الجامعة العربية.. كيف صمتت عن نصرة الشعوب ونطقت كيدا في تركيا؟

أحمد يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، واجتياح هتلر للدول الأوروبية، وتهديد إمبراطورية بريطانيا العظمى، وفرنسا، مع إرهاصات اختلال النظام العالمي، وتفكك القوى القديمة، رأت بريطانيا ألا تحدث مزيدا من الاضطرابات داخل مستعمراتها في البلاد العربية، فوعدت قادة تلك الدول بالاستقلال عقب انتهاء الحرب، وأعربت عن تشجيعها لأي اتجاه نحو الوحدة العربية كما جاء على لسان وزير خارجيتها أنتوني إيدن عام 1941.

التقط القادة العرب الوعد، مستغلين تلك التصريحات باتجاه إنشاء جامعة الدول العربية، وأبرزهم رئيس الحكومة المصرية مصطفى النحاس باشا. 

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء على المحور، جاء وقت تنفيذ الوعد الإنجليزي، وكانت محاولات التملص، لكن الرأي العام العربي قد تهيأ لقيام ذلك الكيان المنشود، وفي 22 مارس/ آذار 1945، بقصر الزعفران بالقاهرة، ولدت الجامعة ودشن حفل تأسيسها، ووقع على ميثاقها، مع أحلام الوحدة والتحرر، والنهضة السياسة والاقتصادية. 

لكن 8 عقود حفرت في عمر جامعة العرب، ولم تتحقق الأحلام، بل تبدلت إلى كوابيس، وانهارت الكثير من دولها في بحور الدماء، والانقسام، والتدهور الشامل. 

واليوم تدخل الجامعة في صدام آخر مع تركيا، وتحاول أن تقيم جبهة ضد واحدة من أكبر الدول الإسلامية، الشرق أوسطية، التي تربطها بالعرب روابط تاريخية قديمة وحديثة، ومزيج من العلاقات الثقافية والعسكرية والاجتماعية. 

لماذا كانت صحوة جامعة الدول العربية ضد تركيا؟ وأين هي من النكبات العظيمة التي تضرب الأمة في الآونة الأخيرة؟ بل وأين هي من إسرائيل التي ما زالت تحتل الأرض العربية، وتنكل بالشعب الفلسطيني؟

بيان صدامي

اجتمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وأدان غالبيتهم ما وصفوه بالعدوان التركي على سوريا، مشيرين إلى أنه: "سيتم النظر في اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وسياحية فيما يتعلق بالتعاون مع تركيا"، كما دعوا إلى: "استعادة سوريا دورها في المنظومة العربية". 

وأوصى البيان ببحث: "خفض العلاقات الدبلوماسية، ووقف التعاون العسكري، ومراجعة مستوى العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياحية مع أنقرة". 

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير: إن "المملكة تؤكد وقوف السعودية إلى جانب الشعب السوري ودعمها لسيادة واستقلال سوريا"، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل لوقف العملية التركية، واصفا اياها بـ"الاعتداء السافر".

وبالتبعية، أدان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش الهجوم التركي أيضا، وقال: "نطالب بخروج تركيا وقواتها وكذلك كل القوات الأجنبية التي استباحت هذا البلد العربي والدفع نحو إنجاح الحل السياسي". 

وقال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا: "غزو لأراضي دولة عربية وعدوان على سيادتها".

هؤلاء اختطفوها 

المجلس الأعلى للدولة الليبي، كان أشد المنتقدين لبيان الجامعة، وأكد أن بياناتها وقراراتها باتت: "رهينة حسابات وأجندة دول عربية بعينها، وهي مصر والإمارات، اللتين تعملان على زعزعة استقرار ليبيا".

وقال المجلس الليبي إنه تابع البيان الختامي العربي، ويُسجل استغرابه واعتراضه على ازدواجية المعايير التي تطبقها جامعة الدول العربية في الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء.

وأوضح: " نذكّر هذه الدول، التي تدّعي حرصها على الأمن القومي العربي، وخوفها من تفشي الإرهاب، بأن طائراتها تشن غارات يومية على المدنيين وتقصف مقار الحكومة الشرعية (الليبية)، التي حاربت الإرهاب في مدينة سرت (شرق)، دون أي واعز ديني أو قانوني أو أخلاقي".

فيما قال القائم بأعمال السفارة الصومالية لدى مصر توفيق أحمد عبدالله، إن تركيا: "دولة صديقة لبلاده، حيث قدمت الكثير للصومال حكومة وشعبا عبر مساهمتها في بناء جميع المؤسسات الحكومية بعد سنوات من الأزمات والحروب الأهلية".

ومن جانبه أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة: أن "البيان الختامي الذي صدر السبت عن الاجتماع الوزاري للجامعة العربية لا يعبر بالضرورة عن الموقف الرسمي للمملكة".

وأرجع بوريطة في تصريحات صحفية عدم تحفظ المغرب على بنود البيان إلى: "عدم رغبة المملكة في الخروج عن الجو العام للاجتماع". ولفت إلى أن المغرب: "عندما يرى أن قضية ما تهمه بشكل مباشر فإنه يصدر موقفه الوطني عبر قنواته الرسمية الوطنية".

صورة توضح القصف المصري الإماراتي على درنة الليبية

تركيا تتوعد

في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، خلال اجتماع مغلق عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رؤساء تحرير عدد من الصحف والقنوات ووكالات الأنباء، في قصر "دولمة بهتشه" بمدينة إسطنبول، قال مخاطبا الدول الرافضة لعملية نبع السلام في الجامعة العربية: "أنتم تتحدثون بنفطكم ودولاراتكم ولديكم بعض الهواجس، ولكن تركيا تتحدث بمواقفها". 

وصب الرئيس التركي جام غضبه عليهم قائلا: "لو اجتمعتم كلكم ما بلغتم قدر تركيا"، وأكد أن: "تركيا تنقذ العرب المهجّرين من الإرهاب في سوريا".

وأشار أردوغان إلى أن: "3 دول عربية لم تشارك في بيان الجامعة العربية تجاه عملية السلام التركية في سوريا، هي قطر والصومال وليبيا".

وأضاف: "شيء غريب فعلا، أنتم تمثلون الجامعة العربية أليس كذلك؟ وسوريا دولة عربية، فأنا أحترم جميع الأعراق فما يهمني أنا بالدرجة الأولى هو الإنسان..".

وقال: "سواء أكان عربيا أم كرديا، ولكن انظروا إلى هذا المنطق، هل العرب يشكلون الغالبية العظمى في سوريا؟ نعم كذلك، وهل يهيمن الإرهاب على المنطقة العربية الآن؟ نعم كذلك، ونحن من ننقذ في مكافحتنا للإرهاب في هذه المناطق؟ ننقذ العرب المهجّرين من مناطقهم".

وأكد أنه: "في الواقع النظام لا يدافع عن تنظيمات (ي ب ك/ ب ي د)، وأمام هذه المشاهد كلها تخرج الجامعة العربية وتتخذ قرار ضد تركيا، ما عساي أن أقول لهؤلاء الآن؟". 

وأفاد أردوغان أن: "التنظيمات الإرهابية تهدف إلى إقامة دولية إرهابية شرق نهر الفرات في سوريا، مؤكدا أن تركيا لن تسمح بذلك"، ونوّه أن: "تركيا تتلقى رسائل من أهالي منطقة منبج شمالي سوريا لتخليص منطقتهم من التنظيمات الإرهابية"، مشيرا إلى أن: "العرب يشكلون ما يزيد عن 85% من سكان المنطقة".

وشدد أن أنقرة :"بعدما حررت مناطق جرابلس وعفرين في سوريا من التنظيمات الإرهابية سلمتها إلى سكانها، وذكر: "نحن لم نفعل شيئا سوى بناء بنيتهم التحتية وإنشاء مدارسهم ومستشفياتهم وطرقهم التي سلمناها ونواصل تسليمها لسكان المنطقة".

وقال: "تركيا لم تكن محتلة في يوم من الأيام، ولم ولن تفكر حتى بالاحتلال من أصله.. ربما لو طلبنا هذا الشيء فقط لكان كافيا.. فيجب على قليلي الأدب الذي يصفون تركيا بالمحتلة، أن يعرفوا حدودهم أولا".

"الجامعة لا تمثلنا"

ومن الموقف التركي، إلى موقف الشعوب العربية، التي وجهت رسالة إلى جامعة الدول العربية، مفادها أنه لا تمثلهم، ولا تمثل مواقفهم، وانحيازاتهم، ففي صباح الإثنين 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري نظّم عدد من الفلسطينيين في محافظة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، وقفة، ورفعوا لافتات تنتقد موقف جامعة الدول العربية، من العملية التركية، ومنها: "الجامعة العربية التي تصمت عن تهديد القدس والأقصى لا تمثلنا".

وفي اليوم نفسه أعربت هيئة علماء فلسطين عن تضامنها الكامل مع تركيا في عملية "نبع السلام"، في مواجهة المجموعات الإرهابية، في وقت نددت فيه بموقف الجامعة العربية الذي "لا يعبر عن الأمة العربية وشعوبها". 

وقال البيان: "نتابع كما بقيّة أبناء الأمة مجريات عملية نبع السلام التي تقودها تركيا للدفاع عن أمنها في مواجهة فصائل تسيطر على جزء من الأرض السورية، فتهجر الكثير من أهلها، وتنكل بهم بدوافع عنصرية غريبة عن أهلنا الكرد والعرب على حد سواء".

وأضافت أن: "جامعة الدول العربية صمتت على كل ما تعرضت له سوريا من احتلالات عسكرية مباشرة، أمريكية وروسية وإيرانية، كما صمتت صمت القبور على مئات الغارات الصهيونية التي استهدفت الأرض السورية".

وأكدت على أن: "موقف جامعة الدول العربية يعبر بجلاء عن مواقف الثورة المضادة والانحياز ضد تركيا، دون اعتبار لمصلحة سوريا شعبا وأرضا، ودون أدنى اعتبار لوحدة الأرض السورية، ما يؤكد أن هذه الجامعة لا تعبر عن الأمة وشعوبها وتطلعاتها".

الدكتور محمد سودان أمين لجنة العلاقات الخارجية لحزب الحرية والعدالة المصري، قال لـ"الاستقلال": "الجامعة العربية لا تمثلنا ولا تمثل أي عربي حر، حيث أن الجامعة لم تنتفض عندما هدمت بيوت أهلنا بسوريا ببراميل المتفجرات وهُجر أكثر من 4 ملايين ونصف سوري وقُتل قرابة النصف مليون".

وأضاف سودان: "وكذا أحداث اليمن وما فيها من قتل وتهجير، وعندما قتل السيسي الآلاف من الأبرياء، واعتقل عشرات الآلاف من معارضيه، وقتل الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، وعندما هاجم حفتر الأبرياء في طرابلس ودرنة بمعاونة إماراتية مصرية، وغيرها من المصائب التي حلت على الشعوب العربية من جراء حكام طغاة فاسدين، ولم يتحرك لها ساكنا".

وتابع: "الآن بعد أن بدأت تركيا بتطهير حدودها ممن يشاركون الكيان الصهيوني في العدوان على الأمة ويدعمون تجزئة الأراضي السورية، هنا استيقظت الجامعة العربية لتعارض تركيا على تحرير حدودها. "بئس الجمع هو جامعة الدول العربية التي لم تكترث يوما بشعوبها بل تعمل دائما على نصرة الحكام الطغاة".

صورة أرشيفية لرفع العلم التركي في باحات المسجد الأقصى

مواقف مخزية 

الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري، قال: "لم يكن موقف الجامعة العربية من عملية نبع السلام موفقا، فالجامعة لم تدين التدخل الروسي في سوريا، وكذلك الحال في موضوع التدخل الإيراني".

وعن الغياب عن مواضيع مصيرية مثل قضية القدس، أضاف الكندوري: "هذا ما يثبت بأن الجامعة العربية ليست مستقلة في قراراتها، ولا تمثل الرأي العام للشعوب العربية في الدول التي تمثلها".

وأكمل: "قضية مهمة وخطيرة مثل قضية ضم القدس للدولة العبرية بالقوة وبتفويض من الإدارة الأمريكية، لم يكن لها موقف بهذه الحدة مقارنة مع موقفها من عملية (نبع السلام) التي هدفها الأصلي إعادة السلام في تلك المنطقة، وإبعاد الإرهاب عنها، وإنصاف السكان العرب والأقليات الأخرى".

وشكل غياب الجامعة العربية عن مأساة سوريا منذ البداية محور نقد وتواطؤ، بالمقارنة مع الأزمة اليمنية التي سارع العرب لتشكيل تحالف هناك والتدخل عسكريا، وتسببوا في خسائر فادحة فيها على جميع المستويات، بداية من إزهاق الأرواح، إلى الفقر والمجاعات المستمرة. 

رضوان زيادة الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، ذكر في مقال له بعنوان "لماذا ماتت جامعة الدول العربية": "يُقال، في علم البيولوجيا، إن العضو الذي لا يستخدم يضمر. ويبدو ذلك صحيحا في علم السياسة، فالشخص الذي لا يقاتل من أجل صلاحياته داخل النظام السياسي يختفي، وربما ينتهي تماما، والمؤسسة أو الهيئة التي لا تلعب دورا حيويا في تنشيط النظام السياسي وتفعيله تضمر تدريجيا، حتى يضمحل دورها نهائيا".

وأردف زيادة: "يبدو ذلك صحيحا تماما بالنسبة لجامعة الدول العربية اليوم، المؤسسة التي ربما نحن اليوم بأشد الحاجة لها، فما يجري في المنطقة العربية ليس بالشيء الذي يحدث كل يوم، وليس من نوع الأحداث السياسية الصغرى".

مضيفا: "إنها إعادة ولادة نظام إقليمي جديد ووفاة النظام السياسي العربي التقليدي كما عرفناه عقودا، والمؤسسة المناط بها أن تلعب دورا في بناء هذا النظام السياسي العربي الإقليمي وتقويته غائبة تماما بأحسن الظنون، إذا لم نقل إنها لم يعد لها وجود عمليا".

الاجتماع الطاريء لوزراء الخارجية العرب

عجوز سبعيني

في مايو/ أيار 2016، كتبت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، عن جامعة الدول العربية: "يبدو أن هذا الكيان ينجرف بشكل أعمق، وأكثر من أي وقت مضى، إلى حالة من الضياع وفقدان الأهمية والمعنى، وأصبح مفهومها للتجديد أن يُستبدل أمينها العام الثمانيني بعجوز سبعيني، في تغيير فارغ بلا قيمة"، وتقصد بذلك وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط، الذي أصبح أمينا عاما للجماعة.

واختتمت المجلة تقريرها أن: "الجامعة العربية ليست وحدها في صراع مع نهاية عصر الأبطال وتآكل الأيديولوجية الجامعة بعد تنامي المد الوطني، ولكن على عكس الاتحاد الأوروبي، فقد فشلت في إيجاد آلية لإدارة الخلافات، وهي مشلولة أيضا بسبب الخلافات الطائفية والإقليمية"

وأبو الغيط رجل معروف بتصريحاته الكثيرة والمتضاربة، عن ملف الصراع العربي الإسرائيلي، ومناهضته لثورات الربيع العربي، كما دعم ترشيح عبد الفتاح السيسي لرئاسة مصر بعد انقلابه على الرئيس مرسي، واعتبر في تصريحات صحفية تلفزيونية أن: "مصر تحتاج لرجل كان مديرا للمخابرات الحربية مطلع على كافة الملفات ولديه القدرة على فهم الوضع الداخلي والخارجي لمصر".

وأشهر مواقف الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عندما كان وزيرا للخارجية كانت في لقاء مع التلفزيون المصري في الأسبوع الأول من شهر فبراير/شباط 2008، قبل أشهر من الحرب الأولى على غزة، عندما قال: "من سيكسر خط الحدود المصرية ستكسر قدمه" ووصف في ذات التصريح صواريخ المقاومة بأنها "كاريكاتورية ومضحكة".

ولاينسى المؤتمر الصحفي الذي عُقد في القاهرة بين أبو الغيط، ووزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسبي ليفني، الذي أعلنت فيه الأخيرة بدء الحرب على غزة، بينما وقف أبو الغيط صامتا، وهو ما عُد حينها علامة رضا عما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق الشعب الفلسطيني".