سندات خضراء في مصر.. ما الجدوى الاقتصادية وأسباب اللجوء إليها؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تدفع مصر نفسها نحو مزيد من الديون من خلال سعيها لطرح أول إصدار حكومي سيادي لـ"السندات الخضراء" في السوق العالمية، لتصبح أول دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصدر هذا النوع من السندات، وتضيف هذا النوع إلى أدوات الدين المختلفة للحكومة المصرية للوصول إلى دائنين جدد.

وأكد وزير المالية المصري، محمد معيط، أنه جرى اختيار أربعة بنوك استثمارية دولية وهي Deutsche Bank، Citi bank، HSBC، Credit Agricole، من بين 17 عرضا لأكبر البنوك الدولية و الاستثمارية التي تقدمت للمناقصة العالمية، لتبدأ بالترويج لإصدار السندات الخضراء.

وتستهدف السندات الخضراء تمويل المشروعات المتعلقة بالمناخ أو البيئة مثل مشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة والإدارة المستدامة للنفايات والمياه، والاستخدام المستدام للأراضي، والنقل النظيف، والتكيف مع تغير المناخ والمدن الجديدة.

وتتسع قيمة السندات الخضراء التي صدرت لأول مرة في عام 2007 على مستوى العالم لتبلغ خلال عام 2019 نحو 258 مليار دولار، ومن المتوقع أن تبلغ خلال عام 2020 نحو 350 مليار دولار. ووفقا لإحصاءات نشرها البنك الدولي تصدرت أمريكا ومن ثم الصين وفرنسا الدول الأكثر إصدارا لتلك السندات خلال 2018.

الدين والطاقة

إلا أن تلك السندات ستضيف مزيدا من الأعباء على مصر التي ترتفع ديونها بشكل مستمر، حيث بلغ حجم الدين الخارجي في نهاية سبتمبر/ أيلول 2019 نحو 109.4 مليار دولار، وبلغ الدين المحلي نحو 4.186 تريليون جنيه (266 مليار دولار)، في الوقت الذي تلتهم فيه خدمة الدين (الأقساط + الفوائد) 85 بالمائة للعام المالي (2019/ 2020).

وتعاني مصر من أزمة كبيرة في الطاقة، حيث توجد فجوة كبيرة بين الإنتاج والاحتياج. فعلى سبيل المثال، يرتكز توليد الكهرباء في مصر بشدة على الوقود الأحفوري التقليدي عالي الكربون (90 بالمائة) من غاز ومازوت وسولار.

ورغم أن مصر مـن البلاد الغنية فـي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تقل نسبة إنتاج الكهرباء فيها مـن المصادر المتجددة عن 9 بالمائة (حوالي 8 بالمائة مـن المـاء والرياح أقـل مـن 1 بالمائة والشمس حوالي 0.1 بالمائة).

وبدلا من مواجهة نقص الوقود التقليدي، بالتوسع في استخدام طاقات الشمس والرياح المتجددة، اتجهت الحكومة لزيادة استيراد الفحم واسـتخدامه فـي توليـد الكهربـاء، رغـم العبء البيئي والاجتماعي للفحم.

وأثبتت الدراسات مسـؤولية الفحم حتى فـي الدول التـي تعتمد أفضل المعايير البيئية، عن مرض ووفاة عشرات الآلاف سنويا. وقدرت دراسة أجرتهـا وزارة البيئة المصرية ثمـن هـذا العبء مــن استخدام الفحم في الأسمنت فقط بحوالي 2.8- 3.5 مليار دولار سنويا.

وتحتل مصادر الطاقة الأحفورية مثل البترول والغاز الطبيعي أهميـة خاصة فـي الاقتصاد السياسي المصري، إذ أن صادرات البترول والغاز الطبيعي طالما مثلت نحو ٥٠ بالمائة مـن إجمالي الصادرات المصرية فـي الفترة بيـن ١٩٨٠ و٢٠١٢ طبقا لتقديرات منظمة التجارة العالمية.

وهذا يعني أن موقع مصر في تقسيم العمل العالمي يمر حتما بإنتاج وتصدير الطاقة الخام، وهذا دون احتساب الصادرات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل السيراميك والأسمنت والحديد والصلب والبتروكيماويات.

ويضاف إلى هذا أن قطاع التنقيب عن البترول والغاز واستخراجهما هــو أكبر قطاع جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر، وقد حظي قطاع الطاقة بنحو ثلثي إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ التسعينيات.

جدوى السندات

يرى الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، أن تأثير السندات الخضراء على الاستثمار في مصر سيكون محدودا لأنها ما زالت تعتمد على الوقود والغاز الطبيعي والنفط بشكل كبير جدا يصل لأكثر من 95 بالمئة، مضيفا إلى أن نسبة الاعتماد على الطاقة البديلة تتراوح بين 1 أو 1.5 بالمائة من احتياجات مصر من الطاقة.

وأشار الصاوي، في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن الاستثمار في الطاقة البديلة يتوقف على أمور أخرى تتعلق بالبحث العلمي من قبل مصر في هذا المجال، إلا إذا كانت الأموال التي سيتم الحصول عليها من خلال السندات الخضراء ستوجه لإنشاء مصنع الألواح الخاصة بالطاقة الشمسية الذي أعلن الجيش عن نيته العمل فيه.

وأضاف أن مصر شبه متورطة في استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل على مدار العشر سنوات القادمة، في الوقت الذي انخفض فيه الطلب على النفط، مما دفع القاهرة اضطرارا إلى تقليل حجم الإنتاج الخاص بها من حقول الغاز المكتشفة في الأراضي المصرية وبخاصة حقل ظهر في شرق المتوسط.

وأكد الصاوي، أن السندات الخضراء هي ليست أكثر من محاولة لتلميع وجه مصر في سوق السندات الدولية أو مغازلة الإعلام الأجنبي ليس أكثر ولا أقل، وبخاصة أن قضية الدين العام في البلاد أصبحت من القضايا التي خرجت عن السيطرة.

وقال: "مصر تعمل الآن فيما يسمى بتدوير الديون، حيث تقترض في كل عام حوالي 8 إلى 12 مليار دولار لسداد جزء من هذه الديون، ولا يتم استثمار تلك الديون بشكل كبير في قضايا التنمية".

والدليل على ذلك وفق المتحدث أن "الدولة ما زالت تعتمد على الخارج بنسبة كبيرة وهناك زيادة مضطردة في فاتورة الواردات التي بلغت في عام 2018/2019 نحو 66.5 مليار دولار بعد أن كانت 59 مليار دولار منذ 3 سنوات".

فيما يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، أن الاهتمام بالاقتصاد الأخضر أو البيئي ليس من أولويات الحكومة المصرية التي تواجه مشاكل كبيرة، "وفي حال أنها اقترضت، فلن توجه أبدا هذا الاقتراض لمستهدفات السندات الخضراء".

ضبابية اقتصادية

وأوضح شاهين، في حديثة لـ"الاستقلال" أن مشكلة البيئة في مصر ليست في الاقتراض وإنما في تفعيل أطر القانون وتنفيذها على أرض الواقع.

فعلى سبيل المثال، مشكلة النفايات في مصر ليست في الاقتراض، حيث أنه ليس لديها عجز في العمالة أو المعدات المعنية بالنظافة ولكن المشكلة الرئيسية في الناحية القانونية، فلا يوجد أطر قانونية تستطيع أن تجبر المخالفين على الالتزام بالإضافة إلى عدم وجود هيكل رقابي للإشراف.

وأضاف شاهين: أن "مصر في ظل ما تشهده من ضبابية حول وضع السد العالي، ربما تسعى لتوفير طاقة بديلة أو  متجددة بجانب السد. في كلتا الحالتين، القاهرة ستكون بحاجة إلى الاقتراض إلا أن الدولة تسخر مقدرتها في سداد الديون، بالإضافة إلى أن الاقتراض من الخارج يزيد من الأعباء في دولة تشهد تضخم المديونية من عام لآخر".

ويرى الصاوي، أن المستثمرين في السوق الدولية لا ينظرون إلى مسألة الاستثمار في السندات الخضراء أو في غيرها ولكن المحدد الرئيسي للاستثمار في أي سندات في السوق الدولية هو الوضع الائتماني للدولة وسعر الفائدة وفترة سداد قيمة السندات نفسها، فهي ليست سوق معنية بالأخلاق أو ما إلى ذلك.

وأردف: أن "الأمر لا يتوقف على نوع السندات والمجال الذي ستستخدم فيه بقدر مدى التزام مصر والضمانات المطروحة لسداد هذا القرض وسعر الفائدة المطروح".

وأوضح الصاوي أن وجود بنوك عالمية في مسألة السندات سواء كانت خضراء أو غيرها ليس ضامن لتحقيق مستهدفات السندات الخضراء، حيث أن دور البنوك يقتصر على الترويج لتلك السندات في السوق الدولية والحصول على سعر فائدة أقل.

وتابع: أنه "كلما استطاعت تلك البنوك تسويق السندات في فترة قصيرة وبمعدل سعر فائدة أقل كلما حصلت على عمولة أكثر، فهو عمل تجاري بحت بالنسبة لتلك البنوك ولا يتعلق بالسندات الخضراء أو بالهدف منها أو الدولة المصدرة لها بقدر ارتباطها بالوضع الائتماني لهذه الدولة".