مجلة فرنسية: هذه أسباب عجز تحالف أبوظبي الرياض عن تغيير المنطقة

12

طباعة

مشاركة

سلطت مجلة "ماريان" الفرنسية، في مقال للأكاديمي في جامعة بروكل الحرة سيباستيان بواسوا، الضوء على انشغال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة انتخابه، وتأثير ذلك على التحالف الثنائي والسياسة التي تنتهجها كل من السعودية والإمارات في الشرق الأوسط.

وقال الكاتب في مقاله، إنه "منذ ستة أشهر في الشرق الأوسط لا توجد مواقف ثابتة، فإعلان الإمارات قبل أسابيع عن إعادة انتشارها عسكريا في اليمن قد يمثل نقطة تحول في الإستراتيجية التي وضعها محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، من أجل السيطرة على المنطقة".

يتوخى الحذر

وتساءل بوسوا، قائلا: "هل في ظل التركيز الأمريكي على الشؤون الخاصة قبيل الانتخابات الرئاسية هل ستتحول الإمارات من معسكر الحرب إلى المعسكر الدبلوماسي؟"، مشيرا إلى أن: "محمد بن زايد يبدوا أنه يفضل توخى الحذر".

وذكر الكاتب: "أنه في ظل سعي ترامب للتركيز قريبا على السياسة الأمريكية، خلال الفترة التي تسبق الانتخابات العام المقبل، فإن الانقسامات الأولى بدأت تظهر في المحور الإماراتي السعودي بالعالم العربي".

وأضاف: "لم يؤد الموقف القوي تجاه إيران والضغط الاقتصادي الذي يمارسه الرئيس الأمريكي على طهران إلى زعزعة ما يشبه الاستقرار المنهجي حتى الآن، بل على العكس تماما، طهران لا تتردد في التصعيد في حين أن الأمريكيين، الذين تطاردهم الإنجليزية بشغف بحثا عن اتفاقيات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يريدون الإفراط في عسكرة مياه الخليج".

وتابع الكاتب: "كل ذلك يزيد من خطر وقوع حادث كبير، وأنه بسبب زيادة المبالغة في التهديدات، قد يصبح مضيق هرمز وشواطئه موطن حرب خطيرة لا يريدها أحد بالفعل".

ولفت بوسوا إلى أن "ترامب لا يبدو أنه لن يفعل أكثر من ذلك ويعلن عن استئناف المفاوضات مع طهران، بعد أن أغلق باب الصفقة النووية الإيرانية العام الماضي، كما لا يمكنه أيضا الدخول في حرب دون خيانة ناخبيه، وهو الهاجس الحقيقي الوحيد، بعد أن دفعه إلى هذه الأزمة اثنين من أهم معاونيه مايك بومبيو وجون بولتون، اللذان جعلاه في موقف عدواني وعاجز".

لا يملك حلا

وفيما يخص محور تطويق إيران، الذي كان يعول فيه أيضا على المصريين والإسرائيليين، فإن الكاتب رأى أنه "ترامب يبدو أنه لا يملك حلا، ويمكن أن يعول في قراره بعدم مهاجمة إيران في اللحظة الأخيرة قبل بضعة أسابيع، إلى استحالة قيامه بتأسيس تحالف أوسع من شأنه دمج الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، ما كان سيعزز موقفه أكثر في حالة العودة إلى طاولة المفاوضات".

ونوه إلى أن" الخبراء العسكريين في واشنطن والرياض وأبوظبي ليسوا على دراية بالطبيعة المدمرة للانتقام الإيراني الشامل وهو نفس السيناريو الذي تهدد به كوريا الشمالية كوريا الجنوبية، في حين أن الأوروبيين مهتمين بشكل رئيسي بتنفيذ آلية تجارية فعالة، مع الروس والصينيين، لحماية شركاتهم من آثار العقوبات الأمريكية، وتقديم الدعم الاقتصادي للإيرانيين للمحافظة على بقايا الاتفاق النووي".

وتساءل الكاتب مجددا: "في الوقت الذي لم يتخل فيه ترامب عن الضغط أو شن هجوم على طهران، كيف يمكن تحريك موقف إيران في ظل هذا التشدد؟ فبالنسبة للأخيرة فهي تمارس منذ أسابيع، أقصى ضغط لها من خلال تذكير العالم الذي يعتمد على النفط والغاز الإقليميين، بأن مضيق هرمز سيظل في الغالب منطقة إستراتيجية خاضعة لها".

ولفت الباحث الفرنسي إلى أن هذه الممرات البحرية التي يبلغ طولها 40 كيلومترا يمر من خلالها 1/5 من الذهب الأسود في العالم ونصف كمية الغاز الطبيعي، لا يمكن لترامب المجازفة إذا ما سعت طهران إلى إغلاق المضيق.

وأكد، أن" أمريكا تتذكر التاريخ جيدا، وأبرز أحداثه وهو انتصار الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بعد تأميم قناة السويس عام 1956، وفشل الإنجليز والإسرائيليين والفرنسيين والأمريكيين في استعادة السيطرة على القناة، وفي الحقيقة، لا أحد يعرف حقا ما تريده طهران، أي متشددو النظام الذين يستفيدون دائما من العقوبات".

التراجع تدريجيا

ورأى الكاتب، أن "الرهان الآمن بالسنبة للرئيس الأمريكي هو التراجع تدريجيا وبحكمة في انتظار الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل، فمن غير المجدي بالسنبة له المخاطرة بهذه الحرب قبل إعادة انتخابه وخسارة البيت الأبيض، في ظل جملة أمور منها عدة لوائح اتهام تنتظره".

وأوضح، أن "من الناحة الأخرى إذا خففت الولايات المتحدة الضغط على طهران، فقد تضطر السعودية والإمارات، وهما حليفتان قويتان لأمريكا في المنطقة، على الرغم من خلافهما حول الطريقة المستخدمة ليصبحا قيادة إقليمية، إلى إعادة النظر في جزء من إستراتيجيتهما بدءا من الحرب العنيفة في اليمن المستمرة منذ خمس سنوات، وخلفت ما يقرب من 100 ألف قتيل".

وشدد الكاتب على أن "أبوظبي والرياض بدون الولايات المتحدة لن يكونا قادرين على الاستمرار في تغيير المنطقة وحدهما، لذلك، قامت الإمارات، التي تتابع عن كثب أي أزمة في المنطقة، بتغيير إستراتيجيتها مؤخرا عن طريق الانفصال جزئيا عن اليمن، مع التركيز على تطوير سيطرتها على الموانئ البحرية في كل مكان حول مضيق هرمز، وتحقيق أكبر المكاسب قبل المخاطر الجيوسياسية الأمريكية عام 2020، فهي تسعى بوضوح إلى القيادة حتى لو كان ذلك يعني فقدان الحليف السعودي".

التأثيرات السلبية

ولفت بوسوا إلى أن" أبوظبي مستمرة في تمديد سلطتها الاستبدادية والعسكرية على جزء كبير من أنظمة الانتقالية من الجزائر إلى تونس، عبر السودان والقرن الإفريقي وليبيا واليمن لكنها تدعم هذه المرة الحل السياسي، كما حدث مع إيران: ذهب وفد من الإماراتيين إلى طهران قبل بضعة أسابيع، وهو أمر لم يمكن تصوره قبل ستة أشهر".

وبيّن الكاتب، أنه" فيما تواصل السعودية مجزرتها في اليمن وإصلاحاتها الاجتماعية، فهم الرجل القوي في الإمارات المعروف أيضا باسم (مبز)، أن الحل العسكري لا يمكن أن يستمر، وبالإضافة إلى ذلك، أدرك أن السيطرة على (ريملاند) - أي أن إستراتيجية التحكم في الموانئ البحرية – له نفس أهمية إستراتيجية البلدان القوية التي قاتلت لسنوات من أجل معاقل، بعض المحاور الإستراتيجية عالمية، مثل أفغانستان".

وأردف: " بالتالي إذا انفصلت الجنوب عن اليمن، فمن الرهان الآمن أن تنتهز أبو ظبي الفرصة والاقتراب من محاولة السيطرة على الميناء الموجود في عدن ذي الأهمية الإقليمية".

وأكد بوسوا، أنه" بالنسبة لمحمد بن سلمان، الذي تعامل معه بالفعل دونالد ترامب كملك مستقبلي، فسيتعين عليه مواصلة فرض قبضته حتى لا يفقد ماء وجهه، ويعزز علاقاته مع إسرائيل للحفاظ على جبهة مشتركة ضد إيران، حتى إعادة انتخاب ترامب، وأيضا مواصلة الضغط على قطر، من أجل أن يبقى طالب مثالي في نظر كفيله".

تريد الريادة

وأشار إلى أنه على عكس الإمارات، التي تواصل نجاحها بعد قيادتها للثورة المضادة لـ"الربيع العربي"، إذ قضت عمليا على جميع أنظمة الإخوان ومؤيديهم، فإن السعودية تتعثر وهي في خطر اقتصادي بسبب تكلفة الحرب في اليمن وعدم وجود تنويع اقتصادي.

وتساءل بوسوا: هل يمكن أن تضطر السعودية إلى تقديم الولاء لتابعها السابق؟، مجيبا كل شيء ممكن بهذه المنطقة، فربما تحاول أبوظبي أن تصبح رائدة إقليمية بدلا من الرياض، ولكن أيضا الوسيط الذي لا غنى عنه، والمنافسة على هذا اللقب مع قطر، منوها أن الأمر قد ينتهي بالشقيقين ابن زايد و ابن سلمان إلى القتال من أجل قيادة حقيقية، ووضع مصالحهما المشتركة، وجماعية الوزن الجيوسياسي جانبا، لإحياء ما أصبح من اختصاص المنطقة "قتال الغرور".

واختتم الكاتب مقاله بتساؤل أخير: هل ستبقى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2020، قادرة على أن تظل سيدة وحش فرانكشتاين - رواية كتبتها الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي - التي ساعدت على إنشائه من خلال رمي شباكها لبضع سنوات على هاتين الدولتين اللتين تمثلان هذا المحور السني الذي يبدو لنا أكثر خطورة حتى الآن على استقرار المنطقة من العدو الفارسي الوحيد؟