بعد سطوع نجمه.. أبرز الأسباب التي دفعت لتحجيم دور كوشنر

إبراهيم عبدالله | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"قلت له سابقا: لا تعين جاريد أو إيفانكا مستشارين في إدارتك، الأضواء ستسلط عليهم وستنقلب حياتهم رأسا على عقب، الأجواء داخل البيت الأبيض لن تكون صحية بوجودهم، فهم عائلتك ولن يتمكن أحد من انتقاد أدائهم".

نصيحة وجهها حاكم نيوجرسي السابق كريس كريستي لصديقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين أخبره عن نيته بتعيين ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر مستشارين "متطوعين" في إدارته، إلا أنه لم يستجب.

الصحفي الأمريكي مايكل وولف يرى في كتابه الثاني عن إدارة ترامب والمعنون بـ"الحصار" أن مشروع كوشنر للسلام ما هو إلا محاولة من قبل العقاري الشاب لتقديم نفسه للمجتمع السياسي في واشنطن باعتباره "سياسي بارع" نجح فيما فشل فيه الآخرون.

واعتبر وولف أن نجاح كوشنر في مهمته "المستحيلة" سيضمن له -في الحد الأدنى- شكلا من أشكال الحصانة من التبعات القانونية في حال خسر صهره انتخابات 2020 الرئاسية، أما في السيناريوهات "الحالمة" فإن نجاح رجل الأعمال قليل الخبرة في مساعيه الشرق أوسطية قد يقود الحزب الجمهوري للقبول به مرشحا رئاسيا في العام 2024 في حال نجح صهره بالاحتفاظ بكرسي الرئاسة للسنوات الأربع المقبلة.

من هو كوشنر؟

الباحث في الأصوليات اليهودية بجامعة أنديانا الأمريكية أومار بوم تطرق في ورقة منشورة إلى العلاقات المثيرة للدهشة التي تربط كوشنر الشاب اليهودي من أصول أوروبية (أشكناز) بالحاخامات المشرقيين المنحدرين من أصول مغاربية (سفارد) و"المعجزات" التي تمكنوا من استمطارها عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر من العام ٢٠١٦.

وتحدث الباحث عن تنبوءات أطلقها الحاخام ديفيد بنتو (مغربي الأصل) والذي أشار فيها للهزيمة التي ستحيق بالمرشحة هيلاري كلينتون على يد دعوات وأسحار مشتركة من حاخامات توزعوا على عدد من المدن حول العالم (أشدود - نيويورك - بيونس آيرس).

 بنتو تحدث بزهو عن شموع "الشابات" التي سيتم إيقادها في البيت الأبيض مساء كل يوم جمعة ببركة دعاء حاخامات الطائفة المستندة إلى تعالميم (قبالية) وهي طقوس يهودية تصوفية يمتزج فيها السحر الفلكلوري بالممارسات الغرائبية.

وبعيدا عن نظريات المؤامرة اليهودية، فإن شائعات أخرى تروج في دهاليز منتديات اليمين الأمريكي وصفحاته تشير إلى احتمالية كون اليهودي ذو الـ٣٥ عاما ما هو إلا "عدو المسيح - الأنتي كرايست" وهو المعروف في الثقافة الإسلامية بـ"المسيح الدجال" عطفا على امتلاكه وترويجه لمبنى شهير في نيويورك يحمل الرقم ٦٦٦ وهو الرمز الرقمي الذي يربطه الإنجيليون بالوحش (الدجال).

الباحثة الأمريكية فيكي وارد التي ألفت كتابا كاملا عن عائلة كوشنر والذي حمل عنوان "كوشنر المحدودة" تورد حقائق عن حياة الرجل وعائلته لابد من الوقوف عندها.

الكتاب الذي مكثت وارد في تألفيه ما يزيد على العامين، استنطقت فيه ما يزيد على ٢٢٠ مصدرا من ضمنهم مقربون جدا من الثنائي "جاريد وإيفانكا" أو ما يطلق عليه المستشار السابق لترامب والقطب اليميني ستيف بانون تهكما مصطلح (جرفانكا).

والد جاريد (تشارلز كوشنر) والذي راكم ثروة طائلة من خلال تأجير العقارات في ولاية نيوجرسي المجاورة لنيويورك، لم تخل حياته من التفاصيل المزعجة والتي تضمنت حكما بالسجن عام ٢٠٠٥ في أعقاب قيامه بابتزاز زوج أخته من خلال إيقاعه مع فتيات ليل وتسجيل لقاءاته معهن بالصوت والصورة.

دخول والد جاريد السجن لم يعقه عن دخول جامعة هارفرد عام ٢٠٠٦ والتخرج منها بعد أن مهد والده له طريق القبول بتبرع سخي بلغ مليونين ونصف من الدولارات، أدت به إلى صفوف الجامعة الأشهر عالميا رغم كونه -وكما يصفه زملاؤه- طالبا من الدرجة الثالثة.

عقب مغادرته صفوف الدراسة، عمل جاريد في إدارة شركات والده العائلية الثلاثة بشكل وصفه مقربون بأنه يشبه إدارة أطفال، أدت في نهاية المطاف إلى شرائه مبنى ٦٦٦ في مانهاتن في العام ٢٠٠٧ بسعر فاق قيمته الحقيقية بعدة أضعاف، في صفقة وصفت بأنها الأسوأ في تاريخ عقارات نيويورك.

ومن ضمن القرارات الغريبة التي اتخذها كوشنر الابن قراره بشراء صحيفة "نيويورك اوبزيرفور" الأسبوعية ذات التوزيع المحدود بمبلغ قارب الـ١٠ مليون دولار، ومن ثم التدخل المستمر في سياستها التحريرية بشكل فاقم من مشاكلها وقلل من مبيعاتها المتدهورة في الأساس.

ولعل أنجح قرارات جاريد كما يؤكد المقربون منه قراره بالاقتران من ابنة تاجر العقارات المشهور وقتها دونالد ترامب في ٢٠٠٩ رغم اعتراض والديه ذوي التقاليد اليهودية الأرثودوكسية الصارمة، وهو الأمر الذي أدى بإيفانكا لخوض تجربة اعتناق الديانة اليهودية وهي تجربة صعبة ومعقدة ومتعددة المراحل.

وزير خارجية الظل

المتابعون لمجريات الأمور في واشنطن يشيرون إلى إشكاليات عديدة واكبت تعيين كوشنر في منصبه الاستشاري في إدارة صهره ترامب -والذي لا يتقاضى مقابل قيامه به أي أموال-، تتضمن إهمال العقاري الثلاثيني تعبئة استمارات الإفصاح الأمني التي تمكنه من الحصول على تصريح معاينة الملفات السرية.

هذه الاستمارات التي فشل كوشنر في تعبئتها بشكل كامل تتضمن تفاصيل مالية تتعلق بنشاطاته التجارية وشراكاته المالية وعلاقاته، وهي التي اتضح فيما بعد أن عددا منها (خصوصا لقاءاته مع مسؤولين روس في خضم الحملة الانتخابية) يتضمن خروقات أمنية وقانونية.

وجاءت الطامة عندما بادر صهر الرئيس إلى محاولات كسر البروتوكول وتسريع إجراءات حصوله على التصريح الأمني بشكل استثنائي، وهو ما أشيع أنه استخدمه للحصول على معلومات حساسة مرتبطة بالعلاقات السعودية الأمريكية، وآليات واشنطن للتعامل مع تصعيد المرشحين لمنصبي الملك وولي العهد.

كما يؤكد البعض أن كوشنر تمكن من الحصول عبر تصريحه الأمني على أسماء منافسي ولي العهد الشاب داخل الأسرة الملكية وخارجها مسهلا على الأمير الصاعد اتخاذ إجراءات بحقهم أواخر عام ٢٠١٧.

وشملت تجاوزات كوشنر إغلاقه ملف سجل الزوار في البيت الأبيض لعام كامل قبل أن يتمكن كبير موظفي البيت الأبيض الجنرال جون كيلي من إعادة الأمور لوضعها الطبيعي وتوثيق زيارات الشخصيات لمقر الرئاسة الأمريكية.

رحلات كوشنر لكل من تل أبيب والرياض تمت خلال الأعوام الثلاثة الماضية بدون أي تنسيق مع وزارة الخارجية الأمريكية، وفي هذه الزيارات حرص كوشنر كما يؤكد وولف في كتابه على اصطحاب وزير الخزانة ستيف منوشن معه خلالها للاستفادة من خدمات طائرته الرسمية.

كل هذه التجاوزات أدت لسحب التصريح الأمني من كوشنر أواخر ٢٠١٨ بعد أن توصلت الإدارات المعنية بالأمن القومي للخطورة التي يمثلها منح مثل هذا التصريح لرجل "باع بلاده بالمال" وهي العبارة التي واجهه بها كبير موظفي البيت الأبيض الجنرال جون كيلي قبل استقالته في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٨.

المرشح المفضل

عربيا تبدو الرياض بقيادة ولي عهده الشاب محمد بن سلمان الأسعد بالمناصب التي نالها كوشنر وتصاعد نفوذه في الساحة الأمريكية، فالعلاقة التي جمعت بين الشابين اللذين وصفا بـ"الأميرين الصغيرين" تبدو أقرب للخيال منها للحقيقة.

لا يعرف على وجه التحديد من كان واسطة تعرف الشخصيتين ببعضهما، وهل سبقت فوز ترامب بمنصبه، لكن وتيرة العلاقة تصاعدت في أعقاب الزيارة التي خص بها ترامب الرياض في مايو/أيار ٢٠١٧ لتنتقل من اجتماعات إلى سهرات مشتركة على يخت "سيرين" في عرض البحر الأحمر تتضمن اللهو بألعاب فيديو (كول أوف ديوتي) ومحادثات متواصلة على تطبيق الواتساب.

الأعمار المتقاربة والتنشئة المرفهة المتشابهة قربت بين رجلين جمعتهما الأقدار في وقت عجيب، ولي عهد شاب حريص على تثبيت قدمه في سلم الحكم بأي ثمن ووريث ثري لعائلة أمريكية متصهينة حريص على المال وتحصيل المزيد منه بأي طريقة.

وكان لافتا التقرير الذي نشرته الجارديان البريطانية في يونيو/حزيران من هذا العام والذي كشف فيه الصحفي جون سوين عن استلام كوشنر أموالا من جهات سعودية على شكل استثمارات عقارية. 

الأموال التي تم تقديمها لشركة "كادري" تشمل مليون دولار خصصت للاستثمار العقاري في الشركة التي يملك جاريد ما قيمته ٥٠ مليون دولار من أسهمها فيما يتقاسم شقيقه وعدد من أصدقائه المقربين بقية أسهمها.

المثير للريبة أن كوشنر لم يضمن اسم الشركة ملف إقرارات الذمة المالية الملزم بتقديمه قانونيا لمن يشغل منصبا استشاريا في البيت الأبيض.

علاقات كوشنر بالسعودية تواصلت في أحلك الظروف، إذ يوثق كتاب "الحصار" لمايكل وولف حالة الاستنفار القصوى والاتصالات اليومية التي خص بها كوشنر ابن سلمان بعد حادث اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

وكان الهدف إدارة الأزمة ولملمة أطرافها، حيث تحدث الكاتب عن عصبية ترامب في توجيه كوشنر للتفاهم مع صديقه بشأن الجريمة، والنصائح التي قدمها كوشنر لابن سلمان والتي تضمنت إلغاء عقد المؤتمر الاقتصادي والمسارعة باعتقال فريق الجريمة وتقديمهم لمحاكمة عاجلة تنتهي بإعدامات سريعة، وهي النصائح التي لم تحظ بأذن صاغية من قبل الأمير المتعجب من سر اهتمام العالم الزائد بمقتل شخص واحد.

ويلقي وولف الضوء في كتابه على زاوية قل التطرق لها وهي توجه كوشنر للعب على كافة الحبال الخليجية من خلال اجتذابه لاهتمام شركة "بروكفيلد" العقارية الكندية والتي يمتلك الصندوق السيادي القطري حصة مهمة فيها لمحاولة إنقاذه من الإفلاس والمشاركة في تسديد القرض المستحق على برج ٦٦٦ مانهاتن والبالغ ١.٤ مليار دولار، وهو الأمر الذي تحقق فيما بعد، وأقدمت فيه الشركة على توقيع اتفاق استئجار المبنى لمدة ٩٩ عاما في استثمار شككت مجلة فانتي فير بجدواه الاقتصادية.

تجربة فاشلة

كان لافتا أن يشير الصحفي الأمريكي المخضرم مايكل وولف لكوشنر بوصفه وريثا محتملا لصهره ترامب بعد أن تنقضي مدة رئاسته الثانية في ٢٠٢٤.

وولف وصف الخطة التي وضعها الشاب بأنها تكمن في اكتساب الخبرة السياسية عبر العمل خلف الكواليس مع أعضاء الإدارة وأداء مهام خاصة كمبعوث شخصي للرئيس للشرق الأوسط، يتوجها إقناع حلفائه الجدد في الخليج بتمويل مشروعه لتحقيق السلام المستدام بين الإسرائيلين والفلسطينيين وهو الأمر الذي فشل فيه مبعوثو الرؤساء من لدن هنري كسنجر إلى جون كيري.

الناقمون على كوشنر رأوا في محاولاته اليائسة للخروج باتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأجواء الحالية دلالة على مدى السذاجة والتفكير الحالم الذي يدور في رأس الشاب المدلل ذا التحيزات الصهيونية الواضحة.

"هل كان يعتقد أنه سينجح فيما فشل فيه نصف دزينة من وزراء خارجية أمريكا؟".

كوشنر الذي ترتبط عائلته بعلاقات وثيقة مع عائلة رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، روج لفكرته للسلام من خلال إقامة مؤتمر اقتصادي تم طبخه على عجل في العاصمة البحرينية المنامة.

"الورشة" كما باتت تعرف هدفت لتحويل مقاربة السلام من منطلق اقتصادي عوضا عن التوجه التقليدي بحلها سياسا.

ورغم أن المقاربة الاقتصادية والادماج المالي كانت بحد ذاتها مشروعا ثبت فشله في أعقاب محاولات الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء الراحل شمعون بيريز عبر مؤتمرات السلام الاقتصادي في شرم الشيخ وغور الأردن في تسعينات القرن الماضي، إلا أن خبرها على مايبدو لم يصل للمستشار المدلل؟!

 الورشة التي عقدت في المنامة على مدى يومين فقط، تبدو وبعد قرابة الخمسة شهور على انقضائها ذكرى بعيدة، إذ سرعان ما تلاشت تغطيتها الإعلامية وتجاوزتها أحداث المنطقة المتسارعة.

وشملت الورشة حضور ٣٥٠ رجل أعمال من ٢٠ دولة، وبدت للمتابعين محاولة يائسة لتسويق مشروع ميت، وبدا كوشنر في وسطها متشككا فيما ينطق به وهو يستعرض أهم إنجازات الورشة في عدد مرات تنزيل ملفها من موقع البيت الأبيض والتي تجاوزت المليون والنصف محاولة تنزيل.

جوهر الخطة يتضمن توفير مبلغ ٥٠ مليار دولار يتم صرفه على مدى عشر سنوات لتوفير الوظائف لنحو مليون فلسطيني مقللة بذلك نسب البطالة بين سكان الأرض المحتلة لأقل من ١٠%.

وما فتىء كوشنر ورفاقه من رجال الأعمال تكرار مقول "الأزمة السياسة صعبة والاقتصاد سهل"، مؤكدين في ذات السياق أن مشكلة الفلسطينيين أنهم "يكرهون عدوهم أكثر مما يحبون أنفسهم".

مشروع سلام فاشل، واستشارات سطحية وتسريبات وتغطيات على جرائم ديكتاتوري العالم الثالث، تبدو هذه حصيلة كوشنر بعد أعوام ثلاث في البيت الأبيض.

وعليها سيكون محظوظا إن تجاوز مرحلة إجراءات عزل صهره ترامب دون إدانة قد يتضمنها إطلاع جلسات استماع الكونجرس على خبايا السيرفرات السرية في البيت الأبيض للمكالمات والمراسلات والاتفاقات التي قد تدينه بتهمة الإثراء غير المشروع أو الإضرار بالمصالح العليا للولايات المتحدة.