عبير موسي تخالف نهج ملهمها.. هكذا كانت علاقة بورقيبة بالإخوان

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دأبت عبير موسي رئيسة "الحزب الدستوري الحر" في تونس، على وسم حركة النهضة بـ"الإرهاب"، مدعية أنها وحزبها استمرار للحزب الدستوري الذي كان يقوده الراحل الحبيب بورقيبة، وهو ما يدفعها لمعاداة الإخوان المسلمين في إشارة لحركة النهضة، إلا أن تاريخ بورقيبة المليء بالعلاقات الوطيدة مع جماعة الإخوان في مصر يكذب ادعاءات موسي وزيف أقوالها.

في جلسة مجلس نواب الشعب (البرلمان) 10 مارس/ آذار 2020 عقب حادث السفارة الأميركية بالعاصمة تونس، رفعت موسي صورة تجمع رئيس البرلمان راشد الغنوشي بالمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر محمد بديع، المعتقل منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

موسي كانت تدلل بالصورة على إدانة رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة باعتبار الحركة امتدادا للجماعة، وتأكيدا على وصفها بأن "النهضة" تابعة لتنظيم الإخوان في مصر، ورئيسهم (الغنوشي) هو "شيخ الإخوان" كما تصر موسي على وصفه دائما.

الرد على عبير موسي، آخر أمين عام مساعد في حزب الديكتاتور الراحل زين العابدين بن علي، جاء من أحد ناشطي مواقع التواصل الذي عرض صورة تجمع بين الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة أستاذ عبير موسي وملهمها التاريخي، مع مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، تعود لأربعينيات القرن الماضي، وهو ما دفع الكثيرين للبحث في العلاقات التي جمعت بين بورقيبة وحزبه من جهة، وجماعة الإخوان في مختلف مراحلها من جهة أخرى.

بفعل فاعل!

في 10 مارس/آذار 2020 واصلت رئيسة كتلة الحزب الدستوري عبير موسي هجومها المتواصل على حركة النهضة وجماعة الإخوان في تونس بالقول تحت قبة البرلمان: "الإرهاب دخل إلى تونس بفعل فاعل وعبر القانون أيام حكم الترويكا".

ودللت موسي على كلامها بالمرسوم رقم 1 لسنة 2011 المتعلق بالعفو العام والذي قالت: إنه "منح العفو لكل من اعتدى على أمن الدولة الداخلي أو من تعلقت به جرائم تتعلق بخرق القانون المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب، والنتيجة كانت أن من سبق له أن حمل السلاح ضد الدولة أعاد الكرة".

وأضافت: أن "وزارة الداخلية والأجهزة الاستخباراتية التي استثمرت فيها الدولة شهدت سنة 2011 تهميشا وتدجينا ممنهجين، من خلال إبعاد الكفاءات وإقالتها لفسح المجال للإرهابيين".

وزعمت أن "مقاطع فيديو مصورة للإرهابيين تؤكد أن الخيمات الدعوية التي أقيمت في تونس كانت تحت رعاية حكومتي العريض والجبالي ولفتت إلى حضور الرئيس السابق لاتحاد العلماء المسلمين يوسف القرضاوي خلال نفس الفترة بقصر الرياضة بالمنزه"، مشيرة إلى أنه (القرضاوي) مصنف بشخصية إرهابية من قبل عدد من الدول وأنه أفتى بسفك الدم العربي وتفجير النفس.

موسي استغربت أن يصف الغنوشي، القرضاوي بـ"العلامة" وأنهم "ينهلون من رحيق فكره"، كما استغربت ممن يستنكرون تسمية حركة النهضة بالإخوان عارضة صورة لزعيم هذه الحركة راشد الغنوشي وهو في مكتب مرشد الإخوان بمصر "يبوس ويعنق" على حد تعبيرها.

موسي كشفت أنها سبق أن طالبت بحل فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين "الذي يتلقى التمويلات وينشط في تونس"، وأنها راسلت رئاسة الحكومة في ذلك، ولم تتم الاستجابة لطلبها.

وخلصت موسي إلى القول: "على مسؤوليتي، الدولة التونسية هي التي ترعى الإرهاب"، مشيرة إلى رفض البرلمان وكذلك رئاسة الجمهورية رغم مراسلتها ومطالبتها التنديد بما حدث في الآونة الأخيرة بالبرلمان من تكفير.

بورقيبة والإخوان

تداول ناشطون عبر "تويتر" صورة نادرة للراحل بورقيبة مع حسن البنا، في مقر الجماعة بمنطقة الحلمية وسط العاصمة المصرية القاهرة.

ووفقا للصورة المتداولة ظهر بورقيبة متوسطا المجاهد المغربي عبدالكريم الخطابي الذي قاد الثورة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي، ومؤسس جماعة الإخوان حسن البنا. 

وتبرز مراجع تاريخية ومقالات من عدد من الصحف الصادرة في تلك الفترة عن حجم العلاقات التي كانت تربط بين الحزب الدستوري الحر في تونس، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

المراجع تؤكد إعجاب بورقيبة، وقادة الحزب الدستوري الجديد، بقدرة الإخوان على جعل الفكرة الإسلامية منسجمة مع النضال الوطني.

وفي إطار الصراع بين بورقيبة والزيتونيين، نشرت جريدة "لواء الحرية" لسان الحزب الدستوري الجديد في سبتمبر/أيلول 1951 مقالا لسيد قطب بعنوان "الإسلام يكافح" اعتبرته ردا على "علماء السوء والدجالين والمنافقين والخائفين"، في إشارة إلى مشايخ الزيتونة وخاصة الطاهر بن عاشور، "الذين أغفلوا عن مرامي الإسلام وفلسفته الاجتماعية وتواطئه مع المستعمر".

 وقدمت الصحيفة للكاتب سيد قطب ووصفته بأنّه "علم من أعلام العروبة في الأدب وعلم من أعلام الإسلام في الدفاع على الإسلام وتطهيره من أدران الدجالين والمنافقين".

"زعيم الشباب"

ِكما نشرت جريدة لواء الحرية، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1951، كلمة ألقاها "زعيم الشباب" علي البلهوان بمقر جمعية الإخوان المسلمين في القاهرة، وجاء فيها: "لقد آمن غيرنا بقوة فرنسا وهولندا وإنجلترا وأميركا، وآمنا نحن بالله. فيا أيها الإخوان، نحن على أبواب جهاد عنيف شديد، فهيا معنا لنطرد الأجنبي الكافر من كل شبر من الأرض الإسلامية المقدسة".

في العام 1948، وفي رحلته إلى المشرق للتعريف بالقضية التونسية ،وعرضها على جامعة الدول العربية، أقام الحبيب بورقيبة في القاهرة بدار الإخوان المسلمين في منطقة الحلمية.

وكتب القيادي الإخواني المصري أحمد حسن الباقوري قائلا: "كان في دار الإخوان بالحلمية على يمين الداخل جناح صغير أذكر أنه قد نزل فيه لفترة طويلة من الزمن الأستاذ المجاهد الحبيب بورقيبة رئيس الجمهورية التونسية الشقيقة".

وروى توفيق الشاوي أحد قادة الرعيل الأول من الإخوان المسلمين في كتابه "مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي"، أنه كلف من قبل الحبيب بورقيبة المقيم بالقاهرة ومن جلولي فارس المقيم بفرنسا، في صائفة نفس العام بنقل رسائل شفوية ومكتوبة إلى قادة الحزب الدستوري، وبالفعل وصل الشاوي في رحلة بحرية إلى تونس والتقى قادة الحزب في تونس الطاهر قيقة والطيب السحباني والمنجي سليم، كما التقى أيضا الباهي الأدغم.

بعد الاستقلال  

مباشرة بعد استقلال تونس في 20 مارس /آذار 1957، ووصول الحبيب بورقيبة إلى كرسي الرئاسة بعد الإطاحة بالنظام الملكي في تونس في 25 يوليو/تموز 1957، تطور الخلاف بين بورقيبة والأمين العام للحزب الدستوري الحر صالح بن يوسف الذي لجأ لمصر.

الوضع الجديد أثر على العلاقة بين بورقيبة والرئيس المصري جمال عبد الناصر، خاصة بعد إطلاق ابن يوسف حركة معارضة مسلحة ضد النظام التونسي.

بورقيبة اتهم عبد الناصر بدعم الحركة اليوسفية، ومحاولة اغتياله عام 1958 من قِبل المخابرات المصرية. وفي عام 1965، ازدادت العلاقات توترا عقب خطاب بورقيبة الشهير في مدينة أريحا الفلسطينية، ودعوته إلى القبول بقرار تقسيم فلسطين الصادر عام 1948.

خطاب بورقيبة اعتبره النظام المصري خروجا عن الصف العربي ولاءاته الثلاث التي أعلنها عبد الناصر في قمة السودان "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض".

في الوقت نفسه، كان النظام المصري يخوض صراعا مع جماعة الإخوان المسلمين، منذ العام 1954، وبلغ أوجه باعتقال القيادي والمنظر الإسلامي، سيد قطب، وإعدامه في 29 أغسطس/آب 1966.

حينها شنت الصحف التونسية وخطباء المنابر هجوما على النظام المصري وعلى عبد الناصر شخصيا بسبب هذه الحادثة، وأعلن الحزب الاشتراكي الدستوري (الحاكم في تونس)، التضامن مع الإخوان المسلمين خلال محاكمتهم.

إعدام قطب

كان إعدام قطب موضوع رسالة تنديد من الاتحاد القومي النسائي التونسي برئاسة راضية الحداد. ورسالة وجهها مفتي تونس الفاضل بن عاشور إلى جمال عبد الناصر.

ولم يتحرج ابن عاشور أن يتحدث في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء إثر تنفيذ حكم الإعدام في قطب، عن علاقته الشخصية بالرجل قائلا: "كان رجلا سامي القيمة، متعدد نواحي العظمة، فهو زيادة على كونه مجاهدا كاملا في قضية الإسلام، كان إلى جانب ذلك شاعرا وكاتبا خياليا وقصصيا وناقدا أدبيا وحكيما إسلاميا وباحثا في الثقافة والاجتماع، وإني أعتد بالفقيد سيد قطب صديقا تربطني به صلات شخصية، زيادة على الاعتداد به مفكرا من مفكري الإسلام".

كما نقلت جريدة العمل، لسان الحزب الاشتراكي الدستوري، يوم 24 أغسطس/آب 1966، برقية من الاتحاد القومي النسائي التونسي، برئاسة راضية الحداد، إلى عبد الناصر، استنكر فيه بشدة أساليب القمع والإرهاب المسلطة على الإخوان المسلمين نساء ورجالا في مصر.

واعتبر الاتحاد أن "الحكم بالإعدام على سيد قطب ضربة موجعة ضد حرية الفكر والإصلاح في العالم العربي والإسلامي. وأضاف الاتحاد: أن "مثل هذه المواقف التعسفية ضد حركة غايتها العمل على توحيد المسلمين، لا تخدم الإسلام في شيء ولا تمكنه من أن يكون دين التقدم والأخوة البشرية".

كما منح بورقيبة القيادي الإخواني البارز يوسف ندا جواز سفر وجنسية تونسية في الستينيات، وذلك بعد مغادرته مصر، حيث اعتٌقل يوسف ندا مع كثير من الإخوان بعد اتهامهم بحادث المنشية بالإسكندرية في أكتوبر/تشرين الأول 1954، وقضى ما يقرب من عامين في السجن وأُفرج عنه مع كثير من الإخوان في عام 1956.

بعد خروج ندا من السجن كان التضييق الشديد من قبل سلطات الأمن عليه، فقد كان مراقبا دائما ما أدى لتدهور أعماله وتجارته فدفعه ذلك للهجرة من مصر إلى ليبيا في أغسطس/آب عام 1960، ومنها إلى النمسا حيث بدأ نشاطه التجاري يتوسع بين البلدين، حتى لُقِّب نهاية الستينيات بأنه (ملك الأسمنت) في منطقة البحر المتوسط.