الإمارات تستغل فيروس كورونا لمهاجمة المغرب.. ما القصة؟

الرباط ــ الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

شنت حسابات وهمية على موقع "تويتر" هجوما على رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، متهمة إياه بالتقصير في تنفيذ تعليمات الملك محمد السادس لإدارة أزمة جائحة كورونا داخل البلاد.

ظهر فيما بعد أن الأمر يتعلق بـ"ذباب إلكتروني" (حسابات وهمية) مصدرها الإمارات، أطلق حملة ضد المغرب وتحديدا رئيس حكومته المنتمي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي. 

الحملة جاءت بعد نحو شهر من سحب المغرب سفيره من الإمارات في 11 مارس/آذار، وتزامنا مع حديث وسائل إعلام عبرية عن وجود أزمة دبلوماسية بين البلدين.

هذه الأزمة ليست حديثة، بل إنها تخفت لتظهر من جديد، منذ بدايتها عام 2017، عندما قررت المملكة الحفاظ على علاقاتها مع قطر، في الوقت الذي فرضت فيه دول خليجية الحصار عليها.

رد المغاربة

احتل وسم "شكرا العثماني" الترند على موقع "تويتر" في المغرب، والذي أطلقه مغاربة ردا على حملة الذباب الإلكتروني الإماراتي. 

وفي حين زعمت هذه الحسابات وجود أزمة في المغرب بسبب كورونا، أشادت دول أجنبية بتدابير المغرب الاستباقية وتمكنه من التعاطي مع الأزمة بشكل يستحق التنويه.

واتهمت الحسابات الوهمية العثماني بالتسبب في “إهمال الشعب المغربي وعدم توفير المؤن والغذاء له وتركه عرضة لوباء كورونا على حساب المنتمين لحزبه".

الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي، غسان بن شيهب، قال إنه أجرى بحثا مطولا عن الموضوع ليستخلص منه أن كل الحسابات التي أطلقت حملة انتقاد ضد رئيس الحكومة تجمع بينها هاشتاجات مشتركة مثل وسم "قطر تتجسس على الجزائر" بعد طرد مدير أوريدو، وكذلك وسم "أردوغان النازي الجديد"، ما يكشف أنها حسابات يتم تفعيلها للهجوم على قطر وتركيا.

فهاد اليومين، بانو شي حسابات فتويتر، بقا فيهم حال المغرب أ سيدي، و ناضو يغردون مستهدفين المغرب و حكومته..و تيشعلو...

Posted by Ghassan Benchiheb on Tuesday, April 14, 2020

الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، قال: إن "حسابات وهمية تنشر نفس العبارات وتفوح منها رائحة العمالة لجهات يضايقها نجاح حكومة سعد الدين العثماني في تدبير هذه المرحلة باقتدار".

تحاول هذه الجهات، بحسب المصدر ذاته، أن "تشكك في كل الإجراءات المتخذة بهذا الصدد، كما تحاول اختراق إجماع النسيج الوطني وراء الحكومة، بالدفع بمقولات تعكس حجم الحقد من وراء هذه الحملات ويسخر لها هذه الحسابات، تجاه المغرب وحكومته، وضيقه الشديد من النجاحات التي يتم رصدها لصالح الشعب المغربي في هذه المرحلة الدقيقة". 

حملة شيطنة

مسؤول التواصل بمكتب العثماني، نزار خيرون، اعتبر أن ما جرى “حملة هجوم مدبرة من طرف ما يُعرف بالذباب الإلكتروني في الإمارات، من أجل النيل وشيطنة العثماني ومعه المغرب ككل”. 

محاربة الشائعات والحسابات الزائفة واجب وفرض علين على كل واحد منا.. #الحسابات_الزائفة #Fake_Accounts #فيسبوك #Facebook

Posted by ‎نزار خيرون - Nizar Khairoun‎ on Friday, April 17, 2020

وأجمعت التغريدات المهاجمة كلها على اتهام الحكومة بأنها “تمول الجماعات الإخوانية وتهمل شعبها في ظل الأزمة الكبيرة التي يمر بها المغرب”. 

واعتبر حساب باسم “نادين زكريا” أن “المغرب للأسف يمر بأسوأ مرحلة في تاريخ المملكة، بعد الانتشار المخيف لفيروس كورونا وعدم إدارك الحكومة للموقف الخطير”.   

وجاء في تغريدة لحساب يحمل اسم “ماجدة الشريف”: “العثماني تسبب في إحراج جلالة الملك محمد السادس، قد يكون هو الأصعب بعد عدم توفر المؤن والغذاء للشعب وانتشار الفوضى”. 

كتب حساب آخر يدعى “فريدة صالح”: “المغرب وصلت إلى مرحلة صعبة من الإهمال الحكومي في الرعاية، بل تترسخ كل الاهتمامات في دعم الجماعات الإخوانية”، بحسب تعبيرها.

بينما نشر حساب آخر باسم “جهان يوسف”: “إلى متى سيستمر إهمال العثماني وحكومته الفاسدة وعدم توفير الغذاء للشعب؟ لقد ظهرت حقيقة العثماني للجميع”، وفق قوله. 

هجوم سعودي

بعد الحملة مباشرة على "تويتر" هاجمت قناة "العربية" السعودية رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بعد نزعه الكمامة خلال أخذه للكلمة في جلسة داخل البرلمان، ووصفت ذلك بأنه "مخالف للقانون" وقالت: إن الأمر أدى لـ"إشعال جلسة البرلمان وأثار الخلاف".

القناة اعتبرت ذلك انتهاكا من طرف رئيس الحكومة للقانون وخرقا لما سبق وصادق عليه عندما فرض حظر التجول ووضع الكمامات بشكل إلزامي على كل المواطنين.

قناة العربية التي سبق أن أثارت غضب الرباط، قالت خلال تغطيتها لحصيلة إصابات “كورونا” بالمغرب: إن الفيروس تسبب في مئات الوفيات وآلاف الإصابات بالمملكة، في حين أن الحصيلة الرسمية لوزارة الصحة المغربية آنذاك لم تتجاوز بعد 2700 إصابة، فيما وصل عدد الوفيات إلى 137.

تقارير مغربية أفادت بأن المعطيات التي قدمتها “العربية” أثارت غضبا واستياء واسعا، من استمرارا سياسية التهويل والتضخيم وتقديم معطيات مغلوطة، مشيرين إلى أن هذه الخرجات الإعلامية تؤشر إلى وجود توجه رسمي للإمارات لاستهداف المغرب، حسب رأيهم. 

في فبراير/ شباط 2019 بثت قناة "العربية" ، تقريرا إخباريا بشأن ملف الصحراء في المغرب أثار غضب البلد. واعتبرت الرباط التقرير مساسا بسيادتها على أراضيها ووحدة بلادها.

ويشهد ملف الصحراء منذ عقود صراعا بين الدولة المغربية وجبهة "البوليساريو" التي تأسست في 20 مايو/ أيار 1973، بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية.

الواقعة كشفت هشاشة العلاقات السعودية المغربية، التي تتأثر من فترة لأخرى لأقل الأسباب، قبل أن تعيش فتورا منذ فترة ليست بالقصيرة.

أزمة متجددة

في أعقاب الحملة على تويتر، أفادت مواقع عبرية بأن المغرب والإمارات يشهدان أزمة دبلوماسية، بسببها لم تتمكن إسرائيل من إجلاء العشرات من مواطنيها الموجودين على أراضي المملكة، التي رفضت نزول طائرات "العال" الإسرائيلية بمطاراتها.

الإمارات بادرت بعقد اتفاق مع إسرائيل لإرسال إحدى طائراتها من أجل إجلاء الإسرائيليين والإماراتيين العالقين في المغرب، لكن الأخيرة رفضت الوساطة الإماراتية وطلبت إرسال طائرة تابعة لخطوط أخرى. 

كما كشف الجيش الإسرائيلي أن الإسرائيليين "توزعوا على فنادق في مدينة مراكش والمنازل اليهودية في الدار البيضاء" إلى أن تحل الأزمة.

صحيفة "القدس العربي" قالت: إن "خلفية العلاقة الغامضة بين المغرب والإمارات هي حملة تشهير مستمرة من قبل أبوظبي ضد الملك، تزعم أن حكمه أصبح ضعيفا وتحت سيطرة حزب العدالة والتنمية الذي له مرجعية إسلامية".

لكن الأزمة عادت إلى الواجهة في 11 من مارس/ آذار 2020، عندما سحبت الرباط سفيرها وقنصليها في الإمارات؛ بسبب عدم تعيين سفير إماراتي بالرباط بعد عام من شغور المنصب.

وقالت مصادر مغربية: إن "أزمة دبلوماسية غير مسبوقة اندلعت بين الرباط وأبوظبي؛ حيث سحب المغرب سفيره في الإمارات محمد آيت وعلي، الذي ظل في منصبه لأكثر من 9 سنوات، كما تم استدعاء القنصليْن المغربيين في دبي وأبوظبي".

وحسب المصادر ذاتها، فإن "الرباط أفرغت أيضا سفارتها (في أبوظبي) من جميع المستشارين والقائم بالأعمال؛ مما قلل من تمثيليتها الدبلوماسية بشكل كبير".

دعم قطر

وأرجعت التقارير الإعلامية سبب هذا التطور، نقلا عن مسؤول مغربي لم تذكر اسمه، إلى موقف الإمارات التي لم تعين حتى الآن سفيرا لها في المغرب لمدة نحو عام.

من جانبه، قال موقع "برلمان كوم" المغربي (المقرب من السلطة): إن "العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام بعد سحب السفيرين".

وأضاف: أن "العلاقات تمر بفتور تعكسه مؤشرات عديدة، على رأسها عدم وجود سفير إماراتي في الرباط منذ أزيد من عام، وهو الأمر الذي عزز الأزمة بينهما ودفع المغرب إلى سحب سفيره من أبوظبي".

ولفت إلى أن "أبوظبي تنظر بعين الريبة للعلاقات الجيدة التي تربط المغرب وقطر الدولة المحاصرة من قبل السعودية والإمارات".

ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017، حين قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها بالدوحة، تشهد العلاقات المغربية الإماراتية "فتورا" غير مسبوق تعكسه مؤشرات عديدة.

وفي أبريل/نيسان 2019، نشرت وسائل إعلام مغربية خبرا عن مغادرة السفير الإماراتي بالرباط علي سالم الكعبي، الرباط؛ بناء على "طلب سيادي عاجل"، دون تفاصيل.

وخلال الأزمة الخليجية المستمرة حتى اليوم، اختار المغرب التزام الحياد، وعرض القيام بوساطة بين الأطراف المتنازعة، كما أرسل طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر، وزار العاهل المغربي الدوحة لاحقا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتقى بأميرها.

وفي 27 مارس/آذار 2020، تحدث وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي بالعاصمة الرباط، عما فُهم منه "أربعة ضوابط لاستمرار التنسيق مع الإمارات والسعودية".

أولها أن السياسة الخارجية هي مسألة سيادة بالنسبة للمغرب، وثانيها أن التنسيق مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين، وثالثها أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، ورابعها أن التنسيق يجب أن يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل الأزمة الليبية.

يد ابن زايد

في تقرير لها أصدرته أواخر فبراير/ شباط 2020، قالت مجلة لوبوان الفرنسية: إن التحفظ الدبلوماسي لم يعد مطلوبا هذه الأيام في بلد ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، الذي يحاول إعادة "استقرار قائم على السلطوية" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

واعتبرت أن الإمارات لم تعد تهتم بالخطب البلاغية بل تتصرف مباشرة، وهي ترسم مسارها من الخليج إلى المغرب الأقصى.

وصرح الباحث في العلوم السياسية سيباستيان بوسوا للمجلة، بأن "مجموعة محمد بن زايد -في سياق الفشل العام للربيع العربي ما عدا الحالة التونسية- ترى ضرورة عودة القادة المطمئنين وتخريب بعض التحولات الديمقراطية، على شاكلة الانقلاب في مصر".

المجلة أشارت إلى أنه -عندما نسيت السلطات الألمانية دعوة المغرب وتونس لمؤتمر برلين حول ليبيا- ذهب ابن زايد بعدها مباشرة للقاء ملك المغرب محمد السادس، وسرع وتيرة دعمه لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث تهبط طائرات إماراتية بانتظام في الشرق الليبي حاملة أسلحة جديدة.

إنه مشروع "الشرق الأوسط الكبير الذي أعلنه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب عام 1991"، كما يقول الباحث في العلوم السياسية سيباستيان بوسوا، ملاحظا أن "الإمارات هي تلميذ الأميركيين النجيب، فهم يخسرون كل حروبهم كالولايات المتحدة منذ فيتنام".

وختمت الصحيفة بأن مصير ليبيا هو الذي سيحدد إن كانت عقيدة ابن زايد ستحكم من أبراج دبي إلى ضواحي تونس أم لا.