ليس كورونا وحده.. ما أسباب تراجع احتياطي مصر من النقد الأجنبي؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهدت احتياطات البنك المركزي المصري للنقد الأجنبي تراجعا ملحوظا عقب إعلانه عن استخدام 5.4 مليار دولار خلال مارس/آذار 2020 بسبب انتشار فيروس كورونا، في ظل الأوضاع الاقتصادية المضطربة عالميا.

وقال المركزي في بيان صحفي يوم 8 أبريل/نيسان 2020: إن الاحتياطات وجهت لتغطية احتياجات السوق المصري من النقد الأجنبي وتغطية تراجع استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية، وضمان استيراد سلع إستراتيجية، وسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة.

وأكد المركزي أنه رغم التغيير الذي حدث في شهر مارس/ آذار، إلا أن الاحتياطي البالغ نحو 40 مليار دولار قادر على تغطية واردات لمدة 8 أشهر.

وبلغ الدين الخارجي لمصر نحو 109.3 مليار دولار بنهاية سبتمبر/ أيلول 2019، وبلغ حجم الدين الخارجي طويل الأجل نحو 83.2 مليار بما يعادل نحو 76.1  بالمئة من المجموع الكلي للديون الخارجية.

في حين سجل الدين الخارجي متوسط الأجل نحو 15.1 مليار دولار، أو 13.8 بالمئة من إجمالي الدين الخارجي، فيما قُدر حجم الدين قصير الأجل نحو 11 مليار دولار أو ما يعادل نسبة 10.1 ٪.

وكان وزير المالية، محمد معيط، قال في تصريحات لقناة العربية، في 9 أبريل/نيسان 2020: إن حيازات المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية المصرية تتراجع من 28 إلى ما يتراوح بين 13 و14 مليار دولار جراء الصدمة الاقتصادية من فيروس كورونا.

طبيعة الأزمة

يرى الخبير الاقتصادي، عبدالحافظ الصاوي، أن حقيقة تراجع الاحتياطي الأجنبي ترجع بالأساس إلى خروج استثمارات الأجانب من الدين العام المحلي.

وأضاف في حديث مع "الاستقلال" أنه من المتوقع أن يحدث تراجع أكبر خلال الفترة القادمة نتيجة أن مصادر النقد الأجنبي أصيبت في مقتل بسبب أزمة كورونا بالإضافة إلى تعلقها بالأسباب الخارجية مثل السياحة التي توقفت مع إغلاق المجال الجوي المصري.

ومن ضمن العوامل التي دفعت إلى تراجع الاحتياطي، بحسب الصاوي، احتمالية تأثر حركة قناة السويس نتيجة توقعات منظمة التجارة العالمية بتراجع التجارة العالمية بنحو 34 بالمئة مقارنة بما كانت عليه في 2019.

وتابع: "قناة السويس يمر من خلالها نحو 12 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية وغالبية السفن التي تمر تتعلق بنشاط النفط، وكما نعلم أن النفط تراجعت أسعاره كما أن الطلب عليه يتقلص".

وبالتالي ستتأثر إيرادات قناة السويس، وكذلك تحويلات العاملين بالخارج والعوائد من الصادرات النفطية ويتوقع أن تتراجع إيرادات النقد الأجنبي لمصر بنسبة كبيرة خلال 2020 قد تصل لأكثر من 50 بالمئة مما كانت عليه، بحسب الصاوي.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومة المصرية تفتقد إلى الشفافية فيما يتعلق بالبيانات الاقتصادية.

ففي الفترة التي كان فيها الاحتياطي بمعدلات إيجابية، كانت البيانات تخرج في اليوم الأول من كل شهر، في حين أنه عندما جاءت النتيجة سلبية بخروج أكثر من 5 مليار دولار، "وجدنا أن البنك يعلن هذا البيان يوم 7 من الشهر الجاري (أبريل/نيسان 2020) وهذا يدل على أن الإدارة الاقتصادية تفتقد إلى الشفافية وهذا يضر أكثر مما ينفع".

الواردات السلعية

وتقول الحكومة: إن الاحتياطي الأجنبي البالغ 40 مليار دولار كاف لتغطية احتياجات مصر من الواردات نحو 8 شهور.

ويعلق الصاوي بأن "الأمر صحيح من حيث المعدل الحسابي وذلك إذا ما أخذنا في الاعتبار  البيان الصادر عن الواردات السلعية في مصر والتي جرى تقديرها بنحو 66 مليار دولار وهو ما يعني أن المتوسط الشهري 5.5 مليار دولار ولذلك بالفعل الاحتياطات الموجودة كافية لاحتياجات مصر من الواردات لمدة 8 أشهر".

واستدرك أن "هذا مطمئن في الأوضاع الطبيعية، لكن ونحن في ظل هذه الأزمة التي نعرف أن سيناريوهاتها مفتوحة وغير محدده بفترة زمنية معينة، فبلا شك أن باستمرارها قد يتراجع هذا المعدل وسيتوقف مدى تغطية الاحتياطي لأشهر الواردات على الأداء الاقتصادي لمصر خلال الفترة القادمة وعلى احتياطها الأجنبي كذلك".

واعتبر الصاوي أن مصر في حالة خطرة إذا تراجع الاحتياطي الأجنبي للبلاد إلى أقل من ثلاثة أشهر.

وقال: "للأسف الشديد، مصر تعتمد في كثير من اعتباراتها الاقتصادية على الخارج ويبدو هذا جليا في الواردات من الغذاء وبخاصة الحبوب، فضلا عن أن جزءا كبيرا من الصناعة يعتمد على الواردات الخارجية مثل خطوط الإنتاج وقطع الغيار ومستلزمات الإنتاج مما يعرض البلاد لخطورة انخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي لأقل من ثلاثة أشهر".

وأوضح الخبير الاقتصادي أن البنك المركزي اتخذ خطوات من شأنها المحافظة على الاحتياطي الأجنبي.

فعلى سبيل المثال، مع بداية الاتجاه للدولرة (نسبة إلى الدولار) في السوق المصري وظهور أو عودة السوق السوداء لسعر الصرف، تم إغلاق جميع شركات الصرافة حتى لا تكون منفذا للمضاربات بالأسعار.

وتوقع أن يغلق البنك المركزي الأبواب المتعلقة بالاستيراد الترفي وما هو غير ضروري في الفترة القادمة، فضلا عن سيطرته وإدارته لأي تدفق للنقد الأجنبي إلى داخل البلاد. وتابع: "قد توضع بعض القيود على خروج الأموال بالنقد الأجنبي إلى خارج البلاد خلال الفترة القادمة وبخاصة للمصريين".

وفي حال تطور الأمر فمن الممكن أن نعيش حالة مماثلة لما كان في فترات ما قبل 2017 و2018.

وقد يتحقق ذلك عبر فرض بعض القيود على خروج مستحقات الأجانب مثل شركات الاستثمار أو غيرها بحيث تخرج في إطار برامج زمنية وأن يتم طلب خروج الأموال حسب جداول معينة، وأن لا يكون التحويل في نفس التوقيت الذي يطلبه فيه صاحب التحويل سواء كان مستثمرا أو صاحب أموال، وفق تقدير الخبير الاقتصادي.

سداد الديون

من جانبه أرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية، مصطفى شاهين، أسباب تراجع الاحتياطي الأجنبي إلى تراجع عوائد السياحة والمصريين بالخارج وقناة السويس وخروج الأموال الساخنة وهروب رؤوس الأموال الأجنبية.

وأكد شاهين، في حديث مع "الاستقلال"، أن مصر يتوجب عليها دفع ديون بقيمة 18 مليار دولار سنويا، وبالتالي "في حال استمرت أزمة كورونا لفترة فمن المتوقع أن الربع الثاني من العام 2020، سيشهد مزيدا من التراجع في الاحتياطي الأجنبي".

وأضاف أستاذ الاقتصاد: "سيكون أمام الحكومة ثلاثة خيارات: أن تستمر في استنزاف الاحتياطي الأجنبي، أو تقدم على عمل قروض جديدة، أو ترفع سعر الدولار وفي هذه الأخيرة ستواجه أزمة في حال سداد الديون".

وأوضح شاهين: أنه "ليس هنالك قلق حول توافر تغطية للواردات لـ 8 أشهر وبخاصة أنها ستقل"، مشيرا إلى أن القلق يدور حول كيفية سداد الديون وأن خطر الاحتياطي الأجنبي يبدأ في حال وصوله إلى 17 مليار دولار.

 وأشار الأستاذ الأكاديمي، إلى أن أمر الاحتياطي ليس في يد البنك المركزي، وإنما في يد الجهاز الإنتاجي في الاقتصاد.

وقال: "في حال كان الجهاز الإنتاجي في الاقتصاد قوي من الممكن استدراك الأمر، لكن مصر لا تملك مثل هذا الجهاز، وبالتالي في حال استمرت الأزمة، فإن البنك المركزي سيكون عاجزا عن مواجهتها".