عبدالسلام ياسين.. شيخ مغربي نشر "العدل والإحسان" فسجن ووضع بالإقامة الجبرية

12

طباعة

مشاركة

يوحي جلبابه المغربي التقليدي وطاقية رأسه التي لا يظهر بدونها ولحيته وقد غزاها الشيب، بأنه رجل دين، هذه هي الصورة الأخيرة التي يتذكرها المغاربة لمؤسس جماعة "العدل والإحسان"، الشيخ عبدالسلام ياسين.

يتذكرون أيضا أنه ظل ثابتا على موقفه تجاه السلطة العليا في المغرب منذ 1989 وحتى وفاته في 13 ديسمبر/كانون الأول 2012.

هذا الثبات ورفض التنازل أو التراجع برز في أحد حوارات الشيخ قبل سنوات قليلة من وفاته، وهو يقول عن وضعه في إقامة جبرية بمنزله: "كانت منة من الله أن يتفرغ المرء للعبادة والذكر والقرآن والكتابة، فجل ما كتبت كان من بركة ذلك الحصار".

وعن أفضال تلك الفترة يقول مؤسس الجماعة الإسلامية الأبرز في المغرب: "صُمت بفضل الله كل تلك الفترة دون انقطاع، والتي دامت 10 سنوات".

ظلت الجماعة طيلة هذه الفترة قائمة، وقال عبدالسلام ياسين إنه كان يتواصل فيها مع أعضائها.

لم يسلم الشيخ من النقد على توجهه وأفكاره، ولم تسلم أصوله من ذلك، إذ هوجم من فئة قالت: إنه ينسب نفسه إلى أهل البيت في حين أنه أمازيغي، على هؤلاء رد الشيخ قائلا: "إدريس الأول جاء إلى المغرب فتزوج من امرأة أمازيغية، فأنا إدريسي - أمازيغي".  

"أستاذ لا شيخ"

في رسالة وجهها إلى ملك المغرب السابق، عرف الشيخ نفسه كالتالي: "أنا إدريسي ابن فلاح بربري، عاش كأغلب المغاربة في القلة والحرمان بعيدا عن السلطان، عمل أستاذا ومديرا ومفتشا وخبيرا في التربية والتعليم".

وتابع مرشد الجماعة: "ثم حصلت له يقظة قلبية أنهضته لطلب معرفة الله فشرع يبحث ويستقصي إلى أن تداركته عناية الله فالتقى شيخه الناصح سيدي الحاج العباس رحمه الله، فوُلد ولادته الثانية، واستيقظ من نومته ليقرأ القرآن والنبوة قراءة جديدة بقلب جديد، جعلته يكتشف المنهاج النبوي لتغيير الإنسان وبناء كيان الأمة المستخلفة، فيصيح في العالمين ولا يلتفت لمن صدق أو كذّب: من هنا الطريق. من هنا البداية".

أثر الشيخ على محاوره، في إحدى اللقاءات، وهو يطلب منه أن يخاطبه بـ"أستاذ" لا "شيخ"، فهي منزلة عظيمة.

ألّف عبدالسلام ياسين أعمالا عديدة وضعت الإطار الفكري والمرجعي لجماعة العدل والإحسان، منها: "الإسلام أو الطوفان"، و"المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا"، و"مقدمات في المنهاج"، و"الإسلام بين الدعوة والدولة"، و"الإسلام غدا"، و"نظرات في الفقه والتاريخ"، و"حوار مع صديق أمازيغي"، و"الإحسان" و"العدل: الإسلاميون والحكم".

المولد والنشأة

ولد المرشد العام لجماعة العدل والإحسان المغربية المحظورة في سبتمبر/أيلول 1928، وتلقى دروسه التعليمية الأولى في مدرسة أسسها الشيخ والعلامة المغربي محمد المختار السوسي، ثم تخرج بعد 4 سنوات من الدراسة ليلتحق عام 1947 بمدرسة تكوين المعلمين بالعاصمة الرباط.

عمل في سلك التعليم لمدة 20 سنة وتقلب بين عدد من المناصب والمسؤوليات التربوية والإدارية بوزارة التعليم، وعندما طلب من المحاور أن يناديه بـ"أستاذ"، قصد أنه كان رجل تعليم لا كونه ألف مراجعا لا تزال المنظر الأول لفكر الجماعة.

بدأ الشيخ ياسين بالسير في طريق الدعوة من الزاوية البودشيشية القادرية الصوفية، ثم اختلف مع شيخها، ليسير في طريق تأسيس الجماعة.

وفي عام 1974، أي قبل فرض الحصار عليه، أرسل ياسين رسالة إلى الملك السابق الحسن الثاني بعنوان "الإسلام أو الطوفان"، وإلى كبار الشخصيات والعلماء والسياسيين والمفكرين.

كانت تلك بداية الصراع مع الدولة، الأمر نفسه تكرر عندما تولى الملك الحالي محمد السادس الحكم عقب وفاة والده، عندما أرسل له الشيخ رسالة بعنوان "إلى من يهمه الأمر".

وفي قراءة للرسالة التي تكونت من 100 صفحة، قال دكتور الفلسفة والمنطق بكلية أصول الدين وحوار الحضارات، أحمد الفراك، في كتابه "قراءات في رسالة الإسلام أو الطوفان": "الرسالة توجت نضجا تربويا وفكريا وسياسيا عند الإمام رحمه الله، إذ جاءت بعد كتابين كبيرين هما (الإسلام بين الدعوة والدولة) و(الإسلام غدا)، وبعد تجاوز مرحلة الزاوية البودشيشية وبناء تصور شامل لتجديد الدين والإيمان".

عايش الإمام، بحسب الفراك، "فترة الاستعمار الفرنسي وخبَر الإدارة المغربية عن احتكاك وتجربة ومسؤولية، واطلع على دواليب الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعشش في إدارات السلطة".

وما زاد الرسالة قوة وتأثيرا أنها كُتبت في زمن ما يعرف في المغرب بـ"سنوات الرصاص"، بُعيد محاولتين انقلابيتين، الأولى في 10 يوليو/ تموز 1971، والثانية في 16 أغسطس/ آب 1972.

مضمون الرسالة

ويرى دكتور الفلسفة، أن الرسالة "جمعت بين القوة واللين في الخطاب، وبين الشجاعة والرفق في قول الحق، لا رهبة فيها ولا رغبة، بل هي نصيحة صريحة وتحذير صادق، تعلن المحبة لآل البيت والملك فرد منهم، وتعلن الجهر بالحق في وجه السلطان". 

وعن الرسالة الثانية، قال القيادي في الجماعة، عمر إحرشان: إنها "كانت وصفا شاملا لما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد، وأسباب ذلك، وكذا خارطة طريق لبعض المداخل الأساسية للإصلاح".

ورأى إحرشان، أنه "كان طبيعيا أن تكون لغتها غير عادية، وأسلوبها غير مألوف بسبب طبيعة كاتبها، والمكتوبة إليه كذلك، وبسبب الموضوع الذي تتطرق إليه".

وزاد موضحا: "فصاحبها هو الأستاذ عبدالسلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان، ورمز العمل الإسلامي في هذا البلد، وهو المشهور بصراحته وصرامته، والمعروف بمواقفه الواضحة من النظام السياسي القائم، والتي توضحها رسالتاه التي سبق أن بعث بهما إلى الملك الراحل الحسن الثاني (الإسلام أو الطوفان) في بداية السبعينات".

الرسالة الأولى حسب إحرشان "كلفته سنين من عمره قضاها في المعتقلات ومستشفى المجانين بدون محاكمة، وكذا رسالة (القرن الملكية في ميزان الإسلام) في بداية الثمانينيات، ودخل على إثرها، كذلك، إلى السجن ليقضي فيه سنتين".

أما المكتوبة إليه، يقول إحرشان: "فهو ملك البلاد، وهو آنذاك حديث عهد بالملك، ووارث تركة ثقيلة أبدى منذ توليه إرادة في التخلص منها وتجسد ذلك في مجموعة من مبادراته وخطاباته وإشاراته، وقد كان هذا النوع من الرسائل، على مر التاريخ، يكتسي أهمية لأنه موجه إلى ولي الأمر الذي بصلاحه تصلح الرعية وبفساده تفسد".

أما موضوعها فيرتبط بأوضاع المغرب حيث تضمنت تشخيصا للداء ووصفا للدواء، وهي بذلك تندرج ضمن الاجتهادات الأخرى التي تقترح مخرجا من "السكتة القلبية" التي تعيشها البلاد، ومحاولة لإغناء النقاش العمومي حول هذا الموضوع، بحسب القيادي.

الطريق إلى السجن

غادر ياسين السجن عام 1978 وعاد إلى الدروس في المسجد، لكن سرعان ما صدر الأمر بمنعه من التحدث إلى الناس. أصدر في فبراير/شباط 1979 العدد الأول من مجلة "الجماعة" لتخاطب الناس وتبلغهم أفكاره.

انتشرت المجلة ثم لاقت مضايقات وصودرت أعدادها، وقبل وقفها تماما كتب فيها مقالا تحت عنوان: "قول وفعل" رد فيه على ما ورد في رسالة ملكية نشرها الحسن الثاني بمناسبة حلول القرن الخامس عشر الهجري، وقد كان هذا المقال السبب في اعتقاله الثاني عام 1983.

خرج الشيخ ياسين من معتقله عام 1985 فوجد مجموعته قد توسعت تنظيميا وعدديا، ما مكنه عام 1987 من رفع شعار "العدل والإحسان" ثم إطلاق الاسم نفسه على الجماعة التي صار مرشدا لها، واعتبرتها السلطات جماعة غير شرعية، لكنها أصبحت ذات حضور واضح في المؤسسات التعليمية والثقافية ودور الشباب.

وعن الجماعة التي تعتبر الأكثر انضباطا والأوسع انتشارا، قال ياسين: "يظن الناس أن هناك رجلا يأمر وينهى وينظم، وهذا هراء، إذ هناك تنظيم هرمي في قاعدته أسر تربوية، ثم الشعبة ثم الجهة ثم الإقليم".

أقر الشيخ بحبه لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، وقال: إنها لها فضل كبير عليهم. وأوضح أن ما كان يزعج السلطة من "العدل والإحسان" هو انتشارها الواسع داخل المغرب وخارجه رغم التضييق.

ورغم فشل المحاولات الكثيرة لطمس فكر ياسين داخل السجن، فرضت الدولة عليه حصارا داخل منزله عام 1989.

وفي بدايات عام 1990 خرج ياسين لصلاة الجمعة وألقى كلمة في جموع المصلين من عموم الناس وأعضاء الجماعة معلنا فتح جبهة جديدة مع النظام، ليوضع تحت الإقامة الجبرية أكثر من 10 سنوات حتى 10 مايو/ أيار 2000، وظل بعدها حتى توفي في 13 ديسمبر/كانون الأول 2012 عن عمر يناهز 84 عاما.