هدنة هشة ووباء قاتل.. ما مقومات ليبيا للصمود أمام الأخطار المتصاعدة؟

طرابلس - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل تسجيل أي إصابة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا، جنحت الأطراف الليبية المتنازعة أخيرا للسلام، عبر التوافق على هدنة إنسانية مؤقتة، عجزت عن فرضها أكثر من ٧ قمم دولية وإقليمية.

ودخلت الهدنة التي شهدت بعض الخروقات، حيز التنفيذ في 22 مارس/آذار 2020، وكان الهدف الأساسي منها هو إتاحة الفرصة لاتخاذ إجراءات وقائية ضد الفيروس الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بـ "عدو البشرية الأول".

وكانت الأنباء القادمة عن عدد الإصابات والوفيات من دول الجوار تنذر بخطر داهم خاصة مع تأكيد انتشار الفيروس في كل الدول الحدودية وهي مصر والسودان شرقا والنيجر والتشاد جنوبا وتونس والجزائر غربا والبؤرة الكبرى للوباء إيطاليا شمالا.

وبالفعل، داهم كورونا ليبيا المحاطة تماما بدول تحوي الوباء، حيث أعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض (حكومي) في ٢٥ مارس/آذار ٢٠٢٠، تسجيل أول حالة مصابة بفيروس "كوفيد-19"، بعد فحصها من قبل المختبر المرجعي لصحة المجتمع بالمركز الوطني. 

خطوات استباقيّة 

وقبل الإعلان عن الإصابة، سارعت السلطات في غرب وشرق ليبيا إلى اتخاذ إجراءات وقائيّة، حيث أعلنت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس يوم 1 مارس/آذار حالة الطوارئ وأغلقت جميع الموانئ الجوية والبحرية.

وقال رئيس الوزراء فايز السراج المعترف به دوليا: إن الحكومة خصصت 500 مليون دينار ليبي (360.54 مليون دولار) لمكافحة المرض إذا وصل إلى ليبيا.

أما شرقا فقد أعلن إبراهيم بوشناف وزير داخلية الحكومة الموازية والموالية للجنرال المتقاعد خليفة حفتر حظر التجول في المناطق الخاضعة تحت سيطرتهم حظرا تاما من الساعة السادسة مساء وحتى الساعة السادسة صباحا.

كما أعلن وزير الصحة في ذات الحكومة غير المعترف بها سعد عقوب عن إطلاق حملة تعقيم واسعة تشمل كل البلديات كإجراءات استباقية، داعيا بدوره كل الجهات ذات العلاقة بالقطاع البيئي إلى وضع خطتها للعمل على إطلاق حملات تعقيم واسعة في الشوارع والمدن.

الصحفي ياسين خطّاب اعتبر أنه "رغم كل الإجراءات المتخذة فإن الخطر يكمن في عدم انضباط الرقابة على الحدود الليبية خاصة أن البلاد تتميز برقعة جغرافية واسعة وهو ما يصعب مهمة مراقبة الوافدين من دول الجوار".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن الحل الأساسي بيد الشعب الذي عليه أن يعي خطورة هذا الوباء وأن يكون على مستوى المسؤولية الاجتماعية والتي تفوق كل إجراءات الدولة لمقاومة الفيروس.

المنظومة الصحية

ولفت إلى أن "الوعي في هذه المرحلة بالذات يجب أن يكون حاضرا وبقوة لا سيما مع تدهور حالة المنظومة الصحية بسبب الحرب التي تشهدها البلاد منذ سنوات"، على حد تعبيره.

ومنذ سقوط نظام القذافي سنة 2011، غرقت ليبيا في دوامة الفوضى، وشهدت فرار المئات من الأطباء والممرضين بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، كما دفعت الأزمة العاملين في القطاع الصحي من الأجانب والذين يمثلون أكثر من 20% (معظمهم من الفليبيين) إلى مغادرة البلاد.

ووفقا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، فإن 17.5% من المستشفيات و20% من مرافق الرعاية الصحية الأولية و18 مستشفى متخصصا تعرضت للتدمير الجزئي أو التام.

كما أبلغت المنظمة في عامي 2018-2019 عمّا يزيد عن 41 هجوما استهدف العاملين في مجال الصحة والمرافق الصحية، وفق ما وثقته ونشرته على موقعها الإلكتروني في فبراير/شباط 2019.

كما سبق للمنظمة أن نشرت دراسة سنة 2018 ذكرت فيها أن مستشفيات ليبيا البالغ عددها 98 مستشفى و1600 مركز صحي تكافح من أجل توفير الرعاية الكافية لسكان البلاد البالغ عددهم حوالي 6 ملايين نسمة.

وأفادت بأن ليبيا تشهد انهيارا كبيرا في النظام الصحي، مع وجود أربعة فقط من أصل 98 مستشفى تعمل بنسبة 75% من طاقتها، في حين تعمل 25 مستشفى أخرى بربع طاقتها.

وبالرغم من إقرارها بسوء الأوضاع الطبية هناك، أعربت ممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا إليزابيث هوف، عن شكرها للجهود التي يبذلها "المركز الوطني لمكافحة الأمراض"، لمكافحة فيروس كورونا ومنع وصوله إلى البلاد، بقولها: "إن جهود المركز تستحق الثناء لكنه يواجه صعوبات هائلة" بحسب ما نقلته وكالة رويترز.

تصريح هوف في ١٢ مارس، آذار، بعث لليبيين برسالة مزدوجة، حيث أثنت على المجهودات المبذولة لمقاومة كورونا، بينما لم تغفل عن التطرق للأوضاع المعيشية التي وصفتها بالبائسة وقابلية الأشخاص للمرض، بسبب سوء التغذية التي تجعلهم عرضة للخطر من الوباء على نحو خاص.

الحدود والهدنة

ووسط ذلك كله، جاء إغلاق تونس حدودها البرية في ١٦ مارس/آذار 2020 كنبأ غير سار لليبيين الذين تعودوا على ارتياد مشافي ومصحات الجارة، فبحسب بيانات رسمية لغرفة المصحات الخاصة التونسية فإن نحو 380 ألف مريض أجنبي يعالجون سنويا في تونس، منهم 320 ألف مريض ليبي.

نزار كريكش مدير مركز البيان للدراسات رأى أن غلق الحدود مع تونس سيعطل مصالح الكثير من المرضى الذين تعودوا على العلاج في الخارج وهو ما يشكل ارتباكا كبيرا لهم بكل تأكيد، لكن النظام الصحي الأولي في ليبيا قادر على التعامل مع كورونا لو حُلّت مشكلة المواصلات والتدريب المستمر للكوادر الصحية.

وأضاف لـ"الاستقلال" بأن إجراءات مقاومة فيروس كورونا تبدو متماسكة، فـ"النظام الأولي للرعاية الصحية في ليبيا قد يكون أقوى حتى من أنظمة مصر وتونس وكثير من الدول العربية" على حد تعبيره، متوقّعا نجاح الدولة في التعامل مع الوباء. 

وبينما تتخوف أطراف محلية ودولية من قدرة ليبيا على مواجهة كورونا، خرقت قوات حفتر الهدنة بعد ساعات قليلة فقط من الإعلان عنها. وقصفت تلك المليشيات منطقة باب بن غشير في العاصمة طرابلس، مما أدى إلى إصابة طفلين بحسب ما أفاد به المتحدث باسم قوات الوفاق، محمد قنونو.

ولم يتوقف الخرق عند هذا الهجوم، بل تلاه آخر في نفس اليوم استهدف محور عين زارة جنوبي العاصمة، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للتصريح في ندوة صحفية مغلقة في 24 مارس/آذار ٢٠٢٠، قائلا: "إن الوضع لا يسير على ما يرام في ليبيا رغم الهدنة التي أعلنت مؤخرا هناك".

الصحفي ياسين خطّاب يرى أنه رغم تجاوزات حفتر المعتادة فإن الهدنة الأخيرة تتميز بجدية أكبر خاصة مع حرص المجتمع الدولي على تطبيقها وتأكيد كل الأطراف الليبية على ذلك بمن فيهم حفتر نفسه، نظرا لحساسية الظرف الذي تمر به ليبيا والعالم ككل.

أما كريكش فقد اعتبر أن استمرار القتال بات مستهجنا من شريحة واسعة من الليبيين خاصة مع تعطل الكثير من الأعمال والمشاريع في البلاد. ولعل هذا ما دفع حفتر لمحاولة الظهور بصورة المنقذ بإعلانه عن وقف إطلاق النار لأهداف إنسانية رغم استمرار مليشياته بالقصف على طرابلس.