الأمم المتحدة والناتو فضلا عن الحكومة الشرعية الليبية، وما يشير إلى ذلك إصدار إسرائيل تصريحات مفادها أنها مستعدة لعلاقات دبلوماسية كاملة مع تركيا وتعاون بشأن مصادر الطاقة في البحر المتوسط".

لقد غير الاتفاق التركي – الليبي خريطة البحر المتوسط، وسنشهد قريبا تحركات مماثلة في بحر إيجة، وفق تقديرات الكاتب.