اللواء الحاج علي: قلب المعادلة في سوريا ممكن ويبدأ من هنا (حوار)

شدوى الصلاح | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

قبل 8 سنوات انتفض الشعب السوري في ثورة سلمية مطالبا بالتغيير والإصلاح، ليواجه بالحديد والنار من قبل النظام السوري المتحالف مع روسيا وإيران، ورغم أن الثورة السورية زلزلت المنظومة الدولية والإقليمية، وبلغت تبعاتها أطراف العالم العربي والغربي، فإن القضية السورية ما زالت بلا حل حتى يومنا هذا.

ومع حلول ذكراها الثامنة، أجرت "الاستقلال" حوارا مع اللواء محمد الحاج علي، أحد القادة المنشقين عن جيش النظام السوري إبان انطلاق الثورة، للوقوف على مآلات الثورة، وتفسير المواقف العربية والدولية من القضية، وشرح الوضع الراهن سياسيا وعسكريا، وتقييم دور المعارضة، ووضع حلول للأزمة. وإليكم نص الحوار

  • بداية، ماذا حققت الثورة السورية خلال الثماني سنوات الماضية من وجهة نظرك؟

يكفي أن الشعب خرج وقال كلمته بكل ما استطاع من قوة، وتحررت عقدة لسانه وبدأ يتحدث عن جرائم النظام على مدار 50 عاما، الثورة السورية فضحت ارتباط النظام بإسرائيل وبكل الأنظمة الديكتاتورية الشبيهة، وفضحت ارتباط النظام العميق والمتجذر مع النظام الإيراني، وفضحت النظام العالمي والمؤسسات العالمية (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) والدول التي تدعي الديمقراطية، وأظهرت شجاعة وقدرة الشعب السوري على تحمل الويلات وإصراره على إسقاط النظام بعد كل هذه السنوات من القتل والتدمير والإجرام والتهجير بملايين السكان وتدمير البنية التحتية.

الثورة كشفت القناع عن وجه النظام السوري، ووحشيته وقتله لأبنائه وسلوكيات الجيش السوري الذي لم يكن وطنيا على الإطلاق، كما كشفت هشاشة النسيج الاجتماعي السوري بفعل ممارسات النظام السوري من تميز وتحريض طائفي.

كشفت هشاشة جامعة الدول العربية التي نشطت في البداية ثم أدارت ظهرها للشعب السوري وقضيته، وأصبح موقفها مخزيا، وكم هي في أكذوبة التغني بأن الشعب العربي واحد، فلم تخرج حتى مظاهرات تندد بجرائم النظام السوري بحق السوريين واستخدامه للكيماوي، إذا أين الشعب العربي؟.

لقد أعطت الثورة السورية نموذجا على إرادة الشعب في مواجهة نظام مجرم لكل الشعوب الطواقة للحرية، وأصبحت ثورة كاشفة لكل عيوب المجتمعات والأنظمة والمؤسسات الدولية. خسرنا أكثر من مليون شهيد، ولدينا أكثر من مليون ونصف معاق، واكثر من 6 ملايين مهجر خارج الأراضي السورية، و5 ملايين مهجرين بالداخل.

  • وبم تفسر صمت العرب والمجتمع الدولي عما يحدث في سوريا؟

ما ارتكب من مجازر بسوريا وسط صمت المجتمع الدولي والعربي سيكتبه التاريخ، والشعب السوري سيخرج بالنهاية منتصرا، وستكون علامة سوداء في تاريخ العرب والعالم.

الصمت العربي للأسف كان رسمياً وشعبياً، وموقف العرب كان مؤسفا وهزيلا سواء في المساعدات أو قبول اللاجئين، رغم أن السوريين تاريخيا لم يقصروا مع أي من الشعوب العربية.

إسرائيل لها مصلحة في بقاء نظام الأسد ولا تريد بديلا عنه، ولها تأثير على القرار الأمريكي، وأمريكا بدورها أثرت على القرار الدولي، وجعلته قرارا "مائعا" غير واضح المعالم، إسرائيل لا تريد بديلا عن الأسد.

فعلى مدار 50 سنة لم توجه طلقة واحدة باتجاه إسرائيل، ولذلك تخشى إسرائيل أن يأتي نظاما غير مدروس يشكل لها تهديدا، لذلك أيدوا ذلك النظام الضعيف شعبيا، لأن هذا ما تريده أن تكون الأنظمة المحيطة بها، ضعيفة شعبياً، لا تستطيع أن تتخذ قرارا إلا في حدود ضيقة جدا.

  • كيف يمكن استعادة المدن التي فرض النظام السوري سيطرته عليها؟

لم يستعد النظام السوري المدن، بل من استعادها هم رؤوس المحتلين للأراضي السورية، الروسيون والإيرانيون ومليشياتهم، سواء كانت مليشيات حزب الله، أو المليشيات العراقية والباكستانية وغيرها، للأسف اجتمعت كل قذارات الأرض على الأرض السورية، ولم تصبح المسألة كيف يمكن استعادة المدن.

ليست المسألة من انتصر في المدن وكيف تعاد هذه المدن، فلم يعد هناك مجال لإدارة الدولة وقيادتها بدون تغيير سياسي، ولم يهم من يحكم وآلية الحكم بقدر ما يهم نظام الحكم القائم وآلية الحكم والحريات التي تمنح للناس وإعطاء الدور للكفاءات والقدرات السورية، وإعطاء حرية الرأي والتعبير والاختيار، والتبادل السلمي للسلطة، هذا كل ما اًصبح يعني السوريين.

  • إذا برأيك هل حل القضية السورية سياسي أم عسكري؟

رغم أني رجل عسكري فأنا لست مع الصراع المسلح، فقد كنت مع التظاهر السلمي والمطالب السلمية، ومع كل الأعمال التي تبتعد عن استخدام السلاح، إلا أن النظام السوري هو السبب الرئيس الذي دفع السوريين لحمل السلاح من كثرة البطش الذي مارسه على الشعب.

بيت الأسد هو من أقحم الشعب السوري في هذه المرحلة، بعد أن ظل الشعب 6 أشهر يحمل أغصان الزيتون في وجه السلطة التي تقمعه، لكنه لم يجد أمامه خيارا إلا أن يتسلح لأن القهر الذي لاقاه على يد السلطة لم يترك خيارا له إلا أن يحمل السلاح، لكن في النهاية الحل في سوريا "سياسي".

  • هل ترى أن المعارضة السورية فشلت في تأسيس جيش مسلح موحد؟

المعارضة السورية أفشلت ولم تفشل، لأن الجيش يحتاج إلى إمكانيات مادية وتسليحية كبيرة، وهذا لا يستطيع أن يوفره الشعب السوري، ومن وفره هي هذه الدول التي ادعت أنها تدعم الشعب السوري في ثورته، وثبت بعد ذلك أنها هي من اختارت القادة الذين سلمتهم السلاح والأموال واعتمدت على هذه الشخصيات التي أصبحت مرتزقة عند هذه الدول، يأتمرون بأوامرها وينفذون تعليماتها ويخضعوا بشكل مطلق وكامل لها.

ومن جانب آخر، فإن الدول المجاورة لسوريا كان لها دور كبير جدا في منع أو السماح لمن يريد الدخول للأراضي السورية أو الخروج منها من القادة أو الثوار واستخدمت هذا كورقة للضغط على المعارضة.

للأسف وقفت الدول المجاورة لسوريا ضد تأسيس مؤسسة عسكرية منظمة قائمة على الضباط المنشقين للاستفادة من خبراتهم وتأهيلهم العسكري، والتزامهم الوطني، واختارت شخصيات معينة واعتمدتهم في إدارة الصراع المسلح في سوريا، وشكلوا أركان الجيش المدني وكلهم غير مؤهلين بدورات عسكرية، وصارت الأركان عبارة عن مستودعات لتخزين الأسلحة، وأصبح دورهم فقط أمناء مستودعات وليسوا قيادات عسكرية.

السوريون لم يعجزوا عن تأسيس جيش مسلح وكان المناخ ملائما لذلك في عامي 2012 و2013، ولكن تجزأت الفصائل وأصبحوا يتعادون ويحاربون بعضهم البعض وكلهم لا يملك أي فكر عسكري وليس لديهم العمق الفكري والوطني للأسف الشديد للدرجة التي يتوحدوا فيها، وكانت هناك بعض محاولات التوحيد ولكن كلها للأسف كانت فاشلة.

المعارضة السورية ليست لديها من يساندها في العمل الجوي لا من حيث الطيران والدفاعات الجوية المضادة للطائرات، وهذا كان له الدور الحاسم في التأثير على مسار العمليات القتالية في الجيش الحر، وحين انتهت عمليات الجيش الحر بوجود الفصائل المتشددة التي سيطرت بشكل كبير جدا على الساحة وعلى الميدان، بشكل حقيقي وفعلي.

  • هل توحيد المعارضة السورية هو رهان رابح في مواجهة القوة الروسية والمليشيات الإيرانية؟

المعارضة القائمة الحالية لم تعد قادرة على شيئ وصارت في حكم المنتهية أو القريبة من أن تنتهي، لكن يمكن أن تنشأ مقاومة في الداخل السوري تواجه هذه الاحتلالات لأن تلك الاحتلالات لن تستمر مع أجيال سورية طويلة ومتعاقبة، لأن الشعب السوري لن يقبل باحتلال أرضه من قبل قوى أجنبية أيا كانت.

لا توجد إمكانية على الإطلاق لتوحيد المعارضة السورية، وهذا رهان خاسر، فقد عجزت هذه القوى الثورية على المستويين السياسي والعسكري على مدار ثماني سنوات في أن تجمع نفسها في مؤسسة واحدة.

  • وماذا عن المجلس الوطني وائتلاف المعارضة؟

ظهرت احتمالية في التوحد في بعض التشكيلات مثل "المجلس الوطني" الذي اعتقد البعض أنه قد يكون ممثلا للشعب السوري، وبعدها تشكل الائتلاف على أنقاض المجلس الوطني ولكن للأسف فقد السوريون الثقة فيهم.

تلك الكيانات غير قادرة على فعل شيئ لأنهم فقدوا البوصلة وفقدوا ثقة الشعب وليس لديهم إمكانية للتغيير، وأنا أعول على أن الشعب السوري، شعب حي، وإمكانية التجديد قائمة، والأجيال القادمة لن تقبل بهذا الوضع على الإطلاق.

  • حسب رأيكم ما هي أبرز نقاط الضعف في المعارضة السورية؟

نقاط الضعف في المعارضة السورية كثيرة، ولولا إصرار الشعب ورغبته في التحرر من النظام لكانت المعارضة فرطت وانتهت، هناك ثغرات كثيرة سواء في طريقة تشكل هذه المؤسسات السياسية، (مثل المجلس الوطني، أو الائتلاف الوطني السوري) أو آلية عملها وطريقة أدائها وتواصلها، خاصة أن هذه المؤسسات وضعت كل بيضها في سلة الدول الداعمة.

هذه المؤسسات لم تعتمد على سياسة وإستراتيجية معينة للعمل السياسي، كل ذلك كان له انعكاسات سلبية جدا على الثورة السورية وحتى على أنفسهم، حيث فقدوا الحاضنة الشعبية بالدرجة الأساسية وفقدوا احترام المجتمع الدولي، بسبب ارتهانهم إلى سياسات الدول التي تدعمهم أو على الأقل اختارتهم.

فصائل المعارضة ثغراتها كثيرة جدا لا نستطيع عدها، فلم يستطيعوا أن ينشؤوا مؤسسة سياسية منظمة، وما استطاعوا أن يوزعوا المهام، وتنافسوا على الزعامات والمناصب.

ومن هذه الثغرات أيضا وجود ائتلاف المعارضة في دول معينة تؤثر عليه بحكم وجوده في هذه الدول، وبنفس الوقت هناك دول كانت تقدم له الأموال والدعم المادي وتسيطر على القرار السياسي به، بالإضافة إلى لهث الكثير من أعضائه وراء الدول رغبة في الحصول على بعض الميزات أو الخصائص سواء كانت معنوية أو مادية، وهناك عدم تعاون ما بين الجناح العسكري والسياسي، وتنافس أدى إلى إشكالات كثيرة وكل طرف حاول استقطاب الآخر سواء كان توظيف المال أو العلاقات.

أضف إلى ذلك أن المعارضة زجت نفسها في قضايا لا علاقة لها بها، مثل التفاوض مع النظام دون أن يكون عندها خطة للتفاوض ولا حتى تشكيل هيئة للتفاوض بشخصيات قادرة على ذلك، واعتمدوا على شخصيات من اختيار الدول وليست من اختيار السوريين، وكانوا مجرد أسماء ليس لهم أي فاعلية في الشأن السوري، وهذا أفقد المعارضة السورية كثيرا من مشروعيتها فضلا عن عدم تخصصهم.

وحتى الآن هذه المعارضة لم تشكل أي خلية للعمل المشترك التي تساعدها على فهم الأمور واتخاذ القرار الأكثر صوابا. كان هناك صراعات داخل هيئة التفاوض القائمة، وعدم الثقة بين بعضهم، وتواصل أعضاء كثيرين من الهيئة مع الدول بشكل شخصي وانفرادي بدون تنسيق مع بعض، وأدخلوا المنصات التي تمثل النظام السوري بشكل أساسي، مثل موسكو والقاهرة، في هذه المفاوضات ما أفقدهم ثقة الشعب.

  • ما هو الوضع الحالي لتنظيم الدولة في سوريا؟

الوضع الحالي لتنظيم الدولة في سوريا، مشتت واستسلم قسم كبير منهم، ولم يعد لهم كيان وتأثير قوى، وما بقي مجرد مجموعات متفرقة هنا وهناك، ولكن نخشى من إعادة ترتيب صفوفهم من جديد. القوى الدولية ظلت سنوات تحارب تنظيم الدولة ودفعت الشعوب العربية أثمانا كبيرة مقابل مواجهة تلك الفصائل المسلحة والمدربة تدريبا عاليا، لأن عناصر التنظيم لديهم استعداد عال للتضحية من الناحية الأيديولوجية والعقائدية، بالإضافة إلى وجودهم بين الحاضنة الشعبية.

  • بماذا ترد على من يقول أن الحل المنطقي للأزمة هو القبول ببشار الأسد؟

"يستحيل" بشار الأسد لن يكون له مكانة أو دور في مستقبل سوريا على الإطلاق حتى لو تكلف الشعب بتقديم مليون شهيد آخر، لأنه لم يترك مجالا للصلح، وهذا النظام مجرم لا يؤتمن على وطن، وإسرائيل والغرب يحمونه لأنه يؤدي دورا تخريبيا في سوريا. يجوز أن يكون هناك تسوية معينة إلى مرحلة معينة، وبعدها يحاكم حسب الإرادة الشعبية، لا مجال لقبول هذا النظام مهما كانت المعطيات أو المبررات.

  • كيف يمكن قلب المعادلة بسوريا ومواجهة التحالف الروسي الإيراني الأسدي؟

التحالف ارتكب جرائم كبيرة بحق الشعب السوري، وأوقع ما لا يقل عن 40 ألف شهيد، بسبب التدخلات بالأسلحة الروسية، ويفتخر الروس بأنهم جربوا 300 نوع سلاح في سوريا وكأننا حقل تجارب.

لا يمكن قلب المعادلة إلا بتأسيس قوى عربية، لا تخضع لهذا التشتت العربي القائم حاليا، ولا تكون بيد دولة لها مصالحها ونزواتها الخاصة، وتشكل تلك القوى عن طريقة جامعة الدول العربية، بصيغة معينة تساعد الشعب السوري على النهوض والتخلص من الروس والإيرانيين وكل القوى الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية، أو سيناريو آخر لكنه مستبعد إلى حد كبير في أن تأتي دولة غربية أو أوروبية تساعد الشعب السوري، وهذا الأمر صعب ومعقد في ظل التواجد الروسي والإيراني.

  • بالنهاية ما رؤيتك للخروج من الأزمة السورية في ظل الوضع القائم؟

بخلاف ما قلته بشأن الدور العربي، وضرورة الحل سياسيا، يجب الوضع في الاعتبار أنه لا يمكن تأهيل النظام الحالي ولابد من إيجاد مخرج برعاية دولية وباتفاق "أمريكي روسي"، ولابد من انتقال سياسي للسلطة في سوريا. النظام لم يعد مسيطرا على الملف السوري ولا المعارضة لها دور كبير في التأثير، بل إن أمريكا متحكمة بشكل كبير وأساسي، والدول الأوروبية تسير خلف مسيرة أمريكا، ولا تستطيع أن تفعل شيئا بدونها، فإذا لم تتفق أمريكا وروسيا على حل الأزمة السورية ووضع آلية لهذا للحل، فإن هذه الأزمة ستستمر مدة طويلة.