مصر الآن.. الملكية العسكرية المستترة

محمد سعد خير الله | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نحو التأسيس والترسيخ للملكية العسكرية المستترة (والتي ينقصها فقط الاعلان) كان لابدَّ وفي ذروة انشغال أكثر من ٨٠ بالمئة من الشعب المصري "بصراع لقمة العيش" والثلاث وجبات وعمل المستحيلات لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة (هندسة سحق هذا المجتمع) وما بين المسلسلات المفتعلة (بص العصفورة) للإلهاء ولتشتيت الانتباه وتفريغ طاقات الغضب على السوشيال ميديا والفضاء الإلكتروني، وإرهاب عليه الكثير جداً من علامات الاستفهام؟

كان لزاماً أن يخرج علينا الرئيس السيسي من وقت إلى آخر بقرار جمهوري بتخصيصِ مزيدٍ من الأراضي للقوات المسلحة والتي يحق لها الآن بموجب الدستور والقانون وضع اليد فوراً على أي قطعة أرض في أي محافظة بحجة (الأغراض العسكرية او للمنفعة العامة) "بعد أن قنَّن وشرعن "برلمانه المختار بعناية من قِبل الاجهزة" ذلك من قبل، وعلى سبيل المثال لا الحصر ومن واقع "بعض" القرارات الجمهورية (المنشورة بالجريدة الرسمية) بداية من توليه المسؤولية جاء ما يلي:

  • القرار رقم (٤٤٦) لسنة ٢٠١٥ وهو خاص بتنظيم القواعد الحاكمة للتصرف في الأراضي والعقارات المخلاة من خلال القوات المسلحة وهذا القرار تحديداً قبل أول انعقاد للبرلمان ويهدِف "لهندسة تقنين" كل ما سيتم بعد ذلك التاريخ، هدف القرار هو الابقاء على الأراضي "ملك الجيش" بعد الاخلاء واستغلالها بالشراكة مع أجانب ويُقنن القرار ويعطي الحق لجهاز المشروعات بالقوات المسلحة (حرية إنشاء شركات تجارية هادفة للربح).
  • القرار رقم (٥٧) لسنة ٢٠١٦ بموجب تخصيص"١٦ ألف و٦٤٥ فدان من الأراضي الواقعة جنوب طريق القاهرة السويس للجيش وهي الأراضي الخاصة "بالعاصمة الإدارية وتجمع زايد العمراني".
  • في ٢٣ يونيو/حزيران صدر القرار رقم (٢٧٠) لسنة ٢٠١٦ بتخصيص ٢٨١٥،١٤ من أراضي الدولة بمنطقة "غليون بكفر الشيخ" لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للاستخدام في الاستزراع السمكي.
  • في 4 يوليو/تموز ٢٠١٦ قرار جمهوري رقم (٣١٣) لسنة ٢٠١٦ بالموافقة على تخصيص ٦١٧٤،١٧ من أراضي الدولة لصالح الجيش  ونشر هذا القرار بعد اسبوع في الجريدة الرسمية "١٢يوليو ٢٠١٦".
  • قرار رقم (٢٣٣) لسنة ٢٠١٦ وهو القرار الخاص بتخصيص الأراضي بجانبي الطرق وبعمق ٢ كيلو متر على ٢١ طريق جديداً يتم إنشاؤها وإصلاحها "لوزارة الدفاع" على أن تُعتبر  (مناطق إستراتيجية ذات أهمية عسكرية ولا يجوز تملُّكها) ومنها الأماكن الإستراتيجية التالية على سبيل المثال:
  1. طريق طابا رأس النقب.
  2. طريق قنا سفاجا.
  3. طريق مطروح سيوة.
  4. محور الضبعة.
  5. الطريق الدائري الإقليمي من تقاطع طريق القاهرة الإسكندرية وحتى تقاطعه مع "طريق بلبيس.
  6. طريق العريش رفح. 

وهناك ١٥ طريقاً آخر لا يقل إستراتيجية يتضمنها القرار.

  • ١٥ يونيو/حزيران ٢٠١٦ وفي الجريدة الرسمية قرار بإعادة تخصيص ٣،١٧ كيلو متر مكعب من الأراضي المملوكة للجيش بالمشاركة مع "وزارة الإسكان" لتنتقل الملكية لصالح جهاز "الصناعات والخدمات البحرية التابع للجيش"، أي قرار "بكتف قانوني لإخراج وزارة الإسكان وتكون الملكية للجيش فقط".
  • وفي اليوم نفسه أيضاً ١٥يونيو/حزيران نشرت الجريدة الرسمية القرار الجمهوري رقم (٢٧٢) لسنة ٢٠١٦ بالموافقة على إعادة تخصيص قطعة أرض من أراضي الدولة مساحتها "١٢٨٤٦٣٨" كيلو متر مربع بالعين السخنة (أحد أهم وأغلى المناطق السياحية الإستراتيجية) لصالح الجيش بالنقل من الأراضي المخصصة للسياحة.
  • خلال شهر أغسطس/آب ٢٠١٦ القرار رقم (٣٣٢) لسنة ٢٠١٦ بإعادة تخصيص ١٠٧،٥٥ فدان من أراضي الدولة "بمثلث الديبة" غرب بورسعيد لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية (للاستزراع السمكي).

بالمناسبة وهام جداً للتسجيل بأنَّ مصر أحد أغلى دول العالم في أسعار "الأسماك" برغم وجود البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وعدد هائل من البحيرات أكبرها وأشهرها "بحيرة السد العالي" والمحظور بيع أسماكها؟

  • فبراير/شباط ٢٠١٧ قرار جمهوري رقم (٨٥) بالموافقة على تخصيص قطعة أرض بمساحة ١٣٥١ من أراضي الدولة جهة شرق النيل وذلك لاستخدامها في نشاط الاستصلاح والاستزراع.
  • القرار الجمهوري رقم (٨٦) لسنة٢٠١٧ بالموافقة على إعادة تخصيص مساحة ١،١٤١٢٥٤ فدان من الأراضي ملكية خاصة (أي نزع ملكية) لصالح الجيش.
  • 29 نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٨ وبالجريدة الرسمية قرار جمهوري بالموافقة على إعادة تخصيص٨٩١٠٢١ فدان من أراضي الدولة بالقاهرة لصالح "الجيش" وكذلك نص القرار على "إيداع الأبعاد والمساحات التفصيلية للأراضي في الشهر العقاري لتسجيلها".
  • وفي أكتوبر من العام نفسه ٢٠١٨ قرار بالموافقة على إعادة تخصيص (٣٤و٧١و٩٥) فدان على التوالي من أراضي الدولة في محافظة "مرسى مطروح" لصالح الجيش.

أما في العام الجاري ٢٠١٩ فهذه بعض ما جاء به من قرارات، وهي:

  • نشرت الجريدة الرسمية في عددها الصادر، يوم السبت، قرار رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي  رقم (٧) لعام ٢٠١٩ بإعادة تخصيص ١،٠٥ فدان تعادل "٤٤٣٢" من أراضي الدولة بناحية محافظة القاهرة ووفقاً للإحداثيات لصالح "الجيش" بالنقل من الأراضي المخصصة لهيئة التعمير والتنمية الزراعية.
  • وفي أغسطس/آب من الماضي أصدر الرئيس السيسي أحد "دُرر القرارات بالنسبة لهم "بإعادة تخصيص ٤٧ جزيرة" من أراضي الدولة بالبحر الأحمر لصالح الجيش على اعتبار أنها أراضي ذات أهمية عسكرية وحمل القرار رقم (٣٨٠) لسنة ٢٠١٩.

يُذكر أنَّ المعمول به في عهد الرئيس الراحل أنور السادات كان وضع اليد وبالتالي يبقى حق المجتمع "قائم في استردادها".

أما في عهد الرئيس السابق حسني مبارك فكان الوضع لا يزيد عن نسبة ٥ بالمئة مما يحدث الآن.

ووسط كل ذلك كان لابد من "نظرة حنان وامتنان للداخلية" فصدر القرار رقم (٢٣٤) لسنة ٢٠١٦ في ١٥يونيو/حزيران إعادة تخصيص مساحة ٢٤٤ فدان طريق القاهرة الفيوم "لمعسكرات الأمن المركزي".

ونُؤكِّد بأنَّ هذه القرارات جزء من الكل هي للمثال وليس للحصر أو كما يقال (غيض من فيض)، وكلها صدرت بالإعلان في "الجريدة الرسمية" وذلك بالمخالفة الصريحة والواضحة للدستور الذي ينص على أنَّ هذه الأراضي والثروات "ملكاً للشعب" وليست ممتلكات شخصية للسيد الرئيس يوزع منها كيفما شاء.

يحدُث ذلك في الوقت نفسه الذي وصلت نسبة احتكار الجيش للأنشطة الاقتصادية، بدأ من لبن وبسكويت الأطفال وحتى (الراقصات) في ملاهي الفنادق التابعة لهم وباختصار.

تمَّ احتكار كل شيء، من الممكن أن ينتج (رز) ولما لا فالدولة المصرية تمَّ اختزالها بالفئات المنعمة المرغدة و"الكوتة" الحاكمة (جيش شرطة قضاء إعلام رجال "إلا دين" مسلم أو مسيحي ومن ما يطلقون عليهم رجال أعمال وحملة الأختام وصكوك الموافقة "برلمانهم المطهو عن طريق الأجهزة).

وبمناسبة رجال الأعمال ولكي يتأكد للجميع إلى أين وصل الأمر فلقد تسرَّبت أخبار منذ عدة أيام عن اجتماع السيسي ببعضهم، وفي هذا الاجتماع تحدَّث الملياردير المعروف نجيب ساويرس والمحسوب عليهم، وقال نصاً: "الشغل كده مش نافع الجيش لا يدفع ولا ضرائب أو رسوم أو خدمات أو أي شيء يا نشتغل زي الجيش يا الجيش يشتغل زينا" وقد تمَّ تداول التصريح وانتشاره كالنار في الهشيم، وحتى كتابة هذه السطور لم يخرج الرجل بحسابه على "تويتر" لنفي هذا الأمر مما يُؤكِّد حالة التململ لدى كل شخص يعمل بالبزنس ولا يرتدي "الزي الكاكي" (الوصف هو للكاتب والمفكر السياسي أمين المهدى في بعض من ما يكتبه عنهم لتوصيف وتحليل الأوضاع).

ولكي يتمَّ تأسيس الجمهورية العسكرية المستترة  كما هو مقرر وممنهج كان لابد من غلق المناخ العام بالكامل وعسكرة كل شيء وأي شيء  وصل الأمر "للدراما والأفلام" وقريب جداً سيتمُّ عسكرة الماء والهواء والأكسجين في مصر إن أمكن، وسط بطش وقهر وتنكيل غير مسبوق بحق كل صاحب صوت حر شرفه الشخصي والانتماء وعشق هذا الوطن يمنعه بأن يصطفَّ في طوابير "الزومبي" من متملقي الجنرال فأصبح "سجيناً أو قتيلاً" تحت الطلب في الدولة التي يصنفها العالم الآن بأنها إحدى أكثر النُّظم استبداداً وفاشية في العصر الحديث، يحدث ذلك والفقراء يزدادون فقراً طبقاً لكل تقارير المنظمات الدولية التي تتمتع بالنزاهة والشفافية للدرجة التي وصل معها الفقر المُدقِع إلى أكثر من ٧٠ بالمئة من مكونات هذا الشعب، أنتج ذلك تحلُّل وتفسُّخ مجتمعي أصبح معه هذا المجتمع على فوهة بركان من الممكن جداً أن ينفجر في لحظة لكم لا يوصف من الغضب الذي طال الجميع  المحافظات الدلتا الصعيد المدن القرى والنجوع والكفور، (سيناء والجريمة الكاملة والتطهير العرقي لأهالينا السيناوية وهذا تحديداً يحتاج إلى مقالات أخرى).

ولما لا وما المشكلة بأن يحدُث ذلك الانفجار فالنظام و"الكوتة الحاكمة" تستعد للانتقال إلى الحصن الحصين، العاصمة الإدارية الملاذ الأخير الذي يجهز بوتيرة متسارعة بقروض وفوائد فلكية (على كاهل الفقراء)، لأطول برج وأكبر كنيسة وأكبر جامع، والوزارات والهيئات ومقر الحكم ومقر المجلس العسكري "الأوكتاغون"، وأحدث وسائل الترفيه والملاعب والمستشفيات حتى "المنوريل" الذي سيتكلف ٤،٥ مليار دولار، في "البلد الفقيرة أوي" كما قال سيادته، وأقترح عليهم لتوفير الوقت والجهد الحصول على موافقة (الحليف السعودي الأمير منشار) بإقامة مجسم للكعبة (للحج والعمرة) لو لزم الأمر ولمن يرغب من كبار وعلية القوم.

هذا هو جزء من واقع المحروسة القاهرة الساهرة، أو كما قيل بأحد أشهر الأفلام الكوميدية القديمة (لحسة من قعر الطبق) طبق السلطة وما به من سموم ومُر وحنظل وقهر وظلم وفساد وإفساد، وكل ما يمتُّ للتدني والسقوط بالقواميس العربية.

للتسجيل أثناء كتابة هذا المقال تفجَّرت فضيحة "المقاول الفنان محمد علي" وهي تأكيد لما أكتبه وأتحدَّث به في هذا المقال ومنذ فترة وهي سلسلة وجزء بسيط من فضائح أخرى قادمة (وسنتعرض لما قد تحدث وسيتحدث به المقال القادم).

هذا هو واقعنا فإلى متى؟ وهل يخرج ملح الأرض في القريب العاجل لقلب هذه المعادلة ؟ أم يأتي علينا يوم "عما قريب" لن يكون أمامنا إلا التندر على كل ما كان جميل بها وسط حكاوي وجلسات النوستالجيا.