الذباب الإلكتروني السعودي.. لماذا هاجم رسام كاريكاتير فلسطيني؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يفوت "الذباب الإلكتروني" في السعودية، فرصة في مهاجمة من ينتقد سياسات المملكة التي أصبحت محط أنظار لدى كثيرين خلال العامين الأخيرين، بعد صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى هرم السلطة.

هجمة قديمة متجددة شنتها حسابات، تحمل أسماء ورموز سعودية، ضد رسام الكاريكاتير الفلسطيني، "محمود نعيم عباس"، الذي صوّر -ضمن عمل فني- تبعات انهيار أسعار النفط الأميركي على العالم والمنطقة العربية.

هذا ما كان يقصده الرسام، وفق قوله، لكن حسابات سعودية اشتهرت في الرد على منتقدي المملكة، أخذوا الأمر على صدورهم واعتبروا العمل الفني "إساءة" لبلادهم.

ومع أن "عباس" تناول قضية انهيار أسعار النفط بأكثر من زاوية خلال أعماله الفنية، لكن الرسم الأخير أحدث ضجة وصدى غير متوقع في المملكة، على حد وصفه.

ولم يكن السعوديون ليتنبهوا للأمر لولا تغريدة نشرها الصحفي الإسرائيلي "إيدي كوهين"، انتقد فيها الرسم الكاريكاتيري، فاتحا الباب بذلك أمام سعوديين لمهاجمة راسمه والقضية الفلسطينية.

فتنة إسرائيلية

ليست المرة الأولى التي تشعل فيها إسرائيل فتنة بين العرب، لاسيما مع بلوغ المغازلة التطبيعية مراحل متقدمة جدا خلال الأشهر الماضية، على الرغم من أنها لم تأخذ شكلا رسميا في العلاقات بين المملكة وإسرائيل.

القصة بدأت عندما نشر "كوهين"، الكاريكاتير، على صفحته الشخصية في موقع "تويتر"، والتي يتابعها آلاف من الحسابات السعودية الحقيقية والوهمية، ليكون بذلك سببا رئيسا في إشعال الفتنة، وفق وصف "عباس".

وفي حديث خص به "الاستقلال"، يؤكد الرسام الفلسطيني أن "كوهين كان له دور كبير في هذه الفتنة وقد نجح"، معربا عن أسفه في اعتماد الناشطين السعوديين على تغريدته بشكل كبير.

ولاحظت "الاستقلال" في التغريدة المذكورة أن معظم الردود كانت من حسابات تحمل أسماء وهمية، قبل أن يتطور الأمر لتبني الهجوم من طرف حسابات موثقة بالعلامة الزرقاء.

ويوضح "عباس" أنه كان يقصد من العمل الفني "تفسير حالة الانهيار التي أصابت أسعار النفط العالمية، وانعكاسات ذلك على دول الخليج كونها من أكثر الدول في العالم من حيث الاحتياطي النفطي".

ولم يستطع أن يؤكد ما إذا كانت الحسابات رسمية أم وهمية، لكنه عبر عن أسفه إزاء ردود الفعل السعودية والتي أخذت طابعا شخصيا، "وكأن الرسم يقصد به السعودية، وهذا غير صحيح. لم أقصد المملكة مطلقا".

تهديد وهجوم

ويكشف الرسام الفلسطيني عن فحوى مئات الرسائل التي وصلته عبر حساباته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تضمنت تهديدا بشكل شخصي.

ويضيف: "تلقيت تهديدات بالقتل، وأخرى بالمعاقبة، إضافة إلى رسائل تتضمن عبارات من قبيل أن السعودية خط أحمر ولا يمكن لأحد تجاوزه".

 ويلفت "عباس" الذي يقيم مع عائلته الصغيرة في السويد منذ سنوات، إلى "دعوات تطالب الحكومة السويدية بطردي تحت ذريعة أنني إرهابي، وهو ما أنفيه".

و"عباس" فلسطيني من قطاع غزة، حاصل على الجنسية السويدية، واستشهد اثنان من أفراد عائلته خلال انتفاضة عام 2000، وهو ما يحاول سعوديون استخدامه لوسمه بـ"الإرهاب".

ويوضح أنه تلقى اتصالات داعمة من مؤسسات ومنظمات حقوقية منذ بداية الحدث، من بينهم "المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، و"مركز باريس لحقوق الإنسان" الذي أصدر بيانا بهذا الخصوص.

كما دعمته "الشبكة الدولية لحماية حقوق رسامي الكاريكاتير" في السويد، والتي تواصلت بدورها مع وزارة الخارجية السويدية، خوفا من أية مضايقات قد يتعرض لها الرسام.

ولم يكن "عباس" يتوقع "شخصنة" الأمر بهذه الطريقة، كما أنه أبدى استغرابه من استغلال الكاريكاتير للهجوم من قبل سعوديين على القضية الفلسطينية.

وفي هذا الإطار، تصدر في السعودية وسم "#فلسطين_ليست_قضيتي"، حيث تفاعلت معه مئات الحسابات بتغريدات تضمنت الإساءة للقضية الفلسطينية، والمطالبة بوقف الدعم عن الفلسطينيين.

لكن في المقابل، هناك بعض "العقلاء"، كما يصفهم "عباس"، تنبهوا إلى أن الأمر "مجرد فتنة"، فأطلقوا وسما مضادا بعنوان "#فلسطين_قضيتي" والذي تصدر قائمة "الترند" في السعودية.

الناشط السياسي الفلسطيني، "أحمد عوض"، وعند سؤاله عن استغلال بعض السعوديين الحدث للهجوم على القضية الفلسطينية أجاب بأن الفترات الأخيرة شهدت متغيرات خلقت شعورا لدى الفلسطينيين بوجود خذلان عربي أو انقلاب في بعض المواقف.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": أن من هذه المتغيرات "حالات التطبيع، وسجن بعض الفلسطينيين في المملكة، وهو ما أوجد حالة غضب على منصات التواصل (من قبل الفلسطينيين)".

واعتبر "عوض" أن حالات الهجوم "غير مبررة، بل مفاجئة وتعكس تحولا خطيرا في العلاقة على المستوى الشعبي"، مستدركا: "لكن قناعتي أن هذه الحالات لا تمثل الصورة الحقيقية للشعب السعودي الأصيل".

ورأى أن "النشاطات التطبيعية والصمت السعودي الرسمي عليها -في آن واحد- ساهما بشكل أساسي في تداول هذه النشاطات أولا، ثم إيجاد حالات قبول لها".

وبرأيه، فإنها "كسرت للأسف المحرمات في هذا السياق"، كما أن "استمرار الصمت عليها سيضعنا أمام نتائج خطيرة مستقبلا (...) قد يساعد في خلق وعي وأنماط سلوكية سلبية".

لكنه في الوقت ذاته استبعد تطور هذه الهجمات لاحقا لتأخذ موقفا رسميا. وقال: "هذا مستبعد في الوقت الراهن، لكن لا يمنع ذلك وضع حد لها حاليا من المستوى الرسمي، وإلا قد يصبح شريكا على المستوى البعيد".