تشكيل الكاظمي حكومة عراقية.. لماذا تغير موقف طهران من "صديق" واشنطن؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أشعل تكليف رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي، بتشكيل الحكومة، جدلا واسعا بين العراقيين، ولا سيما بعد إجماع الكتل الشيعية عليه، منها الموالية لإيران، التي اتهمته سابقا بالتورط في عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس.

خلاصة الجدل الدائر، هو: من وراء دعم الكاظمي إلى المنصب التنفيذي الأول بالعراق، الولايات المتحدة أم إيران؟، ولماذا وافق عليه حلفاء طهران، بعدما كانوا يرفضونه بشدة، بحجة أنه مرشح واشنطن ويسعى إلى جر البلد للمحور الأميركي في المنطقة؟ وما هي فرص تمرير حكومته؟

"المرشح الأول"

لم يكن مصطفى الكاظمي مرشح الساعات الأخيرة كما جرت العادة لمناصب كثيرة بالعراق، وإنما كان الاسم الأول الذي طرحه الرئيس العراقي برهم صالح عقب استقالة رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي تحت ضغط الحراك الشعبي في ديسمبر/ كانون الأول 2019.

لكن العقبة الكبيرة التي حالت دون تكليفه، هي القوى السياسية والفصائل الشيعية الموالية لإيران، والتي وضعت عليه فيتو شديد، وقطعت الطريق عليه بعد اتهامه بالعمالة للولايات المتحدة والتواطؤ مع الرئيس بمقتل سليماني والمهندس، في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.

تفاجأ الجميع في 9 أبريل/ نيسان 2020، بتكليف الكاظمي بتشكيل الحكومة،  بعد حصل على إجماع شيعي، بل حضر مراسم التكليف قيادات قريبة من إيران، وعلى رأسهم هادي العامري زعيم تحالف "الفتح" (يمثل فصائل الحشد الشعبي)، الأمر الذي اعتبره مراقبون تحولا غريبا.

يأتي تكليف الكاظمي رسميا، في اليوم الذي اعتذر فيه رئيس الحكومة المكلف عدنان الزرفي، وبعد أكثر من شهر على  فشل محمد توفيق علاوي في كسب تأييد القوى السياسية بمختلف مكوناتها وعقد جلسة البرلمان للتصويت على كابينته الوزارية.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال مصدر سياسي عراقي (طلب عدم كشف هويته): "الكاظمي لم يطرحه الرئيس برهم صالح فقط، وإنما سفيرا واشنطن ولندن في بغداد كانا يطرحان اسمه خلال الاجتماعات مع قوى وأحزاب سياسية، وأنهما يدعمان رئاسته للحكومة".

المصدر أكد أن "القوى السياسية الشيعية كانت ترفضه بشدة، وتعتبره ضمن مشروع أميركي يشترك فيه برهم صالح، لتقويض سلطة الأحزاب الشيعية القريبة من إيران، لا سيما في احتجاجات شعبية، يعتقدون أن واشنطن لها يد في تأجيجها".

وبخصوص التحول المفاجئ في القرار الشيعي بتأييد الكاظمي، ورفض الزرفي الذي أيضا وصفوه بأنه "أميركي"، أكد المصدر أن "البيت الشيعي أسقط في يديه عندما كلف برهم صالح، عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة، دون الرجوع إليهم، وكذلك فشل إيران في توحيد موقف الشيعة لاختيار مرشح واحد".

وأوضح المصدر أن "القوى الشيعية جميعها توصلت خلال اجتماعات مكثفة بعد زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني للعراق في 1 أبريل/ نيسان 2020، على ضرورة إجهاض تشكيل حكومة الزرفي، والاتفاق على مصطفى الكاظمي، لأن هدفهم من ذلك استعادة حق الشيعة في ترشيح شخصية رئيس الوزراء".

أما المحلل السياسي وائل الركابي، فرأى في حديث لـ"الاستقلال" أن "التغير الشيعي لصالح الكاظمي ضد سلفه الزرفي، جاء بناء على خرق أحدثه رئيس الجمهورية في الدستور، وبالتالي أراد الشيعة أن يوقفوا تمادي برهم صالح وفرض إرادته عليهم، لأنه ليس من شأنه أن يرشح من يرأس الحكومة".

علاقته بإيران

بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، بدأت تظهر الكثير من القصص حول ارتباطاته بالجانب الإيراني وعلاقته بالحرس الثوري، وذهب البعض إلى اتهامه بتقديم خدمات إلى طهران، واحدة منها استدراج المعارض روح الله زم مؤسس ومدير موقع "آمدنيوز" المعارض وقناته على التلجرام.

وفي هذه النقطة، قال الكاتب العراقي سلام جبار عطية في تدوينة على "فيسبوك": "لكي تتم تبرئة ساحة مصطفى الكاظمي، فإن الحرس الثوري الإيراني أمر المليشيات الولائية (موالية لإيران) بتوجيه تهديد مباشر للكاظمي بعدما افتضح دوره في اعتقال المعارض الإيراني روح الله زم في أكتوبر/ تشرين الأول 2019".

وأوضح عطية أن "مدير المخابرات مصطفى الكاظمي، استطاع أن ينجز مهمة الحرس الثوري الإيراني في استغفال محمد رضا نجل السيستاني لقبول زيارة زم ولقاء والده المرجع الأعلى للشيعة في العراق".

وأشار إلى أن "زم وصل إلى عمّان تحت مراقبة شخصية من الكعبي مدير مكتب الكاظمي، وفي النجف جرى اعتقاله وإيداعه في مركز صحي قبل تسليمه للحرس الثوري الإيراني، وذلك ما فضحه عبد الرضا فضلي وزير الداخلية الإيراني في لقاء متلفز بتوجيه الشكر مباشرة وعلى الهواء للمخابرات العراقية".

حديث الكاتب، يأتي تفسيرا ربما لأسباب عودة المليشيات الموالية لإيران إلى مهاجمة الكاظمي وتوجيه الاتهامات ذاتها، بالضلوع في عملية مقتل سليماني والمهندس، وأبرزها "كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء"، التي وصفت تكليف الكاظمي بأنه "حرب على الشعب العراقي".

وفي السياق ذاته، تداول ناشطون ومغردون عراقيون على "تويتر"، صورة قالوا إنها تظهر رئيس الوزراء المكلف، أثناء حضوره مجلس عزاء القائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.

وأخذت الصورة انتشارا واسعا في مواقع التواصل، وأثارت الجدل حول علاقته بالحرس الثوري الإيراني، وأسباب زيارة رئيس مخابرات يفترض تربطه علاقة جيدة بالولايات المتحدة، مع شخص قتلته الأخيرة في عملية كادت أن تقود إلى حرب بين طهران وواشنطن.

"رجل توافقي"

رغم حصوله على إجماع القوى السياسية، وتحديدا التوافق الشيعي، إضافة إلى الحديث عن قبول إيراني أميركي على تكليفه برئاسة الوزراء، إلا أن السؤال الأهم حاليا، يدور حول فرص نجاح الكاظمي في تشكيل الحكومة التي تنتظرها الكثير من التحديات خلال المرحلة المقبلة.

المحلل العراقي وائل الركابي قال: "رغم ادعاء القادة السياسيين العراقيين أن اختيار الكاظمي كان بإرادة وطنية، لكني أعتقد بصعوبة الإتيان برئيس حكومة من دون ارتياح أميركي وإيراني تجاهه في ظل الصراع القائم بين الجانبين. من غير المعقول أن يأتي رئيس وزراء ترفضه أميركا وترضى به إيران، والعكس صحيح".

ورأى الركابي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الحالة العراقية من الممكن أن تتغير  بنسبة 180 درجة خلال سويعات أو يوم، وبالتالي فإن الكاظمي أمامه 30 يوما وهذه المدة فيها الكثير من المتغيرات، رغم الإجماع الشيعي الذي جاء به".

وأشار إلى أن "الطريق ليس مفروشا بالورد أمام الكاظمي، والأمور متغيرة وعليه أن يكون واضحا في برنامجه الحكومي بخصوص الوجود الأميركي في العراق، والانتخابات المبكرة، وموقفه من الحشد الشعبي، وإلا لا يمكن أن يصوت البرلمان على حكومة تتغاضى عن إجلاء الأميركيين بعدما صوت في وقت سابق على قرار يقضي بإخراجهم".

وشدد الركابي على أن "الموافقة الإيرانية والقوى العراقية القريبة منها على الكاظمي، كانت مشروطة بإخراج القوات من البلد. وعلى الصعيد الخارجي محاولة حلحلة الأزمة مع واشنطن، التي ربما هناك رغبة أميركية لحل الخلافات مع إيران، ولا سيما أن وقف إطلاق النار باليمن ربما يكون إشارة لبداية حلحلة هذه الأزمة".

وأكد المحلل السياسي أن "فرصة كبيرة أمام الإرادة السياسية في تمرير الحكومة، أما بالنسبة للفصائل المسلحة، فالأمر يختلف فلا يمتلك الكاظمي فرصا كثيرة في الموافقة على تشكيل حكومته".

من جهته، رأى فراس إلياس الباحث العراقي المختص في شؤون الأمن القومي والدراسات الإيرانية في تغريدة على "تويتر"، أن "إيران تتحرك اليوم عبر صوتين في العراق، الأول داعم لعملية التكليف (الكاظمي)، والآخر رافض له".

وأضاف الباحث في معهد واشنطن: "وبهذا هي (إيران) تريد امتطاء جوادين في آن واحد، لتحدث فارقا نوعيا تربك به حسابات أميركا في العراق، وفي حالة نجاح المكلف بضبط قواعد اللعبة السياسية بينهما، سينجح بالذهاب بعيدا في عملية تشكيل حكومته.

من الكاظمي؟

في أول تصريح له قال الكاظمي: إن الحكومة الجديدة ستلبي تطلعات العراقيين. وأضاف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية: "سأعمل على تشكيل حكومة تضم تطلعات العراقيين وفي مقدمتها أولوياتهم".

وأوضح الكاظمي: "مع تكليفي بمهمة رئاسة الحكومة أتعهد أمام شعبي الكريم بالعمل على تشكيل حكومة تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها وتصون سيادة الوطن وتحفظ الحقوق".

والمرشح لمنصب رئيس الحكومة الجديدة مصطفى عبداللطيف مشتت الغريباوي من مواليد بغداد، ويُلقب بالكاظمي بسبب سكنه في حي الكاظمية ببغداد وهو من مواليد 1967، وحاصل على البكالوريوس في القانون.

عمل رئيسا لتحرير مجلة "الأسبوعية" في مجال حل النزاعات وتوثيق انتهاكات النظام السابق، والتي تعود ملكيتها للرئيس الحالي برهم صالح، كما عمل مديرا تنفيذيا لمؤسسة "الذاكرة العراقية" وساهم في توثيق الشهادات وجمع الأفلام عن ضحايا نظام الرئيس الراحل صدام حسين وأدار مؤسسة "الحوار الإنساني" لحل الأزمات.

عمل أيضا الكاظمي كاتب عمود ومديرا لتحرير قسم العراق في موقع "المونيتور" الدولي، وعاش سنوات في المنفى، لكنه لم ينضم لأي حزب سياسي، رغم الحديث عن انتمائه إلى حزب "الدعوة الإسلامية" والذي كان سببا في مغادرته البلاد عام 1985، عن طريق كردستان العراق إلى إيران ثم ألمانيا ثم بريطانيا.