تجربة يتمناها باقي العرب.. لا أحد يعرف اسم رئيس تونس الجديد

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في آخر انتخابات رئاسية شهدتها تونس قبل ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، نافس الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي نفسه في انتخابات معلومة النتائج سلفاً بوجود مرشحين مزعومين لإخراج المشهد، في أجواء من القمع والتضييق على الحريات واعتقال كل أصوات المعارضة.

الأحد 15 سبتمبر/أيلول 2019 تشهد تونس ثاني انتخابات رئاسية مباشرة بعد الثورة في أجواء تعدُّدية وحالة انفتاح ديمقراطي مختلفة عما تشهده باقي الدول العربية، التي تعيش إما انتقالاً عبر التوريث في أنظمة حكم ملكية أو أخرى شبيهة بغلاف جمهوري، أو عبر انقلابات عسكرية لا دخل للشعب فيها سوى التضرر من نتائجها.

هذه الانتخابات هي السابعة التي يتوجّه فيها التونسيون إلى صناديق الاقتراع للاختيار، شهدت مظاهر جديدة لم يألفها التونسيون وتبدو غريبة على محيطهم، ما جعلها محلّ متابعة واسعة من المهتمين بمستقبل التجربة الديمقراطية في العالم العربي.

تعدّدية واسعة 

في 31 أغسطس/آب الماضي، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رسمياً عن قائمة المرشحين المقبولين نهائياً لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة الأحد 15 سبتمبر/أيلول الجاري، والبالغ عددهم 26 مرشحاً.

ونشرت هيئة الانتخابات على صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك" نموذجاً لورقة الاقتراع التي سيتمُّ اعتمادها في الانتخابات الرئاسية، وتتضمن ترتيب المرشحين وأسمائهم وصورهم.

عدد المرشحين قد يبدو متقارباً مع عدد المرشحين عام 2014 والذي بلغ 27 وقتها، إلاّ أنّ تنوّع المرشحين هذه المرة من داخل العائلة السياسية الواحدة قد يُؤدّي إلى تشتت الأصوات وتقارب النسب بين المرشحين، ما يجعل توقُّع النتيجة أمراً صعباً للغاية، وهو ما أكّدته استطلاعات الرأي الأخيرة.

زد على ذلك أنّ انتخابات العام 2014 جاءت في ظرفية سياسية تميّزت باستقطاب ثنائي حاد بين حكومة الترويكا التي تقودها حركة النهضة من جهة وحركة نداء تونس وحلفائها في جبهة الإنقاذ من جهة أخرى، ما جعل جُلَّ الأصوات تنحصر بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي والرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي.

هذه النتيجة كانت متوقعة خلال تلك الفترة على عكس ما تشهده الانتخابات الحالية من تعدُّدية واسعة وصعوبة توقع النتائج، وهو ما تؤكّده فاعلية الحملات الانتخابية إضافة إلى الرقابة العالية لحضور المرشحين بين مختلف القنوات ووسائل الإعلام.

ضوابط إعلامية

يمنع القانون الانتخابي التونسي تعليق الملصقات الانتخابية وصور المرشحين في خارج الأماكن التي يتمُّ تحديدها من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، كما تضبط الهيئة سقفاً أعلى للإنفاق لكل مرشح.

وتُقدّم الدولة مِنحة تُقدّر بِ 170 ألف دينار تونسي (الدولار يساوي 2.86 ديناراً) لكل مرشح لخوض الحملة الانتخابية على درجة من المساواة بين جميع المرشحين.

كما تتابع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وهي هيئة رقابة دستورية لقطاع الإعلام، تغطية مختلف وسائل الإعلام للحملة الانتخابية، حيث أعلنت الهيئة، في بيان 5 سبتمبر/ أيلول 2019، عن قرار مجلسها توقيع غرامات مالية على القنوات التلفزيونية "قرطاج+" و"نسمة" و"الوطنية الأولى" بسبب بثهم دعاية سياسية لمرشحين بعينهم.

وقدّرت الغرامة المالية على قناة "قرطاج +" بـ10 آلاف دينار لعمل دعاية لصالح المرشح محسن مرزوق، بعد استضافته في برنامج "مع الرئيس"، بتاريخ 26 أغسطس/ آب 2019.

كما قرَّر مجلس الهيئة توقيع غرامة 10 آلاف دينار على القناة الأولى (حكومية)، لبثها دعاية لصالح المرشحة عن الحزب الحر الدستوري عبير موسي. كما تمَّ تغريم قناة "نسمة" الخاصة 20 ألف دينار بسبب الدعاية لصاحبها نبيل القروي المرشح في الانتخابات والموقوف على ذمة قضايا تهرب ضريبي.

مناظرات تلفزيونية

ورغم هذه السلبيات إلا أنَّ وسائل الإعلام التونسية شهدت لأول مرة في تاريخ تونس عمل مناظرات مباشرة بين المرشحين. منذ مساء 7 و8 و9 أيلول /سبتمبر الجاري، تابع التونسيون والعرب سلسلة مناظرات تلفزيونية بين المرشحين لانتخابات الرئاسة.

المشهد أثار شعوراً بالفخر لدى كثير من التونسيين الذين يرون أنَّ بلدهم بات مرجعاً في الديمقراطية بالمنطقة، وتُشكِّل هذه المناظرات ذروة الحملة الانتخابية ونقطة تحوُّل في السياسة التونسية، قبل الانتخابات.

المناظرة الأكبر في العالم العربي جمعت 24 مرشحاً وتغيّب عنها اثنان فقط، نبيل القروي بسبب إقامته في سجن المرناقية وسليم الرياحي المقيم خارج البلاد بعد صدور أحكام بالسجن ضده في قضايا تبييض (غسيل) أموال. 

جرت المناظرات تحت شعار "الطريق إلى قرطاج. تونس تختار". واستمرت كل مناظرة ساعتين ونصف ساعة. وبُثت المناظرة الأولى مباشرةً على 11 قناة تلفزيونية بما في ذلك قناتان عامتان و20 إذاعة.

هذه المناظرات ساهمت في نقلة نوعية في شكل الحملات الانتخابية وتعاطي التونسيين مع المرشحين، حيث نقلت الحديث عن الأحكام المسبقة عن المرشح إلى نقاش أفكاره ومشاريعه وقُدْرته على تنفيذها، كما ساهمت في رفع الاهتمام بالمشاركة الانتخابية التي ستجيب عنها صناديق الاقتراع.

نزاهة الصناديق

الأحد 15 سبتمبر/أيلول وفي تمام الساعة السابعة صباحاً تفتح جميع مكاتب الاقتراع أبوابها أمام الناخبين في 24 ولاية تونسية، وقبلها بيومين فتحت أمام التونسيين المقيمين بالخارج في مقار البعثات الدبلوماسية.

بخلاف ما قبل الثورة، أصبح للعملية الانتخابية في تونس ضوابط تجعل عملية التزوير أمراً شبه مستحيل، إذ يُشرف على مكاتب الانتخابات موظفون مستقلون ليس لهم أي انتماء حزبي أو سياسي، يساعدهم عضوان آخران في كل مكتب، الذي يكون بحضور ممثلين عن المرشحين بالإضافة إلى مراقبين من مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية.

بعد انتهاء التصويت مساء الأحد 15 سبتمبر/أيلول، تُغلق صناديق الاقتراع بحضور مندوبي جميع المرشحين وتُفتح كذلك مع بدء عملية الفرز، وتمنع القوانين الحديث أو التأثير على الناخب داخل مركز الاقتراع، كما تمنع الناخب من التصويت خارج الخلوة أو إدخال هاتفه الجوال لتصوير ورقة التصويت لمنع عملية بيع الأصوات والمتاجرة بها.

يُعتبر الوجود في محيط مراكز الاقتراع ومحاولة التأثير على الناخبين مخالفة تستوجب العقوبة القانونية، عكس ما تشهده بعض الدول العربية من احتفالات رقص أمام اللجان الانتخابية احتفاء بمرشح النظام.

هذه الضمانات جربت خلال العمليات الانتخابية السابقة والتي قُوبلت برضا جميع المتنافسين تقريباً، وقبل الجميع بنتائجها دون اعتراض.