المغرب والسعودية.. علاقة تتأرجح بين البرود والتوتر

5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بَثَّت قناة "العربية" السعودية، تقريراً إخبارياً مطلع فبراير/ شباط الجاري، بشأن ملف الصحراء في المغرب أثار غضب البلد. واعتبر المغرب التقرير مساساً بسيادته على أراضيه ووحدة بلاده.

وتطرق التقرير التلفزيوني إلى ملف الصحراء، الذي يشهد منذ عقود صراعاً بين الدولة المغربية وجبهة "البوليساريو" التي تأسست في 20 مايو/ أيار 1973، بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية.

الواقعة كشفت هشاشة العلاقات السعودية المغربية، التي تتأثر من فترة لأخرى لأقل الأسباب، قبل أن تعيش فتوراً منذ فترة ليست بالقصيرة.

ما هي إذا أسباب الأزمة؟ وما هي سيناريوهاتها المستقبلة؟

من الإعلام إلى الدبلوماسية

يتعامل المغرب بحساسية كبيرة مع ملف الصحراء، الذي لا يزال عصياً على حل نهائي وسط منطقة تعيش جملة من المتغيرات الجيوسياسية. وتعتبر قضية الصحراء بوابة التدخل الأجنبي في الشأن المغربي وهو ما يبرر مواقف البلد الحادة بشأنه.

تقرير قناة العربية أثار سريعاً حفيظة المغرب، فسارع باستدعاء سفيره في السعوية للتشاور. وقال السفير المغربي في الرياض، مصطفى المنصوري، في تصريح لموقع "Le360" المغربي، إن سبب استدعائه يتعلق بالمستجدات التي طرأت أخيراً على مستوى العلاقات بين البلدين، خاصة بعد بث القناة التلفزية "العربية"، المقربة من الدوائر الحاكمة في السعودية لتقرير مصور ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

وأضاف، أن "هذا التقرير جاء كرد فعل على مرور وزير الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، في برنامج حواري مع قناة "الجزيرة" الفضائية".

ظهور مزعج

كان لظهور وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في برنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة الفضائية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، صدى كبيرا في منطقة الخليج العربي. خصوصاً في ظل الأزمة المستمرة منذ 2017، بعد إعلان السعودية والإمارات رفقة مصر والبحرين الحصار على دولة قطر.

وقال الوزير المغربي، إن بلاده ليس من دورها الاصطفاف مع طرف ضد طرف، ولكن محاولة تقريب وجهات النظر بين دول مجلس التعاون الخليجي. وأكد بوريطة أن بلاده قررت تقييم مشاركتها في الحرب في اليمن التي تقودها السعودية.

الزيارة الفاصلة

قبلها، شهد شهر نوفمبر / تشرين الثاني 2017، أول زيارة لملك المغرب، محمد السادس، إلى دولة قطر بعد الأزمة الخليجية. وبذلك أكد ملك المغرب موقف بلاده المحايد من الأزمة الخليجية، التي اندلعت في 5 يونيو/ حزيران 2017، التي أرسلت المغرب بعدها بوقت قصير، مساعدات لقطر.

عرفت الزيارة توقيع اتفاقيات بين المغرب وقطر في عدد من المجالات، في مجالات الاقتصاد والسياحة والتجارة والطاقة والثقافة. واحتفى القطريون بهذه الزيارة معتبرين أنها كسر للحصار المفروض عليهم من قبل دول الجوار (الإمارات، والسعودية، والبحرين).

هذه الخطوات المغربية، قد تفتح تأويلات بأنه انحياز لقطر على حساب السعودية والإمارات ما قد يؤثر على علاقاته بهما.

برودة العلاقات

نشرت صحيفة "القدس العربي" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 خبراً يفيد أن المغرب انسحب تدريجياً من الحرب الدائرة في اليمن.

وقالت الصحيفة إنها حصلت من مصادر غربية على معلومات تؤكد قيام إخبار المغرب لعدد من العواصم الكبرى، مثل واشنطن وباريس والمفوضية الأوروبية في بروكسيل، بأنه لم يعد مشاركاً في الحرب، رغم أنه لم يعلن عن ذلك رسمياً. وأشار البلد، حسب ذات الصحيفة، إلى أن الجنود المغاربة المتواجدين في الخليج العربي وخصوصاً في الإمارات يدخلون ضمن اتفاقيات ثنائية. 

وأرجعت "القدس العربي" انسحاب المغرب -غير المعلن رسمياً- من تحالف السعودية والإمارات في اليمن، إلى "برودة العلاقات بين المغرب وبعض الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية نتيجة المغامرات غير المحسوبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أدار بشكل سيء الحرب وحولها من حرب رادعة سريعة إلى حرب مفتوحة ومستمرة تخلف آلاف الضحايا".

خلافات متراكمة

هذا التباعد في العلاقة من الحين للآخر، لم تكن وليدة اللحظة. إذ عرفت سنة 2018 خلافاً بين السعودية والمغرب، عندما صوّتت السعودية لصالح الولايات المتحدة بدلاً من المغرب لاستضافة كأس العالم 2026.

الأمر أثار ردود فعل قوية في الرباط، وأثارت تغريدات المستشار في الديوان الملكي ورئيس هيئة الرياضة حينها، تركي آل الشيخ، غضب الشارع المغربي.  

وقال : لم يطلب أحد أن ندعمه في ملف 2026، وفي حال طُلب منا سنبحث عن مصلحة المملكة العربية السعودية أولا... اللون الرمادي لم يعد مقبولا لدينا!".

 

تصريحات مسيئة

لم تكن تصريحات آل الشيخ الأولى التي اعتبرها المغاربة مسيئة لهم، ففي إحدى تصريحاته التلفزيونية، قال إنه وجد العديد من المتاعب مع اللاعب فهد المولد، لاعب المنتخب السعودي لكرة القدم، بعد أن خاض فترة تدريبية بنادي "مانشستر يونايتد"، وذلك بسبب "تردده على مدينة مراكش". وهو ما اعتبره  العديد من مستخدمي الشبكات الاجتماعية، "تحرش وإساءة" أخرى ضد المغرب.

وفي وقت سابق، نشر المستشار السعودي، المقرب من ولي العهد السعودي، خارطة عرض من خلالها الأندية الثمانية التي تأهلت إلى ربع نهائي البطولة العربية للأندية البطلة "كأس زايد"، مع خريطة المملكة المغربية مبتورة من صحرائها.

وفي تعليق على تدوينات آل الشيخ كتب القيادي في حزب الاستقلال المغربي، عادل بنحمزة، عبر صفحته على فيسبوك "هناك موقف سعودي من المغرب تتم بلورته بالتدريج، وقد تكون تغريدات تركي آل الشيخ المستشار بالديوان الملكي السعودي، إحدى تعبيرات هذا الموقف الذي ربما أُريد له أن يكون صامتا". وأضاف "أي موقف رسمي سعودي سلبي من ملف ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم 2026، لا يمكن أن تتم قرائته سوى كونه تعبير عن ضيق صدر القيادة السعودية الجديدة عن تقبل الاختلاف في القضايا التي تهم المنطقة، و قد يتجاوز ذلك الموقف مجال الكرة إلى مجالات أخرى تهم سيادة المغرب".

رد مغربي مبطن

بعد قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول, واعتراف السعودية أن عدداً من مواطنيها المتهمين متورطون في القضية، التي هزت الرأي العام العالمي. قرر بن سلمان إجراء جولة عربية، قبل التوجه إلى قمة العشرين في الأرجنتين، في محاولة لكسر العزلة بعد المقاطعة الكبيرة لمؤتمر نيوم بالمملكة.

لم يكن المغرب ضمن جدول زيارات بن سلمان، وذكرت وسائل إعلام مغربية أن الملك رفض استقبال ولي العهد السعودي، على عكس ما روجت له وسائل إعلام سعودية. 

وقالت "القدس العربي" إن "الديوان الملكي المغربي أخبر نظيره السعودي أن أجندة الملك محمد السادس حافلة، ولا يُمكنه اللقاء به شخصياً، وتعويض ذلك بشخصية من الدرجة الثانية في البلاد كرئيس الحُكومة أو شقيق الملك الأمير رشيد".

ويُذكر أن المغرب التزم الصمت في حادثة خاشقجي ولم يصدر أي موقف على عكس عدد كبير من الدول العربية التي تضامنت مع السعودية. كما أنه لم يعبر عن أي موقف تجاه أزمة السعودية مع كندا على خلاف باقي الدول العربية التي اصطفّت إلى جانب السعودية، بعد طرد السفير الكندي من الرياض واتهام كندا بالتدخل في شؤون المملكة العربية السعودية.

الخط الأحمر

يجمع المغرب بالسعودية، موقفهما المشترك من إيران وحزب الله، التي يتهمها المغرب بتقديم الدعم لجبهة البوليساريو. وتجمع البلدين علاقات اقتصادية كبيرة، إذ تعتبر الرياض المستثمر الأول في المغرب. إلا أن هذه العلاقات مفتوحة أمام العديد من السيناريوهات، يحكمها التقييم المغربي للموقف السعودي.

ويتعامل البلد بحساسية مع كل ما قد يفهم منه مسا بوحدته الترابية، وهو ما قد تثيره الأدوات الإعلامية السعودية، والشخصيات التي تدور في فلك النظام السعودي. وللمغرب تجارب سابقة، حيث لم يتردد في طرد السفير الإيراني، بسبب شبهات دعم البوليساريو كما فعل عام 2009 مع فنزويلا.