3 بعثات أممية سبقت طلب حمدوك.. هذا ما جنته على السودان من ويلات

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بدأ تاريخ السودان مع البعثات الأممية في عام 2005، ومنذ ذلك الوقت لم تشهد البلاد أي استقرار على الإطلاق، بل تفتت أركانه وصار دولتين واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب، وكلاهما ما زال يعاني من النزاعات الداخلية والصراعات القبلية والإثنية رغم وجود هذه البعثات.

لذا كان مستغربا أن يعيد رئيس الوزراء اليساري القادم من رحم الحراك عبدالله حمدوك، الكرة مرة أخرى، ويتقدم بطلب جديد للأمم المتحدة طالبا إرسال بعثة أممية جديدة، ما أثار عاصفة من الغضب الشعبي والجدل السياسي في البلاد.

رهن أجنبي

في 11 مايو/ أيار 2020، أصدر الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة (إسعاد)، بيانا دعا فيه كافة أهل السودان إلى رفض هذه الولاية، التي قال عنها: "منحها من لا يملك لمن لا يستحق"، كما وجه نداء "الاصطفاف للمواطنين، لبناء بلادهم بسواعدهم، وإلى نبذ الفرقة والتناحر، وإلى الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها". 

الاتحاد حذر حكومة حمدوك، من "تفتيت البلاد وتمزيقها ورهنها لتجار الحروب وصناع الأزمات"، وشبه ما يحدث حاليا بـ"تجربة جنوب السودان الأليمة". 

في الوقت نفسه أكد الاتحاد "رفضه القاطع لتجاوز الحكومة المكلفة للمهام الانتقالية التسييرية التي كلفت بها، وإهمالها للتصدي لاحتياجات الناس العاجلة الصحية والمعاشية، وبطئها في إطفاء الحرائق التي باتت تشب شرقا وغربا ووسطا" حسب وصف البيان.

الاتحاد اعتبر حكومة حمدوك "تعبث بهوية السودان وكرامته وسيادته، وترهن البلاد للمؤسسات الدولية، والدول الأجنبية لتتمكن من حاضرهم، وتتسلط على مستقبلهم".

وأكد أن "التدخلات الأجنبية الدولية والأممية في ملف إحلال وبناء السلام في العهد السابق لم تحل دون الانقسام بين شقي البلد الواحد إن لم تكن صانعة له".

البيان ذكر بأن "للأمم المتحدة فريق قطري في السودان، يضم عددا من الهيئات الأممية في مجالات مختلفة، وهي الهيئات التي ستعمل تحت إمرة البعثة المستدعاة نفسها، فلن يكون هناك جديد غير تسليم دفة قيادة هذه الهيئات لمجلس الأمن بدلا عن الحكومة".

واختتم اتحاد العلماء والأئمة والدعاة، بيانه بتأكيد اعتراضه على "الخطوات التي أقدم عليها رئيس الوزراء المكلف عبدالله حمدوك باستبقائه لقوات اليوناميد، ودعوته الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن لتحشر نفسها في شؤون السودان وشعبه".

مهام البعثة

في أبريل/ نيسان 2020، وافق مجلس الأمن الدولي، على طلب حمدوك، الذي حث فيه الأمم المتحدة على "إنشاء بعثة سياسية في السودان، هدفها دعم السلام والتحول الديمقراطي، والمساهمة في بناء القدرات وتنفيذ برامج الدمج والتسريح في إطار الترتيبات الأمنية التي يتم التوافق عليها".

حمدوك حدد مهام البعثة في مجموعة مجالات، وهي دعم مفاوضات السلام الجارية، والمساعدة في تعبئة الدعم الاقتصادي الدولي، وتنسيق وتسيير المساعدات الإنسانية، ودعم جهود بناء القدرات وإصلاح الخدمة المدنية.

بجانب الدعم التقني والمادي لعمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج للجماعات المتمردة، والمساعدة في تعزيز ما تحقق من مكاسب في دارفور من خلال جهود بناء السلام، ودعم عودة النازحين واللاجئين وإعادة دمجهم مع تحقيق المصالحات الأهلية.

كما طلب حمدوك من البعثة، المساهمة في الانتقال من مرحلة العون الإنساني إلى دعم برامج التنمية المستدام، وتوفير الدعم لعمليات الإحصاء السكاني والانتخابات، والمساعدة في إعادة هيكلة جهاز الشرطة، والقوات الأمنية.

أزمات وإخفاقات

تاريخ البعثات الدولية في السودان مشوب بالأزمات والإخفاقات، فمنذ عام 2005، تم إنشاء 3 بعثات دولية، الأولى راقبت تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب، وانتهت مهمتها في 2011 بانفصال الجنوب، والثانية جاءت تحت الفصل السابع معنية بحفظ السلام في إقليم دارفور وهي لاتزال تعمل هناك، أما الثالثة فأنشئت عام 2011 للانتشار في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان.

بداية من البعثة الأولى عام 2005، المعروفة باسم (UNMIS)، كان يبلغ عدد أفرادها قرابة 10 آلاف فرد، وأنشئت في أعقاب اتفاق نيفاشا للسلام بين الجنوب والشمال وأوكلت إليها مهام مراقبة تنفيذ الاتفاق. وبحسب قويدر زروق الناطق باسم اليوناميس في الخرطوم (آنذاك) كانت عمليات تلك القوة "تعد من أكبر عمليات الأمم المتحدة في العالم بأسره".

وفي 5 يوليو/ تموز 2011، أبلغت حكومة السودان، الأمم المتحدة بإنهاء وجود قوات حفظ السلام في البلاد بعد انفصال الجنوب، وأعلنوا أنهم يرفضون ضغوطا دولية لتمديد مهمة البعثة. وأكدوا حينها أن قوات الشرطة والجيش قادرة على تحمل المسؤولية الأمنية في أي نقاط ساخنة على الحدود.

بعدها قالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة في تلك الفترة، هوا جيانغ: إن "قرار ما إذا كانت بعثة المنظمة الدولية ستستمر في السودان بعد انفصال الجنوب في يد مجلس الأمن الدولي وليس في يد الحكومة السودانية"، وهو ما أثار غضب النظام السوداني في ذلك الوقت بقيادة الرئيس السابق (المعزول) عمر البشير.

وقتها عبر الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، عن قلقه تجاه تصاعد العنف في كردفان جنوب السودان، ودعا الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان إلى وقف إطلاق النار، ليبرر من تمديد مهام تلك البعثة في البلاد.

حرب أهلية

في عام 2003، اندلعت حرب أهلية في منطقة دارفور، وأدى القتال الدائر بين حكومة السودان والمليشيات ومجموعات المتمردين إلى خسائر فادحة في الأرواح.

وفي 5 مايو/ آيار 2006، تم التوقيع على اتفاق سلام دارفور الذي تم التوصل إليه تحت رعاية الاتحاد الإفريقي وبدعم من الأمم المتحدة وشركاء آخرين.

وفي يونيو/ حزيران 2007، في أعقاب مشاورات رفيعة المستوى جرت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تمكنت دائرة عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة من تكوين بعثة الاتحاد الإفريقي الحالية بالسودان، التي تعرف اختصارا بـ"أميس".

وأنشئت البعثة المشتركة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لعمليات السلام في دارفور رسميا من قبل مجلس الأمن في 31 يوليو 2007 بعد تبنيه القرار 1769 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتعرف البعثة اختصارا بـ "يوناميد". 

تسلمت "يوناميد" مقاليد الأمور من بعثة الاتحاد الإفريقي في السودان "أميس" رسميا في 31 ديسمبر 2007، ويجدد التفويض (الولاية) سنويا، وقد تم تجديده حتى 31 اكتوبر 2020 بعد تبني مجلس الأمن القرار 2495 في 2019.

وبدأ الإعداد لنشر بعثة غير مسبوقة لعمليات حفظ السلام في دارفور، وبناء عليه انتشرت القوات الأممية في دارفور، ويجدد تفويضها سنويا منذ ذلك الوقت حتى الآن. 

وتوجد رئاسة البعثة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، وللبعثة رئاسات قطاعات في كل من الجنينة (غرب دارفور)، ونيالا (جنوب دارفور)، والضعين (شرق دارفور)، وزالنجي (وسط دارفور)، بالإضافة إلى انتشارها في 35 موقعا موزعة عبر سائر أنحاء ولايات دارفور الخمس. 

وحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة، تشمل تلك البعثة نحو (25.987 شخصا) كقوات حفظ سلام. وهذا يضم (19.555 جنديا)، و360 من المراقبين العسكريين وضباط تنسيق، و3.772 من مستشاري الشرطة و2.660 من وحدات الشرطة المشكلة.

وبلغ حجم قوة البعثة حتى منتصف يونيو/حزيران 2011 قرابة 90 بالمئة من كامل قوتها المصرح بها، مما جعلها واحدة من أكبر بعثات حفظ السلام، ووفقا للسنة المالية 2016/ 2017 تبلغ ميزانية البعثة (1.039.573.2 مليار) دولار.

عبء أمني

وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وصف الرئيس السابق عمر البشير، قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دارفور"يوناميد" بأنها "أصبحت عبئا أمنيا"، وطالبها بالرحيل.

وطلبت وزارة الخارجية السودانية من "يوناميد" إعداد خطة إستراتيجية للخروج من دارفور. حيث قال البشير في مؤتمر صحفي: إن القوات الدولية "لم تعد تضطلع بحماية المدنيين بل تقوم بحماية المسلحين".

البشير أكد أنه طلب من وزارة الخارجية بالعمل مع الأمم المتحدة على إنهاء وجود قوات يوناميد في دارفور، واعتبر أن القوات الدولية "لم تعد قادرة على حماية نفسها".

وبعد الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان 2019، طلبت الحكومة الجديدة برئاسة  حمدوك من الأمم المتحدة تأجيل انسحاب اليوناميد، الذي كان من المفترض أن يتم بداية 2020.

وجهت الحكومة رسالتين إلى مجلس الأمن تطلب منه تفويض بعثة "متابعة" سياسية ولبناء السلام جديدة تغطي السودان بالكامل. رغم مطالبة الرسالتين بتفويض البعثة الجديدة بموجب الفصل السادس من "ميثاق الأمم المتحدة"، تماما كتلك البعثة الشاملة التي يريدها حمدوك، ولكن في عموم السودان، وليس في دارفور فقط.

الوصاية الدولية

في 4 مايو/ آيار 2020، أعلن منصور أرباب رئيس حركة العدل والمساواة السودانية، أن "الطريقة التي خاطب بها حمدوك الأمم المتحدة هي التي أثارت حفيظة بعض الساسة، ووجدوها فرصة لتعبئة الرأي العام".

وأضاف: أن "حمدوك نفسه لا يسلم من الاتهام بأنه هو أيضا لديه أجندة في دعوة هكذا بعثة، نظرا للطريقة التي دعا أو خاطب بها الأمم المتحدة، المهم في الأمر هو وجود بعثة أممية تقوم بدور المساند والمعاون للشعب السوداني حتى يتعافى مما عاناه خلال الخمسة والستين عاما الماضية".

وأكد أرباب أن "هناك فرقا بين الفصلين السادس والسابع لميثاق الأمم المتحدة، ولكن بكل أسف لا تعمل البعثات الأمنية كثيرا بالفصل السابع"، وأشار في ذلك إلى "تجربة (يوناميد)، في دارفور نفسها".

رئيس حركة العدل والمساواة قال: "يوناميد هي أكبر بعثة أممية في العالم أنشئت تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وكان قوامها أكثر من 26 ألف عنصر، وكانت مليشيات الجنجويد ترتكب المجازر أمام أعين البعثة ولكنها لم تحرك ساكنا، غير أن قادتها يعدون التقارير ويقدموها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والضحايا لا زالوا يعانون من هجماتهم ولا يوجد من يحرك ساكنا".

وفي 29 أبريل/ نيسان 2020، حاول حمدوك صد الهجوم الشرس على طلبه واتهامه بالخيانة، عبر مقطع فيديو، خرج فيه ليشرح فكرة البعثة الأممية التي قال: إنها "ستخرج السودان من الوصاية الدولية التي أقرها النظام السابق إلى التعاون مع بعثة هدفها فقط المساعدة في عمليات بناء السلام ورفع القدرات ودعم الانتخابات وغيرها من وظائف ومهام". 

وفي مطلع مايو/ آيار 2020، اندلعت مظاهرات احتجاجية في الخرطوم، وعموم السودان، مناوئة لاستدعاء حمدوك البعثة الأممية، معتبرين أنه كسر الخطوط الحمراء، ومتهمين إياه بالخيانة العظمى لأرض السودان ووحدته.