المؤتمرات الأمنية بالخليج.. لماذا تصر أمريكا على حضور إسرائيل؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منحت دول الخليج، فرصة ذهبية جديدة لإسرائيل، لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، عبر دعوتها لحضور مؤتمر الأمن البحري بالعاصمة البحرينية المنامة "يناقش سبل الدفاع عن سفن تبحر في الخليج من الاعتداءات الإيرانية"، في حين أن الأمر يتعدى هذا الهدف، إلى تعزيز التحالف مع دول عربية سنية ضد إيران، والنفوذ الإسرائيلي العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي في منطقة الخليج.

حسب قناة 13 الإسرائيلية، فإن مؤتمر تأمين الملاحة البحرية ناقش إحباط عمليات تهريب السلاح، وهذا يمثل مصلحة لإسرائيل من الطراز الأول على اعتبار أن هذا يمكنها من إحباط إمداد المقاومة الفلسطينية بالعتاد من الخارج.

"إسرائيل ستستغل أي دور لها في تأمين الملاحة بالخليج في تمكينها من جمع المعلومات عن دول المنطقة وليس إيران فحسب، إذ تفترض أن بعض نظم الحكم في الخيلج يمكن أن تسقط وتحل محلها جهات معادية فتنقلب الشراكات الإستراتيجية مع هذه الدول إلى عداء، لذا كثفت جمع المعلومات عنها"، بحسب ما قاله صالح النعامي الخبير في الشأن الإسرائيلي.

وناقش ممثلو أكثر من 60 دولة بمشاركة وفد الكيان الإسرائيلي في المنامة أيضا تنسيق الجهود لمواجهة إيران، المتهمة بالوقوف خلف هجمات ضد سفن ومنشآت نفطية سعودية، لكنها تنفي ذلك.

ويعد هذا المؤتمر الدولي الأول الذي ينعقد في الخليج "لبحث مواجهة إيران" ومحاولة بلورة خطة مشتركة للتعامل معها، بعد أن فشلت الجهود الأمريكية في بناء تحالف دولي بالمنطقة، في حين تعمل واشنطن على حشر "تل أبيب" في أغلب المؤتمرات العربية الأمنية، خاصة تلك التي تجري في منطقة الخليج العربي، التي تشكل نواة التطبيع في الشرق الأوسط.

استنكار إيراني

طهران بدورها لم تفوت الفرصة للتنديد بمؤتمر البحرين ومشاركة إسرائيل، ودان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، دعوة البحرين وفدا من إسرائيل لزيارتها. 

وقال موسوي، في 21 أكتوبر/تشرين أول الجاري: إن مؤتمر الأمن البحري في المنامة مصيره الفشل، ولن يؤثر على نفوذ إيران، معربا عن أسفه لـ"تطبيع" البحرين علاقاتها مع إسرائيل".

وأضاف: "استضافة إسرائيل في قمة المنامة أمر مؤسف، دولة تزعم أنها إسلامية تستدعي كيانا مارس 70 سنة من الجرائم ضد الأمة العربية، وتسعى لتطبيع العلاقات معه، إن تأثير إيران في المنطقة قديم وتاريخي، ولن يكونوا قادرين على تحقيق أهدافهم مع الكيان الغاصب".

وتَعتبر طهران أن مسؤولية الأمن الخليجي يقع على عاتق دول الخليج - وهذا التعريف يستثني اثنين من أبرز الأطراف المشاركة في الاجتماع، أي الولايات المتحدة (التي يقع مقر أسطولها الخامس في البحرين) وإسرائيل.

وقد طرح الرئيس حسن روحاني مؤخرا منظور إيران الخاص عن أمن الملاحة البحرية المحلية في ما سمّي بـ «مبادرة السلام في مضيق هرمز» (المعروفة أيضا باسم "الأمل" ["HOPE"])، ولكن هذا الطرح لم يؤخذ على محمل الجد.

قمة وارسو

البحرين حرصت على التأكيد أن الدول المشاركة في المؤتمر تمثل "مجموعة العمل حول أمن الملاحة البحرية والجوية" التابعة لقمة مؤتمر وارسو الذي عقد في فبراير/ شباط الماضي، وأنها تنظمه بالتعاون مع الولايات المتحدة وبولندا.

قمة وارسو كانت المرة الأولى التي يشارك فيها قائد إسرائيلي رفيع المستوى ومسؤولون عرب رفيعون في مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، والذي مهد الطريق إلى معاهدة أوسلو التاريخية بين إسرائيل والفلسطينيين.

واحتفت حينها الصحف العبرية بمشاركة الكيان الإسرائيلي في القمة، بأنها تجمع العرب و"إسرائيل" على طاولة واحدة ضد إيران، وتسبب في حالة غضب واسعة، دفعت ناشطين لوصفه بأنه: "دعارة سياسية واستخفاف بمواقف الأمة العربية".

وأطلق ناشطون على إثره حملة دولية موحدة للتغريد على هاشتاج #التطبيع_خيانة، استنكارا لحملات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأعلنوا خلالها رفضهم التام لمؤتمر وارسو والتطبيع مع دولة الاحتلال.

 نتنياهو برفقة وزير خارجية عُمان

ورأى مراقبون أن مؤتمر وارسو حقق للكيان الإسرائيلي جزءا مهما مما تطمح إليه، وهو الاعتراف بالاحتلال "دولة طبيعية" يحق لها المشاركة المباشرة في قضايا المنطقة، وأزماتها، بل أن يسود شعور بأنها أقرب من دولة كإيران.

خيط التطبيع

وحتى الآن، لا تزال حكومة الاحتلال الإسرائيلي تمسك بخيط التطبيع رغم كل ما يشوبه من تناقضات، في محاولة لإيصال رسائل للفلسطينيين، بأن العرب تخلوا عنهم ولا مجال أمامهم سوى القبول بأنصاف الحلول المعروضة، وكذلك رسائل دعائية للداخل الإسرائيلي من طرف اليمين الحاكم منذ 10 سنوات.

وفقا لمراقبين، كان المؤتمر بالنسبة لنتنياهو بمثابة حملة انتخابية، سعى من خلالها إلى إظهار إنجاز التطبيع مع العرب، دون أي اعتبار للقضية الفلسطينية، كذلك حشد العالم ضد إيران. في الواقع، هنالك وجهات نظر ترى أن نتنياهو فشل في المحورين الاثنين، وقد يكون حقق بعض المكاسب.

ما ذهب إليه المراقبون أعلنه نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، بالإشارة إلى بدء عهد جديد من العلاقات بين قادة إسرائيل والبحرين والسعودية والإمارات عبر اجتماعات مؤتمر وارسو للشرق الأوسط، مضيفا: أن جميعهم يتقاسمون الخبز. 

فيما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القمة بأنها تمثل منعطفا تاريخيا في العلاقات الإسرائيلية العربية.

وإذا كانت قمة وارسو بمثابة إعلان للتطبيع العربي الإسرائيلي، فمؤتمر المنامة الأول ‏الذي عقد قبل أربعة أشهر وتحديدا في يونيو/حزيران الماضي لإعلان الشق الاقتصادي لـ "صفقة القرن" المعنية بتصفية القضية الفلسطينية بحسب الخطة الأمريكية، شهد أيضا مشاركة إسرائيل وكان بمثابة تأسيس للعلاقات الخليجية الإسرائيلية.

وكانت باحثة إسرائيلية قد سلطت الضوء على الطريقة التي تمكنت من خلالها "إسرائيل" اختراق معظم دول الخليج العربي، ونسج علاقات مختلفة معها، معتبرة أن اعتراف دول الخليج بـ"إسرائيل" كشريك أمني واقتصادي؛ هو بمثابة حدث تأسيسي.

وقالت الباحثة الإسرائيلية في "مركز عزري لشؤون الخليج"، التابع لجامعة "حيفا" العبرية، نيريت أوفير: "يخيل أن مؤتمر البحرين، الذي شارك فيه علنا وفد إسرائيلي، لم يكن مثيرا للانطباع منذ البداية، فالمقاطعة الفلسطينية وغياب كبار المسؤولين من الخليج قلل التوقعات بحدوث اختراق، ورغم ذلك، فالمؤتمر ليس كل شيء".

وذكرت أن: "إسرائيل تسير اليوم في مسار علني لإقامة علاقات بينها وبين دول الخليج"، منوهة إلى أن: "السؤال المركزي هو: هل ستتمكن هذه الخطوات من الحفاظ على العلاقات حتى في ظل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي؟". 

مؤتمر المنامة الأخير عقد بدعوة أمريكية تحمل نفس الدعوة التي دعت بها إلى مؤتمر وارسو ظاهرها حشد السياسات والصفوف ضد المخاطر الأمنية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، والتصدي إلى إيران، وباطنها خدمة الكيان الإسرائيلي بالدرجة الأولى وتحقيق كافة مصالحه في المنطقة.

وانتقد ناشطون تناسي العرب بأن إسرائيل هي أخطر تهديد تعرضوا له منذ احتلالها فلسطين 1948 ولا يزال، ليستدعوها للمشاركة في مؤتمر يهدف لحماية أمن الخليج.

اختراق أمني

ويرى البعض أن دول الخليج ستصبح مكشوفة استخباراتيا وأمنيا لإسرائيل، واستشهدوا بحادثة الصحفي الإسرائيلي الذي تخفى وتجول في السعودية وجمع معلومات استخباراتية وعرف أدق التفاصيل عن العائلة المالكة، ثم عاد إلى الكيان ليبيع تلك المعلومات.

فقد نشرت صحيفة إسرائيل هيوم العبرية، في أبريل/نيسان الماضي، تقريرا روت فيه تفاصيل زيارة الصحفي الإسرائيلي الحريدي يوسف زينيتش، للمملكة بحجة حضور مسابقة “الفورميلا” التي جرت في الرياض، تضمنت تفاصيل بداية من اتخاذه القرار مرورا بتقديم الفيزا، والوصول للرياض، وانتهاء بزيارة لمدينة المستقبل التي يعكف ولي العهد محمد بن سلمان على إقامتها. 

الصحفي الإسرائيلي الحريدي يوسف زينيتش

وقال الصحفي زينتش: إنه تجول في معظم أنحاء المملكة، وهو يخبئ قلنسوته الدينية وشعره المستعار الطويل تحت لباس سعودي.

وأكد أنه تمكن من جمع ما يكفيه من المعلومات الاستخباراتية، الاجتماعية، والسياسية بعد أن التقى بالبدو والحضر في السعودية، وعرف أدق التفاصيل هناك عن الحياة والنساء والرجال والمساجد، والعائلة المالكة، وعاد ليبيع هذه القصة للصحيفة المذكورة.

وسبق أن نقلت صحيفة الجريدة الكويتية عن مصدر مطلع: أن إسرائيل تنفذ عمليات تجسس وجمع معلومات داخل الأراضي الإيرانية والخليج وبحر العرب برا وبحرا وجوا.

وبين المصدر: أن طائرات تجسس إسرائيلية تصور مناطق حساسة داخل إيران، وتنطلق من مطارات مختلفة في المنطقة القريبة من الأراضي الإيرانية.

وأضاف المصدر: أن هناك قطعا بحرية إسرائيلية، في إشارة إلى غواصات، في الخليج وبحر العرب، تجمع معلومات وتجري عمليات تنصت على القوات الإيرانية هناك، رافضا تأكيد ما إذا كانت هذه القوات الإسرائيلية تعمل بمعرفة وتنسيق الدول الخليجية والولايات المتحدة أم لا.

صالح النعامي الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، قال: إن السماح لإسرائيل بأي دور أمني في الخليج، في إطار تأمين الملاحة البحرية، يمثل فرصة ذهبية لاستخباراتها لجمع معلومات عن مصادر تهديد محتملة بدون أدنى مستوى من المخاطرة وبدون استثمار موارد كبيرة، وهي لن تجمع المعلومات فقط عن إيران، بل أيضا عن دول خليجية ترى أنها مرشحة لتحولات.

ولفت في تغريدات له بموقع تويتر إلى أن: إسرائيل تفترض أن بعض نظم الحكم في الخيلج يمكن أن تسقط وتحل محلها جهات معادية فتنقلب الشراكات الإستراتيجية مع هذه الدول إلى عداء، لذا كثفت جمع المعلومات عنها.

وأضاف "النعامي": أنه في حال تم السماح لإسرائيل بالوجود في الخليج بشكل "شرعي" في إطار تأمين الملاحة البحرية، فإنها لن تتردد في توريط دول الخليج في صراعات مع عدد من الأطراف الإقليمية، عبر توظيف هذا الوجود في استهداف الآخرين، وتدفيع الخليجيين الثمن.

أحلام بيريز

حسام الدجني الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، قال: إن مشاركة الاحتلال بحماية الملاحة بالخليج يعني أن إسرائيل بدأت تحقق أحلام شيمون بيريز -رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، في بناء الشرق الاوسط الجديد والذي تكون "تل أبيب" أحد أهم ركائزه الأمنية والاقتصادية.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال": أن ما يجري هو مقدمة لهيمنة وسيطرة إسرائيلية بإظهارها وكأنها دولة تحمي أمن الخليج العربي في مقابل التمدد الإيراني، وهذا بالتأكيد استبدال من العداء لإسرائيل عبر التاريخ إلى العداء لإيران.

وأكد "الدجني" أنه: "أيا كانت التوجهات الإيرانية فإن إسرائيل هي عدو مركزي للأمة، وأن تمددها ومحاولة إظهار أنها قادرة على حماية الأمن والمضائق المائية من شأنه منح إسرائيل قوة وسيطرة وهيمنة جيو إستراتيجية في منطقة الخليج والشرق الأوسط".

وبدوره، أكد عماد أبو الروس - المحلل السياسي الفلسطيني: أن حضور الكيان الإسرائيلي المؤتمر في المنامة، يعري دول الخليج وليس لإيران فقط، لأن بنهاية الأمر دخول إسرائيل من عدمه بالنسبة لإيران غير مهم لأنها تعلم الدور الإسرائيلي الخفي في المنطقة، وما سيحدث أن رائحة العلاقة الأمنية بين الخليج وإسرائيل ستفوح على العلن.

وجزم في حديثه مع "الاستقلال": بوجود علاقات أمنية سرية بين دول خليجية وإسرائيل ولكن المشاركة ضمن تحالف يعزز من التعاون العلني بين إسرائيل وهذه الدول، مستطردا: "دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات أعطت ولاءها للولايات المتحدة تحت ذريعة التهديد الإيراني  لدول الخليج، وهذا يتطلب قبول بواقع وجود البنت المدللة لأمريكا –إسرائيل- في المنطقة".

وتابع أن: "دول الخليج سلمت أمن المنطقة لأمريكا وإسرائيل الوجه الآخر لها بالمنطقة.. ولا أستبعد أن مشاركة إسرائيل بتحالف لحماية أمن الخليج مقدمة لانضمامها للجامعة العربية وهذا يعني البحث عن توافق عربي إسرائيلي أمريكي بالتسليم لهذا الواقع".

وقال "أبو الروس": إن إسرائيل تسعى لتطبيع العلاقة مع دول عربية باستغلال أي حدث في المنطقة، ومشاركتها في تحالف بحري معني بأمن المنطقة يعزز من دور إسرائيل استخباراتيا وأمنيا في مواجهة إيران وأذرعها بالمنطقة من خلال تضييق الحصار على تحركات إيران بحريا.

الكاتب الفلسطيني محمد مشينيش، قال: إن مشاركة إسرائيل في مؤتمر المنامة جزء من صفقة القرن القائمة على التطبيع مع الكيان وجعله مقبولا في المنطقة ومشاركته في الملفات الرئيسية، ليهيمن بالقوة العسكرية على هذه المنطقة، ويمارس دور الحماية فيها.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال": أن الاحتلال يقدم نفسه اليوم على أنه القادر على حماية المنطقة ومصادر الطاقة في ظل صراع مع المشروع الإيراني، كما تقدم إيران نفسها كحامية تستطيع الحفاظ على الأمن في المنطقة، والاحتلال الإسرائيلي ينافسهم في ذلك.

ولفت إلى أن: العنوان الرئيسي هو أن يكون هذا الكيان مقبولا في هذه المنطقة ويدخل من هذه البوابة، مؤكدا أن: ما يهم الكيان في مؤتمر المنامة هو أن يكون موجودا على طاولة واحدة مع المنظومة العربية.

وقال: إن ما يهم الكيان ليس مخرجات المؤتمر بل الصورة التي ستخرج عن هذا المؤتمر ووجوده ضمن هذه المجموعة المشاركة لترسيخ حضوره في المنطقة.