عطا الله السعيد: لهذا تزداد قوة التجمع العربي بـ"العمال البريطاني" (حوار)

اختيار حزب المحافظين البريطاني لبوريس جونسون رئيسا للحزب ومن ثم إعلان وصوله الرسمي إلى "10 داونينج ستريت" مقر رئاسة الحكومة البريطانية، أحدث زلزالا سياسيا في الأوساط البريطانية.
زعيم حزب العمال المعارض جيريمي برنار كوربين يطالب بتشكيل حكومة انتقالية والذهاب إلى انتخابات مبكرة لاختيار رئيس جديد للحكومة يختاره الشعب في وقت تمر فيه المملكة المتحدة بمنعطف حرج في تاريخها إن لم يكن الأكثر خطورة وهو الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
عطا الله السعيد زعيم التجمع العربي داخل حزب العمال البريطاني تحدث في حواره مع الاستقلال حول مستقبل بريطانيا مع جونسون، ودعوات الانتخابات المبكرة، وأوضاع الجالية العربية والمسلمة في ظل الحكومة الحالية.
- بداية كيف ترى وصول بوريس جونسون كرئيس للحكومة البريطانية؟
وصول بوريس إلى رئاسة الحكومة جاء في وقت تتخبط فيه السياسة البريطانية. في إنجلترا حاليا ينقسم الشمال والجنوب على البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي، فالشمال الفقير الخاسر الأكبر من الخروج يطالب بالخروج والجنوب يطالب بالبقاء.
الشمال اختار هذا الموقف انتقاما من المؤسسة الرسمية بسبب تجاهلها له على مدار عدة قرون دون عمل أي شيء لإنماء هذه المناطق ومساعدتها وما زاد من معاناتهم سياسة التقشف التي اتبعتها حكومة المحافظين منذ وصولها للسلطة عام 2010.
لكني أؤكد أن سياسة جونسون لن تساعد هؤلاء على الرغم من أنه يتلاعب بمشاعرهم ويوهمهم بأنه يعمل على تحقيق مطالبهم بالخروج من السوق الأوروبية.
- في ظل ما يمارسه جونسون من تضليل وخداع للرأي العام من وجهة نظرك؛ ما حقيقة ما دعا له رئيس حزب العمال المعارض لتشكيل حكومة تسيير أعمال، كيف ترى مستقبل هذه الحكومة؟
السبب الرئيسي لدعوة جيرمي كوربين لتشكيل حكومة ائتلافية هو فقط لإيقاف بوريس جونسون من تنفيذ مخططه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وذلك لأن السيد كوربين وحزب العمال يرى أن هذا الخروج سيكون مضرا بالاقتصاد البريطاني والمتضرر الأكبر هو الشريحة الكبرى من الشعب المتمثلة في الطبقة العمالية.
كوربين يرى حال حدوث اتفاق بين أحزاب المعارضة فإن خطته تصب في مصلحة الجميع وتحديدا المطالبين بعقد استفتاء ثان، فلو جرت انتخابات أو استفتاء سيكون استفتاء للشعب البريطاني بما يريده.
وحسب معلوماتي فإن الحزب الوطنى الأسكتلندي وأحزاب أخرى جميعهم متفقون مع رؤية كوربين، لكن للأسف زعيمة حزب الليبراليين قالت إنها لن تشارك في هذه الحكومة، وهذا ربما يضعف من التحالف لإنشاء الحكومة الائتلافية.
- إذا استطاع حزب العمال أن يذهب بالبلاد إلى انتخابات مبكرة هل ستكون هذه الانتخابات في صالحه؟
نحن كحزب دائما مستعدين لهذه الانتخابات ونحضر لها منذ أكثر من عام، هل سنفوز أم لا؟ هذا الموضوع في نهاية الأمر بيد الشعب البريطاني، لكن عليك أن تتذكر في 2017 قالوا إننا سنهزم هزيمة شنعاء وهذا لم يحدث، نحن نعول على ثقة الشعب بسياسات حزب العمال التي طرحها جيرمي كوربين والتي تصب في مصلحة الشعب.
- بالحديث عن جيرمي كوربين، الرجل لديه شعبية في الأوساط العربية فهو داعم دائم لحقوق الشعب الفلسطيني، هل ترى هذا أثّر سلبا أم إيجابا على صورة الرجل لدى الناخب البريطاني؟
ليس لدى الناخب البريطاني هذه النظرة، لكن المشكلة الحقيقية في أن دعم كوربين للقضية الفلسطينية أثار اليمين المتطرف البريطاني المؤيد لإسرائيل، لك أن تتخيل أن جميع الصحف المؤيدة لإسرائيل وغير المتعاطفة مع العرب داخل بريطانيا عملت جنبا إلى جنب مع بعض المحطات التليفزيونية في تنفيذ حملة إعلامية شعواء لمحاربة كوربين والهجوم عليه بسبب هذا التأييد للقضية الفلسطينية.
لكن هذا لا يعني أن البريطانيين لا يعون مثل هذه الادعاءات المغرضة التي تقوم بها الصحافة اليمينية المشبوهة، لذلك نحن نرى أن هناك أعدادا كبيرة من البريطانيين وتحديدا في شمال بريطانيا وأسكتلندا وأيرلندا يعرفون حقيقة هذه السياسات.
- ما هو الدليل على أن الناخب البريطاني لا يتأثر بهذه الحملات الإعلامية القوية ضد كوربين وحزب العمال؟
نحن نستطيع أن نقول لك علي سبيل المثال مثلا في منطقة إيلنج حيث أعيش فزنا في 2015 بفارق 275 صوتا فقط، بينما في 2017 فزنا بفارق 13 ألفا و500 صوت، هناك عدد كبير من العرب والمؤيدين للقضايا العربية صوتوا لصالحنا بالتحديد.
هناك أصوات كثيرة لم تكن تصوّت في السابق ذهبت إلى صناديق الاقتراع وتحديدا الجالية العربية، كما أظن أن الشارع البريطاني يعي أن القضية الفلسطينية قضية محقة وأن جيرمي حين يؤيدها لا يؤيد فقط القضية الفلسطينية وإنما يؤيد حق جميع الشعوب في الحرية والاستقلال.
الجالية العربية
- عندما نتحدث عن الجالية العربية بصفتك زعيم التجمع العربي داخل حزب العمال البريطاني؛ هل لديكم إحصائية بأعداد العمال العرب داخل الحزب؟
لا توجد لدينا إحصائية الآن ولكن كانت أعدادنا قبل جيرمي بين 300 إلى 400 عضو، لكن بعد دخوله أستطيع أن أوكد لك أن أعدادنا تتجاوز الآلاف.
في السابق عندما كنا ندعو إلى الاجتماع كانت الأعداد بالكاد تتجاوز أصابع اليد ولكن الآن تحضر أعداد كثيرة وبات لدينا جيل من الشباب، عندما أسست المجموعة العربية كانت أعمارنا تتجاوز الأربعين، واليوم من يحضر الاجتماع هم من جيل الشباب.
أيضا اللجنة التنفيذية الحالية جميعهم من جيل الشباب وأساتذة في جامعات كامبردج، أكسفورد، ولديهم خبرة سياسية منهم من دخل الحزب قبل 5 أو 10 سنوات بالإضافة أن الأعداد التي انضمت بعد وصول جيرمي ليست فقط في لندن وإنما هناك أعداد أخرى تجاوزت الآلاف في مدن بريطانية أخرى مثل مانشستر وجلاسكو، لكننا لم نستطع أن نحصل على إحصائية لأنه ممنوع أن يكون هناك توجّه داخل الحزب على أساس العرق أو الدين.
- بالعودة إلى حكومة جونسون ومواقفه المتشددة من العرب والمسلمين؛ هل برأيك بات المسلمون والعرب في بريطانيا في خطر تحت حكم جونسون؟
لا نستطيع أن نقول إنهم في خطر، الفكرة أن معظم أعضاء حكومته معروفين بأفكارهم الرأسمالية اليمينية ومع ذلك لا أستطيع القول إنهم جميعا معادون للمسلمين والعرب، هم فقط لديهم مصالح اقتصادية وتجارية لأنهم يتعاملون مع إسرائيل من منطلق اقتصادي أكثر منه سياسي؛ لأن بعض الوزراء في حكومة جونسون ذهبوا إلى إسرائيل لإيجاد مصالح اقتصادية وليس من أجل أهداف سياسية.
- بالنسبة للاجئين والمهاجرين؛ هل يمكن أن تتغير سياسات بريطانيا تجاههم إذا استمر جونسون في الحكم؟
بالتأكيد هناك توجّه بالتضييق على القادمين إلى بريطانيا من الخارج وليس ضد المقيمين داخل بريطانيا فلا أستطيع القول إن من يعيش في بريطانيا ويحمل الجنسية البريطانية سيتم التضييق عليه إن كان مسلما أو عربيا، يعنى أنت مواطن بريطاني تتمتع بكامل الحقوق والواجبات.
هذه الأمور تحتاج إلى تشريع في البرلمان ولا أظن بما هو عند حزب العمال والمحافظين من أعداد في مجلس النواب لن يستطيع أي شخص تمرير أي من هذه المشاريع والقرارات داخل البرلمان، لذا لا أرى أنه سيكون هناك أي تغير في السياسات تجاه المواطن البريطاني سواء كان عربيا أو مسلما أو تركيا أو أي جنسية لكن إن كان سيحدث تغير سيكون تجاه القادمين الجدد من الخارج.
مستقبل بريطانيا
- كيف ترى مستقبل بريطانيا إذا ما أقدم جونسون على الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق كما هدد؟
جميع الاقتصاديين ومدير عام بنك إنجلترا قالوا إذا خرجنا بدون اتفاق سينهار الاقتصاد البريطاني والجنيه الإسترليني سيصبح لا قيمة له، فإذا وضعنا جميع هذه التصريحات والتأثيرات معا سنخرج بنتيجة واضحة تدل على أن بريطانيا في حال نفّذ جونسون مخططه سيكون هناك انهيار اقتصادي ليس فى مصلحة الشعب البريطانى بالتأكيد.
- فى استفتاء 2016 لعبوا على عواطف الشعب البريطاني، كانت هناك أكاذيب تم ترويجها، هل ينجح حزب المحافظين ودعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي في خداع الشعب مرة أخرى؟
ما حدث في 2016 أن هناك فئة كبيرة من الشعب البريطاني وتحديدا الفئة الصناعية فى الشمال البريطاني تشعر بالظلم منذ عهد تاتشر حيث تم إهمال الصناعات الثقيلة التى كان يعتمد عليها العامل البريطاني في السنوات الماضية ولم تقدم الحكومة البريطانية منذ ذلك التاريخ أى مساعدات لتطوير هذه المناطق لذا من صوّت في 2016 صوّت انتقاما من هذه الحكومة لأنه شعر أن الحكومات البريطانية المتتالية لم تعره أي اهتمام بالنسبة للتنمية لتحسين أوضاع هذه المناطق.
للأسف هذه المناطق غالبيتها مناطق عمالية تاريخيا تصوّت لحزب العمال وهى التي صوّتت للخروج وهذا دائما ما يحرج جيرمي كوربين عندما يريد اتخاذ قراراته لأنه يعلم أن ما يزيد عن 100 منطقة انتخابية عمالية صوّتت لصالح الخروج ولذلك هو دائما حريص على أن يرضي جميع الأطراف المؤيدة لحزب العمال وأظن أن هذه المنطقة أصبحت الآن تعي ما حدث وأنه ليس في مصلحتها الخروج دون اتفاق وأنها المتضرر الأول في حال حدوث ذلك.
- جونسون هدد بتعطيل البرلمان في مسألة البريكست، هل يستطيع فعل ذلك؟
حسب المشرعين البريطانيين الإجابة نعم، يمكن أن يغلق مجلس العموم (الغرفة الأولى للبرلمان) فمن صلاحيات رئيس الوزراء أن يعطي إجازة للبرلمان مثلا لمدة أسبوعين وهذا من حقه ولكن هذا سيؤثر على وضعه السياسي بكل تأكيد فهناك أعضاء كثيرون من داخل حزب المحافظين الذي يترأسه جونسون سيعترضون على تعطيل البرلمان وستحدث أزمة سياسية في بريطانيا فإذا كنا سنتحدث عن حق رئيس الوزراء نعم له حق، لكن هذا الحق لا يسمح له أن يتصرف بعنجهية.
- جونسون لم يأت بانتخابات مباشرة من الشعب وإنما باختيار من داخل حزبه بعد استقالة تريزا ماي، هل تتوقع نجاحه في أي انتخابات قادمة بعد تهديداته بغلق البرلمان؟
لو فرضنا الآن أنه تم سحب الثقة من جونسون أو محاولة تعطيله وهو يتحدث عن مشروع الخروج من الاتحاد الأوروبي، هذا سيزيد من شعبيته عند من يريد الخروج على أساس أنه يريد تنفيذ نتيجة استفتاء 2016 بالخروج، وهناك من يسعى لإفشاله، لكن إن خرجت بريطانيا بالفعل من الاتحاد الأوروبي وحدث انهيار اقتصادي فلا أظن أنه سيكسب الانتخابات وسيرحل سريعا.
- هل تتوقع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
بصراحة أنا أرى أن جونسون يقوم فقط بعملية تهويل لأن الأوروبين لم يعودوا لفتح التفاوض حول الأمر، فالتفاوض انتهى والآن حان وقت اتخاذ القرارات وجونسون يحاول فقط الضغط على الأوروبيين كي يرضخوا لمطالبه، وفي حال تم الرضوخ لمطالبه فسنخرج بما يحصل عليه جونسون، وإذا رفض لن نخرج بدون اتفاق فأي زعيم سياسي لن يستطيع تحمّل الخروج بدون اتفاق؛ لأنه كارثة اقتصادية للبلاد كما أشرت سابقا.