الشيخ الشعراوي.. كيف كانت علاقته بملوك وحكام مصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن الهجوم الأخير الذي تعرض له الشيخ محمد متولي الشعراوي من إعلامية مغمورة تدعى أسما شريف منير، هو الأول من نوعه الذي يتعرض له الشيخ الجليل طيلة حياته وحتى بعد مماته.

المذيعة التي وصفت الشيخ في تدوينة على فيسبوك بـ "المتطرف"، اضطرت بعد ذلك لحذف التدوينة، وظهرت في إحدى البرامج وهي تبكي وتطلب من الناس أن تسامحها.

لم يحظ داعية إسلامي في تاريخ مصر الحديث بمكانة ولا شعبية الشعراوي الجامحة، تخطت شهرته مصر، وذاع صيته في العالم العربي والإسلامي، حتى حظي بلقب "إمام الدعاة".

اشتهر الشعراوي من خلال برنامج تلفزيوني في ثمانينيات القرن الماضي حمل اسم "خواطر الشعراوي"، حاول من خلاله توظيف اللغة العربية لتبسيط وشرح معاني وأحكام آيات القرآن، وحقق برنامجه الذي كان يعرض عصر كل جمعة شهرة واسعة ونسب مشاهدة مرتفعة بلغت آفاق العالم العربي والإسلامي.

أكثر من 20 عاما مرت على وفاة الشيخ، لكنه مازال مؤثرا بقوة بين عموم المسلمين، هل فقط كان علم الشعراوي وخواطره حول القرآن هي سبب حب الناس له وتعلقهم به؟، أم أن قوته في الجهر بكلمة الحق أمام سلطان جائر، ورفض الظلم والدفاع عن قضايا وطنه وأمته، كانت هي الطريق الذي فتح له قلوب البلاد والعباد؟

الشيخ الشعراوي في شبابه

الشيخ الثائر

من مهده بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، ظهرت الشخصية الفذة للشعراوي، حيث أبدى نبوغا منذ الصغر في حفظه للقرآن الكريم، والشعر والمأثور من القول والحكم، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية الأزهرية، ودخوله المعهد الثانوي الأزهري، حظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسا لاتحاد الطلبة، ورئيسا لجمعية الأدباء بالزقازيق، ومثلت هذه نقطة التحول الأولى في حياته.

بدأت رحلة الشعراوي السياسية عندما كان طالبا، محمولا على أعناق رفاقه، يهتف "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، وذلك في بداية ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني. 

وهجا الشعراوي الملك حينها بقصيدة تسببت في محاكمته وحبسه بعد القبض على أبيه وأخيه كوسيلة لإجباره على تسليم نفسه.

وفي 9 فبراير/ شباط 1946، وقعت حادثة "كوبري عباس" الشهيرة في التاريخ المصري الحديث، عندما أصدرت اللجنة التنفيذية العليا للطلبة (وكانت بمثابة الاتحاد العالم للطلاب) قرارا بدعوة الطلاب للمظاهرات ضد الاحتلال، وهاجمت مبدأ الدفاع المشترك مع بريطانيا الذي يحمل معنى الحماية الاستعمارية، وطالبت بعدم الدخول في المفاوضات إلا على أساس الجلاء التام.

وخرجت من جامعة القاهرة أضخم مظاهرة عرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية، فعبرت شارع الجامعة ثم ميدان الجيزة إلى كوبري عباس، وما أن توسطته حتى حاصرها الأمن من الجانبين وفتح الكوبري عليها وبدأ الاعتداء على الطلبة فسقط البعض في النيل وقتل وجرح أكثر من 200 طالب.

ألهبت الواقعة مشاعر الشيخ الوطنية، وخرج في مظاهرات ضد الحكومة، والاحتلال، وشارك في تأبين الضحايا، وكتب فيها أبياتا من الشعر.

وفي شهادته عن تلك الحقبة، يقول الطبيب الراحل محمود جامع، عضو مجلس الشورى المصري الأسبق، والصديق الشخصي للشيخ الشعراوي: "أعرف الشعراوى من الأربعينيات حينما كان مدرسا فى معهد طنطا الأزهرى، وكنت وقتها طالبا فى طنطا الثانوية، وكان يشجعنا بخطبه الحماسية على الخروج للمظاهرات ضد الإنجليز، وكان خطيبا حماسيا من الطراز الأول، وكنا نقوم بمظاهرات فى طنطا باستمرار".

كان الشعراوي قبل ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، وفديا بامتياز، وتوطدت علاقته بالنحاس باشا، حتى قيل إنه إذا مر على مدينة طنطا عن طريق القطار وقف في المحطة ليسأل أين الشعراوي؟، وظل الشيخ كذلك حتى اندلعت حركة الضباط الأحرار، وسقطت الملكية في مصر.

سجدة النكسة

عندما اندلعت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، كان الشعراوي في بعثة للسعودية، ولم يتحمس كثيرا لقيام الحركة، وكان لديه بعض التحفظات على قادتها، وربما يعود ذلك لخلفيته الوفدية، وتعامل الثورة الفج مع الأحزاب، والحركات السياسية، بالإضافة إلى موقفها من الأزهر الشريف.

وطوال حقبة الخمسينات والستينات كان الشيخ الشعراوي خارج مصر وكان يأتي لمصر فقط في فترة الصيف، إذ عمل مدرسا بكلية الشريعة بجامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة، لكن مع الخلاف الذي دار بين عبدالناصر وملك السعودية فيصل بن عبدالعزيز، منعه عبدالناصر من العودة ثانية إلى المملكة.

عمل الشيخ بعدها مديرا لمكتب شيخ الأزهر حسن مأمون، ولم يمكث طويلا حتى سافر إلى الجزائر رئيسا لبعثة التعريب الأزهرية لإحياء اللغة العربية.

ومع نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، كانت للشعراوي ردة فعل مثيرة، عندما سجد شكرا لله قائلا: "الحمد لله أننا لم ننتصر ونحن في أحضان الشيوعية، هذه الهزيمة حدثت بسبب أخطاء عبدالناصر، وكان لا بد من تصحيحها وكانت الهزيمة هي الثمن".

وفي مقابلة تليفزيونية برر موقفه قائلا: "انفعلت فسجدت عندما علمت بالنكسة، وحينما علمت بانتصارنا في أكتوبر سجدت أيضا، فرحت في السجدة الأولى لأننا لم ننتصر ونحن في أحضان الشيوعية، لأننا لو نُصرنا، ونحن في أحضان الشيوعية لأصبنا بفتنة في ديننا، والثانية سجدت لأننا بعدنا عن الشيوعية، ولأن الحرب استهلت بكلمة (الله أكبر)". 

وفي عام 1970 أراد جمال عبدالناصر، أن يجذب الشعراوي لترويج الفكر الاشتراكي من داخل الاتحاد، وعندما رفض الشيخ تم إلغاء إعارته للجزائر. بعدها توفي عبد الناصر فجأة في 28 سبتمبر/ أيلول 1970، وبدأت حقبة جديدة مختلفة بين الشعراوي والدولة. 

وزيرا للأوقاف

الظهور الحقيقي والقوي للشيخ الشعراوي في الحياة المصرية، بدأ خلال حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وعنها يقول الدكتور محمود جامع: "كنت حلقة الوصل بين الرجلين (السادات والشعراوي) ، فقد دبرت لقاء بينهما في منزلي بمدينة طنطا".

وحسب جامع: "كانت العلاقة بينهما خاصة جدا إذ لعب الشعراوي دورا كبيرا في تعميق مفاهيم الدين عند أنور السادات الذي عاهد الشعراوي في منزله بقوله:‏ أشهد الله أن أحفظ لهذا البلد إسلامه وأزهره".

ولعب الشعراوي دورا كبيرا في تهيئة المناخ لحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، مع تكرار ظهوره في الإذاعة والتلفزيون المصري، وأرسله السادات إلى الملك فيصل لإقناعه باستخدام سلاح البترول في الحرب، وذلك لأن الشعراوي كان العالم الأقرب إلى قلب الملك فيصل.

وظلت علاقة الشعراوي قوية بالسادات، وفي عام 1976 حيث كان الشعراوي معارا للسعودية، فوجئ باتصال هاتفي من ممدوح سالم رئيس الوزراء الأسبق، يخبره بترشيحه لوزارة الأوقاف، تردد الشيخ في البداية، لكنه وافق بعد ذلك.

وحسب رواية حفيده محمد عبدالرحيم الشعراوي: أن الشيخ عندما تولى الوزارة، اتخذ مكتبا صغيرا لنفسه بجوار الباب ولما سأله السادات أجاب قائلا: "علشان لما تطردوني يبقى الباب قريب"، وطلب إعفاءه من المنصب قبل أقل من سنة إلا أن الرئيس جعله ينتظر حتى تغيير الوزارة بأكملها".

صورة تجمع الشيخ الشعراوي بالرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات

بداية الخلاف

بدأ الخلاف بين الشعراوي والسادات، بعد موقف عصيب وقع بين الشيخ وجيهان السادات، حينما كانت سيدة مصر الأولى. حيث طلبت جيهان من الشيخ أن يعطي محاضرة في شهر رمضان لنساء نوادي الليونز والروتاري في القاهرة.

وافق الشعراوي، لكنه اشترط على السيدة الأولى، أن تطلب من النساء الاحتشام فى الزي، والالتزام بتقاليد المحاضرات الدينية. لكن الشيخ عندما ذهب إلى المحاضرة، وجلس على المنصة فى نهار رمضان، وجد الحاضرات بدون حجاب، وبعضهن تدخن السجائر فى نهار رمضان، فغضب غضبا شديدا وأصر على مغادرة القاعة دون إعطاء المحاضرة بعد أن قال لجيهان: "الاتفاق لم يكن هكذا"، وقتها غضب السادات لما اعتبره إهانة لزوجته. 

الاشتباك الثاني الذي حدث بينهما، عندما حاولت أيضا السيدة الأولى، كسب تأييد الشعراوي لقانون الأحوال الشخصية، أو ما سُمي وقتها بـ"قانون جيهان"، ولكن الشيخ رفضه باعتباره مخالفا لمبادىء الشريعة الإسلامية.

وفي موقف آخر، دعا السادات جميع الوزراء إلى حفلة، وكان من ضمنهم الشعراوي، كوزير للأوقاف. وخلال الحفل، غضب الشعراوى من أداء الراقصة نجوى فؤاد، فأدار ظهره للمسرح، ولاحظ السادات ذلك، فأرسل لهُ مندوبا يطالبه بالعودة إلى مقعده، فرفض الشعراوي طلب السادات وغادر، حينها استشاط السادات غضبا. 

بعدها مباشرة تقدم الشيخ باستقالته من المنصب، فوافق السادات على إعفائه من منصبه عام 1978، وتفرغ الشيخ لرسالته الأساسية في تفسير القرآن. وعلق الشعراوي فيما بعد على الاستقالة قائلا: إنه "لم يكن موظفا عند أحد أبدا، وإنما كان موظفا عند الله فقط".

وبعد اتفاقية كامب ديفيد، صمت الشعراوي قليلا ثم لم يمكث حتى تحدث في دروسه عن صفات اليهود السلبية، ليطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن رسميا، بوقف حلقات الشعراوي، وبالفعل منعت التسجيلات ولم تعد إلا بعد التدخل من عثمان أحمد عثمان رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب وصديق السادات المقرب.

ووجه السادات كلمته للشعراوي محتجا بالقرآن "{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}"، ورد الشيخ في حديث مسجل "إلا في معصية الله، أطيعوا الله الأول، الله لم يجعل لولي الأمر طاعة مستقلة". 

وكانت آخر واقعة بين الشعراوي والسادات، حينما انتفض الشعراوي لِما جاء في خطبة الرئيس عن الشيخ أحمد المحلاوي، وقوله: "مرمي في السجن زي الكلب"، فأرسل الشيخ برقية إلى الرئاسة قال فيها: "السيد الرئيس محمد أنور السادات، إن الأزهر الشريف لا يخرج كلابا، ولكنه يخرج دعاة أفاضل وعلماء أجلاء".

الشعراوي ومبارك

اتسمت علاقة الشيخ الشعراوي بالرئيس المخلوع حسني مبارك، بالهدوء النسبي، حيث فضل الشيخ الابتعاد عن السياسة والانشغال الكامل بتفسير القرآن، ومع ذلك كان بينهما موقف شهير في يونيو/ حزيران 1995 عندما نجا مبارك من محاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

حيث وضع الشعراوي يديه علي كتف الرئيس الأسبق قائلا: يا سيادة الرئيس إني أقف على عتبة دنياي، مستقبلا آخرتي ومنتظرا قضاء الله فلن أختم حياتي بنفاق ولن أبرز عنتريتي بافتراء"، وأضاف: "إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله علينا".

طريقة الشيخ وجرأته أحدثت جدلا واسعا، حتى أن زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية عبر في ذلك الوقت عن استياءه من كسر الشيخ الشعراوي قواعد البروتوكول ووضع يده على كتف الرئيس، بهذه الطريقة.

توفي الشعراوي في 17 يونيو/ حزيران 1998، بعدما عاصر معظم حكام وملوك مصر خلال القرن الماضي.