مارتن لوثر.. مؤسس نظرية "اللا عنف" ومحارب العنصرية في أمريكا

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الخامس عشر من يناير/كانون الثاني عام 1929، كانت الولايات المتحدة الأمريكية على موعد مع ميلاد واحد من أهم الشخصيات التي لعبت أدوارا اجتماعية وسياسية وثقافية داخل المجتمع الأمريكي، وكان سببا في تغيير العديد من السياسات القمعية والعنصرية حول العالم.

رغم مرور 91 عاما على رحيل قائد حركة مقاومة العنصرية "مارتن لوثر كينغ جونيور"، صاحب نظرية "تغيير بلا عنف"، إلا أن الاحتفال بذكرى مولده يظل حاضرا داخل المجتمع الأمريكي، والدولي، حيث يعد الرجل أول من ناهض العنصرية في العصر الحديث.

ولذلك ليس غريبا أن يتم استغلال ذكرى مولده، ووفاته في الحصول على مكاسب سياسية لدى المسؤولين الأمريكيين مع اقتراب موعد أي استحقاق انتخابي، كما جرى خلال الأيام الماضية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ومع الاحتفال بذكرى مولده الواحد والتسعين، تبدو العديد من التساؤلات مقبولة في ظل الأحداث والمتغيرات التي يشهدها العالم، وخاصة تلك المرتبطة بسياسة "تغيير بلا عنف"، وهل ما زالت الفكرة قابلة للتطبيق في المجتمعات التي تشهد ثورات شعبية وأخرى مضادة لها، كما هو حال العديد من دول الوطن العربي؟

ويتساءل البعض: لماذا كان التكوين الديني لـ "كينغ الابن"، عاملا مؤثرا في انتشار فكرته ونجاح سياسته، والتي كانت سببا لأن يصل لكرسي الحكم بالولايات المتحدة أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية، والمقصود هنا بالطبع باراك حسين أوباما، الذي حكم البيت الأبيض في الفترة من 2009 وحتى 2017.

القسيس المصلح

37 عاما، عاشها فقط مارتن لوثر كينغ، الذي ولد في 15 من يناير/ كانون الثاني عام 1929، وتوفي في 4 إبريل/ نيسان 1968، وحسب سيرته الذاتية الموجودة على موقع "جائزة نوبل الدولية"، فإن الشاب الأربعيني نشأ في أسرة متدينة، وكان جده الأكبر قسيسا بارزا في كنيسة إبنيزر المعمدانية بولاية أتلانتا.

وقد حرص والد مارتن أن يستمر في نفس عمل الأسرة الديني، ولذلك اهتم بتربيته الدينية، والتي كان لها تأثير بعد ذلك في دعوته لإلغاء العنصرية ضد المواطنين الأمريكان السود، أو بالأحرى من ذات الأصول الإفريقية.

وبالفعل خدم مارتن في الكنيسة، وغير اسمه الأول من مايكل، للاسم الذي اشتهر به بعد ذلك وهو مارتن، ومنذ التحاقه بالكنيسة عام 1960، وحتى وفاته بعد 8 سنوات، ظل مراتن محتفظا بوضعيته الدينية، وعمل في الكنيسة كقسيس مشارك، وليس متفرغ.

أما من حيث النشأة التعليمية، فقد التحق مثل غيره من أقرانه في هذه الفترة، بأحد المدارس العامة المخصصة للسود في ولاية جورجيا، والتي أنهى فيها المرحلة الثانوية وعمره لم يكن يتجاوز 15 عاما، ليلتحق بعدها بكلية مورهاوس المتخصصة في علم اللاهوت وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1948، في عمر لم يتجاوز 19 عاما.

كما درس علم اللاهوت بمعهد معهد كروزر اللاهوتي في ولاية بنسلفانيا. وفي عام 1947 تم تعيينه مساعدا في كنيسة أبيه، وصار قسا معمدانيا، ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوسطن عام 1955.

الثائر الأسود

حسب موسوعة ويكيبيديا، فإن عام 1954 كان يمثل العلامة الفارقة في حياة الثائر الأسود، حيث أصبح "كينغ" راعي الكنيسة المعمدانية "ديكستر أفنيو" في مونتغمري بولاية ألاباما، وهو ما كان سببا في وجود دافع قوي لتبنيه الحقوق المدنية لأعضاء من عرقه.

وكان في ذلك الوقت عضوا في اللجنة التنفيذية للرابطة الوطنية لتقدم الأشخاص الملونين، وهي المنظمة الرائدة من نوعها في البلاد، كما كان على استعداد، في وقت مبكر من ديسمبر/ كانون الأول عام 1955، لقبول قيادة أول مظاهرة كبيرة ترفع شعار "تغيير بدون".

وهي المظاهرة التي كانت بمثابة تطور طبيعي لاحتجاج السود، بعد انتشار مقاطعة ركوب الحافلات المخصصة للسود أو الملونين فقط، واستخدام الحافلات المخصصة للبيض، وهي السياسة التي انتقلت بعد ذلك لاختراق الحياة المخصصة للبيض فقط، وفرض وجودهم كملونين كأمر واقع، رغم أن ذلك كلفه وأنصاره دخول السجن والتعرض للإهانات والضرب والقتل في بعض الأحيان.

وفي عام 1957 جرى انتخابه رئيسا لمؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية، وهي منظمة تشكلت لتوفير قيادة جديدة لحركة الحقوق المدنية المزدهرة، وقد استفادت المنظمة بشكل كبير من تجربة المهاتما غاندي في الهند، وكيف استطاع الحصول على حرية بلاده من الاستعمار البريطاني دون استخدام العنف.

وبالعودة للسيرة الذاتية التي نشرها موقع جائزة نوبل عن مارتين لوثر كينغ، فإن الرجل سافر خلال الفترة من عام 1957 وحتى 1968، أكثر من ستة ملايين ميل، وتحدث أكثر من خمسة وعشرين مائة مرة، وكان موجودا في كل مكان كان فيه ظلم واحتجاج وعمل خاص بالسود والملونين، وجرى اعتقاله أكثر من عشرين مرة، اعتدي عليه فيها بدنيا، أربع مرات على الأقل.

الانتصار والرحيل

كتب خلال تلك الفترة خمسة كتب ومئات المقالات، وقاد المظاهرة الحاشدة للملونين في مدينة برمنغهام، بولاية ألاباما من أجل حق السود في التسجيل كناخبين باعتبارهم مواطنين أمريكيين لهم كامل الحقوق المدنية والسياسية، وهي المظاهرة التي كانت سببا في سجنه، كما كانت سببا في لفت أنظار العالم لقضية التفرقة العنصرية، والنظر إلى مارتن باعتباره زعيما وطنيا، وليس قائدا فئويا للسود فقط.

وفي سجن برمنغهام، أطلق مارتن كينغ، بيانه الأول للثورة الزنجية، كما أطلقت عليها الصحافة الأمريكية، وبعد أسابيع من خروجه من السجن قاد أهم مظاهرة للسود عرفتها الولايات المتحدة، وهي المظاهرة السلمية في واشنطن والتي شارك فيها قرابة ربع مليون أمريكي أكثرهم من السود، ومعهم عدد كبير من الأمريكيين البيض الداعمين لقضيته.

وأطلق خلال هذه المظاهرة وللمرة الأولى دعوته للتشاور مع الرئيس الأمريكي جون كينيدي، لمنح المواطنين السود حقوقهم المدنية والسياسية.

يعد عام 1964، الأبرز في مسيرة مارتن لوثر كينغ الثائرة، حيث صدر في هذا العام قانون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو القانون الذي مثل نقلة كبيرة في حقوق الملونين داخل أمريكا، وكان مقدمة لكثير من التغييرات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمع الأمريكي فيما بعد.

كما كان القانون تفعيلا واضحا لدستور الآباء الأوائل، وبسبب الإنجاز الذي حققه مارتن، بهذا القانون، أطلقت مجلة "التايم"، عليه رجل العام لسنة 1963، وكانت صورته على غلاف المجلة، باعتباره واحدا من أهم الشخصيات السياسية العالمية وليس الأمريكية فقط، كما كان أول رجل من أصل إفريقي يحصل على هذا اللقب.

وفي العام نفسه، كان مارتين كينغ أصغر شخص يحصل على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف، حيث حصل على الجائزة، كان عمره 35 عاما، وفور علمه بهذا الاختيار، أعلن أنه سيسلم أموال الجائزة التي تبلغ 54،123 ألف دولار لتعزيز حركة الحقوق المدنية.

وبينما كان يستعد مارتن لقيادة مسيرة احتجاجية لدعم عمال القمامة والصرف الصحي، المضربين بولاية تينيسي، وحينما كان يقف في شرفة غرفته بفندق موتيل لورين في ممفيس، مساء يوم 4 أبريل/ نيسان 1968، تلقى رصاصة من قناص ما زالت غامضة، ليرحل الثائر الأسود، عن عمر لم يتجاوز التاسعة والثلاثين عاما.

بعد وفاته بعدة أسابيع، ألقت السلطات الأمريكية القبض على رجل يدعى جيمس إيرل راي، والذي اعترف بأنه مذنب لتجنب الكرسي الكهربائي، وحكم عليه بالسجن لمدة 99 سنة.

إلا أن راي وبعد فترة قصيرة من سجنه جدد اعترافاته بأنه كان جزءا من مؤامرة حكومية أوسع لإيقاف كينغ، وهي نفس الرواية التي تتفق معها أرملة كينغ وأبناؤه، حيث ترى أن الحكومة الأمريكية هي التي قتلت "الملك".

أبرز أقواله

رغم أن مئات المقالات والدراسات أوردت عشرات الأقوال المأثورة عن مارتن لوثر كينغ، إلا أن منظمة العفو الدولية، أعدت ملفا خاصا عنه في ذكرى رحيله عام 2016، أوردت فيه 16 قولا مأثورا، عن العدالة والحرية والمساواة، والنضال السلمي، واعتبرته المنظمة الدولية واحدا من أبطال المقاومة السلمية في التاريخ الحديث، ومن أبرز هذه الأقوال:

  • "ستواصل زوابع الثورة زعزعة أسس أمتنا إلى أن تبزغ شمس يوم العدالة"
  • " نريد الحصول على  كل حقوقنا، نريدها هنا، ونريدها في  التوّ واللحظة".
  • "حان الوقت كي نجعل العدالة حقيقة لجميع الناس."
  • " يجب علينا ألا نسمح لتظاهرنا الخلاق أن ينحدر إلى مستوى العنف البدني."
  • "على كل شخص لديه قناعات إنسانية أن يقرر نوع الاحتجاج الذي يناسب قناعاته، لكن علينا جميعا الاحتجاج."
  • " ما يزال لدينا خيار اليوم: إما التعايش السلمي، أو إفناء بعضنا بعضا بشكل عنيف. علينا أن نغير ترددنا في الماضي إلى فعل."
  • " إننا نتبنى أساليب اللاعنف لأن غايتنا هي مجتمع متصالح مع نفسه. سنسعى لسبل الإقناع بكلماتنا، لكن إن فشلت أقوالنا، فسوف نحاول بأفعالنا."
  • "لا يمكن أن يبقى الناس المقموعون على حالهم إلى الأبد، إذ أن التوق للحرية يتجلى في نهاية المطاف."
  • " ثورة القيم الحقيقية سوف تمسك بزمام النظام العالمي وسيكون لها قرار في شن الحرب، "هذه الطريقة في تسوية الخلافات ليست عادلة."

ترامب وكينغ

نظرا للأهمية التي يحظي بها مارتن أرثر رغم وفاته قبل 52 عاما، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يحرص على استغلال ذكرى مولد "كينغ"، في تثبيت وجوده عند مجتمع السود بالولايات المتحدة، ولكن هذا العام كان مختلفا، حيث أعلن من خلال مستشاره الإعلامي بالبيت الأبيض، أن كينج يقف ضد إجراءات عزله.

وحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن الصحفيين الموجودين بالبيت الأبيض فوجؤوا يوم الاثنين 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، بالمستشار الإعلامي للبيت الأبيض، كيليان كونواي، يقول للصحفيين: إن "ترامب يوافق على العديد من الأشياء التي دافع عنها الدكتور مارتن لوثر كينغ، واتفق عليها لسنوات عديدة ، بما في ذلك الوحدة والمساواة".

وحسب ما قاله كونواي، فإن ترامب يعتبر أن المبادئ التي رفعها مارتن كينغ، تقف ضد عزله من منصبه، حسب رغبة النواب الديمقراطيين في الكونجرس.

ورصدت الشبكة الأمريكية، تعاطي ترامب مع ذكرى مولد كينغ، خلال السنوات الماضية، واعتبرت الشبكة أن ترامب يستغل الذكرى في ترسيخ وجوده الانتخابي لدي الأمريكيين السود.

وغرد ترامب في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، قائلا: "اليوم أدّيت اليمين الدستورية. من المناسب جدا أن يكون اليوم أيضا ذكرى مولد مارتن لوثر كينغ ... البطالة بين الأمريكيين من أصل إفريقي هي الأقل في تاريخ بلدنا، إلى حد بعيد. أيضا، أفضل أرقام الفقر والشباب والعمالة، على الإطلاق أمر عظيم!".  

في عام 2016، زار ترامب أيضا موقع النصب التذكاري لمارتن كينغ، وقبل يوم واحد من عطلة عام 2018، أعلن ترامب أنه "ليس عنصريا" في أعقاب التقارير التي تزعم أنه أشار إلى هايتي وبعض الدول الإفريقية كـ "دول خفية" في اجتماع مغلق حول الهجرة".