المظاهرات العراقية ليست كسابقتها

حسين صالح السبعاوي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعيش العراق منذ أيام حراكا ثوريا هو امتداد لما سبقه من حراك ومظاهرات قام بها العراقيون ضد الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال الأمريكي سنة ٢٠٠٣ إلى الآن، التي كان من أبرزها هو الحراك السني عام ٢٠١٣ ضد حكومة نوري المالكي آنذاك، ثم تلاه مظاهرات الجنوب العراقي وخصوصا في مدينة البصرة أقصى جنوب العراق.

لكن هذا الحراك الأخير هو انتفاضة عراقية وليس مظاهرات فهو مختلف عن ما سبقه من حراك سواء على مستوى الأداء أو على مستوى المطالب. 

يمتاز هذا الحراك بالأسلوب الثوري والزخم الجماهيري والكثافة في العدد مع الانتشار والتوسع الأفقي، بينما الحراك سابقا لم يكن يحمل أسلوبا ثوريا وكان محدود العدد وأيضا محدود الانتشار فإما تجده منطقيا أو فئويا. فمثلا مناطقيا تجده قد انحصر في المناطق السنية أو في بعض المدن الجنوبية.

كذلك ما يميز هذا الحراك في أدائه أن جميع القوى السياسية والمرجعيات الدينية لم تستطع اختراقه أو إيقافه ومن ثم إنهائه كما حصل في التظاهرات السابقة، حيث كانت المرجعيات الدينية وبعض القوى السياسية تدخل إلى التظاهرات وتسحب البساط من تحتهم من خلال بعض الوعود الكاذبة التي تعدها لهم.

وإن أكثر من أفشل المظاهرات السابقة من القوى السياسية هو التيار الصدري الذي كان يدخل على أي حراك بحجة نصرته ومن ثم يلتف عليه ويبطل مفعوله ثم يعود المتظاهرون بخفي حنين.

أما المطالب اليوم هي مختلفة كليا عن المطالب التي كان يطالب بها المتظاهرون سابقا فكانت المطالب إدارية وخدمية وفئوية وأحيانا شخصية مثل طلب الوظيفة وغيرها، أما في هذا الحراك فهي مطالب سياسية وهي إسقاط النظام وأدناه هو إسقاط الحكومة وقد تجلى ذلك من خلال الهتافات والشعارات التي رفعها المتظاهرون.

كذلك ما يميز هذا الحراك الوضوح في المطالب والشجاعة في تحديد المسؤولية التي وصل إليها العراق من بؤس وفساد وفوضى من خلال نقده للمرجعيات الدينية وكافة القوى السياسية المشاركة في الحكومة العراقية، بينما الحراك السابق كان خجولا في تحديد المسؤولية لما وصل إليه العراق وخاصة المرجعيات الدينية بل أحيانا كان يتوسل إليها لتدعمه في مطالبه.

كذلك الإصرار الذي امتاز به المتظاهرون في تحقيق مطالبهم السياسية رغم قساوة التعامل الأمني معهم من قبل قوات الجيش والداخلية والمليشيات الحزبية حيث بلغت الخسائر والتضحيات في هذا الحراك أضعاف ما بلغته المظاهرات السابقة، حتى نددت المنظمات الدولية بالأسلوب الوحشي الذي مارسته القوات الأمنية ضد المتظاهرون في استخدام القوة المفرطة والمميتة.

ومع كل هذا نجد الإصرار والثبات على مطالبهم بل حتى كسروا قرار حظر التجوال الذي فرضته الحكومة في بغداد وبعض المحافظات المنتفضة يوم ١٠/٣، أخيرا ما يميز هذا الحراك أنه انطلق من العاصمة بغداد وتشارك فيه الغالبية الشيعية وبمطالب وطنية وليست طائفية ولا فئوية بينما هذه المناطق كانت تعتبرها الحكومة؛ هي العمق الإستراتيجي لها  وللحكومات العراقية المتعاقبة منذ ٢٠٠٣ وإلى الآن، وتعتبرها الحاضنة لها وهي جمهورها السياسي والانتخابي، حيث كانت ولا زالت تستخدمه ضد خصومها من العرب السنة.

وقد تجلى ذلك في شحنهم ضد الحراك السني من خلال إثارة الطائفية (والدفاع عن آل البيت) وغيرها مما يمزق الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب العراقي، كما استخدمتهم أيضا في خلافاتها السياسية مع الأكراد في العراق.

إذا من خلال ذلك يتبين لنا أن هذا الحراك لم ينطلق من منطلق ديني أو طائفي بل هو حراك وطني جامع يمثل جميع مكونات الشعب العراقي.

أما الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدت لهذا الحراك فيمكن أن نجملها بما يلي:

  1. عدم وفاء الحكومة بوعودها السابقة للمتظاهرين.
  2. حالة الفساد المستشري في العراق أفقيا وعموديا وعلى أعلى المستويات في الدولة سواء في الحكومة أو في البرلمان أو في الهيئات المستقلة والتي أصبح من شبه المستحيل معالجته.
  3. عدم اعتماد مبدأ المواطنة في إدارة الدولة بل اعتمدت على مبدأ الطائفة والحزب في إدارة الدولة.
  4. الهيمنة الإيرانية على العراق التي أصبحت ظاهرة جلية لا يمكن إخفائها عن الشعب العراقي الرافض لهذه الهيمنة.
  5. الدور السلبي لرجال الدين في دعم السلطة وغض الطرف عن كل ما تقوم به من فساد وأحيانا تكون مشاركة له في الفساد.
  6. إهمال كبير للشباب وعدم الاهتمام بهم من خلال الوظائف وإيجاد فرص العمل لهم وخاصة خريجي الكليات بل وحتى أصحاب الدراسات العليا لم يجدوا عملا لهم.
  7. عدم الاهتمام بالبنية التحتية وتقديم الخدمات للمواطنين بصورة عامة مثل بناء المدارس والمستشفيات...
  8. بدأت الحكومة وأحزابها الطائفية باستهداف المؤسسة العسكرية وتهميشها من خلال دعم الحشد الشعبي ليكون بديلا عن الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، فقامت الحكومة مؤخرا بإقصاء الكثير من قيادات الجيش عن مناصبهم بحجج واهية علما أن هذه القيادات تمتاز بالمهنية في الأداء ولها حاضنة شعبية كبيرة. ومن أهم هذه القيادات الفريق عبدالوهاب الساعدي قائد عمليات جهاز مكافحة الإرهاب، واللواء نجم الجبوري قائد عمليات نينوى وقبلهم اللواء قائد عمليات الأنبار وآخرين من القيادات العسكرية البارزة.

كل هذه الأسباب أدت إلى انتفاضة الشعب العراقي ضد الحكومة، وارتفع سقف مطالبه من مطالب خدمية وإدارية إلى مطالب سياسية لتغيير الوضع السياسي في العراق، الذي حول العراق من دولة محورية مهمة عربيا وإقليما إلى دولة ثانوية مفتتة وممزقة تدين بالولاء لإيران وتستجدي المساعدات من الدول الأخرى رغم ما يمتلكه العراق من ثروات تكفي لأضعاف عدد سكانه وبمستوى معاشي راق لا يقل عن بقية دول الجوار النفطية.

لكن أبت هذه الحكومات الفاسدة المرتبطة بالقوى المعادية للشعب العراقي إلا بإذلال العراقيين من خلال القمع والسجن والتهجير والتمييز الطائفي والعرقي بين مكونات هذا الشعب العريق ليتسنى لها السيطرة عليه ونهب خيراته وتحقيق مصالح القوى المعادية التي مكنتهم من حكم العراق بعد احتلاله، ومن المضحك أن الحكومة العراقية تتهم المتظاهرين بالارتباط بالقوى الخارجية وهي من جاءت على ظهر دبابة المحتل الأمريكي  ! فحقا ينطبق عليها القول الشهير "رمتني بدائها وانسلت".