اتساع حلف الرذيلة

حسين صالح السبعاوي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لست متشائماً ولا خائفاً من هذا "الحلف الرذيل" رغم اتساعه وما يرتكبه من جرائم ضد الإنسانية، لكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن نصفها كما هي للقارئ، ولكي لا تختلط عليه الأوراق بسبب الماكنة الإعلامية التي يمتلكها هذا الحلف، وهي تشوّش عليه وتشغله في الحرب الكلامية والإعلامية بين أعضائه وخاصة بين "إسرائيل" وإيران، لكي تنقسم الأمة بين التصهين أو "التأيرن" إذا صح التعبير، وننسى الأهداف الإستراتيجية له في تدمير المنطقة وإعادة تقسيمها من جديد وفق سايكس بيكو جديدة تقوم بتقسيم المقسم ونهب خيراته، ليسهل عليهم السيطرة من جديد على المنطقة.

لقد بدأ هذا الحلف بالعمل والتوسع أفقياً منذ نهاية الحرب الباردة سنة ١٩٩١ بين حلف "النيتو" بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وبين حلف "وارشو" بزعامة الاتحاد السوفيتي سابقاً من جهة أخرى، فبعد نهاية هذه الحرب بينهما وخسارة حلف "وارشو" وتفكيكه وانتصار الولايات المتحدة وتفردها في قيادة العالم، تغيرت السياسة الدولية في التعامل مع الدول العربية عما كانت عليه سابقاً قبل التأريخ أعلاه.

ومن أبرز هذه التغيرات أن أمريكا انتقلت من سياسة الاحتواء والاستقطاب لعالمنا العربي إلى سياسة التبعية لها، فكانت هذه الدول لها مساحة من المناورة والتحالف مع أي القطبين العالميين، فمن  يجد أن  مصلحته لا تتحقق مع الأول يتحوّل إلى الثاني، أما الآن فلم تترك أمريكا أي مساحة للمناورة، فإما معي أو ضدي خصوصاً بعد أحداث برج التجارة الأمريكية سنة ٢٠٠١ لم تبقِ أي مساحة للمناورة السياسية، وهذا ما صرّح به الرئيس الأسبق جورج بوش الابن سنة ٢٠٠١ بعد التفجيرات التي حدثت في نيويورك، فمن يختلف مع أمريكا فهو إرهابي أياً كان فرداً أم جماعة أم دولة.

ومنذ هذا التاريخ دخل عالمنا العربي في تبعية مطلقة للولايات المتحدة وفي حربها على "الإرهاب" المزعوم، لكنه أي إرهاب...؟ هذا ما لا يجرُؤ أحد على تعريفه وتحديد من هو إرهابي، ومن هو مقاوم، ومن هو يطالب بالحرية ضد الطغيان والدكتاتوريات الحاكمة.

كما عادت أمريكا إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي في دعم الانقلابات العسكرية ضد الحكومات الشرعية مع إيقاف تصدير الديمقراطية للعالم العربي بعدما كانت تشجع عليها وتراقب ملف حقوق الإنسان في دولنا، فتخلت أيضاً عن كل هذا وذاك مع دعم غير مسبوق لكل دكتاتور يقمع شعبه ويقتله ويزجُّ أحراره في غياهب السجون دون محاكمات عادلة وشفافة بحجة "محاربة الإرهاب"!

من هنا بدأ "حلف الرذيلة" بالاتساع أفقياً وقد وجد أغلب الحكام العرب الفرصة لبقائهم في مواقعهم مقابل الانتماء لهذا الحلف، فتعهّدوا لأمريكا بالطاعة والتبعية ودفع الجزية (عن يدٍ وهم صاغرون) .

أما نتائج هذا الحلف، فتعتبر (إسرائيل) هي المستفيد الأول منه، وقد علت علواً كبيراً فجعلت من القدس عاصمة أبدية لها مع ذهاب النظام العربي للتطبيع حبواً معها، والتخلي عن فلسطين التي كانت هي القضية المركزية لهم فيما سبق، وتخليهم عن دعم المقاومة الفلسطينية ومحاصرتها في غزة مع تناغم كبير مع الصهاينة، وهذا واضح وجلي لكل متابع للشأن الفلسطيني من خلال الإعلام العربي الداعم للتصهين وللتطبيع.

ومن نتائج هذا الحلف هو تغوُّل بعض الأنظمة العربية لبعض الدويلات على حساب دول أخرى لها تاريخ وحضارة عميقة ومثال ذلك هو دُويلة الإمارات بزعامة محمد بن زايد، والتي لا يتجاوز عمر هذه الدُويلة لعمر شاب من شباب المقاومة الفلسطينية أو لعمر شاب من شباب دول الربيع العربي، فنجدها علت وطغت وتجبّرت على دول أكبر منها بعشرات المرات وأقدم من تاريخها بمئات أو بآلاف السنين.

كما نجد زعيمها الفعلي محمد بن زايد، ذلك الأعرابي المنتفخ كالليث -وهو قرد- يصول ويجول في عواصم الدول العربية ويشتري ذمم الخونة وبعض الجنرالات، وداعماً لكل خائن لأمته كما تجده يُشكل المليشيات الإرهابية على حساب الدول وجيوشها الوطنية، وهو يهدم كل بناء قائم، فأول ما هدم مجلس التعاون الخليجي، فقد مزقه إرباً إرباً، ولا يمكن لمجلس التعاون أن يلتئم خصوصاً بعد ما حرّض على قطر وحاصرها، كما دعم الانقلاب العسكري في مصر بزعامة حليفه السيسي، ولا يمكن حصر جرائمه في هذا المقال من كثرتها، ويكفي أن نقول إنه عاث في الأرض فساداً بما يملك من مال وحقد دفين على أمته، حتى أصبح من أفضل الأدوات التي تستخدمه الدول الكبرى المعادية للعرب والمسلمين، وهو يُنفذ أجندتها على أتم وجه، وقد أقنعته بأنه زعيم المرحلة وهو مُصدِّق بذلك.

حتى بدا العاقل فينا حيران لما يجري ولما يقوم به هذا الأعرابي، فبدل أن يُحرر جزر بلاده الثلاث المحتلة من إيران، تجده يذهب ويتدخل في شؤون الدول التي يُفترض أن تكون العلاقة بينهم إيجابية ومبنيّة على المصالح المتبادلة بينهما ضمن مشروع الوحدة العربية، لكن وعلى العكس نجده يُمزق كل مشروع وحدوي يخدم مصالح الشعوب، ولا يسع المقال لذكر جميع ما يقوم به ابن زايد، من تدخل سلبي في شؤون الدول الأخرى، وأكتفي  بذكر آخر غدرة له وما قام به من قصف للجيش الوطني اليمني، دعماً لمجموعة الانفصاليين ومليشياتهم، التي هو من أسسها وسلحها ضد الشرعية الوطنية اليمنية، والذي يُفترض أن يكون العكس، لأن الأصل في مشاركته ضمن التحالف العربي هو لعودة الشرعية التي انقلب عليها الحوثي، وليس الانقلاب عليها...؟!

لكن ينطبق عليه قول الشاعر:

إذا ملك الزمام صغار قوم ... فما بقيت بلاد أو ديار

وما لا يعلمه الكثير عن الإمارات، أنها لا تمتلك مقومات البقاء، حيث نشر أحد المراكز البحثية تقريراً عن تركيبة سكان الإمارات وتبيّن أن ٨٣ بالمئة منهم من الجاليات والمقيمين فيها، وأغلبهم من إيران بينما ١٧ بالمئة فقط هم السكان الأصليين، والذين لا يتجاوز عددهم اكثر ثلاثة ملايين بقليل، وبنظام حكم فيدرالي قبلي قابل للتفكك والانهيار أمام أبسط الأزمات.

أما إيران، فهي المنتمي وهي المستفيد من هذا الحلف، بل هي من مؤسسي هذا الحلف، فقد علت وتوسعت وأشعلت الحرائق في بلداننا العربية، وبأدنى الخسائر، وقد استخدمت الطائفية لمشروعها التوسعي الفارسي، فهي اليوم تسيطر على أغلب العواصم العربية من خلال حلفائها ووكلائها الذين أسرفوا في اتباعها، فقد تلقوا مشروع تصدير الثورة إليهم وقاموا بما تريد منهم إيران أكثر من الإيرانيين أنفسهم، بحيث أشعلوا النيران في بلدانهم ومزقوها خدمة للمشروع الإيراني، وقد أصبحوا أدوات بيدها ضد دولهم وأمتهم العربية التي ينتمون إليها.

إذاً إيران ليست كالعرب في "حلف الرذيلة"، فهي تأخذ ولا تعطي، وتحارب بالوكالة ولا تحارب بالأصالة، وهي تنهب الشعوب ولا تصرف عليها، فهي دولة بارغماتية وليست كما يتصورها البعض بأنها دولة رجعية، فهي تتقن التعامل مع العدو ومع الصديق في آنٍ واحد، وتتقن  التعامل مع القوي ومع الضعيف أيضاً، ويكفي دليلاً على ذلك بأنها تقاتل تحت مظلة الطيران الأمريكي في العراق وتقاتل تحت مظلة الطيران الروسي في سوريا!

فأي إزدواجية يحمل هذا النظام، وأي دهاء يمتلك الذي جعله يتعامل ويستفاد من دولتين كبيرتين ومتناقضتين ويحقق أهدافه  التوسعية.

وبعد هذا كله عن "حلف الرذيلة" المدعوم أمريكاً، لا أريد أن أذكر جميع الدول الأعضاء فيه، ولا يسع المقال لذلك، وأكتفي بهذه النماذج أعلاه، والتي تُعتبر من أبرز الأعضاء فيه ضمن المنطقة، لكن ما أريد أن أقوله إن هذا الحلف قابل للزيادة والتوسع، إلا أن عمره قصير، ولا يمتلك مقومات البقاء، لأنه بُني على  الباطل وما بُني على الباطل فهو باطل، {إن الله لا يصلح عمل المفسدين}.

كذلك هناك نقطة مهمة عن مشاركة الأنظمة العربية في هذا الحلف، وهي مهما كنتم في هذا الحلف، فما أنتم إلا أدوات في هذا المشروع القذر، حتى لو أنفقتم كل ما تملكون وأفنيتم شعوبكم وتصهينتم أكثر من الصهاينة، فلا يسمح لكم أن تتولوا من الأمر شيئاً، كذلك مهما تصهينتم، فلن تحميكم اسرائيل من إيران، لأنهم يتعبدون في بغضكم وهذا هو أصل عقائدهم، بل سيُلقى بكم في نهاية المطاف إلى مزبلة التأريخ وغير مأسوف عليكم.

أما شعوبنا العربية والإسلامية المطالبة للحرية والعدالة الاجتماعية، فنقول لهم {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون} ولا غالب إلا الله، وإن غداً لناظره قريب.